تحریرات فی الفقه: کتاب الطهاره المجلد 2

اشارة

سرشناسه : خمینی، مصطفی، 1309-1356.

عنوان و نام پديدآور : تحریرات فی الفقه: کتاب الطهاره / تالیف مصطفی الخمینی.

مشخصات نشر : تهران: موسسه تنظیم و نشر آثار الامام الخمینی(س)، 1378.

مشخصات ظاهری : ج 2

شابک : دوره 964-335-161-0 : ؛ 10000ریال: ج.1 964-335-138-6 : ؛ 37000 ریال (ج.1 ٬چاپ دوم) ؛ 12500ریال: ج.2 964-335-139-4 : ؛ 38000 ریال (ج.2، چاپ دوم)

يادداشت : عربی.

يادداشت : ج.1 و 2 (چاپ دوم: 1427ق. = 1385).

یادداشت : کتابنامه.

عنوان دیگر : کتاب الطهاره.

موضوع : طهارت

موضوع : فقه جعفری -- قرن 14

شناسه افزوده : موسسه تنظیم و نشر آثار امام خمینی (س)

رده بندی کنگره : BP185/2/خ8ت3 1378

رده بندی دیویی : 297/352

شماره کتابشناسی ملی : م 78-10611

[تتمة كتاب الطهارة]

[تتمة المقصد الأول في المياه و أحكامها]

المبحث السابع في ماء الحمّام

اشارة

و الكلام في المقام يتمّ في مواقف:

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 3

الموقف الأوّل في المراد من «ماء الحمّام»

فالذي هو المعروف و عليه الشواهد، أنّه ما في الحياض الصغار.

و أمّا احتمال كون ما في الخزانة مستقلا من ماء الحمّام، أو كون ما في الحياض مع ما فيها ماء الحمّام، فهو في حد نفسه غير بعيد، إلّا أنّ الاستعمالات في السنّة تورث تعيّن ما أرسله المشهور؛ ضرورة أنّ رواية ابن حبيب «ماء الحمّام لا بأس به إذا كانت له مادّة» «1» و غيرها مثل ما في «فقه الرضا» «2» كالصريح في ذلك.

و قد يشكل: أنّ تنزيله منزلة الجاري، يعطي أنّ المجموع ماء الحمّام؛ لأنّ مادّة الجاري من الجاري، فكما أنّ الماء الموجود بعنوان «المادّة» و «السائل على الأرض» هما هو الجاري، كذلك ما نحن فيه.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 378/ 1168، وسائل الشيعة 1: 149، الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 7، الحديث 4.

(2) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 86/ 4، مستدرك الوسائل 1: 194 195، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 7، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 4

و يدفعه: ما في «التهذيب» عن موسى بن جعفر (عليهما السّلام) في الحمّام أنّه قال: «إذا علم أنّه نصرانيّ اغتسل بغير ماء الحمّام، إلّا أن يغتسل وحده على الحوض فيغسله، ثمّ يغتسل» «1».

فإنّ المتفاهم منه، أنّه هو الموجود في الحوض.

هذا مع أنّ الخزائن البعيدة عن الحمّام، ليست من تبعات الحمّام، و لا يكون مياهها من ماء الحمّام أيضاً.

و أمّا ما في البالوعة، فهو و إن يصدق عليه «أنّه ماء الحمّام» و لكنّه خارج عن مصبّ المآثير و الأخبار.

بل لو كان المنصرف من «ماء الحمّام» ما يستحمّ به في

الحمّام، فهو ينحصر بما في الحياض الصغار، فالمراد من «ماء الحمّام» هو الموجود في محيطة المهيّأ للاستحمام به، و هو المراد في الروايات قطعاً.

و أمّا الماء المنبسط في أرض الحمّام المتّصل بالحوض المتّصل بالمادّة، فهو أيضاً من ماء الحمّام عرفاً، و به قال الأُستاذ في «مفتاح الكرامة» «2».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 223/ 640.

(2) مفتاح الكرامة 1: 64/ السطر 5.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 5

الموقف الثاني: فيما كان المتعارف من بناء الحمّامات في القديم و لدى عصر المآثير و الأخبار

و هذا علىٰ ما يظهر من الأخبار و من الأمر المفروغ عنه، أنّ بناءها لمّا كانت علىٰ وجود المخازن الثلاثة:

أحدها: الكبير الموجود فيه الماء الكثير، و كان الحمّامي يهتمّ بحفظ المياه فيه، و يحتاج الحمّام في تلك العصور إليه؛ لقلّة المياه و صعوبة الوصول له، و ربّما كان في بلد حمّام واحد، كما هو الآن كذلك في القرى و كثير من القصبات.

و ثانيهما: الصغير الموجود في داخل المحيط المتّصل بطريق خاصّ إلى الحياض الكبيرة، من غير لزوم كونه في السطح الأدنى منه؛ فإنّ الثقُب الموجودة بينها و بين تلك الحياض الكبيرة، كافية في إيصال الماء إليها، من غير الاحتياج إلى اختلاف السطوح، مع أنّ ذلك ممّا يحتاج إلى إعمال المصارف الكثيرة في بناء الحمّام، فلعلّ الأظهر أنّ سطوح هذه الحياض و المخازن، كانت واحدة.

و احتمال كون المخازن على سطوح الحمّام؛ لأنّها كانت من الأواني الكبيرة المنصوبة عليها، بعيد جدّاً.

و توهّم تقريبه بالاحتياج إليها في تسخين المياه في الشتاء، مدفوع بإمكان ذلك في الخزائن المساوية سطحها معها أيضاً، كما لا يخفى.

و أمّا الانبوب المتوسّط بين الخزائن الكبار و الحياض الصغار،

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 6

فليس سعته و ضيقه معلومين إلّا بالحدس؛ و أنّ تلك الطرق كانت

مثل ما هو الآن موجود، أو قريبة منه؛ فإنّ من المحتمل قويّاً كونها ضيّقة؛ للاحتياج إلىٰ تقليل المصارف، لقلّة المياه في مدينة الأخبار و بلاد المآثير؛ فإنّ رواياتها كلّها إلّا نادرة منها عن أبي جعفر و أبي عبد اللّٰه (عليهما السّلام) «1» فاحتمال سعة تلك الطرق بعيد جدّاً، مع الحاجة إلىٰ سدّها مراراً في أثناء الاستحمام، و لا يمكن ذلك إلّا في الثقب الضيّقة.

و أمّا الحياض الموجودة في محيط الحمّام، فلا يبعد كون بعضها أحياناً بالغاً إلى الكرّ، و لكن الظاهر انتفاء الكرّية في الأثناء، و لذلك كانت مورد السؤال و جعلت معتصمة مثلًا كما يأتي.

و أمّا الخزائن، فلا دليل علىٰ وحدتها في كلّ حمّام، فإنّ من المحتمل تعدّدها، و اتصالَ قسم من الحياض الصغار ببعض منها؛ لاختلاف جوانب الحمّام مع وجود الحياض الصغار في أكثر الجوانب، فالاحتمال المزبور قويّ جدّاً، و لا شاهد علىٰ كون تلك الخزينة تسع الأكرار من الماء، و تكون دائماً مملوءة من الكرّ.

فكون حمّام المدينة في السابق، مثلَ بعض حمّامات المنازل في اليوم، قويّ جدّاً؛ و ذلك لعدم تمكّن الحمّامي من المياه الكثيرة، حتّى يحتاج إلى الخزينة الكبيرة، بل احتياج الناس إلى الاستحمام كان كثيراً، و إذا يوجد ماء في الحمّام يشدّ إليه الرحال، و كثيراً ما يتّفق مراجعتهم إلى

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 148 150، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 7، الحديث 1 8.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 7

الحمّامات الفارغة عن المياه و عمّا يحتاجون إليه، و كلّ ذلك يعلم من التدبّر في حمّامات البلدان النائية عن العواصم في اليوم، و من النظر إلى حمّامات القرى، و كثير من القصبات، فلاحظ و تدبّر.

فتحصّل: أنّ تعيين

بعض الخصوصيّات كما يتراءىٰ من كلمات جمع من الأعلام «1» غير قابل للتصديق جدّاً.

ثمّ إنّ المحكيّ من بعض المشايخ المعاصرين أنّه يقول: «بناء الحمّام في تلك الأعصار، كان ما يسمّىٰ ب «الدوش» في هذا العصر» «2» انتهىٰ.

أقول: هذا في حدّ نفسه ممّا لا بأس به، إلّا أنّه دعوى بلا بيّنة و برهان، و يشهد لذلك اختلاف الفقهاء من العصر القديم في الشرائط الآتية، و هو لا يمكن في هذه الصورة، فتدبّر.

الموقف الثالث: في نقل الأقوال في المسألة

ففي «المعتبر» عن أصحاب أبي حنيفة، عنه أنّه قال: «هو بمنزلة الجاري؛ لأنّ النجاسة لا تستقرّ مع اتصال الأجزاء» «3».

و عن أحمد بن حنبل أنّه قال: «قد قيل: إنّه بمنزلة الجاري» «4».

______________________________

(1) التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 280، مهذّب الأحكام 1: 219.

(2) لم نعثر عليه.

(3) المعتبر 1: 42، بدائع الصنائع 1: 72، شرح فتح القدير 1: 69.

(4) المعتبر 1: 42، المغني، ابن قدامة 1: 31/ السطر 13.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 8

و في «المنتهىٰ» مثل ذلك عن الأوّل و الثاني «1»، و ما وجدنا في «الخلاف» تعرّضاً لماء الحمّام.

و أمّا أصحابنا، فقد انهيت أقوالهم إلىٰ خمسة أو ستّة؛ فالذي هو المشهور المعروف، و عليه دعاوي الإجماعات، بل يعدّ من الضروريّ؛ أنّه بمنزلة الجاري إذا كانت له المادّة «2»، فما يظهر من «المقنعة» من عدم تعرّضها للاتصال بها «3»، محمول على إهمال القيد الواضح.

و في اشتراط كرّية ما في المخازن قولان؛ المعروف و هو المشهور اعتبارها، كما في «الذخيرة» و هو ظاهر «المجمع» «4» و في «المدارك»: «أنّه مذهب أكثر المتأخّرين» «5».

و في «المعتبر» و تبعه جماعة ك «الدلائل» و «الذخيرة» و «حاشية المدارك» عدم اعتبارها «6»، و لعلّه يظهر كما

قيل من إطلاق «الوسيلة» و «المراسم» و «الشرائع» «7».

و في اشتراط كرّية مجموع ما في الخزائن و الحياض قولان؛

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 6/ السطر 24.

(2) لاحظ جواهر الكلام 1: 95.

(3) لم نعثر علىٰ مباحث ماء الحمّام في المقنعة، انظر مفتاح الكرامة 1: 64/ السطر 14.

(4) ذخيرة المعاد: 120/ السطر 17، مجمع الفائدة و البرهان 1: 258.

(5) مدارك الأحكام 1: 34.

(6) المعتبر 1: 42، لاحظ مفتاح الكرامة 1: 64/ السطر 20، ذخيرة المعاد: 120/ السطر 21.

(7) مفتاح الكرامة 1: 64/ السطر 19، الوسيلة: 72/ السطر الأخير، المراسم: 37، شرائع الإسلام 1: 4.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 9

المحكيّ عن بعض المتأخّرين، الإجماع على اعتبارها «1»، و هو المحكي عن «فوائد القواعد» للشهيد الثاني «2»، و هو مختار «الروض» و «الكفاية» «3».

و في تقريرات درس المحقّق الوالد مدّ ظلّه نفي اعتبارها فيه أيضاً «4».

و عن أُستاذه في «مفتاح الكرامة» أنّه قال: «يشترط بلوغ المجموع كرّاً في عدم قبول النجاسة» أي الدفع «و كون المادّة كرّاً في التطهير إذا تنجّس ما في الحياض» أي الرفع الخاصّ «5».

و قيل: باعتبار كرّية المادّة في رفع النجاسة على الإطلاق، من غير فرق بين نجاسة ما في الحياض و عدمه، و عدم اعتبارها في الدفع، بل يكفي كرّية المجموع.

و هذا التفصيل هو الظاهر بين المتأخّرين إلّا بعضهم «6»، و به صرّح الفقيه اليزديّ في «العروة» «7».

و قد حكي تفصيل آخر؛ و هو ما إذا تساوى سطوح المجموع أو اختلفت، ففي الأوّل يكفي بلوغ المجموع كرّاً، و في الثاني يعتبر كرّية المادّة

______________________________

(1) ذخيرة المعاد: 120/ السطر 31.

(2) مفتاح الكرامة 1: 64/ السطر 20.

(3) روض الجنان: 137/ السطر 15، كفاية الأحكام:

10/ السطر 2.

(4) الطهارة (تقريرات الإمام الخميني (قدّس سرّه)) الفاضل اللنكراني: 14 (مخطوط).

(5) مفتاح الكرامة 1: 64/ السطر 24.

(6) لاحظ مفتاح الكرامة 1: 64/ السطر 27.

(7) العروة الوثقىٰ 1: 41، فصل في ماء الحمّام.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 10

وحدها «1».

و عن «تحرير» العلّامة اعتبار زيادة المادّة على الكرّية، و لم يعيّن مقدارها، و لكن لا يبعد عدم كفاية الزيادة اليسيرة «2»، كما لا يخفى.

و في المسألة احتمالات أُخر، ربّما كانت أقرب إلى الأدلّة و الاعتبار من المذكورات، و من تلك الاحتمالات سقوط خصوصيّة الحمّام و لزوم العمل بالأدلّة المقتضية لانفعال الماء القليل.

أو إدراج المسألة في عمومات الماء الجاري واقعاً، لا تنزيلًا و ادعاءً، و لعلّه الأقرب.

الموقف الرابع: فيما ورد عن العترة الطاهرة في المسألة
اشاره

و هي روايات و طوائف

الطائفة الأُولىٰ: ما تدلّ على أنّ ماء الحمّام بمنزلة الجاري، من غير قيد و شرط:
اشارة

فمنها: ما في «التهذيب»: أحمد بن محمّد، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن داود بن سرحان قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): ما تقول في ماء الحمّام؟

قال: «هو بمنزلة الماء الجاري» «3».

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 112، مفتاح الكرامة 1: 65/ السطر 4.

(2) تحرير الأحكام: 4/ السطر 23، مفتاح الكرامة 1: 67/ السطر 1.

(3) تهذيب الأحكام 1: 378/ 1170.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 11

و توهّم إضافة «الوافي» شيئاً إلىٰ هذه الرواية غفلة.

نعم، في «الوافي» و «الوسائل» أنّ أحمد بن محمّد هو ابن عيسىٰ «1»، و لكنّ «التهذيب» خالٍ عن الإشعار به.

نعم، في القديم كنّا نقوّي، أنّ المراد من «أحمد بن محمّد» في «الكافي» و «التهذيبين» دائر بين الثقات، و لعلّه كذلك في «الكافي» و لكنّه في «التهذيبين» مشكل؛ لتعرّض الشيخ في مشيخة الكتابين لسنده إلىٰ أحمد بن محمّد بن خالد، و أحمد بن محمّد بن عيسىٰ، و لجماعة اخرىٰ من المسمّين بذلك «2»، من غير قرينة علىٰ واحد منهما، و كونه أحدهما- كما هو المتّفق عليه ظاهراً غير واضح؛ لوجود أحمد بن محمّد الكوفيّ المجهول في هذه الطبقة، و قد روىٰ بتوسّط العدّة عنه في «الكافي» كما في ذيل ترجمة محمّد بن الحسن بن جمهور القمي [العمّي] «3»، فراجع و تدبّر.

فصحّة الرواية اصطلاحاً، محلّ إشكال. نعم لا يبعد اعتبارها.

و منها: ما في «قرب الإسناد» بسنده عن إسماعيل بن جابر، عن أبي الحسن الأوّل (عليه السّلام) قال: ابتدأني فقال: «ماء الحمّام لا ينجّسه شي ء» «4».

و لا يخفىٰ ما قد يشكل في أصل الكتاب.

______________________________

(1) الوافي 6: 52/ 7، وسائل الشيعة 1: 148، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق،

الباب 7، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 10: 5 44، من المشيخة، الاستبصار 4: 297 306.

(3) جامع الرواة 2: 90.

(4) قرب الإسناد: 309/ 1205، وسائل الشيعة 1: 150، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 7، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 12

و أمّا أيّوب بن نوح أخو جميل، فهو ثقة.

و أمّا صالح بن عبد اللّٰه، فقد يشكل كونه الخَثْعَميّ الكوفيّ، حتّى يقال: بدلالة رواية ابن أبي عمير عنه على اعتباره أو حسنه، مع أنّ ذلك أيضاً غير واضح.

فالاتكال علىٰ مثلها غير جائز، إلّا علىٰ مذهب في حجّية خبر الواحد.

و منها: ما رواه «الكافي» عن بعض أصحابنا، عن ابن جمهور، عن محمّد بن القاسم، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال قال: «لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها غسالة الحمّام؛ فإنّ فيها غسالة ولد الزنا ..».

إلى أن قال: قلت: أخبرني عن ماء الحمّام، يغتسل منه الجنب و الصبيّ و اليهوديّ و النصرانيّ و المجوسيّ.

فقال: «إنّ ماء الحمّام كماء النهر، يطهّر بعضه بعضاً» «1».

و ابن جمهور هذا، هو الحسن بن محمّد بن جمهور، أو أبوه محمّد بن الحسن بن جمهور البصريّ، و قضيّة ما في «النجاشي» من «أنّه كان أوثق من أبيه» وثاقتهما، و مجرّد كونه يروي عن الضعفاء، و يعتمد المراسيل، لا يضرّ بذلك، خصوصاً بعد قوله: «ذكره أصحابنا بذلك، و قالوا: كان أوثق من أبيه و أصلح» «2» انتهىٰ.

______________________________

(1) الكافي 3: 14/ 1، وسائل الشيعة 1: 150، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 7، الحديث 7.

(2) رجال النجاشي: 62/ 144.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 13

و لعلّه هو الابن؛ لروايته عنه عن أبيه، و قد عبّر

عنه ب «ابن جمهور».

و يشكل دركه بواسطة واحدة؛ لما في ذيل ترجمة محمّد بن الحسن في «جامع الرواة» قال: «محمّد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد الكوفيّ، عن ابن جمهور، عن أبيه» «1» و إن كان في رواية الكلينيّ عن أحمد بن محمّد بلا وساطة العدّة «2» كما في ذيل ابن جمهور شهادة علىٰ إمكانه و قربه، فليتدبّر جيّداً، و المسألة لا تخلو من غموض.

و أمّا محمّد بن القاسم، فهو في هذه الطبقة ينحصر بابن الفضيل من أصحاب الرضا (عليه السّلام) الثقة الفاضل.

فالسند علىٰ ما بنينا عليه من أنّ تعبير الكلينيّ عن رجل بقوله: «بعض أصحابنا» يدرجه في المعتبرين معتبر، خصوصاً بعد كون الرواية مشهورة، موافقة لفتوى الأصحاب، و مورد الاستدلال، فإنّ كلّ ذلك يستلزم كون الرواة بعد ما عرفتهم من المعتبرين.

بحث دلالي للطائفة الأُولىٰ

و بالجملة: هذه الطائفة ظاهرة في أنّ ماء الحمّام من غير شرطيّة شي ء آخر مطهّر و معتصم.

نعم، في نفس التنزيل دلالة علىٰ أنّ المادّة المتّصل بها ماء الحمّام

______________________________

(1) جامع الرواة 2: 90.

(2) الكافي 3: 147/ 3.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 14

لازمة، و لا سيّما بعد كون المتعارف وجودها كما عرفت «1»، فكما أنّ الماء الجاري معتصم من غير شرط، كذا إطلاق التنزيل و التشبيه يقتضي ذلك.

و أمّا التمسّك بخصوصيّات الحمّامات في عصر الصدور «2»، فمع عدم إمكان الاطلاع علىٰ جميع الجوانب و الجهات، لا يليق بالفاضل، فضلًا عن الفقيه العامل.

و توهّم: أنّ التنزيل من جهة، أو بعض الجهات، دون مطلقها، فلعلّه كان لأجل توهّم الناس، عدمَ تقوّم السافل بالعالي «3»، لا يخلو من تأسّف؛ لأنّ الاحتمال لا يورث قصوراً في الإطلاق، خصوصاً مثل هذا التنزيل

و التشبيه، و لا سيّما بعد كون الحكم في موقف التسهيل.

و دعوى الخزينة الواحدة المملوءة من المياه البالغة نوعاً إلى الأكرار «4»، بلا بيّنة و برهان، كما عرفت منّا من الاحتمالات في المخازن، و عدم قيام الشواهد علىٰ أحدها، بل الاستظهار يناسب تعدّد المخازن، و تكون هي غير كبيرة.

فجميع ما سمعت من الأقوال حسب هذه الطائفة ساقط جدّاً، إلّا ما عن الوالد المحقّق مدّ ظلّه- «5»، تبعاً «للحدائق» «6» بل

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 5.

(2) دروس في فقه الشيعة، القسم الثاني من المجلّد الأوّل: 238 و 239.

(3) نفس المصدر: 237.

(4) مصباح الفقيه، الطهارة: 13/ السطر 25، دروس في فقه الشيعة، القسم الثاني من المجلّد الأوّل: 239، مهذّب الأحكام 1: 218.

(5) تقدّم في الصفحة 9.

(6) الحدائق الناضرة 1: 204 205.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 15

و «الكفاية» «1» و في المحكيّ عنه: «أنّه مختار جملة من المتأخّرين و متأخّريهم» «2».

ماء الحمّام هو تمام الموضوع للحكم بالمطهّرية و الاعتصام

و ممّا مرّ يظهر: أنّ ما هو تمام الموضوع للحكم بالمطهّرية و الاعتصام، هو عنوان «ماء الحمّام» سواء كان في الحياض الصغار على المتعارف المذكور في الكتب الفقهيّة، و يستفاد أحياناً من حواشي الأخبار أو كان في الدوشات المتعارفة في العصر؛ فإنّ مخازن الحمّامات إذا كانت عاليات و في السطوح، فالاستفادة منها بالدوش ممكنة، من غير الحاجة إلى الحوض الصغير، و هذا هو أولىٰ بالمطهّرية و الاعتصام من غيره؛ لمساعدة العرف على عدم انفعال هذا الماء، لكونه كالمطر تكويناً و حقيقةً.

و دعوىٰ: أنّ ما هو كالجاري طبعاً و تكويناً، معتصم حكماً، دون ما هو كالمطر، غير مسموعة بعد الإطلاق المذكور.

و ما في كتب بعض فضلاء العصر؛ من الإطالة حول القضيّة الحقيقيّة أو الخارجيّة و

غير ذلك «3»، فهو من اللّغو المنهيّ جدّاً؛ لعدم الحاجة في فهم المسألة إلىٰ تلك الإطالة الفاسدة، كما لا يخفى.

______________________________

(1) كفاية الأحكام: 10/ السطر 2.

(2) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 187، الحدائق الناضرة 1: 205.

(3) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 188.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 16

فلا ينبغي الخلط بين الحقائق و المجازات، فلو كان المتعارف في البيوع أمراً خاصّاً، فهو غير موجب لصرف الإطلاقات إليها، أو إلى المبيعات المعيّنة و الأثمان المخصوصة، فالمدار علىٰ ما صدق عليه «ماء الحمّام» بشرط كونه متّصلًا بالمادّة، و لو كان من قبيل الدوشات في اليوم، و إن كانت المادّة قليلة.

و لو كان الأمر كما توهّم، لزم العسر و الحرج في حمّامات البلاد، و في حمّامات المنازل، فيما كانت الأواني الفوقانيّة غير متصلة بالمياه الكبار، كالفرات و نحوه، و يلزم اختصاص الحكم بحمّام البلد، دون القرى، أو بحمّام البلدان و القرىٰ، دون المنازل.

و لو لم يكن إطلاق، و كان الشرع يرىٰ ما يصنع في الحمّامات، و أمضاه بالسكوت، فيعلم منه أنّ الأمر أوسع؛ لإلغاء الخصوصيّة عرفاً عمّا اشتملت عليه الحمّامات، لاختلاف حالات مياه الحمّام حسب الأيّام و أوقاتها قطعاً، بعد النظر إلىٰ وهنها في تلك الأدوار و الأعصار، فلا تخلط.

أجنبيّة حديث تقوّي السافل بالعالي و غيره

و أمّا حديث تقوّي السافل بالعالي، و بالعكس، و عدمه مطلقاً، أو أصلًا دون عكس، كما قيل بكلّ ذلك «1»، فهو الأجنبيّ عمّا نحن فيه؛ لأنّ ذاك في الماء الراكد المتّصل بالانبوب مثلًا، دون الماء الجاري من الفوق إلى التحت، و منه إلى البالوعة؛ ضرورة أنّ العرف يجد مطهّريته، لأنّ

______________________________

(1) لاحظ الرسائل الفشاركيّة: 201، مهذّب الأحكام 1: 221.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 17

حقيقة التطهير ليست

إلّا تعانق الماء مع النجس، و حمله إلىٰ خارج محلّ النجاسة و موضعها.

و إذا كان ما في الحياض غير جارٍ إلى البالوعة، فهو أيضاً عندهم طاهر و معتصم؛ لما فيه من الجريان و التلاطم، كماء النهر، و اختلاف المادّة الطبيعيّة و الصناعيّة، لا يورث اختلافاً في الحكم عندهم بالضرورة، كما سيأتي تفصيله من ذي قبل «1».

ثمّ إنّ تفصيل البحث حول دلالة بعض هذه المآثير على اعتبار الكرّية في الماء الجاري فضلًا عن دلالتها علىٰ عدم اعتبار الكرّية في ماء الحمّام قد مضى، و قد نقلنا هناك ما أفاده الشيخ الأعظم الأنصاريّ (قدّس سرّه) في المسألة، و ذكرنا ما حوله من الخلط، فليراجع «2».

و منها: ما رواه «التهذيب» بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن فَضَالة، عن جميل بن درّاج، عن محمّد بن مسلم، قال: رأيت أبا جعفر (عليه السّلام) جائياً من الحمّام، و بينه و بين داره قذر.

فقال: «لولا ما بيني و بين داري ما غسلت رجلي، و لا يخبث ماء الحمّام» «3».

و في نسخة: «لا يجنب».

و في ثالثة: «لا تجنّبت».

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 31.

(2) تقدّم في الجزء الأوّل: 198 201.

(3) تهذيب الأحكام 1: 379/ 1173، وسائل الشيعة 1: 148 149، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 7، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 18

و في رابعة: «نحّيت» و الكلّ قريب.

و الظاهر منه: أنّه بصدد إفادة طهارة ماء الحمّام، و الذي هو الأظهر- و هو المناسب للصدر أن يكون قوله (عليه السّلام): «لا يخبث» أو «لا يجنب» دفاعاً عن توهّم ابن مسلم، و مناسباً للابتداء به بعد تماميّة الجملة السابقة، كما لا يخفى، و سندها معتبر، فما يظهر من

الأصحاب؛ من اختصاص الاعتبار في أخبار المسألة بالأُولىٰ، و هي معتبر ابن سرحان «1»، في غير محلّه.

و لعلّه يدلّ علىٰ أنّ مجرّد الاتّصال، يورث رفع خباثته؛ لأنّه بالاتصال يصير ماء الحمّام المقصود في الأخبار، و ظاهر قوله: «لا يخبث» ينافي بقاء خباثته بعد الاتصال، فتأمّل.

و منها: ما في «التهذيب» عن أحمد بن محمّد، عن أبي يحيى الواسطيّ، عن بعض أصحابه، عن أبي الحسن الهاشميّ، قال: سئل عن الرجال يقومون على الحوض في الحمّام، لا أعرف اليهوديّ من النصرانيّ، و لا الجنب من غير الجنب.

قال: «يغتسل منه، و لا يغتسل من ماء آخر؛ فإنّه طهور» «2».

و أمّا أبو يحيىٰ؛ سهيل بن زياد، فلا يبعد اعتباره؛ لقول النجاشي: «شيخنا المتكلّم» و لقول بعض الأصحاب في «النجاشي»: «إنّه ليس بكل

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 1: 204، الطهارة (تقريرات الإمام الخميني (قدّس سرّه)) الفاضل اللنكراني: 13 (مخطوط)، دروس في فقه الشيعة، القسم الثاني من المجلّد الأوّل: 235.

(2) تهذيب الأحكام 1: 378/ 1171، وسائل الشيعة 1: 149 150، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 7، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 19

الثبت في الحديث» «1» فإنّه يورث ثباته، إلّا أنّه لمكان تكلّمه كان يحكي بعض ما لا يقبله أرباب الخبر. هكذا ظنّي فيه.

و بعد التدبّر في كلام الغضائريّ: «أنّ حديثه نعرفه تارة، و ننكره اخرىٰ، و يجوز أن يخرّج شاهداً» «2» انتهىٰ، يعلم حسن حاله جدّاً، و لا سيّما أنّه سبط مؤمن الطاق، فلاحظ.

و قال في «جامع الرواة»: «لا يبعد كون بعض أصحابنا في المواضع المذكورة، هو هشام بن سالم، أو حمّاد بن عثمان» «3» انتهىٰ.

و لو فرضنا عدم صحّة ما أفاده، و لكنّ الظاهر أنّه من المعتبرين؛

لإصراره علىٰ إخفائه، و ذلك لإكثاره في الروايات هذه الكلمة، و في ذلك شهادة علىٰ حسن حاله، كما يشهد علىٰ حسن حال المرويّ عنه بتعبيره: «عن بعض أصحابنا».

و في قول النجاشي: «لقي أبا الحسن العسكريّ (عليه السّلام)» مع روايته بواسطة واحدة عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في «التهذيب» دلالة علىٰ أنّه عمّر، و اللّٰه العالم.

و أمّا أبو الحسن الهاشميّ، فهو من المهملين، و يحتمل كونه كناية عن موسى بن جعفر (عليهما السّلام) لأنّ ظاهر حال الراوي ابتلاؤه بالتقيّة شديداً.

و دلالتها واضحة؛ لما عرفت من أنّ التوصيف ب «الطهور» يدلّ علىٰ

______________________________

(1) رجال النجاشي: 192/ 513.

(2) لاحظ مجمع الرجال 3: 181.

(3) جامع الرواة 2: 425.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 20

زيادة على أصل الطهارة؛ و هي صفة المطهّرية «1»، و أمّا عدم انفعاله فيعلم بقرينة المقام؛ لأنّ النجاسة ترد عليه كما لا يخفى.

الطائفة الثانية ما دلّت علىٰ أنّ ماء الحمّام، معتصم إذا كان له المادّة

فمنها: ما رواه «الكافي» عن العدّة، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان بن يحيىٰ، عن منصور بن حازم، عن بكر بن حبيب، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «ماء الحمّام لا بأس به إذا كانت له مادّة» «2».

و مثله ما في «الفقه الرضويّ»: «ماء الحمّام سبيله سبيل الجاري إذا كانت له مادّة» «3».

و دلالتها علىٰ كفاية وجود المادّة من غير الشرط الآخر من الكرّية و غيرها أوضح؛ ضرورة أنّ تنوين التنكير يقتضي ذلك.

و قد عرفت: أنّ الطائفة الأُولىٰ، تدلّ على اعتبار المادّة و الاتصال بها، فلا حاجة إلىٰ تنقيح سند هذه الرواية: إمّا بالالتزام بأنّ منصور بن حازم، قد عمّر حتّى تمكّن من الرواية عن بكر بن حبيب المازنيّ، المتوفّى سنة

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل:

24.

(2) الكافي 3: 14/ 2، وسائل الشيعة 1: 149، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 7، الحديث 4.

(3) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 86، مستدرك الوسائل 1: 194 195، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 7، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 21

248 ه. أو الالتزام بأنّ بكراً كان من المعمّرين.

فيكون المراد من «أبي جعفر» على الأوّل هو محمّد بن عليّ التقيّ.

و على الثاني، محمّد بن عليّ الباقر عليهم الصلاة و السلام.

و الظاهر تعدّدهما، فما يظهر من الشيخ الأنصاريّ (رحمه اللّٰه) «1» لا يخلو من تأسّف.

و أمّا الاكتفاء برواية صفوان في الوثوق بالرواية لكونه مورد الإجماعين «2»؛ إجماع الكشّي «3»، و إجماع الشيخ في «العدّة» «4» فهو غير واضح، بل الذي حقّقناه أنّ إجماع الشيخ في «العدّة» ليس إجماعاً علىٰ حدة، بل هو نفس إجماع الكشّي «5»، فراجع.

الطائفة الثالثة ما يظهر منها أنّ ماء الحمّام من المياه الجارية موضوعاً

و يشهد لذلك قوله: «كماء النهر، يطهّر بعضه بعضاً» «6».

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري 1: 100.

(2) جواهر الكلام 1: 96.

(3) رجال الكشي 2: 830.

(4) عدّة الأُصول: 63.

(5) لعلّه في قواعده الرجاليّة و هي مفقودة.

(6) الكافي 3: 14/ 1، وسائل الشيعة 1: 150، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 7، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 22

و قوله: «سبيله سبيل الجاري» «1».

و يدلّ عليه قوله: «فإنّه طهور» «2».

فإنّ الحمل ظاهر في أنّه طهور حقيقة، لا بالتنزيل و الادعاء.

و يدلّ عليه فهم العرف و بناء العقلاء في المطهّرات؛ ضرورة عدم الفرق عندهم بين ماء النهر و هذا الماء، فإنّ كون المخزن في الأوّل طبيعيّاً، و في الثاني صناعيّاً، لا يورث الفارق بينهما حكماً بالضرورة و الوجدان، و مياه الدوشات مثل مياه المطر في

ذلك الأمر واقعاً.

و قد عرفت في الماء الجاري: أنّ المراد من «المادّة» في صحيحة ابن بَزيع أعمّ من المادّة الخاصّة، أو الموادّ المعيّنة و المشهورة عند العرف «3»، فعلى هذا تسقط خصوصيّة الحمّام، و تندرج المسألة في البحث السابق؛ و هو الماء الجاري.

و يدلّ عليه ما رواه «الكافي» «4» و «التهذيب» «5» عن محمّد بن إسماعيل، عن حنّان «6»، قال: سمعت رجلًا يقول لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّي أدخل الحمّام في السحر، و فيه الجنب و غير ذلك، فأقوم فأغتسل، فينتضح عليّ

______________________________

(1) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 86، مستدرك الوسائل 1: 194 195، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 7، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 1: 378/ 1171، وسائل الشيعة 1: 149 150، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 7، الحديث 6.

(3) انظر ما تقدّم في الجزء الأوّل: 183 و 195.

(4) الكافي 3: 14/ 3.

(5) تهذيب الأحكام 1: 378/ 1169.

(6) كذا في نسخة (منه (قدّس سرّه)).

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 23

بعد ما أفرغ من مائهم.

قال: «أ ليس هو جارٍ؟».

قلت: بلىٰ.

قال: «لا بأس».

فإنّه كالنصّ في أنّه لمكان كونه جارياً موضوعاً، نفي عنه البأس، و قد مرّ ما يتعلّق بها سنداً و دلالة في الماء الجاري، فراجع «1».

و توهّم دلالة صحيحة ابن سِرحان «2» على التنزيل «3»، في محلّه، لأمر فتوى أبي حنيفة و أصحابه بأنّه بمنزلة الماء الجاري كما عرفت «4».

و في قوله: «إذا كانت له مادّة» «5» دلالة علىٰ أنّ المراد من «المادّة» في الشرع ليس مادّة خاصّة، فالمدار علىٰ كون الماء ذا مادّة، و إذا كان سائلًا فهو الجاري موضوعاً، فيدلّ على اعتصام ماء الحمّام، جميعُ ما دلّ على

اعتصام الماء الجاري، و يشترك معه في الأحكام الآتية في محلّها إن شاء اللّٰه تعالىٰ «6».

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 199 200.

(2) تهذيب الأحكام 1: 378/ 1170، وسائل الشيعة 1: 148، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 7، الحديث 1.

(3) الحدائق الناضرة 1: 204.

(4) تقدّم في الصفحة 7.

(5) تهذيب الأحكام 1: 378/ 1168، وسائل الشيعة 1: 149، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 7، الحديث 4.

(6) يأتي في الصفحة 31 32.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 24

الموقف الخامس: في علاج المعارضة بين أخبار الكرّ مفهوماً و روايات المسألة

أمّا أصل التكاذب، فهو معلوم علىٰ ما بنىٰ عليه الأصحاب؛ من أنّ ماء الحمّام قليل لا ينفعل، و خارج عن أدلّة انفعال الماء القليل بالنصّ الخاصّ «1».

و يورد عليهم: بأنّ النسبة بين الأدلّة عموم من وجه؛ و ذلك لأنّ من الممكن قويّاً، اتحاد سطوح المخازن و الحياض الصغار، و كونُها في سطح أعلىٰ ليس من الأمر الواضح، حتّى يقال: بأنّ أدلّة ماء الحمّام واردة على الماء القليل غير المتقوّى بشي ء، ففيما كان ما في الحياض و المخازن كرّاً يتّفق الطائفتان، و فيما كان أقلّ تقع المعارضة بين الطائفتين.

و علاجها بإنكار كون النسبة عموماً من وجه، كما يظهر منهم؛ ظنّاً أنّ ماء الحياض و المخازن متعدّد عرفاً، فيكون خارجاً عن أدلّة الكرّ منطوقاً و مفهوماً، و الوحدةُ في الحقيقة أو تسامحاً غير كافية كما لا يخفى «2»، مدفوع بما مرّ.

______________________________

(1) جواهر الكلام 1: 96.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 13/ السطر 31.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 25

و هكذا علاجها بأنّ ترجيح أخبار الحمّام متعيّن؛ للزوم لغويّتها في العكس، لما عرفت في ماء المطر «1».

و قد يتوهّم حكومة هذه المآثير علىٰ تلك الطائفة؛ لأنّ المراد من التنزيل

هو الإدراج في الكثير ادعاءً، لأنّ الجاري و كلّ ما لا ينفعل يكون من الكثير، فيخرج عن مفهوم أخبار الكرّ بالحكومة.

و ما فيه غير خفيّ؛ لأنّ اطلاع الكثير على الماء المعتصم، ممنوع لغة، و غير ثابت في الشرع، فكون الجاري و ماء المطر كرّاً حقيقة أو في مصطلح الشرع، واضح المنع، فلا حكومة.

و دعوىٰ: أنّ ترجيح أخبار الكرّ، يستلزم التخصيص المستهجن، و لا عكس؛ للزوم خروج نوع الحمّامات، لاختلاف سطوح مياه الحياض الصغار مع ما في المخزن «2»، غير مسموعة؛ لعدم اطلاعنا علىٰ وضع الحمّامات في العصر الأوّل، و قد مرّ أنّ الأوفق بوضع الأسبق اتحاد السطوح «3»، فلا تغفل.

فعلى هذا، إن تمّ ما ذكرناه: من أنّ ماء الحمّام من الماء الجاري موضوعاً، و اختلاف مآثير الماء الجاري و الكرّ مرفوع، و قد مرّ تفصيله في محلّه «4»، فهو، و إلّا فتصل النوبة إلى العمل بأخبار العلاج، و حيث أنّ أخبار ماء الحمّام مورد الشهرة و موافقة لمذهب العامّة، يشكل الأمر

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 397 398.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 13/ السطر 34.

(3) تقدّم في الصفحة 5.

(4) تقدّم في الجزء الأوّل: 206 210.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 26

حولها.

فإن قلنا: بأنّ الشهرة في الأخبار العلاجيّة هي الشهرة الروائيّة، فلا ترجيح؛ لاشتهار الطائفتين، فتصل النوبة إلى الترجيح بمخالفة العامّة، فيتعيّن العمل علىٰ طبق مآثير انفعال القليل.

و إن قلنا: بأنّ المراد منها هي الشهرة الفتوائيّة، كما هو الأظهر، ففي كون المسألة من مصاديق الخبرين المتعارضين إشكال، بل منع جدّاً.

و مقتضى القاعدة سقوط الإطلاقين، و الرجوع إلى العامّ الفوقانيّ أو الأُصول العمليّة.

و قد مضى التحقيق في هذه المواقف في المسائل السابقة كراراً.

الموقف السادس: هل يختصّ ماء الحمّام بالتقوي بالمادّة

ظاهر الأكثر عدم

اختصاص الحكم بالحمّام، معلّلين: «بأنّ العرف لا يجد خصوصيّة في ذلك» «1».

و ظاهر الوالد المحقّق مدّ ظلّه، عدم جواز التعدّي؛ لاحتمال كون الأمر مبنيّاً على المساهلة، للزوم الهرج و المرج و المشقّة و الكلفة، و مع هذا الاحتمال القويّ وجداناً، لا يمكن إلغاء الخصوصيّة «2».

و قضيّة ما سلف منّا، عدم اختصاص الحمّام بحكم، إلّا من باب أنّه

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 41، فصل في ماء الحمّام، مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 192، دروس في فقه الشيعة، القسم الثاني من المجلّد الأوّل: 240.

(2) الطهارة (تقريرات الإمام الخميني (قدّس سرّه)) الفاضل اللنكراني: 14 (مخطوط).

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 27

أحد مصاديق الماء الجاري موضوعاً «1»، و لو ثبت هذا فهو، و إلّا فالتجاوز ممنوع.

و توهّم: أنّ الاحتمال المذكور يورث كون ماء الحمّام من باب العفو، لا الطهارة، في غير محلّه؛ لأنّ الطهارة العرفيّة في ماء الحمّام حاصلة، و العفو ينحصر بوضع لا يساعده العرف، كما في ماء الاستنجاء، فعليه لا بأس بالالتزام بطهارة ماء الحمّام؛ و اختصاص الحكم به.

ثمّ إنّه دام ظلّه بنىٰ على التجاوز؛ ظنّاً أنّ نصوص الحمّام تدلّ علىٰ إناطة الحكم بالمادّة المتّصلة، فلو كان الماء القليل متّصلًا بمادّة مشابهة لمادّة الحمّام، فهو أيضاً بمنزلة الجاري.

و أنت خبير بما فيه:

فأوّلًا: لعدم وجود التعليل في مآثير الحمّام، و مجرّد قوله: «إذا كانت له مادّة» لا يدلّ عليه، بل هو قيد مأخوذ لطهارة الماء في الحمّام؛ لأنّه لا يورث المشقّة و الكلفة الخارجة عن المتعارف.

و ثانياً: التصريح ب «المادّة» ليس في الأخبار المعتبرة عندهم.

نعم، بناءً علىٰ ما سلكناه، تكون هذه الأخبار شواهد على أنّ «المادّة» في صحيحة ابن بَزيع، أعمّ من المادّة الطبيعيّة و الصناعيّة.

و قد

يقال: بأنّ كلمة «ماء الحمّام» من العناوين المشيرة إلىٰ أنّ الماء الذي مثله و هو ما كان له المادّة الكذائيّة بمنزلة الجاري،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 10.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 28

و تكون لفظة «الحمّام» من باب أخذ المعرّف «1».

و فيه ما لا يخفى بعد ما عرفت: من احتياج ذلك إلى التوسعة و الإغماض حفظاً علىٰ أصل المذهب؛ و هي كونه على السهلة السمحة، فليتدبّر.

الموقف السابع: هل أنّ ماء الحمّام مطهّر عامّ أو خاصّ؟
اشارة

الظاهر من الأعلام، و إرسالهم كالمسلّمات، و عدم تعرّضهم للمسألة، أنّ ماء الحمّام مطهّر و معتصم كالماء الجاري علىٰ إطلاقه «2».

و من المحتمل قويّاً كونه كالشّمس مطهّراً خاصّاً، فكما أنّ الشمس لا تطهّر النواقل، كذلك الحمّام لا يطهّر إلّا المتنجّسات الآتية من قبل الاستحمام؛ ضرورة أنّ ذلك منصرف الأدلّة و المفهوم العرفيّ منها، فمطهّريته لغير المستحمّ ممنوعة جدّاً، إلّا علىٰ ما سلكناه من أنّه الماء الجاري موضوعاً.

و أمّا علىٰ ما سلكه القوم؛ من الإلحاق و التنزيل، و هو الظاهر من الكلّ «3»، فلا يبعد صحّة دعوى الانصراف.

بل المراجعة إلى الأخبار الخاصّة الكثيرة في المسألة، تعطي

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 15/ السطر 4، دروس في فقه الشيعة، القسم الثاني من المجلّد الأوّل: 240.

(2) العروة الوثقىٰ 1: 41، فصل في المياه، ماء الحمّام.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 15/ السطر 4، العروة الوثقىٰ 1: 36، فصل في الماء الراكد، مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 192، دروس في فقه الشيعة، القسم الثاني من المجلّد الأوّل: 240.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 29

ذلك، كما بنىٰ عليه الأصحاب في كثير من المواقف، و قضيّة الأخذ بالخصوصيّات في الحمّامات و منها كون المادّة كرّاً، أو كون مجموع المادّة و ما في الحياض كُرّاً، و غير

ذلك عدم جواز التعدّي عن تلك الخصوصيّات، و منها ذلك بلا شبهة، فلا يمكن الجمع بين هذين الرأيين المشهورين بين الفقهاء قديماً و حديثاً؛ و هو لزوم كرّية المادّة «1»، و مطهّريته لكلّ متنجّس «2».

هذا مع أنّ «ماء الحمّام» ربّما كان بنحو الإضافة البيانيّة؛ أي الماء الذي يستحمّ به، و لو شكّ في ذلك فالمرجع العامّ الفوقانيّ، أو الأُصول العمليّة، كما أُشير إليه «3».

مسألة: في كيفيّة تطهير ما في الحياض و نحوها

لو تنجّس ما في الحياض، فهل يطهر بمجرّد الاتصال بالمادّة، أو لا بدّ من الامتزاج؟

كلّ إلى مسلكه في تلك المسألة.

و قضيّة ما سلف منّا في محلّه، أنّ الماء المتنجّس إذا كان تنجّسه من قبل تغيّره، فيطهر بزوال وصف التغيّر، و إن تنجّس بالملاقاة فلا يطهر إلّا

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 1: 258، ذخيرة المعاد: 120/ السطر 17، مفتاح الكرامة 1: 64/ السطر 17.

(2) تقدّم في الصفحة 28.

(3) تقدّم في الصفحة 26.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 30

بالاستهلاك «1»، و يدلّ علىٰ كلّ ذلك صحيحة ابن بَزيع «2».

و ربّما يخطر بالبال، دعوى اختصاص المسألة بأنّ ماء الحمّام لا يخبث، فلا يتنجّس ما في الحياض؛ لوجود المادّة و إن كانت منقطعة في بعض الأحيان، ضرورة عدم الدليل على اشتراط الاتصال في جميع الساعات و الأحوال.

و لك دعوى انصراف أدلّة انفعال القليل عن مياه الحياض الصغار فيما نحن فيه.

و الإنصاف: أنّ الالتزام بذلك، أقرب إلى الصواب من الالتزام بتنجّسه، ثمّ طهارته بمجرّد الاتصال، الذي لا يقول به و لا يفهمه أحد من العقلاء، الذين هم المرجع في هذه المسائل؛ لعدم كونها من المسائل ذات الأسرار و الخفيّات كالعبادات.

ثمّ إنّ ظاهر «العروة الوثقىٰ» حيث قال: «و إذا تنجّس ما فيها يطهر بالاتصال

بالخزانة، بشرط كونها كرّاً و إن كانت أعلىٰ و كان الاتصال بمثل المزمّلة» «3» انتهىٰ، اختصاص ذلك بما في الحياض.

و أنت قد أحطت خبراً، بقصور الأدلّة عن إثبات الشرطيّة المزبورة؛ و أنّ قضيّة ما سلف منهم عدم اختصاص ذلك بما في الحياض، بل المياه الواقفة في سطح الحمّام، إذا اتّصلت بما في الحياض بعد اتصالها

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 149 153.

(2) الإستبصار 1: 33/ 87، وسائل الشيعة 1: 173، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 14، الحديث 6.

(3) العروة الوثقىٰ 1: 41 42، فصل في المياه، ماء الحمّام.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 31

بالمادّة تطهر «1».

بل الأمر كذلك في مطلق المياه المتنجّسة و لو كانت من غير الحمّام، فلو تنجّس ما في حوض الدار، ثمّ اتصل بمادّة الحمّام، فإنّه علىٰ ما يظهر منهم يطهر.

و أنت خبير بما فيه بعداً، و هذا شاهد علىٰ ما سلكناه؛ من أنّ روايات الحمّام، ناظرة إلى اختصاص الحكم بمواقف معيّنة، و أمّا علىٰ ما اخترناه فمادّة الحمّام بالاتصال بكلّ ماء كان، لا تورث الطهارة.

و ربّما يشهد لما هو الحقّ، بناء الأصحاب علىٰ تخلية ما في الحياض أوّلًا، ثمّ فتح الانبوب ثانياً، أو يفتحونه أوّلًا، و يصبّون الماء الموجود في الحياض في البالوعة، ثمّ يستحمّون، و ما ذلك إلّا لارتكازهم علىٰ عدم طهارة تلك المياه بمجرّد الاتصال، و الخروج عن المرتكز العرفيّ بإطلاق أو استظهار، غير ممكن جدّاً.

بحث حول عدم اشتراط كرّية مجموع ما في الحياض و المادّة

قضيّة ما سلف منّا، عدم اشتراط كرّية ما في المادّة، و لا المجموع «2».

و أيضاً: مقتضىٰ ما مرّ منّا في الماء الجاري، أنّ «المادّة» في صحيحة ابن بَزيع، أعمّ من المادّة الطبيعيّة و الصناعيّة «3»، فعليه تكون جميع المياه

______________________________

(1)

تقدّم في الصفحة 26.

(2) تقدّم في الصفحة 13 14.

(3) انظر ما تقدّم في الجزء الأوّل: 183 و 195.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 32

الصغار المتّصلة بالمادّة الجعليّة، معتصمة بتلك المادّة و لو كانت أقلّ من الكرّ.

و أيضاً: يلزم ذلك و لو كانت سطوح المخازن و الحياض متساوية.

و الالتزام بذلك مشكل؛ ضرورة أنّه في صورة اختلاف السطوح، يمكن اعتبار كون ما في الحوض ذا مادّة، و يكون ما في المخزن الأعلى مادّته، فيخرج عن أدلّة انفعال القليل، و أمّا في صورة وحدة السطوح فلا يعتبر المادّة، و ذو المادّة، و عند ذلك لا بدّ من الالتزام بكرّية المجموع في الاعتصام، كما لا يخفى.

و يندفع الإشكال علىٰ ما تقرّر منّا أيضاً سابقاً: بأنّ الوحدة العرفيّة ليست دائرة مدار اتحاد السطوح، بل هي دائرة مدار الاتصال العرفيّ الذي يختلف ذلك باختلافه «1».

مثلًا: إذا كان العالي و الداني متّصلًا بالانبوب الوسيع و الطريق الواسع، فإنّهما يعدّان واحداً، بخلاف ما إذا كان بين الماءين في الإناءين المتساويين في السطح، اتصال قصير بانبوب ضيّق غايته، فإنّه لا يحكم عليهما بالوحدة.

فإذن لا بأس بإمكان اعتبار المادّة و ذي المادّة، بين ما في الخزانة و ما في الحياض، فيندرج تحت صحيحة ابن بَزيع و أخبار المسألة «2»، و من هنا يظهر ما يتوجّه إلى الإعلام المتأخّرين في ماء الحمّام.

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 268.

(2) وسائل الشيعة 1: 148 150، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 7.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 33

المبحث الثامن في ماء البئر

اشارة

و الكلام يتمّ حوله في ضمن أُمور:

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 35

الأمر الأوّل في تعريف البئر

قد عُرِّفت في «غاية المراد»: «بأنّها مجمع ماء نابع من الأرض، لا يتعدّاها غالباً، و لا يخرج عن مسمّاها عرفاً» «1».

و تبعه «كشف الالتباس» و «الروضة» «2».

و وجه الحاجة إلى التعريف بعد اختصاص البئر بالأحكام الخاصّة الاستحبابيّة أو الوجوبيّة واضح، فلا وجه لتوهّم سقوط التقاسيم في المياه؛ ظنّاً أنّ المدار فيها علىٰ كونها ذا مادّة في عدم الانفعال، أو كثيرةً.

و يلحق المطر بها أيضاً، فلا خصوصيّة لعنوان «الحمّام» و «البئر» و «الجاري».

______________________________

(1) غاية المراد 1: 65.

(2) مفتاح الكرامة 1: 77/ السطر 7، الروضة البهيّة 1: 13/ السطر 23.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 36

ثمّ إنّ المفهوم العرفيّ منها واضح لا شبهة فيه، و قضيّة القواعد كون المطلقات ناظرة إليه.

و لكنّ الظاهر: أنّ المقصود من «البئر» في المآثير، ما كان له مادّة، فلو كان كثيراً بلا مادّة فإنّه لا ينفعل، و لا ينزح شي ء منه؛ استحباباً كان، أو وجوباً، و هذا لا يرجع إلى القول بالحقيقة الشرعيّة، كما لا يخفى.

و توهّم اختصاص المفهوم عرفاً بما كان لها النبع و المادّة، منقوض بالبئر التي كانت لها المادّة، و لكنّها تمّت، و لا ينبع فيها الماء، فإنّها تعدّ بئراً عرفاً بلا خفاء.

ثمّ إنّ أخذ النبعان قيداً، أو شرطاً غير صحيح؛ لعدم شرطيّته قطعاً، بل المدار على المادّة، فإنّها أعمّ منه كما لا يخفى، فما صنعه «العروة الوثقىٰ» «1» تبعاً للآخرين «2»، غير مقبول.

و ممّا ذكرنا يظهر: أنّ الماء النابع الخارج ليس بئراً، فقوله: «غالباً» غير سديد، مع أنّه لا معنى للأمر بالنزح بالنسبة إلى الماء النابع بطبعه؛ أي الماء الذي خرج

من البئر، و جرىٰ علىٰ وجه الأرض، المسمّى ب «ماء العين».

و قضيّة ما سلف منّا في عدم اعتبار اتصال المادّة و دوامها، بل المناط صدق كون الماء ذا مادّة عدم شرطيّة دوام النبعان، بل قد مضى

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 42، فصل في ماء البئر.

(2) غاية المراد 1: 65، الروضة البهيّة 1: 13/ السطر 23، جواهر الكلام 1: 188.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 37

عدم شرطيّة عنوانه، فمٰا في «الجواهر» في المقام «1» لا يخلو عن مسامحات، و الأمر سهل.

الأمر الثاني: حول أقوال العلماء قديماً و حديثاً في حكم البئر
اشارة

كانت الآبار قبل الإسلام، فإذا طلع فهل تعامل معها معاملة الطهارة، بعد وقوع النجاسات الكثيرة فيها؟ و كونها في معرض الحوادث و القذارات ممّا لا يكاد ينكر.

أو تعامل معها معاملة النجاسة؛ فأمر بالاجتناب عنها؟

و الذي يمكن أن يتوهّم: أنّ الأمر لو كان على الاجتناب لتبيّن من الأوّل؛ لشدّة الابتلاء بها.

نعم، يمكن أن يدّعىٰ: أنّ الحكم بالانفعال كان صعباً، فجاء به الإسلام بعد مضيّ مدّة، أو هو كالقليل إذا كان قليلًا، و كالكثير إذا كان كثيراً، و لأجله لا يكون عند الأصحاب و التابعين ذا حكم خاصّ.

و لكنّها غير مسموعة؛ لما قال السيّد في «الانتصار»: «و ممّا انفردت به الإماميّة القول: بأنّ ماء البئر ينجس بما يقع فيها من النجاسة، و يطهر عندنا ماؤها بنزح بعضه.

و هذا ليس بقول لأحد من الفقهاء؛ لأنّ من لم يراعِ في الماء حدّا إذا بلغ إليه لم ينجس بما يحلّه من النجاسات و هو أبو حنيفة لا يفصّل في هذا الحكم بين الماء و غيره، كما فصّلت الإماميّة.

______________________________

(1) جواهر الكلام 1: 188 190.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 38

و من راعى حدّا في الماء إذا بلغه

لم يقبل النجاسة و هو الشافعيّ في اعتبار القُلّتين لم يفصّل بين البئر و غيرها، و فصّلت الإماميّة، و انفردت بذلك من الجماعة».

ثمّ قال: «و يفيد ذلك: أنّه لٰا خلاف بين الصحابة و التابعين، في أنّ إخراج بعض ماء البئر يطهّرها، و إنّما اختلفوا في مقدار ما ينزح، و هذا يدلّ علىٰ حكمهم بنجاستها من غير اعتبار لمقدار مائها، و أنّ حكمها في أنّ إخراج بعض مائها يطهّرها» «1» انتهىٰ.

و قال الفقيه في «الأمالي»: «إنّه من دين الإماميّة» «2».

و عليه فتوى الفقهاء من زمن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إلىٰ يومنا هذا «3».

و عن «كشف الرموز»: «أنّه لو لم ينجس لكان اتفاقهم من زمن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) على إلزام المشاقّ من غير فائدة» «4».

و في «المعتبر» نقله عن جماعة من الصحابة و التابعين «5».

و هو المشهور، بل كاد يكون إجماعاً «6».

______________________________

(1) الانتصار: 11.

(2) الأمالي: 514.

(3) مفتاح الكرامة 1: 78/ السطر 15.

(4) مفتاح الكرامة 1: 78/ السطر 16، كشف الرموز 1: 49.

(5) المعتبر 1: 55.

(6) مفتاح الكرامة 1: 78/ السطر 21.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 39

ذهاب العامّة إلى نجاسة البئر

فبالجملة: يعلم من هذه التعابير: أنّ المسألة كانت معنونة من الزمن الأوّل، و كان المعروف في الطبقة المتأخّرة القول بالنجاسة، و لكنّه أخصّ ممّا هو المعروف عن الصحابة و التابعين؛ لأنّ وجوب النزح لا يستلزم نجاستها.

اللّهمّ إلّا أن يقال: بظهور الجمل السابقة و نصّ بعضهم في النجاسة «1»، كما هو غير خفيّ، فما نسب إلى الفقهاء من اختيارهم طهارة ماء البئر «2»، غير صحيح؛ لما مرّ منّا «3» أنّ أبا حنيفة كان يقول في الماء القليل بالحدّ، و قضيّة

ما حكىٰ عنه «الخلاف» «4» و غيره «5»، نجاسة البئر عنده و لو بلغ ما بلغ، فهو و الصحابة و التابعون على النجاسة، و هكذا الشافعيّ فيما إذا كان قليلًا «6»، فما في «المعتبر» من نسبة النجاسة إلى الجمهور في محلّه.

إلّا أنّ ظاهر تحديد أبي حنيفة، عدم اختصاص النجاسة بالقليل، فلا يكون العامّة مقابل الخاصّة في هذه المسألة، فليكن ذلك في ذكرك.

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 193 194.

(2) الانتصار: 11.

(3) تقدّم في الصفحة 230.

(4) الخلاف 1: 192.

(5) تذكرة الفقهاء 1: 19.

(6) تذكرة الفقهاء 1: 27، المغني، ابن قدامة 1: 24/ السطر 13.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 40

و لنعم ما قال الأُستاذ كما في «مفتاح الكرامة»: «إنّ التنجّس مذهب العامّة؛ بقرينة جواب الإمام (عليه السّلام) لابن يقطين «1» و ابن بَزيع: «فإنّ ذلك يطهّرها» و هما وزيران، فتأمّل» «2» انتهىٰ.

نعم، الشافعيّة و الحنابلة قالٰا به حال القلّة «3»، و عن الشافعيّة تفصيل آخر «4»، و الأمر سهل.

مختار فقهائنا في حكم البئر

ثمّ إنّ اشتهار النجاسة و وجوب النزح لأجلها، كان إلى زمن المؤلّفين و المحقّقين من المذهب، كالصدوق و المفيد و السيّد و الشيخ و أضرابهم «5» إلى العصور المتأخّرة، حتّى وصلت النوبة إلى المتوسّطين، فأخذوا من زمان مفيد الدين محمّد بن الجهم جانبَ الطهارة «6»، فأفتىٰ العلّامة في كتبه بها تبعاً لشيخه «7»، فاشتهر ذلك إلىٰ أن

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 237/ 686، وسائل الشيعة 1: 182 183، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 17، الحديث 2.

(2) مفتاح الكرامة 1: 79/ السطر 8.

(3) تذكرة الفقهاء 1: 27، المغني، ابن قدامة 1: 24/ السطر 12 13.

(4) المغني، ابن قدامة 1: 25/ السطر 4.

(5) الأمالي، الصدوق: 514، المقنعة:

64، الانتصار: 11، المبسوط 1: 11، المراسم: 34، المهذّب 1: 21.

(6) غاية المراد 1: 71، مفتاح الكرامة 1: 79/ السطر 16.

(7) تذكرة الفقهاء 1: 25، قواعد الأحكام: 5/ السطر 6، منتهى المطلب 1: 10/ السطر 3.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 41

قيل: «إنّ القول بالنجاسة بعد ذلك صار عزيزاً» و لا حكاية إلّا عن الشهيد الثاني في «الروضة» و «اللّمعة» «1».

و في «شرح الإرشاد» له: «أنّ المسألة من أشكل أبواب الفقه، غير أنّ المعتبر في المصير إلىٰ مثل هذه الأحكام رجحان ما لأحدهما علىٰ ضدّه، و كأنّه هنا موجود في جانب النجاسة» «2» انتهىٰ.

هذا، و في كون المسألة اتفاقيّة و إجماعية في العصر الأوّل إشكال؛ لما نسب إلى العمّاني القول بالطهارة «3»، و هكذا ابن الغضائريّ علىٰ ما حكىٰ عنه أبو يعلى الجعفريّ «4»، و قد نسبه «المختلف» إلى الشيخ «5»، بل ربّما يستظهر من «الهداية» لعدم تصريحه بالنجاسة «6»، و عن «تهذيب» الشيخ عبارة ظاهرة في مصيره إلى الطهارة «7»، فتكون النسبة في غير محلّها.

فتوهّم «8»: أنّ هذا القول من مبدعات العلّامة و شيخه ابن الجهم- علىٰ ما حكىٰ عنه الشهيد في «غاية المراد» بتوسّط أُستاذه عميد الدين

______________________________

(1) الروضة البهيّة 1: 13/ السطر 23.

(2) روض الجنان: 147/ السطر 7.

(3) مختلف الشيعة: 4/ السطر 26.

(4) غاية المراد 1: 71.

(5) مختلف الشيعة: 4/ السطر 26.

(6) الهداية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 48/ السطر 18.

(7) مستند الشيعة 1: 67، تهذيب الأحكام 1: 232.

(8) الطهارة (تقريرات الإمام الخميني (قدّس سرّه)) الفاضل اللنكراني: 33 (مخطوط).

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 42

عن مجلس درسه «1» غير صواب.

و ظاهرهم و صريح المتأخّرين، عدم الفرق بين كونه قليلًا أو

كثيراً «2».

و قد حكي عن الشيخ أبي الحسن محمّد بن محمّد البصروي، التفصيل بين القليل و الكثير «3»، و استظهر ذلك من العلّامة؛ حيث اعتبر الكرّية في الجاري «4»، فهذا أولىٰ به، و عن «حاشية المدارك» ما يقرب من ذلك «5».

و أمّا القول الرابع، فهو التفصيل المحكيّ عن الجعفيّ قال في «الذكرى»: «إنّه يعتبر فيها ذراعان في الأبعاد الثلاثة، فلا تنجس» «6».

و لكنّك تعلم: أنّه أخْذٌ ببعض أخبار الكرّ، و ليس قولًا في هذه المسألة، فلا تخلط.

و أمّا القول الخامس و هو الطهارة و وجوب النزح «7»، فهو أيضاً ليس من الأقوال في المسألة، كما لا يخفى.

فتحصّل إلىٰ هنا: أنّ الاستدلال لطهارة ماء البئر بالسيرة القطعيّة،

______________________________

(1) غاية المراد 1: 71.

(2) الأمالي، الصدوق: 514، لاحظ المقنعة: 64، المهذّب 1: 21، السرائر 1: 69، الوسيلة: 74.

(3) غاية المراد 1: 72، مدارك الأحكام 1: 54.

(4) مدارك الأحكام 1: 55، تذكرة الفقهاء 1: 16 17.

(5) مفتاح الكرامة 1: 80/ السطر 8.

(6) ذكرى الشيعة: 9/ السطر 37.

(7) منتهى المطلب 1: 12/ السطر 9، مدارك الأحكام 1: 54.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 43

و بأنّ الأمر لو كان على النجاسة لما خفي على الفقهاء «1»، ليس في مقامه، بل الظاهر أنّ اشتهار النجاسة و الطهارة في المسألة تابعة لآراء أهل النظر.

و دعوىٰ: أنّ انقلاب السيرة السابقة إلى اللّاحقة في غير محلّه، قريبة؛ لعدم صحّة الاستناد إلى الرواية في مقابل هذه الشهرة العظيمة من المخالف و المؤالف.

الأمر الثالث: في تحقيق حكم البئر
اشارة

قد تبيّن ممّا مضى في مباحث الكرّ: أنّ القليل ينفعل، دون الكثير، من غير فرق بين أنحاء الكرّ «2»؛ فماء البئر إذا كان كرّاً، يكون مشمول تلك الأدلّة بالضرورة، و احتمال عدم شمولها

له غير جائز، فلا حاجة إلىٰ ذكر الأدلّة الخاصّة علىٰ عدم تنجّسه حال كرّيته.

و حيث أنّ الملازمة قطعيّة، و التفكيكَ غير صحيح، فيعلم عدم انفعاله في حال القلّة أيضاً.

و ما مرّ من القول بالتفصيل، لا يرجع إلىٰ محصّل؛ لأنّ أخبار المسألة بين طائفتين، و الأصحابَ علىٰ رأيين: أمّا الطهارة مطلقاً، أو النجاسة مطلقاً.

و توهّم انصراف أدلّة الكرّ عمّا نحن فيه؛ لزيادة المادّة عليه،

______________________________

(1) لاحظ مصباح الفقيه، الطهارة: 35/ السطر 31.

(2) تقدّم في الجزء الأوّل: 255.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 44

و لاستلزامه كونه ماءً ذا مادّة، و هو مقابل الكرّ، غير سديد؛ لأنّ موضوعها الماء البالغ كذا.

إن قلت: قضيّة ما سلف نجاسة القليل أيضاً، فيلزم نجاسة البئر القليل.

قلت: كلّا؛ لما مرّ في ماء الحمّام: أنّ الماء القليل الذي له المادّة- أصليّة كانت، أو جعليّة و صناعيّة غير منفعل «1»، بل ماء الحمّام لكونه بمنزلة الماء الجاري، لا يصير منفعلًا، و الجاري لكونه ذا مادّة، لا ينفعل بحكم العرف القطعيّ.

توهّم دلالة موثّقة عمّار على اعتبار كرّية البئر و جوابه

إن قيل: التفكيك بين القليل و الكثير فيما نحن فيه، مفاد بعض المآثير، و منها موثّق عمّار، قال: سُئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن البئر يقع فيها زبيل عَذِرة يابسة أو رطبة.

فقال: «لا بأس إذا كان فيها ماء كثير» «2».

قلنا: لا وجه للتفكيك؛ لأنّ هذه الرواية قاصرة دلالة: إمّا لأجل أنّ الظاهر منها هي الكثرة العرفيّة؛ لمكان قوله: «ماء كثير» و لا يقول: «الماء الكثير» أو لأجل أنّ الكثرة الشرعيّة أعمّ من الكثير الراكد، فيكون البئر لمكان المادّة، من الكثير أيضاً. و أمّا المآثير الأُخر الواردة في

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 27.

(2) تهذيب الأحكام 1: 416/ 1312، وسائل الشيعة 1: 174 175، كتاب

الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 14، الحديث 15.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 45

البئر، فأمرها دائر بين ترجيح جانب النجاسة، أو الطهارة، أو القول بسقوطهما للتعارض، فتصل النوبة إلى الإطلاقات التي ذهبنا إليها في ماء الحمّام «1»، و ذكرنا أنّ المستفاد من أخبارها؛ أنّ ما هو تمام الموضوع، هو كونه ذا مادّة شبيهة بالجاري «2»، و ماء البئر أولىٰ بذلك بالقطع، فتدبّر جيّداً.

هذا مع إمكان المراجعة إلىٰ ما ورد من الكتاب «3» و السنّة النبويّة و العلويّة «4» في عدم انفعال مطلق الماء، علىٰ إشكال مضى تفصيله «5».

كفاية صحيحة ابن بزيع على اعتصام البئر مطلقاً

فتحصّل: عدم الحاجة إلىٰ ذكر الروايات الخاصّة في هذه المسألة على الطهارة، مع أنّ في كثير منها إشكالًا سنداً و دلالة، و لكن يكفي صحيحة ابن بَزيع «6»، خصوصاً بناءً علىٰ ما حرّرناه حولها في المسائل السابقة؛ و بيّنّا أنّ التعليل فيها، مخصوص بالصدر، و أجنبيّ عن الذيل «7».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 23 27.

(2) تقدّم في الصفحة 22 23.

(3) الأنفال (8): 11، الفرقان (25): 48.

(4) المعتبر 1: 40، وسائل الشيعة 1: 135، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 1، الحديث 9، المحاسن: 570/ 4، وسائل الشيعة 1: 135، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 1، الحديث 7.

(5) تقدّم في الجزء الأوّل: 118 119.

(6) الإستبصار 1: 33/ 87، وسائل الشيعة 1: 172، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 14، الحديث 6.

(7) تقدّم في الجزء الأوّل: 158 161.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 46

و الإشكال في حجّيتها و حجّية جميع ما يوافقها في المضمون، بدعوىٰ إعراض الأصحاب عنها، قد مضى أيضاً، و ذكرنا أنّ المسألة ليست من صغريات تلك القاعدة؛ لعدم ثبوت الشهرة المعرضة صغرى

في خصوص هذه المسألة «1»، مع الإشكال في إمكان تحقّق الصغرىٰ لمثل هذه القاعدة رأساً، و لعدم ثبوت الإعراض؛ ضرورة أنّ الجمع بين الأدلّة، كالجمع بين العامّ و الخاصّ ليس من الإعراض عن العامّ، و الترجيح بالمرجّحات أيضاً لا يعدّ من ذلك، فليتأمّل.

هذا، و سيجي ء زيادة توضيح حول التفصيل المزبور إن شاء اللّٰه تعالىٰ «2».

المآثير المستدلّ بها على النجاسة
اشارة

إذا عرفت ذلك، فالذي لا بدّ من الغور فيه؛ ذكر الروايات التي استدلّ بها على النجاسة، أو يمكن الاستدلال بها عليها، و هي كثيرة، نذكر مهمّاتها طيّ طوائف، فإن لم يتمّ دلالتها على النجاسة فهو، و إلّا فتمسّ الحاجة إلىٰ نقل المآثير المستدلّ بها على الطهارة، كما لا يخفى.

الطائفة الأُولىٰ: ما تدلّ على النجاسة نصّاً أو كالنصّ
اشارة

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 174.

(2) يأتي في الصفحة 56 57.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 47

فمنها: معتبر ابن بَزيع في «الكافي» قال: كتبت إلىٰ رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا عليه الصّلاة و السّلام عن البئر تكون في المنزل للوضوء، فتقطر فيها قطرات من بول أو دم، أو يسقط فيها شي ء من عَذِرة كالبعرة و نحوها، ما الذي يطهّرها حتّى يحلّ الوضوء منها للصلاة؟

فوقّع (عليه السّلام) في كتابي بخطّه: «ينزح دلاء منها» «1».

فإنّها لتقريره (عليه السّلام) كالنصّ في أنّها تنجس، و يطهّرها النزح مثلًا، و لأجل اشتمالها على النزح، تندرج في بعض الطوائف الآتية.

و منها: صحيحة ابن يقطين في «التهذيبين» عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السّلام) قال: سألته عن البئر، تقع فيها الحمامة أو الدجاجة أو الفأرة أو الكلب أو الهرّة.

فقال: «يجزيك أن تنزح منها دلاء؛ فإنّ ذلك يطهّرها إن شاء اللّٰه تعالىٰ» «2».

و هذا نصّ في النجاسة.

و قريب منها ما في ذيل خبر عمّار الساباطيّ قال: «ينزفون يوماً إلى الليل و قد طهرت».

و منها: معتبر عبد اللّٰه بن يعفور و عنبسة بن مصعب، عن أبي

______________________________

(1) الكافي 3: 5/ 1، وسائل الشيعة 1: 176، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 14، الحديث 21.

(2) تهذيب الأحكام 1: 237/ 686، وسائل الشيعة 1: 182، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 17،

الحديث 2.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 48

عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إذا أتيت البئر و أنت جنب، و لم تجد دلواً، و لا شيئاً تغترف به، فتيمّم بالصعيد؛ فإنّ ربّ الماء و ربّ الصعيد واحد، و لا تقع في البئر، و لا تفسد على القوم ماءهم» «1».

و هي مثلها في الظهور في النجاسة؛ ضرورة أنّ الماء لا يفسد بدخول الجنب مع احتمال كونه نظيفاً عرفيّاً، فيعلم من ترك التفصيل، أنّ المقصود هو الفساد الشرعيّ، كما هو الظاهر في غيرها كصحيحة ابن بَزيع.

و أمّا ما اشتهر بين المتأخّرين: من أنّ هذه الطائفة إمّا مجملة؛ لقيام الشواهد علىٰ أنّ المراد من «الطهارة» و «النجاسة» و المقصود من «الفساد» ليس الأمر الشرعيّ و الطهارة الشرعيّة، فإن تمّت هي فهو، و إلّا فتصير مجملة.

أو ظاهرة في الدلالة على الطهارة؛ لتماميّة تلك الشواهد، و ظهورِ بعض العبائر فيها علىٰ أنّ البئر لا ينجس «2».

فهو غير سديد؛ لأنّ المستفاد من طريقتهم كأنّهم بنوا علىٰ تأويل أخبار تدلّ على النجاسة، و هذا كيف يمكن تصديقه مع ذهاب أرباب الفهم و النظر إليها؟! و لو كان الأمر كما تخيّلوه، يلزم كون اتّفاقهم كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السّلام) و يكون الحكم ممّا تلقّاه عن الواقفين و المطّلعين عليه.

فما في تقريراتهم: «من أنّ الأمر بنزح الدلاء من غير تعيين، شاهد

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 149/ 426، وسائل الشيعة 1: 177، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 14، الحديث 22.

(2) الحدائق الناضرة 1: 358 360، مستند الشيعة 1: 73، مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 195.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 49

علىٰ أنّ الطهارة فيها هي الطهارة العرفيّة» «1» في غاية الوهن؛

لأنّ ما هو المطهّر واضح، و هو مقدار عرفيّ كسائر العناوين المذكورة في الأخبار الموكول فهمها إلى العرف، و ما ورد في سائر الأخبار من التعيين، فهو محمول على الاستحباب.

و ما في كتبهم: «من أنّ كلمة «البعرة و نحوها» في الأُولىٰ، و كلمة «لا تقع في البئر» في الثانية، تشهد علىٰ ما مرّ؛ و ذلك لأنّ «البعرة» ليست من النجاسات، و الدخولَ في البئر لا يفيد تنجّس الماء بالجنابة» «2» غير قابل للشهادة؛ ضرورة أنّ قيام الدليل علىٰ عدم نجاسة البعرة، لا يضرّ بظهورها الإطلاقيّ حسب الصناعة القطعيّة، و أحسنيّة استناده (عليه السّلام) إلىٰ عدم تمكّنه من الغسل، لا يورث الإشكال فيما هو ظاهر الرواية، و لو فرضنا عدم تنجّس البئر بها لكان يتعيّن عليه الغسل؛ لأنّه واجد للماء بالضرورة، فمنه يعلم النجاسة الشرعيّة.

الإشكال على معتبرة ابن يعفور و جوابه

و أمّا الإشكال على الأخيرة: بترك الاستفصال عن حال الجنب، مع كثرة اتفاق كون أبدانهم طاهرة، فتكون هي ظاهرة في النظافة العرفيّة «3»، فهو

______________________________

(1) الحبل المتين: 118/ السطر 16، جواهر الكلام 1: 200، شرح تبصرة المتعلّمين، المحقّق العراقي 1: 111، الطهارة (تقريرات الإمام الخميني (قدّس سرّه)) الفاضل اللنكراني: 32 (مخطوط).

(2) شرح تبصرة المتعلّمين، المحقّق العراقي 1: 111، الطهارة (تقريرات الإمام الخميني (قدّس سرّه)) الفاضل اللنكراني: 32 (مخطوط).

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 34/ السطر 18، الطهارة (تقريرات الإمام الخميني (قدّس سرّه)) الفاضل اللنكراني: 32 (مخطوط).

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 50

واضح الدفع؛ لما مضى أنّ مع النظافة العرفيّة لا يفسد الماء بوقوعه فيه، فيعلم من ذلك أنّ المفروض هو الابتلاء بالنجاسة الخبثيّة، و هو المتعارف في تلك الأعصار و الأمصار.

هذا مع أنّ الجهة الأخيرة، ليست علّة للنهي عن الوقوع في

البئر، بل الظاهر أنّه يتعيّن عليه التيمّم، فلا يجب عليه الوقوع، و لا يجوز عليه إفساد مائهم شرعاً أو إرشاداً، و لمكان ترتّبه على الاغتسال نوعاً، جي ء به للإرشاد إلىٰ أمر يصدّقه الارتكاز.

هذا كلّه إذا نظرنا إليها مع قطع النظر عمّا ورد في سائر المآثير، و مع عدم التوجّه إلىٰ سائر الخصوصيّات المحفوفة بها.

و أمّا مع النظر إلىٰ سائر الروايات الواردة في المسألة، و لا سيّما مع إباء ما ورد من التعليل في أخبار الحمّام «1» و في خصوص صحيحة ابن بَزيع الماضية عن التقييد و التخصيص، فلا محيص إلّا من دعوى أنّها ليست دالّة علىٰ نجاسة البئر.

هذا و ظهور التطهير في الطهارة الشرعيّة، غير ثابت في عصر الأئمّة (عليهم السّلام) فتصير الرواية مجملة، أو ظاهرة في الطهارة العرفيّة.

هذا مع أنّ قياس هذه الصحيحة الأخيرة «2» بصحيحة ابن بَزيع، في غير محلّه؛ ضرورة أنّ تلك تدلّ علىٰ أنّ البئر لا يفسد بشي ء، و لو كان المراد

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 148 150، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 7، الحديث 1 و 4 و 7.

(2) تقدّم في الصفحة 47، الهامش 2.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 51

من «الفساد» فساداً عرفيّاً فهو كذب، و هذه تدلّ علىٰ أنّ البئر يفسد، فيعلم منه أنّه الفساد العرفيّ.

فبالجملة: لو أمكن الالتزام بأنّ من مسوّغات التيمّم، لزوم المحافظة علىٰ ماء القوم من النجاسة العرفيّة فهو، و إلّا فهي تشهد على النجاسة، فليتأمّل.

الطائفة الثانية: المآثير الواردة في فصل البئر عن البالوعة
اشارة

فإنّها بجملتها تدلّ علىٰ أنّ الأمر بالفصل، كان بالنظر إلىٰ حفظ البئر عن القذارة.

و لكنّ الكلام في أنّ النظر إلى انحفاظها عن القذارة العرفيّة، أو الشرعيّة، و لو لم يكن فيها بعض المآثير كان الأقرب هو

الأوّل، و لكن لتلك الروايات ربّما يتوهّم تعيّن الثاني.

فمنها: ما في الكتب المعتبرة، عن الفضلاء: زرارة، و محمّد بن مسلم، و أبي بصير و هي معتبرة قالوا: قلنا له: بئر يتوضّأ منها، يجري البول قريباً منها، أ ينجّسها؟

قال فقال: «إن كانت البئر في أعلى الوادي، و الوادي يجري فيه البول من تحتها، و كان بينهما قدر ثلاثة أذرع أو أربعة أذرع، لم ينجّس ذلك شي ء، و إن كان أقلّ من ذلك ينجّسها ..» «1».

______________________________

(1) الكافي 3: 7/ 2، وسائل الشيعة 1: 197، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 24، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 52

فإنّها ظاهرة بل صريحة، في تنجّس البئر بالبول الوارد عليها، و الحدود المأخوذة من الأمارات الشرعيّة عند الشكّ في الملاقاة.

و ما قيل في المقام حول دلالتها: من أنّ التقارب من المنجّسات «1»، لا يخلو عن التأسّف جدّاً.

و خلوّ غير «الكافي» من قوله: «و إن كان أقلّ من ذلك ينجّسها» «2» لا يضرّ.

اللّهمّ إلّا أن يقال: بأنّ في بقيّة هذه الرواية، شهادة علىٰ توجّه المعصوم (عليه السّلام) إلىٰ سدّ باب الاستدلال بها على النجاسة الشرعيّة؛ لأنّه قال بعد ما ذكرنا صدره: «و إن كانت البئر في أسفل الوادي، و يمرّ الماء عليها، و كان بين البئر و بينه تسعة أذرع، لم ينجّسها، و ما كان أقلّ من ذلك فلا يتوضّأ منه ..».

فإنّ النهي عن الوضوء، لا يستلزم النجاسة الشرعيّة، كما لا يخفى.

هذا مع أنّ ظهور النجاسة في الشرعيّة بدون القرينة، ممنوعة في عصر المآثير، خصوصاً في رواية الصادقين (عليهما السّلام).

و لا يخفىٰ: أنّ الرواية مضمرة، إلّا أنّ الإضمار من هؤلاء لا يورث وهناً.

روايات الفصل إرشاد إلى أمر تكويني لا تشريعيّ

و الذي يظهر لي: أنّ

هذه المآثير بأجمعها، ليست أخبار الفقه

______________________________

(1) التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 301.

(2) تهذيب الأحكام 1: 410/ 1293، الاستبصار 1: 46/ 128.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 53

و روايات التشريع الإسلاميّ، بل هي أخبار ترشد إلىٰ مصالح الأُمّة، و لأجل أنّهم (عليهم السّلام) ملجأ الأنام و ملاذ المسلمين و الإسلام، يرجع إليهم كلّ أحد فيما يحتاج؛ من السياسة، مدنيّة كانت أو منزليّة، إلى المقاصد الأُخر العالية، فلا ينبغي الخلط، و لا يصحّ إدراجها في كتاب «الوسائل» فلا تغفل.

و من هذا القبيل، المآثير الواردة في مسألتنا هذه، فإنّ من تأمّل في صدرها و ذيلها، و جميع الخصوصيّات الواردة فيها مع تخالفها في الحدود، و تشتّت مضامينها يجد أنّ المراجعة إليهم فيها، ليس لأجل الاطّلاع علىٰ مسألة شرعيّة، و لو كانت المراجعة إليهم لذلك لما عن العامّة القول بنجاستها و لكن جوابهم (عليهم السّلام) عن هذه الأسئلة المختلفة بالسنة مختلفة، ليس جواب المفتي و الفقيه، بل الظاهر أنّهم (عليهم السّلام) بصدد ذكر مصالح العباد و تحفّظهم عن الوقوع في المهالك المحتملة، و لقد تقرّر في محلّه، أنّ الماء الراكد مجمع المفاسد، و كان النظر في النزح و الإخراج إلىٰ تلك الجهة.

و ممّا يشهد علىٰ ذلك، الاكتفاء في بعض الأخبار عن النزح بتحرّك الماء بدخول الدلو فيه، ففي «الوسائل» عن جابر بن يزيد الجعفيّ، قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن السامّ أبرص يقع في البئر.

فقال: «ليس بشي ء، حرّك الماء بالدلو في البئر» «1» و مثله في

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 245/ 708، وسائل الشيعة 1: 189، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 19، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 54

«الكافي» «1».

فعلى

ما عرفت منّا، تقدر علىٰ حلّ معضلة البئر و مشكلة المسألة.

الطائفة الثالثة: المآثير الآمرة بنزح البئر كلّه

فإنّه لولا النجاسة لما كان وجه لذلك.

فمنها: معتبر عبد اللّٰه بن سِنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إن سقط في البئر دابّة صغيرة، أو نزل فيها جنب، نزح منها سبع دلاء، فإن مات فيها ثور، أو صبّ فيها خمر، نزح الماء كلّه» «2».

و مثلها موثّقة معاوية بن عمّار «3».

و هكذا رواية أبي خديجة، إلّا أنّ المفروض فيها أنّه «إذا انتفخت فيه أو نتنت نزح الماء كلّه» «4».

و بمثابتها جميع المآثير المشتملة على الأمر بالنزح بمقدار قلّما يتّفق احتواء البئر عليه كالسبعين دلواً «5»، أو المائة دلو، كما في بعض

______________________________

(1) الكافي 3: 5/ 5.

(2) الإستبصار 1: 34/ 93، وسائل الشيعة 1: 179، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 15، الحديث 1.

(3) تهذيب الأحكام 1: 241/ 696، وسائل الشيعة 1: 179 180، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 15، الحديث 4.

(4) تهذيب الأحكام 1: 239/ 692، وسائل الشيعة 1: 188، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 19، الحديث 4.

(5) تهذيب الأحكام 1: 234/ 678، وسائل الشيعة 1: 194، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 21، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 55

الأخبار «1»، فإنّ المستظهر من الكلّ نجاسة البئر، و إلّا فلا بدّ من كفاية بعضه، أو كفاية ذهاب الريح.

الطائفة الرابعة: الروايات الكثيرة الآمرة بالنزح

الظاهرة في أنّ تلك الأوامر لتطهير الماء المتنجّس، و الآبية عن قبول حملها على الإرشاد إلى النظافة العرفيّة، أو على الوجوب التعبّدي النفسيّ، أو الشرطيّ لجواز الاستعمال الخاصّ، كالوضوء و الغسل و الشرب، أو على الاستحباب؛ لما فيها من الشواهد المختلفة:

فمنها: ما مرّ في الطائفة الاولىٰ؛ من أنّ الأمر بالنزح لحصول الطهارة «2»، و مثلها ما ورد في رواية عمّار الساباطيّ

من قوله (عليه السّلام): «فينزفون يوماً إلى الليل و قد طهرت» «3».

و منها: ظهور الطائفة الثانية في نجاستها «4».

و منها: ارتكاز المتشرّعة في غير المقام، فلقد ذهب الأصحاب (رحمهم اللّٰه) إلىٰ نجاسة كثير من الأشياء؛ للنهي عن الآثار المخصوصة بالطاهر،

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 231/ 667، وسائل الشيعة 1: 196، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 22، الحديث 7.

(2) تقدّم في الصفحة 47.

(3) تهذيب الأحكام 1: 284/ 832، وسائل الشيعة 1: 196، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 23، الحديث 1.

(4) تقدّم في الصفحة 51.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 56

كالشرب و الوضوء و الاغتسال، من غير احتياجهم هناك إلىٰ تصريح بالنجاسة بالضرورة.

و منها: ما اشتملت علىٰ ترخيص الوضوء بعد النزح، كما في رواية العمركيّ «1» و غيرها «2».

إبطال التمسّك بالطائفة الثالثة و الرابعة على النجاسة

أقول: لو سلّمنا دلالة هٰاتين الطائفتين على النجاسة، فهي دلالة اقتضائيّة؛ أي ليست مستندة إلى المدلول المطابقيّ، و الدلالة الاقتضائيّة ترفع بالقرائن المضادّة، أو تصير المآثير من هذه الجهة غير قابلة للاستظهار.

و أنت خبير: بأنّ الروايات العامّة و الخاصّة على الطهارة صريحة، فلا وجه للاستدلال بمثلها كما لا يخفى.

بل قد عرفت عدم الحاجة إلى الأدلّة الخاصّة؛ لإباء الأدلّة العامّة عن تخصيصها بماء البئر «3»، ضرورة أنّ الماء إذا كان ذا مادّة لا ينجس، و لا يتمكّن العرف من قبول التعبّد الشرعيّ في هذه الأخبار، حتّى يجمع بينها و بين عموم التعليل بالتخصيص، فلا تغفل.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 409/ 1288، وسائل الشيعة 1: 193، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 21، الحديث 1.

(2) مسائل عليّ بن جعفر: 198/ 422، وسائل الشيعة 1: 190، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 19، الحديث 14.

(3) تقدّم في الصفحة 45

46.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 57

إن قلت: ليس هذا إلّا الجمع المعروف بين أهله؛ و هو الجمع العقلائيّ المدّعىٰ بين النصّ و الظاهر، أو الظاهر و الأظهر، و في كونه هنا عقلائيّاً إشكال؛ و ذلك لأنّ كثيراً من موارد أخبار النزح، شاملة لصورة التغيّر، التي لا شبهة في لزوم النزح لحصول الطهارة، و في بعض الموارد فصّل بين صورة التغيّر و غيرها؛ بحيث يكون مساق الصورتين واحداً من حيث الحكم، فهل تجد من نفسك الحمل على الاستحباب، مع عدم الاستفصال من حيث التغيّر و عدمه، و في مورد التفصيل حملَ أحد الحكمين على اللّزوم الشرطيّ، لحصول الطهارة المعهودة بين المتشرّعة، دون الآخر، مع وحدة السياق؟! قلت: نعم، هكذا أُفيد، و لكن من العجيب غفلته عن عدم اشتراط النزح لحصول الطهارة حتّى في صورة التغيّر!! نعم، المستعجل لتحصيل الطهارة، لا بدّ له من النزح، و إلّا إذا زال تغيّره بنفسه مع اتصاله بالمادّة، يكفي في طهارته، فليتدبّر.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 2، ص: 57

عدم استحباب نزح البئر حتّى في صورة التغيّر

و ممّا ذكرناه إلىٰ هنا يظهر، عدم تماميّة استحباب النزح حتّى في صورة التغيّر، بل هو مأمور به بعنوان المقدّمة لأمر آخر هو المطلوب، و لو حصل زوال التغيّر بنفسه فلا ينزح شي ء، و لا يستحبّ، و كذلك إذا لاقاها النجاسات؛ ضرورة أنّ قضيّة الجمع بين المآثير المختلفة في الحكم علىٰ موضوع واحد بشهادة ما ورد من كفاية التحريك الحاصل من وقوع

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 58

الدلو «1» هو أنّ المقصود الأصلي

عدم استعمال الماء بعد وقوع النجاسة فيه إلّا بذلك، و إلّا إذا مضت مدّة و زمن طويل، و ورد علىٰ ماء البئر المياه الطيّبة من الخارج، فلا ينزح شي ء.

و هذا عندي قطعيّ، و لا تعبّد في هذه المسألة، و لا يناسب المقام إعمال التعبّدات و الإلزامات الشرعيّة، فلا تخلط.

تذييل: في أنّ تعارض الطائفتين تعارض الحجّة مع اللّاحجّة

لو سلّمنا دلالة طائفة من الأخبار على النجاسة، فلا شبهة في دلالة كثير منها على الطهارة، و قد عدّها «الوسائل» في بابها قائلًا: «باب عدم نجاسة البئر بمجرّد الملاقاة من غير تغيّر» و قد أنهىٰ رواياتها إلى الاثنين و العشرين رواية «2»، و لا قصور في بعضها من جهة الدلالة و السند على الحكم المزبور.

و علىٰ هذا، يبقى الكلام في أنّ المسألة من باب تعارض الحجّة مع اللاحجّة، لإعراض المشهور عن الثانية، أو من باب تعارض الحجّتين.

و الذي يقوىٰ في بادئ النظر هو الأوّل؛ لصراحة أخبار الطهارة، و كثرتها، و عدم صراحة أخبار النجاسة، مع كونها بالنسبة إليها في غاية القلّة.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 53.

(2) وسائل الشيعة 1: 170 177، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 14، الحديث 221.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 59

و توهّم دلالة أخبار النزح عندهم على النجاسة «1»، في غاية الوهن؛ لأنّهم كيف ذهلوا عن الجمع بحملها على الاستحباب، مع توغّلهم في الجموع العجيبة بين الأخبار؟! فمن راجع كتب القدماء و لا سيّما «الاستبصار» يطمئنّ بذلك قطعاً، فدعوى أكثريّة الطائفة الأُولىٰ على الثانية «2»، غير مسموعة.

و احتمال الجموع الأُخر غير صحيح؛ لأنّ أحسن الجموع العقلائيّة ما صنعه المتأخّرون، و ليس هذا من الجمع المغفول عنه عادة، حتّى يقال: بغفلة هؤلاء الأعلام و الأعاظم عنه في العصور الكثيرة، مع نهاية

دقّتهم في هذا الأمر، و مع تمام توجّههم إلىٰ أنّ هذا أمر مشكل صعب، يورث الالتزام بالمشقّة المخالفة لأصل الدين.

فما أفاده «كشف الغطاء»: «أنّ المسألة واضحة، و لا تحتاج إلى الرواية بعد التوجّه إلىٰ أنّ البئر لا تبقى على الطهارة» «3» في غير محلّه؛ لأنّ هذا أمر في زمن السابقين كان أوضح، و مع ذلك التزموا بالنجاسة، فيعلم من ذلك قوّة مدركهم، كما أنّ ضعف الطائفة الاولىٰ في الدلالة يقوّي مدركهم.

فلا يمكن الالتزام على الوجه الصحيح، بأنّ الأصحاب رضي اللّٰه عنهم ما أعرضوا عنها، و قد عملوا بها جمعاً أو ترجيحاً، لعدم الوجه له،

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 26/ السطر 5.

(2) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 194.

(3) كشف الغطاء: 193/ السطر 26.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 60

فعليه يلزم سقوط تلك الأدلّة عن الحجّيّة، و لا أقلّ من الشكّ المستند؛ أي الشكّ الذي له المنشأ العقلائيّ.

و لعمري، أنّ طهارة البئر بحسب الأخبار، غير قابلة للإنكار، و غير مخفيّة علىٰ أحد، فكيف التزموا بالنجاسة، فهل هذا إلّا لأمر آخر وصل إليهم؛ من البناء العمليّ للسالفين، المنتهى إلىٰ رأي المعصوم صلوات اللّٰه تعالىٰ عليه، و كان لا يقاومه الرواية و الروايات، و لو كانت صريحة كما ترى؟! فما ذكرناه في مطاوي الكلمات سابقاً مماشاةً مع الأعلام غير راجع إلى التحصيل، حسب ما يؤدّي إليه النظر البدويّ.

وجه لالتزام الأصحاب قديماً بالنجاسة و إعراضهم عن أخبار الطهارة

نعم، و الذي يخطر بالبال، و لعلّ به ينحلّ الإشكال، أن يقال: إنّ فتوى الجمهور- كما عرفت على النجاسة، و هذا هو الرأي المعروف بينهم من العصور السابقة إلىٰ عصر الأئمّة المتأخّرين، سلام اللّٰه تعالىٰ عليهم، و قد نفذ في المسلمين و أعلامهم هذا الرأي السخيف، و كانت فتوى المعصوم (عليه

السّلام) علىٰ خلافه، و لكن عملهم و عمل أتباعهم على التحرّز عند التنجّس تقيّةً، و هذا العمل الخارجيّ من الأئمّة (عليهم السّلام) و أتباعهم، قد حكي للمتأخّرين، من غير التوجّه إلىٰ جهة ذلك و سرّه، فاشتهر بين العصور المتأخّرة هذا، حتّى ظنّوا ذلك، و اعتقدوا بها، و عند ذلك لم يمكن لهم التجاوز عنه بالرواية الظاهرة في الطهارة؛ لكونها خلاف عملهم

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 61

المحكيّ لهم، و لا معنىٰ للجمع بين العمل و الرواية بحمل العمل على التقيّة لعدم تحقّق التعارض الذي هو موضوع في الأدلّة العلاجيّة.

فبالجملة: مع الاطمئنان بخطإ المعرضين، لا يمكن ترك العمل بالطائفة الدالّة على الطهارة، بل مع الاحتمال العقلائيّ لا يصحّ ذلك، فما سلكه الفضلاء في هذه المسألة من زمن العلّامة و شيخه ابن الجهم إلىٰ زماننا هذا لا يوافقه النظر الدقيق.

و الذي هو التحقيق الحقيق بالتصديق: تماميّة إعراضهم عنها، و الفرار عن ذلك:

إمّا بإنكار كاسريّة الإعراض، و إن قلنا: بجابريّته.

أو إنكار تحقّق إعراض المشهور مطلقاً؛ لعدم إمكان نيل ذلك علىٰ ما قرّرناه «1».

أو إنكار تحقّقه في خصوص هذه المسألة؛ لذهاب بعض إلى الطهارة «2».

أو إثبات خطأ المعرضين.

لا سبيل إلّا إلى الأخير. هذا كلّه ما هو الظاهر في المسألة.

وجوه الجمع العرفي بين أخبار النجاسة و الطهارة

و لو فرضنا التعارض بين الطائفتين اللتين فرغنا عن اعتبارهما فرضاً،

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 6: 402.

(2) الطهارة (تقريرات الإمام الخميني (قدّس سرّه)) الفاضل اللنكراني: 34 (مخطوط).

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 62

فالجمع بينهما ممكن عرفاً؛ و ذلك بوجوه:

فتارة: بدعوىٰ قصور الطائفة الأُولىٰ و الثانية دلالة، فيتعيّن حمل أخبار سائر الطوائف على الندب، فتصير النتيجة الطهارة.

و أُخرى: بدعوىٰ قصور ما يدلّ بالخصوص على الطهارة؛ لوجوه مذكورة،

فيحمل غيرها علىٰ ترخيص الاستعمال بعد النزح «1».

و ثالثة: بدعوى المراتب في الطهارة و النجاسة، فيؤخذ بالكلّ.

و إلى ذلك يرجع كلام الشيخ في بعض كتبه: «إنّ ما يدلّ علىٰ عدم نجاسة البئر، يدلّ علىٰ أنّها لا تنجس بنجاسة لا يمكن رفعها و لو بالنزح» «2».

مع أنّ مفهوم صحيحة ابن بَزيع «3» و غيرها «4» ممّا يدلّ علىٰ حصر تنجّس البئر بالتغيّر قابل للتقيّد بما يدلّ علىٰ نجاسته بالملاقاة، كما قيّد مفهوم النبويّ «5» بمفهوم أخبار الكرّ «6»، فتصير النتيجة هي النجاسة.

و لعمري، إنّ هذا الجمع أقرب إلىٰ أُفق التحقيق و الصناعة، و لكنّه ليس جمعاً عرفيّاً، فتصير المسألة مندرجة تحت عمومات الأخبار العلاجيّة.

______________________________

(1) لاحظ المهذّب البارع 1: 85.

(2) الاستبصار 1: 33 ذيل الحديث 8.

(3) الإستبصار 1: 33/ 87، وسائل الشيعة 1: 172، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 14، الحديث 6.

(4) الكافي 3: 8/ 4، وسائل الشيعة 1: 171، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 14، الحديث 4.

(5) المعتبر 1: 40، وسائل الشيعة 1: 135، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 1، الحديث 9.

(6) وسائل الشيعة 1: 158 164، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 9.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 63

و رابعة: بما يأتي من ذي قبل، إن شاء اللّٰه تعالىٰ «1».

و عند ذلك يتعيّن القول بالطهارة؛ لموافقتها مع الكتاب، و مخالفتها مع العامّة، و لو استشكل في الأوّل يكفينا الثاني.

و هذا من غير فرق بين القول: بأنّ الموافقة مع الكتاب و المخالفة مع العامّة، من المرجّحات «2»، أو قلنا: بأنّهما أيضاً من المميّزات «3»، كما هو الأظهر عندنا.

و مع فرض التعارض و التساقط، يتعيّن الطهارة أيضاً؛ لما مرّ في أوّل البحث

«4»، فتدبّر جيّداً.

تنبيه: حول التفصيل بين قلّة ماء البئر و كثرته

من هنا يعلم وجه التفصيل بين القلّة و الكثرة «5»؛ فإنّ هاتين الطائفتين إذا تساقطتا، فلا يبقى في خصوص ماء البئر نصّ و لا تعليل، و حيث أنّ في أخبار الحمّام إشكالًا من جهة أنّ استفادة العلّية قابلة للخدشة كما مضى «6» يتعيّن المراجعة إلىٰ أخبار الكرّ، فما في كتب الأصحاب من

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 67 68.

(2) فرائد الأُصول 2: 804 و 818.

(3) كفاية الأُصول: 505 506.

(4) تقدّم في الصفحة 44 45.

(5) لاحظ غاية المراد 1: 72.

(6) تقدّم في الصفحة 26 27.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 64

التوهين الصريح لصاحب هذا الرأي «1»، في محلّه إذا أراد التمسّك بأخبار البئر؛ بالجمع بينها بذلك.

و أمّا إذا كان نظره إلىٰ ما ذكر فلا يستبعد، و لكنّه غير صحيح؛ لما عرفت.

و أمّا إذا كان نظرهم إلىٰ أنّ قضيّة الجمع بين أخبار البئر، هو التفصيل؛ بحمل ما يدلّ على النجاسة على القليل، و ما يدلّ على الطهارة على الكثير؛ بشهادة بعض المآثير التي أشرنا إليها، و لاقتضاء أخبار الكرّ ذلك، فهو غير سديد؛ ضرورة أنّ الشهادة بعد ما مضى ساقطة، و مفروضيّة النزح في الآبار، دليل كثرة مياهها، فلا معنىٰ لحمل تلك الطائفة الكثيرة على القلّة.

بل لا يعقل؛ لأنّ الأمر بالنزح سبعين دلواً «2»، أو أربعين دلواً «3»، أو ثلاثين دلواً «4»، لا يساعد علىٰ كونها قليلة، بعد كون «الدلو» ما هو المكيال المعروف، و لو كان الأمر بالنزح لتطهير تلك المياه به، لكان ذلك غير مختصّ بالبئر، فيعلم من ذلك أنّ المطهّر ليس هو النزح، بل هو مقدّمة

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 196، التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 284، مهذّب

الأحكام 1: 224.

(2) تهذيب الأحكام 1: 234/ 678، وسائل الشيعة 1: 194، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 21، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 1: 244/ 702، وسائل الشيعة 1: 191، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 20، الحديث 1.

(4) تهذيب الأحكام 1: 413/ 1300، وسائل الشيعة 1: 181، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 16، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 65

لتطهير الآبار بالمادّة التي توجد فيها تدريجاً، و توجب زوال تغيّرها، أو حصول طهارتها بالماء الخارج.

هذا مع أنّ صحيحة ابن بَزيع، لا تساعد ذلك الجمع، من غير فرق بين كون القليل علّة للحكم في الصدر، كما هو المختار «1»، أو علّة لما في الذيل، كما عليه الأكثر.

و ممّا يدلّ علىٰ فساده، الأوامر الصادرة بالنزح في غير النجاسات، كالعقرب «2» و البعرة «3» و الحيّة «4» و غير ذلك «5».

التمسّك برواية الثوري على التفصيل السابق و إبطاله

إن قلت: صريح رواية الحسن بن صالح الثوريّ، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) التي ذكرناها في أخبار الكرّ، أنّه (عليه السّلام) علىٰ ما فيها قال: «إذا كان الماء في الرَّكيّ كرّاً لم ينجّسه شي ء».

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 159 160.

(2) تهذيب الأحكام 1: 238/ 690، وسائل الشيعة 1: 188، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 19، الحديث 5.

(3) الكافي 3: 5/ 1، وسائل الشيعة 1: 176، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 14، الحديث 21.

(4) الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 94، مستدرك الوسائل 1: 205، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 18، الحديث 2.

(5) الكافي 3: 6/ 9، وسائل الشيعة 1: 189، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 19، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 66

قلت: و

كم الكرّ؟ .. «1».

و توهّم إعراض القدماء و المتأخّرين عنها، غير تامّ؛ لذهاب المشهور إلى الإفتاء بها في اعتبار حدّ الكرّ، الصريحة في الأبعاد الثلاثة، و الالتزام بالتفكيك بين الصدر و الذيل، غير مساعد مع بناء العقلاء، فكون الحسن بتريّاً زيديّاً متروك الحديث «2»، لا يضرّ به هنا.

قلت: أوّلًا: يشترط في الانجبار الشهرة العمليّة، و مجرّد الوفاق في المضمون غير كافٍ، و تلك الشهرة غير ثابتة، بعد وجود الروايات الأُخر موافقةً لفتوى المشهور في تلك المسألة.

و ثانياً: كون «الركيّ» و «الركيّة» مرادفي «البئر» غير واضح، و بعد المراجعة إلىٰ قلّة استعمالهما، و كثرة استعمال «البئر» مع التوجّه إلىٰ أنّ الحفرة لحفظ الماء في ذلك الزمن، كانت مورد الحاجة اتفاقاً لعدم وجود الآبار ذات المادّة في جميع المحالّ يحصل الاحتمال العقلائيّ دفعاً للترادف البعيد في نفسه.

علىٰ أنّ «الركيّ» هو البئر بدون المادّة، و يشهد لذلك المراجعة إلى المشتقّات الأُخر من هذه المادّة، ففي «أقرب الموارد» قال: «ركا الأرض حَفرها، و المركوّ الحوض الكبير» «3» انتهىٰ.

______________________________

(1) الكافي 3: 2/ 4، وسائل الشيعة 1: 160، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 9، الحديث 8.

(2) تهذيب الأحكام 1: 408، ذيل الحديث 1282.

(3) أقرب الموارد 1: 430.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 67

فما في كتب اللّغة: من تفسير «الركيّة» بالبئر «1»، لا يستلزم كونها البئر المقصودة في المآثير، و استعمالها في رواية الحسين بن أبي العلاء في أبواب التيمّم «2»، لا يضرّ بالاحتمال المزبور، كما لا يخفى.

بحث و تحقيق: في أوامر نزح البئر

نسب إلى الشيخ، القول بالطهارة و وجوب النزح تعبّداً «3»، و المحكيّ عن «المنتهىٰ» «4» و «الموجز» و غيرهما «5» اتباعه.

و المشهور هو الاستحباب «6»، و ظاهرهم الاستحباب النفسيّ.

و الذي هو

الأقرب: أنّ تلك الأوامر إرشاديّة إلىٰ أمر يحصل أحياناً بطول المدّة، و ورود الماء على البئر، و قد مضى منّا الإيماء إليه «7».

و ضعف القول الأوّل لا يحتاج إلىٰ مزيد تأمّل؛ لما ورد في المآثير الكثيرة ما يكون قرينة قطعيّة عليه: من الاكتفاء بالحركة الحاصلة من الدلو «8».

______________________________

(1) الصحاح 6: 2361، القاموس المحيط 4: 338، مجمع البحرين 1: 195.

(2) الكافي 3: 64/ 7، وسائل الشيعة 3: 345، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 3، الحديث 4.

(3) المهذّب البارع 1: 85، تهذيب الأحكام 1: 232.

(4) مفتاح الكرامة 1: 79/ السطر 25، منتهى المطلب 1: 11/ السطر 2.

(5) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 195.

(6) الحدائق الناضرة 1: 350، جواهر الكلام 1: 203، مهذّب الأحكام 1: 224.

(7) تقدّم في الصفحة 58.

(8) تهذيب الأحكام 1: 245/ 708، وسائل الشيعة 1: 189، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 19، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 68

و من الاختلاف الشديد في تلك المآثير بأنفسها.

و من أنّه أمر بعيد قطعاً، لا يمكن الالتزام به جدّاً.

و من ذهاب الكلّ إلىٰ خلافه.

و من التعابير المشتملة على الخطاب المخصوص بالمكلّفين، التي هي ظاهرة في عدم الوجوب، و لا يناسب ذلك مع الوجوب الشرعيّ، كقولهم (عليهم السّلام): «يكفيك خمس دلاء» «1».

أو «يجزيك أن تنزح منها دلاء» «2».

أو «يكفيك» كذا و كذا، علىٰ ما في المآثير المختلفة.

بل قضيّة رواية أبي بصير حيث قال: «فإن سقط فيها كلب فقدرت أن تنزح ماءها فافعل» «3» عدم النجاسة، و عدم الوجوب، فليتدبّر.

و أمّا ضعف الاستحباب، فهو مضافاً إلى بعض الاستبعادات المشار إليها يخصّ بأمر آخر؛ و هو سقوط هذه الطائفة بالمعارضة.

اللّهمّ إلّا أن يقال: بأحد الأمرين؛ عدم سقوطها إلّا

من جهة دلالتها على النجاسة، أو عدم كونها من الأخبار المعارضة لأخبار الطهارة، و الأوّل غير

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 237/ 684، وسائل الشيعة 1: 184، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 17، الحديث 7.

(2) تهذيب الأحكام 1: 237/ 686، وسائل الشيعة 1: 182 183، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 17، الحديث 2.

(3) الكافي 3: 6/ 6، وسائل الشيعة 1: 185، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 17، الحديث 11.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 69

صحيح، و الالتزام بالثاني قريب، لولا الذي مرّ منّا تفصيله «1».

وجه التقريب: أنّ النزح يلازم سراية النجاسة إلى النازحين و أطراف البئر، و هذا يستلزم السؤال منهم (عليهم السّلام) فيعلم من ذلك عدم الملازمة بينه و بين النجاسة، و هذا التقريب ممّا يشهد في نفسه علىٰ طهارة مياه الآبار، فلاحظ و تدبّر جيّداً.

عدم إرادة التحديد الشرعي من الدلاء المذكورة في الأخبار

ثمّ إنّ الظاهر أنّ المقادير المعيّنة في المآثير من المائة، و السبعين .. إلى السبع، و دلو واحد «2» ليست على التحديد الشرعيّ، بل قضيّة اختلافها من تلك الجهة، أنّ الأمر فيها بني على النظر إلى الكثرة المناسبة للنجس الواقع في البئر، و لذلك ورد بنحو كلّي للإنسان الذي هو الأكبر سبعون، و للعصفور واحدة «3»، و لما بينهما ما يناسبه.

و أنت خبير: بأنّ كلمة «المائة» و «السبعين» و «الأربعين» و «السبع» كلّها كلمات جي ء بها في شتّى الأخبار؛ كناية عن الكثرة العرفيّة، من غير النظر إلى الحدّ الخاصّ.

و يؤيّد ذلك، الأمر بنزح دلاء غير معيّنة «4»، و حملها علىٰ جمع القلّة

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 60 61.

(2) وسائل الشيعة 1: 179 196، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 15 23.

(3) تهذيب الأحكام 1:

234/ 678، وسائل الشيعة 1: 194، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 21، الحديث 2.

(4) الكافي 3: 5/ 1، وسائل الشيعة 1: 176، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 14، الحديث 21.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 70

- و هي العشرة «1» لا يورث قصورها عن الشهادة علىٰ ما هو المطلوب.

و يدلّ عليه، اختلاف الأمر بالنزح في الموضوع الواحد «2»، فلا تغفل جدّاً.

و لعمري، إنّ اللّازم علىٰ علماء الإسلام و فقهاء المذهب، حذف هذه المباحث عن الكتب الفقهيّة، و إيكالها إلىٰ بعض الكتب الأُخر، كيف؟! و الديانة العظمىٰ أعظم شأناً من ذلك، و الواجب عليّ تهذيب الفقه، و لكنّ المجال غير واسع.

تنبيه: في استحباب كون ماء الوضوء أو الشرب طيّباً

بعد ما أحطت خبراً بما في روايات البئر، فاعلم: أنّ المتفاهم من بعضها استحباب كون ماء الوضوء و الشرب طيّباً غير متنفّرة عنه الطباع، ففي صحيحة الفضلاء زرارة، و محمّد بن مسلم، و يزيد بن معاوية عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أبي جعفر (عليه السّلام): في البئر يقع فيها الدابّة و الفأرة و الكلب و الخنزير و الطير فيموت.

قال: «يخرج، ثمّ ينزح من البئر دلاء، ثمّ اشرب و توضّأ» «3».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 245، ذيل الحديث 705.

(2) وسائل الشيعة 1: 179، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 15، الحديث 2 و 3.

(3) تهذيب الأحكام 1: 236/ 682، وسائل الشيعة 1: 183 184، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 17، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 71

و مثلها غيرها «1».

و توهّم حرمة الاستعمال الخاصّ، كالشرب و التوضّي و الاغتسال؛ لما في بعض الأخبار، ممنوع بالنصوص المرخّصة.

و دعوى الجمع بينهما؛ بحمل الثانية علىٰ ما بعد النزح، غير قابلة

للإصغاء إليها.

مسألة: في كيفيّة تطهير ماء البئر عند تغيّره

لو تغيّر ماء البئر بالنجس الواقع فيه، فهل يطهر بالنزح المؤدّي إلىٰ زواله «2»؟

أو لا بدّ من نزح مائه كلّه «3»؟

أو لا يشترط النزح، بل يكفي زواله من قبل نفسه مع الاتصال بالمادّة «4»؟

أو يكفي ذاك، و يعتبر الامتزاج «5»؟

وجوه و أقوال. و من الممكن دعوى: أنّ النزح المخصوص غير كافٍ، بل لا بدّ من نزح مائه كلّه؛ لما ورد في كثير من الروايات التي ذكرناها في

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 237/ 685، وسائل الشيعة 1: 184، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 17، الحديث 6.

(2) مستند الشيعة 1: 84.

(3) المبسوط 1: 11.

(4) مدارك الأحكام 1: 102، العروة الوثقىٰ 1: 42، فصل في ماء الحمّام.

(5) العروة الوثقىٰ 1: 42، فصل في ماء الحمّام، الهامش 1.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 72

الطائفة الثالثة «1».

و لكنّها لا تنهض لذلك؛ لأنّها إذا كانت دلالتها تامّة علىٰ نجاسة البئر؛ و أنّ المفروض مثلًا فيها تغيّر الماء، و نجاسة الباقي بالملاقاة مع الماء المتغيّر، فهو، و إلّا فلا يستفاد منها إلّا مثل ما يستفاد من غيرها، و لا سيّما مع ورود النصوص الصحيحة علىٰ عدم لزوم نزح كلّه، بل فيها: «ينزح حتّى يذهب النتن» «2» و «يؤخذ منه حتّى يذهب الريح» كما في صحيحة الشحّام، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «3».

و أمّا لزوم النزح و عدمه، فقد مضى تفصيله في المباحث السابقة، و أنكرنا رأساً بقاء نجاسة الماء المتغيّر بعد زوال تغيّره و لو لم يكن اتصال بالمادّة، فضلًا عن اعتبار الامتزاج، و ذكرنا هناك: أنّ التعليل في صحيحة ابن بَزيع راجع إلى الصدر، و لا يحتاج إليه في الذيل، بل لا معنىٰ لرجوعه إليه،

فلا تخلط «4».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 54.

(2) تهذيب الأحكام 1: 236/ 681، وسائل الشيعة 1: 183، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 17، الحديث 4.

(3) تهذيب الأحكام 1: 237/ 684، وسائل الشيعة 1: 184، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 17، الحديث 7.

(4) تقدّم في الصفحة 45 و ما بعدها.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 73

دلالة أخبار النزح على كفاية زوال التغيّر

و أمّا دلالة أخبار النزح علىٰ كفاية زوال التغيّر؛ لعدم تذيّلها بذيل التعليل، و لظهورها في أنّ المدار و الغاية هو زوال تلك الحالة، فهي ممّا لا مجال للخدشة فيها.

و دعوىٰ: أنّ موردها البئر، و النزح يستلزم الامتزاج بالمادّة، أو أنّ الاتصال مفروغ عنه، غير مانعةٍ عن الرجوع إلىٰ ما هو الظاهر في الأخبار، بعد مساعدة الاعتبار؛ ضرورة أنّ النجاسة معلول التغيّر، و لا معنىٰ لبقائها بدون علّتها.

مع أنّك أحطت خبراً: بأنّ قوله (عليه السّلام) في صحيحة ابن بَزيع: «حتّى يذهب ريحه، و يطيب طعمه» ناظر إلىٰ أنّ تمام الطهارة هو حصول الطيب، و ليس وراء الطيب العرفيّ طهارة أُخرى شرعيّة، فنحتاج في حصولها إلى الاتصال أو الامتزاج، بل الطهارة المقصودة الممضاة في الشريعة هي هذه، فلا ينبغي الإشكال بعد ذلك الوضوح في هذا المقال.

رجوع التعليل في صحيحة ابن بَزيع إلى الصدر

و من العجيب، ما التزموا به في صحيحة ابن بَزيع؛ من أنّ التعليل في الذيل، راجع إلىٰ جملة محذوفة، و هي هذه: «فإذا ذهبت ريحه، و طاب طعمه يطهر؛ لأنّه له مادّة»!! و هل هذا إلّا الجزاف، و هل هي إلّا الغفلة عن المرام؟! و ليس سبب هذا الالتزام، إلّا أنّهم رأوا أنّه لا يناسب قوله: «حتى

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 74

يطيب طعمه» فإذن لا بدّ من ذلك.

و لكنّك إذا راجعت ما شرحناه حولها سابقاً «1»، و تأمّلت في الصحيحة صدرها و ذيلها، تجد أنّ رجوع التعليل إلىٰ حلّية الصدر التي هي محطّ نظر المتكلّم في الرواية قطعاً من الضروريّات الأوّلية، فلا تغترّ بما في الكتب المطبوعة.

مسألة: في الشكّ في صدق «البئر»

لو شكّ في صدق «البئر» فعلى القول بسقوط الأحكام الخاصّة، فلا ثمرة عمليّة؛ لأنّ اعتصامه من أحكام كونه ذا مادّة، سواء كان بئراً، أو لم يكن، و سقوط تلك الأحكام، لا يكون لأجل العمل بصحيحة ابن بَزيع، كما توهّم «2».

مع أنّ المستفاد من أخبار الحمّام «3» أيضاً، هو علّية المادّة للاعتصام، فلا حاجة إليها كما لا يخفىٰ.

و على القول بثبوتها من وجوب النزح أو استحبابه، فإن كان منشأ الشبهة أمراً خارجيّاً، فلا مانع من التمسّك بالاستصحاب الموضوعيّ إذا كانت لها الحالة السابقة.

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 159 160.

(2) التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 126.

(3) تهذيب الأحكام 1: 378/ 1168، وسائل الشيعة 1: 149، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 7، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 75

و إذا لم تكن لها الحالة السابقة، أو كانت الشبهة مفهوميّة، و قلنا: بعدم جريان الاستصحاب الموضوعيّ في الشبهة المفهوميّة، و أنّه لا تجري

الاستصحابات التعليقيّة الاختراعيّة الحكميّة، فلا يترتّب الآثار الخاصّة.

و أمّا انفعاله بالملاقاة، فهو أيضاً بلا وجه؛ لما ذكرناه، فما في بعض كتب أهل العصر من تقوية القول بالانفعال «1»، في غاية الضعف؛ لأنّ مفروضيّة انفعال البئر بالأدلّة الخاصّة، لا تستلزم انفعال كلّ ذي مادّة و إن لم يكن بئراً.

و توهّم اختصاص دليل عدم انفعال ذي المادّة بالصحيحة، في غاية الوهن و السخافة فلا تخلط.

______________________________

(1) التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 122.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 77

المبحث التاسع في الماء المستعمل في الأحداث و الأخباث

اشاره

و الكلام حوله يتمّ ضمن فصول:

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 79

فصل في طهارة المستعمل و مطهّريته حسب القواعد
حكم المستعمل في الحدث

قضيّة ما مرّ في أوّل الكتاب من الكتاب و السنّة، طهارة جميع المياه و مطهّريّتها «1».

و مقتضى إطلاق تلك الأدلّة، عدم الفرق بين الحالات الطارئة عليها، ما دام لم يدلّ دليل علىٰ خروجها عن الحكم المزبور، فالماء المستعمل في الحدث؛ صغيراً كان أو كبيراً، أو المستعمل لتحصيل الطهارة المعنويّة مثلًا كما في الأغسال المندوبة، و الوضوء التجديديّ طاهر و مطهّر، من غير فرق بين كونه مستعملًا في جميع الأعضاء أو بعضها، مرّة أو مرّات، ما دام صدق «الماء» عليه، و لم ينجس بملاقاة النجس، و من غير فرق

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 20 38.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 80

بين القليل و المعتصم، و كونه وارداً أو موروداً.

و توهّم: أنّ اعتبار المستعمل في الحدث، كاعتبار المستعمل في الخبث، فكما أنّ الثاني يحمل النجاسة مثلًا، و يكون متنجّساً، كذلك الأوّل، فإنّه يذهب بالجنابة و الحدث، فتكون هذه الحالة قائمة به بعد ذلك، فيعدّ ماء خبيثاً غير نظيف، و غير طيّب، و لا يكون عند ذلك مطهّراً، و لا طاهراً، في غير محلّه كما لا يخفى.

هذا بناءً علىٰ تصديق الكبرى المزبورة.

و أمّا على الإشكال فيها فيشكل الأمر هنا؛ لأنّ الشكّ في زوال الحدث به، يقتضي البناء علىٰ بقائه، فلا بدّ من التماس الدليل الخاصّ في المسألة.

نعم، قد مرّ منّا إمكان التمسّك باستصحاب الطهارة و المطهّرية المنجّزة، لا المعلّقة؛ فإنّ المطهّرية من الأوصاف التنجيزيّة للماء «1».

أو يقال: بأنّ الطهارة الشرعيّة في الماء، تلازم المطهّرية عرفاً.

و أيضاً: مرّ منّا في بعض المواقف، الإشكال بأنّ الطهارة الشرعيّة تثبت بالاستصحاب أو قاعدتها، و المطهّرية

تثبت بالاستصحاب، و لكن ذلك غير وافٍ؛ لأنّ المطلوب إثبات أنّ هذا الماء الطاهر مطهّر، و هو لا يثبت بذلك «2».

اللّهمّ إلّا أن يقال: «كان هذا الماء طهوراً، و هو الآن كذلك» و رجوع

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 104 106.

(2) نفس المصدر.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 81

«الطهور» إلى الأمرين، لا يستلزم الانحلال في موضوع الدليل الاجتهاديّ، فلا تخلط.

حكم المستعمل في الخبث

و من هنا يظهر النظر في مقتضى القاعدة في المستعمل في الأخباث؛ شرعيّة كانت، أو عرفيّة، و هي الطهارة و المطهّرية.

نعم، بناءً علىٰ عدم الفرق في انفعال القليل بين النجس الوارد و المورود، تكون الغسالة نجسة.

ثمّ إنّ في جريان استصحاب النجاسة بعد الاغتسال بالماء المستعمل، إشكالًا ينشأ من المباني في حقيقة النجاسة و الطهارة.

فصل في طهارة المستعمل في الوضوء الرافع دون مطهّريته

المستعمل في الوضوء طاهر و مطهّر للحدث و الخبث، بلا خلاف بين الإماميّة «1»، و هو المحكيّ عن أكثر العامّة «2»، و قد نطقت به الآثار

______________________________

(1) المعتبر 1: 85، تذكرة الفقهاء 1: 34، مدارك الأحكام 1: 126، جواهر الكلام 1: 358.

(2) تذكرة الفقهاء 1: 34.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 82

المرويّة خصوصاً «1»، و ضعف سندها غير مضرّ. و في جبرانه بالعمل إشكال؛ لعدم قيام الشهرة العمليّة عليها.

بل في كفاية الشهرة العمليّة لجبران ضعفها في خصوص المقام شبهة: و هي أنّ الحكم المتلقّىٰ من القواعد العامّة، لا يحتاج إلى النصّ، و التمسّك بالنصّ لا يدلّ علىٰ حصر السند به، و هذا و هو الانحصار شرط في الجبر «2»، فما ظنّه كثير من الأصحاب في المقام، لا يرجع إلىٰ محصّل.

كما أنّ توهّم ذهاب أبي حنيفة «3» و غيره إلىٰ نجاسته نجاسة مغلّظة، غير موافق لما وصل إلينا منه في الكتب المفصّلة «4».

نعم، عندي في المسألة شبهة: و هي أنّ من المحتمل شرطيّة النظافة العرفيّة في مطهّرية الماء للأحداث، و يشهد لذلك النواهي المشار إليها في البئر، الظاهرة في لزوم كون ماء الوضوء نظيفاً، و لا أقلّ من استحبابه و كراهة التوضّي، بناءً علىٰ ما مرّ من ورود الترخيص بالتوضّي قبل النزح «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 209 210، كتاب الطهارة،

أبواب الماء المضاف، الباب 8.

(2) تحريرات في الأُصول 6: 388 و ما بعدها.

(3) المجموع 1: 151/ السطر 6، مدارك الأحكام 1: 126، مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 219.

(4) اللباب في شرح الكتاب 1: 23.

(5) تهذيب الأحكام 1: 246/ 709، وسائل الشيعة 1: 172، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 14، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 83

و يدلّ عليه ما مرّ في الماء إذا تغيّر لونه و ريحه و طعمه، بناءً علىٰ ما أسّسناه هناك؛ من أنّ النهي عن الشرب و التوضّي و الغسل، لا يستلزم النجاسة «1»، و غايته شرطيّة نظافته في ذلك، و هذا هو رأي الأوزاعيّ و أحمد و محمّد، و هو القول الثاني للشافعيّ، و الرواية الأُخرىٰ عن مالك، و هو المشهور عن أبي حنيفة «2».

فبالجملة: لا منع من الالتزام بالتفكيك بين طهارته و مطهّريته، فنلتزم بالأُولىٰ دون الثانية، و هذا هو الموافق لذوق العقلاء و روح الشريعة.

أو الالتزام بعدم مطهّريته مع وجود المياه النظيفة، و لعلّ إليه يرجع ما عن المفيد، فقال: «الأفضل تحرّي المياه الطاهرة التي لم تستعمل في أداء فريضة، و لا سنّة» «3» انتهىٰ.

فصل في حكم المستعمل في الغسل الندبيّ و الوضوء التجديديّ

المستعمل في الأغسال المندوبة و الوضوءات التجديديّة، كالمستعمل في الأشياء النظيفة العرفيّة، بل و كالمستعمل لغسل اليد في

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 116 117.

(2) المغني، ابن قدامة 1: 18/ السطر 16 17، المجموع 1: 151/ السطر 4، و 153/ السطر 4، تذكرة الفقهاء 1: 34.

(3) مفتاح الكرامة 1: 87/ السطر 29، المقنعة: 64.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 84

الأكل قبله و بعده، و غير ذلك من السنن و الآداب، و لا ينسب إلىٰ أحد إشكال فيه «1»، و

ما ربّما يمكن تخيّله في المستعمل في الأحداث، غير لازم هنا كما لا يخفى.

و لا فرق بينما صار واجباً بالعرض كالمنذور و شبهه، و بين غيره.

و قال الصدوق في «المقنع» و «الفقيه»: «لا بأس أن تغتسل المرأة و زوجها من إناء واحد، لكن تغتسل بفضله، و لا يغتسل بفضلها» «2».

و عن أحمد في تطهير الرجل بفاضل طهارة المرأة روايتان: المنع، و الكراهة «3».

و حكي عن المفيد أفضليّة التحرّي كما عرفت «4»، و أمّا استحباب التنزّه عن المستعمل في الأغسال المندوبة و الوضوء، فهو غير ثابت نسبته إليه، و الأمر علىٰ كلّ تقدير سهل.

و سند الصدوق في التفصيل غير معلوم لي، و مستند المفيد واضح؛ لأنّ هذا خلاف النظافة التي هي «من الإيمان».

و من العجب تمسّك «الحبل المتين» «5» بفتوى المفيد برواية ابن جعفر، عن الرضا (عليه السّلام) في حديث، قال كما في «الوسائل»: «من اغتَسَل

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 36، الحدائق الناضرة 1: 438، مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 219.

(2) المقنع: 40، الفقيه 1: 12، ذيل الحديث 22.

(3) المغني، ابن قدامة 1: 214/ السطر 8، تذكرة الفقهاء 1: 38.

(4) تقدّم في الصفحة 83.

(5) الحبل المتين: 116/ السطر 19.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 85

من الماء الذي اغتُسِل فيه فأصابه الجُذام، فلا يلومنّ إلّا نفسه» «1»!! و أعجب منه قول «الحدائق»: «بأنّ هذا الحديث مقتضىٰ ذيله مربوط بماء الحمّام» «2»!! ضرورة أنّ رأي المفيد كما مرّ، أعمّ من الحديث مفاداً، و ذيل الحديث و إن يورث اختصاص المورد بالحمّام، و لكن العرف لا يجد خصوصيّة في ذلك، فما هو المحكيّ عن الشيخ المذكور المحقّق الواقف على أسرار المذهب و روح الشرائع في غاية المتانة؛ لما

عرفت منّا، و لا حاجة إلى الفحص عن مستنده، كما لا يخفى.

و غير خفيّ أيضاً: أنّ ما ذكرناه في الفصل السابق من الشبهة في المطهّرية «3»، يأتي هنا أيضاً.

فصل في طهارة المستعمل في رفع الحدث الأكبر
اشارة

المستعمل في الحدث الأكبر، كالجنابة و الحيض و النفاس، و هكذا المستعمل في الاستحاضة و مسّ الميّت، و هكذا المستعمل في الوضوء

______________________________

(1) الكافي 6: 503/ 38، وسائل الشيعة 1: 219، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 11، الحديث 2.

(2) الحدائق الناضرة 1: 437.

(3) تقدّم في الصفحة 82 83.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 86

المرفوع به الحدث الأكبر مع دخالته جزءً في ذلك، طاهر بلا خلاف أيضاً، و عليه الإجماعات المنقولة «2». و من قال من العامّة بنجاسته في المسألة السابقة كأبي يوسف «3» قال به هنا، كما في «مفتاح الكرامة» «1».

و ربّما ينسب إلى ابن حمزة نجاسته «2»، و هو في غير محلّه؛ قال في «الوسيلة» بعد أن قسّم المياه إلىٰ عشرة:

«و أمّا المستعمل فثلاثة أضرب: مستعمل في الطهارة الصغرىٰ، و مستعمل في الطهارة الكبرى، و مستعمل في إزالة النجاسة:

فالأوّل: يجوز استعماله ثانياً في رفع الحدث و في إزالة النجاسة.

و الثاني و الثالث: لا يجوز ذلك فيهما، إلّا أن يبلغ كرّاً فصاعداً بالماء الطاهر» «3» انتهىٰ.

و أنت خبير: بقصور عبارته عن اختياره نجاسته.

الاستدلال على نجاسة المستعمل في رفع الحدث الأكبر

و كيف كان: يمكن دعوى النجاسة؛ لطائفة من المآثير التي استدلّ بها علىٰ ممنوعيّة مطهّريته؛ بدعوى أنّ نفي الجواز يرشد إلى النجاسة

______________________________

(2) المعتبر 1: 86، قواعد الأحكام 1: 5/ السطر 17، كشف الرموز 1: 58.

(3) الخلاف 1: 172، المبسوط، السرخسي 1: 46/ السطر 16.

(1) مفتاح الكرامة 1: 88/ السطر 10.

(2) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 219.

(3) الوسيلة: 74.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 87

عرفاً، فمن منَع مطهّريته فعليه منع طهارته، كما أنّ من منَع صحّة الصلاة في عرق الجنب من الحرام منع طهارته؛ للملازمة العاديّة و العرفيّة،

و لو سلّم الالتزام بالتفكيك في المثال المزبور- كما التزم به جمع من الأعلام «1»؛ لوقوعه في الشريعة في أوبار ما لا يؤكل لحمه مع طهارتها فلا يسلّم ذلك هنا.

فما في رواية ابن سِنان الآتية من قوله: «الماء الذي يغسل به الثوب، و يغتسل به الرجل من الجنابة، لا يجوز يتوضّأ منه و أشباهه» «2»، و في رواية حمزة بن أحمد: «و لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمّام؛ فإنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب» «3» و في غيرهما، دليل على النجاسة؛ للتلازم العقلائيّ المركوز عليه.

نعم، بناءً علىٰ ما يأتي في الفصل الآتي حولها من الإشكالات السنديّة و الدلاليّة، فلا يتمّ القول بالنجاسة هنا.

و يمكن دعوى: أنّ نفي الوضوء غير الأمر بالغسل؛ فإنّ الثاني يشهد على اعتبار النجاسة، بخلاف الأوّل؛ لأنّ ذلك أعمّ عرفاً، كما في الماء المغصوب، و لا سيّما مع قوّة احتمال شرطيّة النظافة أو استحبابها فيما

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 71، الحادي عشر من النجاسات.

(2) تهذيب الأحكام 1: 221/ 630، وسائل الشيعة 1: 215، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 9، الحديث 13.

(3) تهذيب الأحكام 1: 373/ 1143، وسائل الشيعة 1: 218، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 11، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 88

يتوضّأ به، فلا منع من التفكيك، كما عن جمع من الأقدمين «1».

المستعمل في الحدث الأكبر على الوجه الذي مرّ، مطهّر من الأخباث، و لعلّ هذا هو الأمر المفروغ عنه في معاقد الإجماعات المحكيّة عن جماعة من الأصحاب «2».

و عن «الذكرى» بعد أن نقل عن الشيخ الجواز، قال: «و قيل: لا» «3» و ظاهره وجود المخالف، و هو ابن حمزة الطوسي علىٰ

ما عرفت من العبارة المحكيّة عن «وسيلته» سابقاً «4»، الظاهرة في نفي جواز استعماله في الحدث و الخبث، و عن «المقنع» ما هو القريب منه «5».

و ربّما يشكل استفادة نفي المطهّرية من عبارتهما؛ لأنّ نفي جواز الاستعمال، غير ملازم لذلك، كما في المغصوب.

و بالجملة: على القول بنجاسته فهذا الحكم واضح، و أمّا على القول بطهارته فيحتاج إلى الدليل، و ما يأتي من الأدلّة علىٰ نفي مطهّريته من الحدث، غير وافية لذلك كما ترى.

نعم، بناءً علىٰ ما أشرنا إليه: من أنّ القذارات الشرعيّة و العرفيّة، ليست مختلفة في الحقيقة، و أنّ مطهّرية المياه ليست شرعيّة، بل هي

______________________________

(1) الفقيه 1: 10، المقنعة: 64، المبسوط 1: 11.

(2) إيضاح الفوائد 1: 19، مفتاح الكرامة 1: 88/ السطر 15، مستند الشيعة 1: 100، مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 220.

(3) لاحظ ذكرى الشيعة: 12/ السطر 15.

(4) تقدّم في الصفحة 84.

(5) مفتاح الكرامة 1: 88/ السطر 18، المقنع: 41.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 89

طبيعيّة عقليّة «1»، و لا حقيقة شرعيّة في معنىٰ مطهّرية المياه و إن قلنا بها في النجاسة و الطهارة، فإذا راجعنا العرف في مطهّرية الماء المستعمل في رفع الحدث، الملازم قهراً لبعض الأقذار العرفيّة، فلا نجد إلّا تنفّرهم و استقذارهم، فتكون الأدلّة منصرفة عنه.

بل في شمولها لها إشكال؛ للشكّ في مطهّريّته، مع انصراف أدلّة الاستصحاب عند العرف عن شمول هذه المواقف.

أو يقال: إنّ الأماكن و الأمصار و الأعصار، مختلفة في ذلك، ففي بعض منها لا يجد فيه القذارة، و يراه مطهّراً من كلّ شي ء، و في بعض منها ينعكس الأمر، فيكون الحكم تابع موضوعه حسب تشخيص المكلّفين، كما في سائر الموارد و المواضيع، فلا تخلط، و

لا تغفل.

و لعمري، إنّ ذهاب المشهور إلى المطهّرية، منشؤه الغفلة عن أنّ المطهّرية غير الطهارة و النجاسة، فإنّ فيهما اختلافاً من القديم: في كونهما من الحقائق المنكشفة بالشرع، أو من المجعولات الشرعيّة، أو هي عرفيّة إمضائيّة إلّا في مواضع خاصّة، و أمّا عنوان «المطهّرية» فليس فيه خلاف؛ و أنّه من قبيل سائر العناوين العرفيّة، موكول إلى العرف سعةً و ضيقاً، و محوّل إليهم مفهوماً و صدقاً، علىٰ ما تقرّر في محلّه «2»، و فيما نحن فيه لا يعدّ الماء المزبور مطهّراً.

و لو سلّمنا أنّ الشرع تصرّف في المطهّرات، فلا نسلّم تصرّفه في

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 21 و 23.

(2) نفس المصدر.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 90

مطهّرية الماء، فإنّها بيد العرف و العقلاء، و لا دليل شرعيّ لفظيّ علىٰ أنّ كلّ ماء طاهر شرعاً مطهّر، حتّى يتمسّك به، فتدبّر جيّداً.

فصل في مطهّرية المستعمل في الحدث الأكبر
اشاره

المستعمل في الحدث الأكبر مطهّر من الأحداث الصغيرة و الكبيرة.

و المراد من «الحدث الأكبر» كلّ ما يوجب الغسل، سواء أوجب الوضوء، أم لم يوجب.

أو يقال: سواء كان غسله كافياً عن الوضوء كالجنابة، أو لا.

و إن شئت قلت: المراد من «الحدث الأكبر» ما يقابل الأصغر، فيشمل الحدث الكبير، فإنّ الأحداث ثلاثة: حدث صغير و هو ما يوجب الوضوء، و كبير و هو ما يوجب الغسل، و أكبر و هو ما يوجبهما، فتكون الجنابة كبيرة.

و هنا بيان آخر لأكبريّتها، ليس هنا محلّه.

حول الأقوال في المقام

و علىٰ كلّ تقدير: مطهّرية الماء المستعمل فيه، هي المشهورة بين الفقهاء حديثاً، و في «الروض» و «الدلائل»: «أنّه المشهور» «1» و إليه

______________________________

(1) روض الجنان: 158/ السطر 8، مفتاح الكرامة 1: 88/ السطر 21.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 91

ذهب طائفة من القدماء، كالسيّد و أبي يعلى، و السيّد حمزة ابن زهرة «1».

و خالفهم في ذلك جمع، كالصدوقين و الشيخين و القاضي و الطوسيّ «2»، و جماعة من أتباعهم المتوسّطين كالمحقّق «3»، و عن «الخلاف»: «هو مذهب أكثر أصحابنا» «4».

و ظاهر ما نسب إلىٰ أهل الخلاف في «الخلاف» أنّهم قائلون: «بأنّ الماء المستعمل طاهر و مطهّر» «5» و لا يستفاد منه التفصيل بين أنحاء المستعملات. و عن «حاشية المدارك»: «أنّه المشهور بين القدماء» «6».

و هنا قول ثالث ظاهر من «المبسوط» حيث قال: «ما استعمل في غسل الجنابة و الحيض، فلا يجوز استعماله في رفع الأحداث و إن كان طاهراً، فإن بلغ ذلك كرّاً زال حكم المنع من رفع الحدث؛ لأنّه قد بلغ حدّا لا يحتمل النجاسة» «7» انتهىٰ.

و قضيّة هذه العبارة جواز التطهير بالمتمّم كرّاً.

و أمّا توهّم التفصيل بين الكرّ و الجاري

مثلًا، فهو في غير محلّه، و لا يظهر من أحد من الأصحاب منع استعمال هذه المياه.

______________________________

(1) رسائل الشريف المرتضىٰ 3: 22، مفتاح الكرامة 1: 88/ السطر 19، الغنية، ضمن الجوامع الفقهية: 490/ السطر 20.

(2) الفقيه 1: 10، المقنعة: 64، المبسوط 1: 11، جواهر الفقه: 8، الوسيلة: 74.

(3) شرائع الإسلام 1: 8.

(4) الخلاف 1: 172.

(5) الخلاف 1: 172، المحلّىٰ بالآثار 1: 182.

(6) مفتاح الكرامة 1: 88/ السطر 25.

(7) المبسوط 1: 11.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 92

فالذي هو محلّ الكلام، هو القليل المستعمل، و القليل المتمّم، فظاهر إطلاق المانعين المنع مطلقاً، و صريح الشيخ الجواز.

و لعمري، إنّه لا إطلاق في كلماتهم من هذه الجهة، فلا يرجع هذا القول إلىٰ أمر ثالث في المسألة، فتأمّل.

و في قوله: «لا يحتمل النجاسة» شهادة علىٰ أنّه في مسألة القليل المتمّم يقول بالطهارة، و يريد هنا إثبات جواز الاستعمال بالأولويّة.

فما عن «المعتبر» و «الذخيرة» و «الدلائل» من الحكم ببقاء المنع بعد بلوغه كرّاً «1»، لا يورث ظهور كلمات القدماء في الإطلاق، فتأمّل.

هذا، و قد نسب هذا القول إلىٰ «الوسيلة» «2» و تردّد فيه «الخلاف» و «الذكرى» «3».

هذه هي الأقوال المعروفة في المقام و قد حكي تفاصيل أُخر:

كالتفصيل بين الجنابة و غيرها «4».

و كالتفصيل بين غسل الأموات و غيره «5»، و هذا هو في «المهذّب البارع» إلّا أنّه قال بنجاسته بها، و منعه الفاضل العجليّ «6».

______________________________

(1) المعتبر 1: 89، ذخيرة المعاد: 143/ السطر 1، مفتاح الكرامة 1: 88/ السطر 30.

(2) الوسيلة: 74.

(3) الخلاف 1: 173، ذكرى الشيعة: 12/ السطر 9.

(4) مستند الشيعة 1: 105.

(5) المهذّب البارع 1: 117.

(6) لاحظ المهذّب البارع 1: 117، السرائر 1: 61.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)،

ج 2، ص: 93

و كالتفصيل بين الأغسال الواجبة و المندوبة «1».

مقتضى الصناعة و مفاد الأخبار في المطهّرية من الحدث
اشارة

و حيث أنّ المسألة ذات آراء لا يركن إليها، فلا بدّ من النظر إلىٰ أخبارها، و قضيّة ما مضى أوّلًا المطهّرية حسب الصناعة الأوّلية، و مقتضى ما شرحناه ثانياً عدمها، من غير الحاجة في الأُولىٰ و الثانية إلى الأدلّة الخاصّة، و لكن لمّا كان المعوّل النصوص الخاصّة، فلا بدّ من ذكرها، و هي علىٰ طوائف:

الطائفة الأُولىٰ: ما يستدلّ بها على المنع
اشارة

و هي كثيرة:

فمنها: و هي عمدتها، ما رواه «التهذيبان» بإسناده عن عبد اللّٰه بن سِنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «لا بأس بأن يتوضّأ بالماء المستعمل».

و قال: «الماء الذي يغسل به الثوب، أو يغتسل به الرجل من الجنابة، لا يجوز أن يتوضّأ به و أشباهه، و أمّا الماء الذي يتوضّأ الرجل به، فيغسل به وجهه و يده في شي ء نظيف، فلا بأس أن يأخذه غيره و يتوضّأ به» «2».

و في سنده أحمد بن هلال الضعيف المطعون المنسوب إلى الجعل

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 1: 438، جواهر الكلام 1: 364.

(2) تهذيب الأحكام 1: 221/ 630، وسائل الشيعة 1: 215، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 9، الحديث 13.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 94

و الوضع «1»، و لا ريب في أنّ مورده الماء القليل لكلمة «باء».

و منها: معتبر ابن مسلم، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن ماء الحمّام.

فقال: «ادخله بإزار، و لا تغتسل من ماء آخر، إلّا أن يكون فيهم جنب، أو يكثر أهله، فلا يدرى فيهم جنب أم لا» «2».

و منها: ما رواه الشيخ بإسناده عن حمزة بن أحمد، عن أبي الحسن الأوّل (عليه السّلام) قال: سألته أو سأله غيري عن الحمّام.

قال: «ادخله بمئزر، و غضّ بصرك، و لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء

الحمّام؛ فإنّه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب، و ولد الزنا، و الناصب لنا أهل البيت، و هو شرّهم» «3».

و منها: معتبر ابن مُسْكان، قال: حدّثني صاحب لي ثقة، أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل ينتهي إلى الماء القليل في الطريق، فيريد أن يغتسل، و ليس معه إناء، و الماء في وَهْدة «4»، فإن هو اغتسل رجع غُسْله في الماء، كيف يصنع؟

قال: «ينضح بكفّ بين يديه، و كفّاً من خلفه، و كفّاً عن يمينه، و كفّاً عن

______________________________

(1) الفهرست، الشيخ الطوسي: 36/ 97.

(2) تهذيب الأحكام 1: 379/ 1175، وسائل الشيعة 1: 149، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 7، الحديث 5.

(3) تهذيب الأحكام 1: 373/ 1143، وسائل الشيعة 1: 218 219، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 11، الحديث 1.

(4) الوهدة: المنخفض من الأرض (منه قدّس سرّه).

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 95

شماله، ثمّ يغتسل» «1».

و منها: ما رواه الكليني بإسناده عن محمّد بن إسماعيل، عن حنان «2»، قال: سمعت رجلًا يقول لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّي أدخل الحمّام في السحر، و فيه الجنب و غير ذلك، فأقوم فاغتسل، فينضح عليّ بعد ما أفرغ من مائهم.

قال: «أ ليس هو جارٍ؟».

قلت: بلىٰ.

قال: «لا بأس» «3».

فإنّه يعلم من ارتكاز ذلك ممنوعيّته كما في الرواية الأُولىٰ.

و منها: غير ذلك من الروايات المستدلّ بها في الكتب المفصّلة «4».

عدم دلالة الطائفة الأُولىٰ على الجواز

و لعمري، إنّ الناظر فيها لا يحتمل دلالتها على المطلوب؛ فإنّ المنصف الخبير و المتوجّه البصير لأطراف القضايا، لا يجد منها رائحة

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 417/ 1318، وسائل الشيعة 1: 217 218، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 10، الحديث 2.

(2) كذا في نسخة

(منه (قدّس سرّه)).

(3) الكافي 3: 14/ 3، وسائل الشيعة 1: 213، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 9، الحديث 8.

(4) تهذيب الأحكام 1: 39/ 107، وسائل الشيعة 1: 158، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 9، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 96

الدلالة، و لا ينقضي تعجّبي من المطنبين في هذه المسألة، و لا أجد ذلك صحيحاً.

هذا مع أنّ كثيراً منها ضعيف السند، غير قابل لدعوى الانجبار؛ لما عرفت من الاختلاف.

و الذي يقوىٰ في النظر: أنّ هذه المسألة ليست من المسائل التي تتدخّل فيها الشريعة بعنوان الديانة و التقنين؛ لأنّ النفوس البشريّة تأبىٰ عن استعمال تلك المياه طبعاً، و لا يحتاج إلىٰ إعمال التعبّد زائداً علىٰ ما ذكرناه، و هذه الأخبار كلّها راجعة إلى المستعمل في القذارات الشرعيّة و العرفيّة، من غير احتمال الإطلاق فيها، كما لا يخفى، و لقد تقرّر في محلّه: أنّ ترك الاستفصال يدلّ على الإطلاق، فيما إذا لم يكن انصراف و غلبة إلى الصورة الخاصّة، فما في كتب القوم من التمسّك بهذه المآثير، غير راجع إلىٰ محصّل.

الطائفة الثانية: الروايات المستدلّ بها علىٰ مطهّرية الماء المستعمل في الجنابة

و ذلك لأجل نفي البأس فيها عن وقوعها في الإناء.

و هذه الطائفة أجنبيّة بالمرّة عمّا نحن فيه؛ ضرورة أنّ البحث في المطهّرية، لا ينافي الالتزام بطهارته، و الذي هو محلّ الكلام؛ هو القليل المجتمع من غسالة الجنب مثلًا في إناء أو مكان؛ و أنّه هل يجوز رفع الحدث به أم لا؟ و مثل ذلك القليل الذي يدخل فيه الجنب، و يتطهّر به،

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 97

مع عدم نجاسة بدنه، و المراجع إلى المآثير و الأخبار، لا يجد نصّاً يدلّ علىٰ جواز ذلك، و سيأتي أنّ هذه الطائفة

تدلّ علىٰ طهارة الغسالة إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

الطائفة الثالثة: و هي التي تدلّ علىٰ ترخيص ذلك إذا كان كرّاً

منها: صحيحة ابن مسلم الماضية في أخبار الكرّ، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): و سُئل عن الماء تبول فيه الدوابّ، و تلغ فيه الكلاب، و يغتسل فيه الجنب.

قال: «إذا كان الماء قدر كرّ لا ينجّسه شي ء» «1».

و هذه الطائفة تدلّ على النجاسة، و حيث قد عرفت فساده، فهي لا تشهد علىٰ شي ء هنا، كما لا يخفى.

فتحصّل إلى هنا: أنّ القاعدة الأوّلية الصناعية هي المطهّرية، و لكنّ النظر الثانويّ إلى الجهات المشار إليها، يُؤدّي إلىٰ ترك ذلك جدّاً.

و لا يخفىٰ: أنّ مقتضىٰ ما احتملناه في المسألة من الإشكال في مطهّرية المياه المستعملة القليلة عدم اختصاص الشبهة بالقليل، و عدم سريانها في جميع المياه القليلة، فيكون هذا رأياً جديداً في المسألة.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 39/ 107، وسائل الشيعة 1: 158، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 9، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 98

فصل في المستعمل في رفع الخبث
اشارة

و المراد من «الماء المستعمل فيه» ليس القليل الوارد عليه النجس؛ فإنّه خارج عن هذا النزاع، ضرورة أنّ نجاسته واضحة على القول بانفعال الماء القليل، فما في بعض كتب الأصحاب من الاستدلال ببعض الأخبار الخاصّة «1» في تلك المسألة «2»، غفلة و ذهول.

و هكذا ليس المراد منه و لا ينبغي أن يكون، الماء الذي يزول به عين النجاسة الموجودة في المحلّ، و الباقية بعد الزوال في الماء المستعمل؛ لأنّ معناه التفصيل في انفعال القليل بين الوارد و المورود، و قد مرّ أنّه منسوب إلى السيّد في «الناصريّات» «3» و عرفت ضعفه «4»، فهذا القول أيضاً خارج عن محطّ البحث هنا.

و الذي هو محلّ الكلام و يساعده الاعتبار؛ هو الماء المستعمل في إزالة الخبث و النجاسة التي لا عين منها

في المحلّ، و لا أثر لها في المغسول،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 152 و 154 156، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 8، الحديث 3 و 4 و 11 و 14.

(2) مستند الشيعة 1: 90.

(3) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 215، المسألة الثالثة.

(4) تقدّم في الجزء الأوّل: 269 271.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 99

فما يظهر من جمع في المقام «1» غير صحيح.

و هكذا ليس المراد منه الماء المعتصم المستعمل الوارد على المغسول؛ فإنّه لاعتصامه لا يتنجّس قطعاً، فالقطرات المنقطعة من المغسول لا تنجس، إلّا إذا انقطعت قبل الملاقاة، و أمّا ما هو المتعارف من الرشح فهو طاهر قطعاً، فيكون البحث هنا حول الماء الوارد على المتنجّس، غير الملاقي مع النجس الباقي بعد الزوال في الغسالة، و يكون غير معتصم، كماء الإبريق المستعمل لرفع نجاسة دمويّة، و زالت عينها قبل الغسل، أو كان بحيث ينعدم بجريان الماء على المغسول، و لا يبقىٰ منه أثر فيه بعد الغسل، كالمتنجّس بالبول عادة.

فما يظهر أيضاً من الأصحاب من النزاع في الغسلة الاولىٰ، في محلّه إذا أرادوا الغسلة التي ليست النجاسة باقية.

و لعلّ إلىٰ ما ذكرناه يرجع ما في «المنتهىٰ» من تقصير النزاع على الغسلة الثانية «2»؛ لأنّه بالغسلة الأُولىٰ لا تفنى النجاسة الزائلة إلّا في بعض الصور.

و ممّا شرحناه ينقدح: أنّ «الغسلة المزيلة» التي وقعت في كلمات القوم و منهم «العروة الوثقىٰ» «3» و أتباعه «4»، داخلة في محلّ النزاع في

______________________________

(1) العروة الوثقى 1: 47، فصل في المياه، الماء المستعمل في الوضوء، المسألة 2، مستمسك العروة الوثقى 1: 229.

(2) منتهى المطلب: 24/ السطر 16.

(3) العروة الوثقىٰ 1: 46 47، فصل في المياه، الماء المستعمل في الوضوء.

(4) مستمسك

العروة الوثقى 1: 229، التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 369 370، مهذّب الأحكام 1: 262.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 100

فرض، و خارجة في فرض.

حول الأقوال في غسالة الخبث

إذا عرفت ذلك، فالأقوال في نجاستها و طهارتها كثيرة:

منها: أنّها نجسة مطلقاً، و هو الأشهر، و المشهور بين المتأخّرين «1»، و إليه «المبسوط» و «الخلاف» «2» بل و هو ظاهر «المقنع» و «الوسيلة» «3».

و منها: أنّها طاهرة مطلقاً، و هو المنسوب إلىٰ أكثر المتقدّمين «4»، و قد نسب إلىٰ شيوخ المذهب، كالسيّد، و الشيخ في مسألة الولوغ من «المبسوط» «5» و إلى أبناء إدريس و حمزة و أبي عقيل «6».

و منها: التفصيل بين الغسلة الأُولىٰ و الثانية، فتكون نجسة في الأُولىٰ، و طاهرة في الثانية، و هذا هو المنسوب إلى «السرائر» و «مبسوط» الشيخ و «خلافه» في موضع آخر «7».

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 128 129، مفتاح الكرامة 1: 90/ السطر 4، مستند الشيعة 1: 89 90.

(2) المبسوط 1: 11، الخلاف 1: 179، المسألة 135.

(3) المقنع: 18، الوسيلة: 74.

(4) مفتاح الكرامة 1: 90/ السطر 21.

(5) جامع المقاصد 1: 128، مفتاح الكرامة 1: 90/ السطر 22، المبسوط 1: 15.

(6) السرائر 1: 61، مفتاح الكرامة 1: 90/ السطر 19 و 23، لاحظ الوسيلة: 74.

(7) مفتاح الكرامة 1: 90/ السطر 8 9، السرائر 1: 180، المبسوط 1: 36، الخلاف 1: 179، المسألة 135.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 101

و منها: ما حكي عن الأُستاذ الشريف في «مفتاح الكرامة» بأنّ الغسالة كالمحلّ بعدها؛ فإن كان المحلّ ممّا يطهر بالأُولىٰ كان المستعمل طاهراً، و إن كان ممّا يطهر بالثانية، كان المستعمل في الأُولىٰ نجساً «1»، و هو المحكيّ في «الدروس» عن

بعض «2»، و قد احتمله «نهاية الإحكام» «3».

و في كونه قولًا آخر إشكال؛ لأنّ القائل بالتفصيل يكون محلّ كلامه النجاسة المحتاجة إلى التكرار في التطهير، فلعلّه يقول بطهارة الغسالة الأُولىٰ فيما لا يحتاج إلى التكرار، فتدبّر.

و في المسألة احتمال آخر: و هو نجاسة غسالة المتنجّس بالنجس، كالبول و عرق الجنب مثلًا و هكذا، و طهارة غسالة المتنجّس مع الواسطة، فلو أصاب قطرة من غسالة النجاسة البوليّة، فغسالته طاهرة.

إن قيل: هذه المسألة من صغريات المسألة الآتية؛ و هي تنجيس المتنجّس، فإن قلنا به يستلزم نجاسة الغسالة، و إن لم نقل بذلك فهي طاهرة.

قلنا: نعم، هذا بحسب الموضوع، و لكن لا منع من التفكيك حسب اقتضاء الأدلّة، فيقال: «بأنّ المتنجّس نجس في غير الغسالة».

نعم، مع الالتزام بعدم تنجيسه يشكل الالتزام بنجاسة الغسالة، كما

______________________________

(1) مفتاح الكرامة 1: 90/ السطر 14 16.

(2) الدروس الشرعيّة 1: 122، و لاحظ مفتاح الكرامة 1: 90/ السطر 14.

(3) نهاية الإحكام 1: 244.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 102

هو الظاهر.

إن قلت: ما الفرق بين هذه المسألة و المسألة السابقة، التي نفينا فيها عدم الفرق بين الوارد و المورود؟

قلت: قد مرّ منّا أنّ المراد في تلك المسألة من «الماء الوارد» هو الماء الوارد علىٰ عين النجس، أو الماء المزيل للنجاسة الباقية في الغسالة «1»، و المراد من «الماء الوارد» هنا هو المستعمل لتطهير المحلّ، من غير كون عين النجاسة مورودة و باقية بعد الورود، و إلى هذا يرجع ما في «ناصريّات» السيّد «2»، و إلّا فهو سخيف جدّاً.

مفاد الأدلّة الشرعيّة في غسالة الخبث
اشارة

ثمّ إنّ المهمّ في المقام المراجعة إلى الأدلّة الشرعيّة؛ لعدم إجماع صحيح في المسألة، و لا شهرة كافية، و لمّا كان قضيّة القواعد بقاءها

على الطهارة الشرعيّة، فلا بدّ من التماس دليل علىٰ نجاستها، و هو وجوه

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 98 99.

(2) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 215، المسألة الثالثة.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 103

الوجه الأوّل: ارتكاز العرف
اشارة

فإنّ المغروس في الأذهان أنّ الماء الوارد يحمل نجاسة المحلّ و قذارته، لا أنّه ينفيه و يعدمه، و بعد المراجعة إلى تنفّر الطباع عن مثله، يظهر أنّ بناء العرف و العقلاء على التجنّب، و ليس النجس إلّا ما كان قذراً عند العرف، و لم يدلّ دليل علىٰ طهارته الشرعيّة؛ لأنّ هذه المفاهيم موكولة إلى العرف.

فقوله (عليه السّلام): «كلّ شي ء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر» «1» دليل علىٰ أنّ كلّ قذر يجب الاجتناب عنه بحسب الحكم الواقعيّ، و أمّا القذارات العرفيّة القائمة علىٰ طهارتها النصوص الخاصّة، فهي كالقذارات الشرعيّة الملحقة بها شرعاً للنصّ.

فبالجملة: مقتضىٰ هذا التقرير، أنّ كلّ قذر عرفيّ نجس شرعاً إلّا ما خرج بالدليل.

و أمّا ما اشتهر «أنّ كلّ نجس لا بدّ فيه من الدليل الشرعي، و إلّا فليس بنجس شرعاً، فهو غير تامّ.

أقول: يرد عليه:

أوّلًا: أنّ هذا الدليل غير وافٍ بتمام المطلوب؛ لأنّ من الغسالة ما ليس بقذر عرفاً، كغسالة النجس الشرعيّ، و مجرّد كون بعض الغسالات

______________________________

(1) المقنع: 15، مستدرك الوسائل 2: 583، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 30، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 104

من الأقذار العرفيّة، غير كافٍ لما هو المقصود.

و ثانياً: لا تدلّ قاعدة الطهارة علىٰ أنّ كلّ قذر، نجس و يجب الاجتناب عنه، بل من المحتمل قويّاً كونها ناظرة إلى الأقذار الشرعيّة؛ ضرورة أنّ في الشرع أقذاراً شرعيّة، و أنّ النسبة بين القذر الشرعيّ و العرفيّ عموم من وجه حسب الأدلّة،

فيكون هذا سبباً لانصراف القانون إليها، و قد تقرّر منّا وجود الحقائق الشرعيّة في كثير من اللّغات «1»، و الالتزام بذلك هنا لا يستلزم الالتزام بها في مثل البيع و الإجارة، كما لا يخفى.

و ثالثاً: لو كان المراد من «القذر» في القاعدة القذر العرفيّ، فلا معنىٰ لفرض الشكّ و الجهل؛ لأنّ المستقذرات العرفيّة واضحة، و لا معنىٰ لفرض الجهل فيها.

و رابعاً: قد استدلّ بالنصوص الكثيرة علىٰ طهارة الغسالة، و إن كانت دلالتها محلّ إشكال؛ لأنّ أحسنها ما رواه في «العلل» عن يونس بن عبد الرحمن، عن رجل، عن العنزا، عن الأحول محمّد بن نعمان: أنّه قال لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث: الرجل يستنجي ..

إلى أن قال: «أ وَ تدري لم صار لا بأس به؟».

قال قلت: لا و اللّٰه.

فقال: «إنّ الماء أكثر من القذر» «2».

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 1: 184 185.

(2) علل الشرائع: 287/ 1، وسائل الشيعة 1: 222، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 13، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 105

و هذه غير نقيّة السند، و كون ابن عبد الرحمن من أصحاب الإجماع غير مفيد؛ لأنّ ذلك في مثلها لا يورث الوثوق، لأنّ لازم الأخذ بعموم العلّة خروج موردها، و هذا لأجل أنّ مجرّد الأكثريّة في الوزن غير صحيح، و الأكثريّة بحسب الغلبة و أنّ الماء الغالب على النجس، لا ينجس حسب ما تقرّر منّا في أخبار الكرّ «1» يستلزم كون الماء المستنجى به خارجاً؛ لعدم بقاء عصمة الماء بهذه الملاقاة.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ الاستنجاء المسئول عنه فيها، هو الاستنجاء من البول، و الماء المستعمل يكون أكثر بالمعنى المزبور، فيكون دليلًا على المطلوب، فما في كتب المتأخّرين «من

أنّ هذه الرواية مطروحة؛ للزوم القول بعدم الانفعال» «2» في غير محلّه؛ لما عرفت في محلّه أنّ الماء القليل منفعل، و لكن ليس المراد من «القليل» ما بنوا عليه، فراجع «3».

فبالجملة: الرواية بناءً علىٰ تماميّتها سنداً و دلالة، لا تفي بتمام المقصود و هو طهارة غسالة النجس على الإطلاق، بل المناط كون الماء المغسول به النجس أكثر و أغلب على المتنجّس؛ بحيث يعتبر عند العرف فناؤه في جنسه، فلا تخلط.

ثمّ إنّه لا يبعد دعوى: أنّ ترك الاستفصال يورث الإطلاق، فيكون موردها الاستنجاء الأكبر أيضاً، فيشكل تماميّة الدلالة.

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 277 286.

(2) لاحظ التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 362.

(3) تقدّم في الجزء الأوّل: 273 278.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 106

و لكنّه ممنوع؛ لأنّ كون أكثر المائع السيّال من الجامد، غير صحيح؛ لعدم الجامع بينهما، فلا بدّ من كون استنجائه للأصغر و هو البول، فإنّه سيّال يقاس فيه الأكثريّة و الأغلبيّة، فتأمّل.

و غير خفيّ: أنّ «الوسائل» ذكر في الباب الثالث عشر هذه الرواية ثلاث مرّات «1»، و الظاهر اتّحاد الكلّ؛ لأنّ الأحول هو محمّد بن نعمان مؤمن الطاق، و سيأتي تفصيله في ماء الاستنجاء «2».

بعض النصوص الأُخر المستدلّ بها على طهارة الغسالة

و من تلك النصوص مرسلة الواسطيّ، عن بعض أصحابنا، عن أبي الحسن (عليه السّلام): أنّه سُئل عن مجمع الماء في الحمّام من غسالة الناس.

قال (عليه السّلام): «لا بأس به» «3».

و منها: رواية صبّ الماء على الثوب من بول الصبيّ «4».

و منها: ما ورد من أمر النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بتطهير المسجد من بول الأعرابيّ بصبّ ذَنوب عليه «5»، و هو ماء قليل عند الأصحاب.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 221 223، كتاب الطهارة، أبواب

الماء المضاف، الباب 13.

(2) يأتي في الصفحة 124 125.

(3) الكافي 3: 15/ 4، وسائل الشيعة 1: 213، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 9، الحديث 9.

(4) الكافي 3: 55/ 1، وسائل الشيعة 3: 397، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 3، الحديث 1.

(5) عوالي اللآلي 1: 62، مستدرك الوسائل 2: 610، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 54، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 107

و منها: غير ذلك من الأدلّة التي لا أساس لها سنداً «1»، و لا تفي بتمام المطلوب دلالة.

و من العجيب تمسّكهم بصحيحة ابن مسلم التي فيها الأمر بالغسل في المِرْكَن «2»، فتكون النجاسة واردة عليه، و تخرج عن المسألة بالمرّة!! فتحصّل إلى هنا: أنّ الدليل المزبور غير كافٍ لإثبات النجاسة، و إن كانت أخبار الطهارة غير ناهضة لإثباتها أيضاً.

الوجه الثاني: ما أفاده الوالد المحقّق- مدّ ظلّه

علىٰ ما في تقريراته غير المطبوعة.

و إجماله: أنّ العرف يلغي خصوصية الملاقاة، فإذا كان الماء القليل منفعلًا، فلا يجد فرقاً بين أنحاء الملاقاة و أطوارها، و لا يتوهّم متوهّم ذلك في الدهن الواقع فيه الفأرة؛ بأن يقول بنجاسته إذا وقعت الفأرة فيه، و بطهارته في عكسها، و لا يتبادر إلىٰ ذهن أحد التفكيك، بل المتفاهم العرفيّ أنّ ما هو السبب للانفعال، هو الملاقاة فقط، و لا عبرة بأمر آخر وراءها «3».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 400، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 5، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 1: 250/ 717، وسائل الشيعة 3: 397، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 2، الحديث 1.

(3) الطهارة (تقريرات الإمام الخميني (قدّس سرّه)) الفاضل اللنكراني: 51 (مخطوط).

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 108

و أنت خبير بما فيه؛ لما مرّ منّا أنّ القليل الوارد عليه النجس، ساكن

يغلبه النجاسة في الاعتبار، بخلاف القليل الوارد عليها، فإنّه متحرّك ذو قوّة، لعلّها تمنع عن انفعاله، و يكون الاعتبار هنا بإفنائه النجاسة، و كأنّه معتصم، كيف لا، و أيّ مدخليّة في اعتصام الماء المباشر مع المفصول عنه المتّصل بالمادّة؟! مع أنّ ذلك لا يورث فرقاً حال التطهير به «1».

و بعبارة اخرىٰ: النجس الذي يغسل بالإبريق، لا يطهّره إلّا الماء الخارج منه، فأيّ فرق بينه و بين ما إذا كان الإبريق متّصلًا بالمادّة؟! ضرورة أنّ الماء الذي يطهّره، ليس إلّا القليل الخارج من أُنبوب الإبريق، فعلى هذا لا بدّ من القول بالطهارة؛ لأنّه كالمغسول بالكرّ و الجاري، و لا أقلّ من أنّه يورث احتمال الفرق، فلا يمكن إلغاء الخصوصيّة.

مع أنّ الخصوصيّات الأُخر موجودة، مثل عدم إمكان التطهير بالوارد إذا تنجّس، و مثل لزوم العسر و الحرج، و مثل لزوم كون الماء الواحد ذا حكمين، و هو خلاف الإجماع، و الإشكال في كلّ ذلك، لا يستلزم صحّة دعوى إلغاء الخصوصيّة، فلا منع على هذا من الالتزام بانفعال القليل، دون الغسالة.

______________________________

(1) لاحظ ما تقدّم في الصفحة 98.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 109

الوجه الثالث: التمسّك بالإطلاق الأحوالي في أخبار الكرّ

قضيّة الإطلاق الأحواليّ لمفهوم أخبار الكرّ هي النجاسة.

و توهّم اختصاص المنطوق بالأعيان النجسة، في غير محلّه؛ لظهوره في أنّ الماء إذا بلغ كرّاً، لا ينجّسه ما يمكن أن يكون منجّساً، من غير فرق بين الأعيان النجسة، أو المتنجّسات الملحقة بها حكماً.

و قد مرّ في المقامات الكثيرة، البحث و التحقيق حول مفاد هذه المآثير منطوقاً و مفهوماً «1»، و لا نطيل الكلام حولها.

و الذي لا ريب فيه: أنّ الإطلاق الأحواليّ فرع العموم الأفراديّ، و حيث لا سبيل إلى الثاني، لا يتمّ التمسّك به.

و ربّما

يمكن دعوى: أنّ المهملة التي في حكم الجزئيّة، معناها ثبوت المنجّسية لبعض الأشياء، و إذا ثبتت لبعضها، فلا مانع من التمسّك بالإطلاق الأحواليّ بالنسبة إلى الفرد المندرج في المفهوم، و حيث لا تعيّن لذلك الفرد، فيلزم لغويّة الحكم الإجماليّ الثابت بالمفهوم، و قضيّة الفرار منها إسراء الحكم إلىٰ جميع الأفراد، فيكون كلّ شي ء لا ينجّس الكثير منجّساً للقليل؛ بدلالة الاقتضاء.

أقول: أوّلًا: إثبات المفهوم للقضايا الشرطيّة ممنوع.

و ثانياً: قد تقرّر منّا في محلّه، أنّ المفهوم المتّخذ من إثبات العلّية

______________________________

(1) منها ما تقدّم في الجزء الأوّل: 204 207 و 362.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 110

التامّة المنحصرة، حجّيته ذاتيّة، و غير قابلة للتخصيص و التقييد «1»، و لا ريب أنّ كثيراً من المياه لا ينجّسه شي ء و إن لم يبلغ كرّاً؛ للنصوص، و هذا لا يمكن إلّا بانكشاف عدم العلّية التامّة المنحصرة، و عند ذلك لا يبقى مفهوم حتّى يتمسّك به، فمفهوم الشرط يكون معارضاً لما يدلّ علىٰ عدم انفعال القليل، و غير قابل للتخصيص و التقييد.

و ثالثاً: إنّ الظاهر من المنطوق، هو أنّ الماء البالغ كرّاً، لا يمكن أن ينجّسه إحدى الأشياء التي تنجّس غيره؛ و ذلك لأنّ المراد من «شي ء» ليس عنواناً قابلًا للانطباق علىٰ غير الأنجاس العينيّة و الحكميّة.

و أيضاً: ليس عنوانَ المنجّس الفعليّ؛ لعدم إمكان الجمع بين سلب التنجيس من المنجّس الفعليّ، فيكون المراد قوّة التنجيس، فتصير النتيجة ما ذكرناه؛ أي لا ينجّسه ما يمكن أن ينجّس غيره، لا أنّه لا ينجّسه المنجّس؛ فإنّ «المنجّس» عنوان اشتقاقيّ ظاهر في الفعليّة.

مع أنّ المتفاهم العرفيّ، هو أنّ المقصود أنّه لا ينجّسه ما يمكن أن ينجّس غيره، فإذن يصير المفهوم إثبات إمكان تنجيسه

بإحدى المنجّسات، و هذا أعمّ من كونه يتنجّس بها إذا لاقته؛ ضرورة أنّ إمكان جعل المنجّس للماء القليل، لا يستلزم ذلك، فليتدبّر.

و لا تلزم اللغويّة التي لا بدّ من الاحتراز عنها؛ لأنّه بالمفهوم يثبت القابليّة و الإمكان، و هذه هي غير كافية حسب ما مرّ: من أنّ التأثير

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 4: 139.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 111

و المؤثّرية، شرط في اعتبار نجاسة الملاقي «1»، فلا تخلط.

و في المقام نكتة و هي أنّ قضيّة التحرير الذي سمعت منّا و لا تسمع من غيرنا أنّ المفهوم داخل في المنطوق؛ بمعنى أنّ مفاد كلمة «غيره» في البيان المشار إليه، أعمّ من سائر الأشياء و الماء القليل، فكأنّه قال: «الماء إذا بلغ قدر كرّ لا ينجّسه ما يمكن أن ينجّس غيره» أي غير الماء البالغ كرّاً، و منه القليل.

و الذي يتوجّه إلينا بعد ذلك: أنّ الإمكان مستفاد من كلمة «شي ء» لكونه كناية عن عنوان النجس، فلا وجه لإسرائه إلى مفاد قوله: «لا ينجّسه» فهذا حكم بتّي؛ أي لا ينجّسه ما يمكن أن ينجّس غيره، فإذا ثبت إمكان منجّسيته للغير في الجملة، فلا بدّ من إسرائها إلىٰ جميع الأشياء، و منها القليل، و إلّا تلزم اللغويّة.

نعم، يمكن الفرار عنها؛ بدعوىٰ وجود القدر المتيقّن لها، و هو ما إذا كانت النجاسة بعضها واردة عليه.

فتحصّل إلىٰ هنا: أنّ التقريب الأوّل قابل للخدشة، و لكنّ التقريب الأخير الذي أشرنا إليه بعنوان النكتة، الراجع إلى استفادة انفعال القليل من المنطوق، يشكل هدمه؛ لأنّ معنى الحديث على الوجه الأخير، يرجع إلىٰ أنّ الماء البالغ كرّاً، لا ينجّسه ما ينجّس غيره، و المراد

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 94 و 213.

كتاب

الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 112

من مرجع الضمير هو الماء بقيده، فيكون القليل مندرجاً تحت عنوان كلمة «غيره» فإن كان له الإطلاق فهو، و إلّا فالقدر المتيقّن منه بمقتضى الصدر هو القليل؛ أي أنّ الماء الكرّ لا ينجّسه ما ينجّس غير الماء الكرّ، فيكون المفروض في المستثنىٰ نجاسة القليل بالملاقاة، و قضيّة الإطلاق الأحواليّ عدم الفرق بين الحالتين.

أقول: بعد اللّتيّا و التي، لا يمكن تتميم الاستدلال؛ ضرورة أنّ كلمة «شي ء» و إن كانت كناية عن عنوان النجس، و مفهوم النجس و إن كان يقتضي مفهوم الغير، و مقتضى لزوم الربط بين المستثنىٰ منه و المستثنىٰ و إن كان هو الضمير العائد إلى المستثنىٰ منه، و لكنّ الكلام سيق لإفادة أنّ ما ينجّس غير الكرّ لا ينجّس الكرّ و أمّا أنّ ما ينجّس غير الكرّ أيّ شي ء هو، و أنّ غير الكرّ الذي يتنجّس به ما هو؟ فهي ساكتة عنه، و لا بدّ من المراجعة إلى الدليل الآخر، فكما لا يستفاد منها عناوين النجاسات، كذلك لا يستفاد منها ما يتنجّس بها من سائر الأشياء، و التي ثبتت بالنصوص غير القليل، و أمّا هو فهو أوّل الكلام.

الوجه الرابع: النصوص المستدلّ بها عليها
اشارة

و هي كثيرة:

فمنها: و هي عمدتها ما رواه الشيخ في «الخلاف»، و الصدوق في «المقنع» «1» على عادته، و الشهيد في «الذكرى»، و المحقّق في

______________________________

(1) الخلاف 1: 179، المسألة 135، المقنع: 18.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 113

«المعتبر» «1» عن العِيص بن القاسم قال: سألته عن رجل أصابته قطرة من طشت فيه وَضوء.

فقال: «إن كان من بول أو قذر فيغسل ما أصابه».

و في «الخلاف»: «و إن كان من وَضوء الصلاة فلا بأس» «2».

و قد استظهر

الوالد مدّ ظلّه، صحّةَ سنده «3»؛ لظهور رواية الشيخ عن كتابه، و طريقه إليه حسن، بل صحيح كما يظهر من «الفهرست» و صرّح بحسنه «الحدائق» «4» و غيره «5»، و يؤيّده وجود مضمونها في «المقنع» جدّاً، فلا يضرّ إضماره.

و الذي هو الأقوىٰ: أنّ الرواية مطعونة؛ و ذلك لأنّ الشيخ مع نقلها في «الخلاف» و هو الكتاب الذي ألّفه في شبابه أعرض عنها في «المبسوط» و أفتى بالطهارة كما عرفت «6»، أو فصّل بين الاولىٰ و الثانية في موضع آخر منه «7»، و لأنّه مع عثوره عليها تركها في «التهذيبين» و هذا شاهد علىٰ عدم وجود الكتاب عنده، بل هو من مسموعاته عن مشايخه، فظاهر النسبة و إن كان يقتضي كون الرواية من كتابه، و لكنّه يضعّف بما أُشير إليه.

______________________________

(1) ذكرى الشيعة: 9/ السطر 17، المعتبر 1: 90.

(2) وسائل الشيعة 1: 215، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 9، الحديث 14.

(3) الطهارة (تقريرات الإمام الخميني (قدّس سرّه)) الفاضل اللنكراني: 53 (مخطوط).

(4) الحدائق الناضرة 1: 479.

(5) مصباح الفقيه، الطهارة: 61/ السطر 19.

(6) تقدّم في الصفحة 100.

(7) مفتاح الكرامة 1: 90/ السطر 9، المبسوط 1: 36.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 114

هذا، و في طريقه إلى العِيص، ابن أبي جيد، و هو عليّ بن أحمد القمّي غير المذكور بمدح و لا ذمّ صريحاً، هكذا أفاده النوريّ (رحمه اللّٰه) في «الخاتمة» و الأردبيليّ (رحمه اللّٰه) في «جامعه» «1».

و في فتوى الصدوق بمضمونها قوّة، و لكنّها غير كافية.

مع أنّ كثيراً من الأعلام، حملوها على الغُسالة التي فيها عين النجاسة «2»، و لكنّها خارجة عن الإنصاف؛ لأنّ البول إذا يبس ينقلب بالبخار، و لا يبقىٰ منه الأثر العينيّ إلّا

أحياناً، و مقتضى الإطلاق عدم الفرق.

و منها: معتبر عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سئل عن الكوز و الإناء يكون قذراً، كيف يغسل، و كم مرّة يغسل؟

قال: «ثلاث مرّات: يصبّ فيه الماء فيحرّك فيه، ثمّ يفرّغ منه ذلك الماء، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه، ثمّ يفرّغ ذلك الماء، ثمّ يصبّ فيه ماء آخر فيحرّك فيه، ثمّ يفرّغ منه، و قد طهر ..» «3».

و قد يشكل في سندها؛ لأجل أحمد بن يحيىٰ، و في دلالتها بأنّ الأمر بالإفراغ في المرّة الثالثة، لا يدلّ على النجاسة؛ لعدم التزام الأصحاب كثيراً بوجوب الكيفيّة المذكورة في غسل الإناء، فلعلّه للتنزيه غايته، و التنظيف نهايته.

و لو سلّمنا بأنّ أحمد بن يحيىٰ هو ابن الحكيم الثقة؛ لإمكان ذلك،

______________________________

(1) مستدرك الوسائل (الخاتمة) 3: 509/ السطر 2، جامع الرواة 2: 509.

(2) التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 375، مهذّب الأحكام 1: 261.

(3) تهذيب الأحكام 1: 284/ 832، وسائل الشيعة 3: 496 497، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 53، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 115

أو المقرئ؛ لرواية البَزَنْطيّ عنه «1»، أو قلنا: بأنّه محمّد بن يحيىٰ، كما في بعض نسخ «التهذيب» فلا نسلّم تماميّة دلالتها؛ لما مرّ، مع أنّ صدق «الغسل» في نظر الشرع، ربّما كان متوقّفاً على الإفراغ، فتدبّر.

و منها: ما في «التهذيب» بسند معتبر، عن سَماعة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إذا أصاب الرجل جنابة فأراد الغسل، فليفرغ علىٰ كفّيه فليغسلهما دون المرفق، ثمّ يدخل يده في إنائه، ثمّ يغسل فرجه، ثمّ ليصبّ علىٰ رأسه ثلاث مرّات مل كفّيه، ثمّ يضرب بكفّيه من ماء علىٰ صدره، و كفّ بين كتفيه، ثمّ

يفيض الماء علىٰ جسده كلّه، فما انتضح من مائه في إنائه بعد ما صنع ما وصفت فلا بأس» «2».

تقريب الاستدلال واضح، و الجواب أوضح؛ ضرورة أنّه لو كان يأمر بغسل الفرج وحده، كان لاستفادة النجاسة وجه، و أمّا الضمائم المزبورة فتضرّ بها، كما لا يخفى.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 2، ص: 115

و منها: ما مرّ عن عبد اللّٰه بن سِنان، من الحديث المستدلّ به علىٰ ممنوعيّة استعمال المستعمَل في الغسل «3»، على التقريب الذي أشرنا إليه هناك، و ذكرنا أنّ نفي جواز استعماله في الوضوء، و إن كان ظاهراً في نجاسة غُسالة الثوب المفروض فيها، أو غُسالة غسل الجنابة؛ لابتلاء

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 9: 348/ 1251.

(2) تهذيب الأحكام 1: 132/ 364، وسائل الشيعة 1: 212، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 9، الحديث 4.

(3) تهذيب الأحكام 1: 221/ 630، وسائل الشيعة 1: 215، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 9، الحديث 13.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 116

الجنب بالنجاسة غالباً، و لكن ذلك ظهور معلّق علىٰ عدم وجود القرائن المتّصلة أو المنفصلة، كما في نفي جواز الصلاة في عرق الجنب من الحرام «1»، فلا تخلط.

و منها: المآثير الواردة في غُسالة الحمّام الناهية عن الاغتسال منها «2»، و لو لا نجاستها لما كان وجه للنهي.

و أنت خبير: بأنّ المراد من تلك «الغسالة» هي الغسالة المجتمعة في بئر و بالوعة، كما في موثّق ابن أبي يعفور، قال: «لا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها غسالة الحمّام» «3» لعدم معهوديّة الاغتسال بغسالة الحمّام

حال جريانها على سطحه، و تلك الغسالة من المياه الكثيرة التي أمرها دائر بين تغيّرها بالنجاسة، أو كونها غير نظيفة جدّاً، فلا يكون النهي عنها مولويّاً، و لا إرشاداً إلى النجاسة لأجل كونها غسالة، فراجع الباب الحادي عشر من أبواب الماء المضاف، حتّى تكون علىٰ بصيرة.

هذا مع أنّ الغسالة المزبورة لو كانت قليلة، ففيها من أعيان النجاسة لتعارفها، فلا تفي بالمقصود.

نعم، بناءً علىٰ كونها هي الماء الجاري علىٰ سطوح الحمّامات، فإنّ من الناس من يأخذها و يغتسل بها، فربّما يستظهر منها النجاسة، و لكنّها غير تامّة؛ لأنّ عدم المطهّرية أعمّ من النجاسة كما عرفت، فلا تغفل.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 85.

(2) وسائل الشيعة 1: 218، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 11.

(3) الكافي 3: 14/ 1، وسائل الشيعة 1: 219، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 11، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 117

تذنيب: في أدلّة أُخرى علىٰ طهارة الغسالة

تحصّل إلى هنا: أنّ الغسالة طاهرة، من غير فرق بين الاولى و الثانية.

و الذي يؤيّد ذلك، بل و تدل عليه، الروايات الكثيرة المذكورة في الباب التاسع من أبواب المضاف و المستعمل، الظاهرة في أنّ إصابة الماء لما في الإناء، لا تورث وجوب الاجتناب، مع أنّ بدن الجنب نجس غالباً جدّاً «1».

و ممّا يشهد لذلك، أنّ المسألة ممّا يكثر الابتلاء بها، و لا معنىٰ لخفائها على الأصحاب الأقدمين، و لا وجه لإثبات مثلها بالروايات النادرة الضعيفة، فإنّه كان ينبغي اشتهارها من الزمن الأوّل، فهذا شهادة قويّة علىٰ طهارتها.

مع أنّ الالتزام بنجاسة الغسالة، يستلزم بعض ما لا ينبغي، مثلًا في الإناء المذكور إذا كانت غسالتها نجسة، فهي ليست نجسة، و هذا خلاف القاعدة.

أو هي نجسة، و لكنّها مطهِّرة، و هي خلاف

القاعدة.

أو هي إذا خرجت تكون نجسة، و الباقي في أطراف الإناء طاهراً.

و من العجيب التزامهم بأنّ الغسالة الموجودة في الثوب نجسة،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 211، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 9.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 118

فإذا عصر الثوب يخرج النجس من خلاله، و يورث نجاسة المحلّ، و لا تورث نجاسة الثوب!! و لا مانع من أن يقال: بأنّ الماء يحمل النجاسة من الثوب إلى المحلّ، و نتيجة ذلك طهارته، و نجاسة ذاك، و لكنّ الموضوعات المستبعدة العرفيّة، لا تثبت بالمآثير النادرة المزبورة.

نعم، قياس النجاسة الشرعيّة بالعرفيّة، يؤدّي إلى الالتزام بنجاسة الغسالة، و لكنّه قياس مع الفارق؛ لأنّ تنفّر الطباع عنها، لا يستلزم وجوب غسل العباء مثلًا من قطرتها المصيبة لها، كما لا يخفى، و ليس عند العقلاء في القذارات ما يجتنبون عنه من جميع الجهات على الوجه المعتبر في الشرع، و لا دليل شرعيّ يقتضي كون القذر العرفيّ نجساً شرعيّاً؛ أي كونه موضوعاً لجميع الأحكام الإلزاميّة الشرعيّة.

هذا، و يؤيّد الطهارة، أنّ تطهير أعلى البدن بالماء القليل غير ممكن؛ لسرايتها إلىٰ أدناه، و من الأدنى إلى الأدنى، فلا بدّ من تطهير جميع البدن، و لا سيّما في النجاسة البوليّة مكرّراً، حتّى يطهر نقطة من أعلاه، و هذا شاهد علىٰ ما ذكرناه.

التمسّك ببعض أخبار الاستنجاء على طهارة الغسالة

و في أخبار الاستنجاء ما يدلّ عليها على التقريب الذي مضى منّا «1»،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 104 و ما بعدها.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 119

و فيها أيضاً معتبر محمّد بن النعمان الأحول، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت له: أستنجي، ثمّ يقع ثوبي فيه و أنا جنب؟

فقال: «لا بأس به» «1».

و مع المراجعة إلىٰ حال أبي

جعفر (شاه) الطاق؛ محمّد بن نعمان الأحول، الذي يعدّه المخالفون شيطان الطاق، و الشيعة تلقّبه ب «مؤمن الطاق» و أنّه كان متكلّماً حاذقاً، حاضر الجواب، صاحب التأليف «2»، تطمئنّ النفس بأنّ المراد من سؤاله، الاستنجاء من المنيّ، و إلّا فلا معنىٰ لقوله: «و أنا جنب» لعدم وجه لتوهّم مدخليّة حالته النفسانيّة في ذلك، فكأنّه كان جنباً، و فرجه ملوّثاً بالمنيّ فبال، فسأل عن ذلك، فأُجيب: بنفي البأس، و لو كان الحكم مخصوصاً بالاستنجاء، لما كان وجه لذلك كما لا يخفى.

فالقول بالطهارة في مفروض المسألة هو الأقوىٰ، و الإشكال في كلّ واحد من المؤيّدات و المذكورات و إن كان ممكناً خصوصاً في روايات الاستنجاء و لكن قصور أدلّة النجاسة كافٍ لما هو المختار تبعاً «للجواهر» (قدّس سرّه) «3»، و كفانا فضلًا ذهابه إليها، فلا تغفل.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 86/ 227، وسائل الشيعة 1: 222 223، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 13، الحديث 4.

(2) جامع الرواة 2: 208.

(3) جواهر الكلام 1: 344.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 120

الوجه الخامس: دعوى الإجماع و الاتفاق

و هي ساقطة لما عرفت، مع أنّ القدر المتيقّن منه، ما إذا كانت العين القذرة موجودة في الغسالة، و تكون الغسلة المزيلة باقية فيها العين.

هذا، و مدّعيه العلّامة (رحمه اللّٰه) «1»، و الإجماع في كتبهم في غير هذه المسألة غير نافع، فضلًا عن هذه المسألة، مع أنّه قوّى نجاستها في «التذكرة» «2» و هو ينافي الإجماع.

و توهّم: أنّ استثناء الاستنجاء في كلامهم، شاهد على أنّ الغسالة من غيره نجسة، في محلّه، و لكنّه ليس في كلام القائلين بالطهارة، مع أنّ خصوصيّة المستثنىٰ، تدلّ علىٰ أنّ مفروض كلامهم وجود العين النجسة في الغسالة، فما استشهد به الهمدانيّ

(رحمه اللّٰه) في المقام «3»، لا يخلو عن غرابة.

تنبيه: في تقديم أخبار طهارة الغسالة على غيرها عند التعارض

لو سلّمنا دلالة الأخبار في المسألة على النجاسة و الطهارة، فلا يمكن الجمع بينهما بحمل بعضها على الغسلة الأُولىٰ، و الآخر على الثانية؛ لعدم الشاهد عليه، فتصل النوبة إلى علاجها، و يتعيّن

______________________________

(1) تحرير الأحكام: 6/ السطر 9.

(2) تذكرة الفقهاء 1: 36.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 61/ السطر 11 و ما بعده.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 121

المراجعة إلىٰ ما يدلّ على الطهارة؛ لموافقتها للكتاب، و مخالفتها للعامّة؛ فإنّ النجاسة قول أبي حنيفة و بعض الشافعيّة «1»، بل و هو قول الشافعيّ؛ لذهابه إلى النجاسة في الأُولىٰ «2»، و هذا يقتضي نجاستها فيما لا يحتاج إلى التكرّر.

فصل في ماء الاستنجاء
اشاره

و المراد منه يأتي تفصيلًا في طيّ المباحث الآتية إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

و الذي ينبغي أن يشار إليه: هو أنّ القائل بطهارة الغسالة، لا يكون في مخلص هنا؛ لأنّ ماء الاستنجاء الذي هو مورد البحث، الماء الذي يكون فيه عين النجاسة و القذارة، و قد مرّ أنّه نجس في تلك المسألة «3».

نعم، ربّما يخطر بالبال دعوى: أنّ المراد من «ماء الاستنجاء» هو المستعمل لرفع خباثة البول أو الغائط الذي استنجي منه بالأحجار قبله، حتّى لا يبقى عين العَذِرة في الماء، فتكون هذه الغسالة كغسالة سائر النجاسات طاهرة شرعاً.

______________________________

(1) لاحظ المغني، ابن قدامة 1: 21/ السطر 12، المجموع 1: 158/ السطر 15.

(2) تذكرة الفقهاء 1: 37.

(3) تقدّم في الصفحة 98.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 122

و لكنّه مشكل إثباته حسب ما يتراءىٰ من الأدلّة كما سيأتي ذكرها، فما في «العروة الوثقىٰ» من اشتراط الأمر الخامس في طهارة ماء الاستنجاء «1» و هو عدم وجود الأجزاء المرئيّة في غير محلّه، و إلّا فنحن في مخلص.

محتملات حكم ماء الاستنجاء

فبالجملة: بناءً على الأعمّ كما هو الأظهر، فهل هو نجس؟ قضاءً لحقّ القواعد الأوّلية، و وفاقاً لجماعة ك «المعتبر» و الشهيد «2»، و إليه كان يميل الوالد المحقّق- مدّ ظلّه و إن أيّد القول بالطهارة في تقريراته «3».

و قضيّتها ترتيب جميع آثار النجاسة الشرعيّة حسب أدلّتها، إلّا ما خرج بالدليل، كجواز الصلاة في الثوب الملاقي، و أمّا طهارة الثوب بحيث كان يجوز شرب الماء الملاقي معه فهي ممنوعة، إلّا بدعوى اقتضاء الأدلّة إيّاها، و هذا هو معنى «العفو» المزبور في كلماتهم.

و أمّا الاحتمالات الأُخر في المراد من «العفو» ككونه معفوّاً عنه من جميع الجهات «4»، فهو لا يساعد مع اعتبار

النجاسة في الشرع كما لا يخفى.

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 47 48، فصل في المياه، الماء المستعمل في الوضوء، المسألة 2.

(2) المعتبر 1: 90، ذكرى الشيعة: 9/ السطر 9.

(3) الطهارة (تقريرات الإمام الخميني (قدّس سرّه)) الفاضل اللنكراني: 55 (مخطوط).

(4) مفتاح الكرامة 1: 94/ السطر 21.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 123

أو كونه معفوّاً عنه في جميع الجهات، إلّا رفع الحدث و الخبث «1»، فهو أيضاً غير موافق للاعتبار.

أو هي طاهرة شرعاً و نتيجتها جواز ترتيب جميع آثار الطهارة و أحكامها الغيريّة و النفسيّة إلّا ما خرج بدليل خاصّ، كلّ ذلك بناءً علىٰ ثبوت الإطلاق في أدلّة أحكام النجاسات، و هذا هو رأي الأكثر، و عليه الفتاوىٰ بظاهرها من القديم و الجديد «2»، و هو المستفاد من كلمات المخالفين «3».

أو يفصّل بين المستعمل في البول فينجس، و المستعمل في الغائط فيعفو، أو يكون طاهراً على الخلاف في المراد من «الاستنجاء» في الأخبار و بحسب كتب اللغة و آراء اللغويّين.

أو يقال: بالتفصيل الذي احتملناه؛ و هو أنّ ماء الاستنجاء إن كان من قبيل الغسالة فهو طاهر، و إن كان مندرجاً في أدلّة انفعال القليل بأن تكون العين النجسة موجودة فيه فهو نجس «4»، فلا يكون مخصوصاً بحكم إلّا على القول بنجاسة الغسالة.

______________________________

(1) مدارك الأحكام 1: 125.

(2) شرائع الإسلام 1: 8، تذكرة الفقهاء 1: 37، مجمع الفائدة و البرهان 1: 288 289، مستند الشيعة 1: 96.

(3) المغني، ابن قدامه 1: 21.

(4) تقدّم في الصفحة 121.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 124

مفاد المآثير الواردة في ماء الاستنجاء

إذا عرفت ذلك، فلا بدّ من النظر إلى روايات المسألة، حتّى يتبيّن الحقّ من بين تلك المحتملات.

فمنها: ما رواه «الكافي» و «التهذيب» بسند معتبر

عن الأحول، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أخرج من الخلاء، فأستنجي بالماء، فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به.

فقال: «لا بأس به» «1».

و رواه «الفقيه» و زاد: «و ليس عليك شي ء» «2».

و في دلالتها على الطهارة إشكال؛ لأنّ الظاهر رجوع الضمير في قوله: «لا بأس به» إلى الثوب، و يؤيّده ما في «الفقيه» من قوله: «و ليس عليك شي ء» بل ربّما يؤيّد هذا التعبير نجاستها، كما لا يخفى.

و في خروجه من الخلاء و استنجائه خارجه، دلالة علىٰ أنّ العين القذرة ليست في الماء، و احتمال كونها في الموضع و بقائها بعد الزوال في الماء بعيد؛ لأنّ المتعارف في منطقة السائل خلافه، و بالرجوع إلىٰ وضع حال تلك المنطقة، يظهر أنّ المحلّ و المقعد ليس ملوّثاً بعين النجس و العَذِرة، بل من المحتمل قويّاً بناؤهم على الاستنجاء بالأحجار

______________________________

(1) الكافي 3: 13/ 5، تهذيب الأحكام 1: 85/ 223، وسائل الشيعة 1: 221 222، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 13، الحديث 1.

(2) الفقيه 1: 41/ 162.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 125

أوّلًا؛ لئلّا تتلوّث ثيابهم، ثمّ التطهير بالماء، فلا يستفاد من ترك الاستفصال في خصوص هذه الرواية شي ء.

و منها: «العلل» بإسناده عن يونس بن عبد الرحمن، عن رجل من أهل المشرق عن العنز، عن الأحول «1» و في «الوسائل»: عن الغير أو عن الأحول قال: دخلت على أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فقال: «سَل ما شئت» فارْتجت عليّ المسائل.

فقال: «سَل، ما بدا لك».

فقلت: جعلت فداك، الرجل يستنجي، فيقع ثوبه في الماء الذي يستنجي به.

فقال: «لا بأس».

فسكت فقال: «أ وَ تدري لِمَ صار لا بأس به؟».

قلت: لا و اللّٰه جعلت فداك.

قال: «إنّ

الماء أكثر من القذر» «2».

و في سنده مضافاً إلى القطع، اختلاط، و لو كفانا رواية يونس بن عبد الرحمن- لكونه من أصحاب الإجماع، مع إشكال فيه خصوصاً «3» فهو، و إلّا فالرواية ساقطة، مضافاً إلى اشتمالها على التعليل المعرض عنه. هذا بحسب فهم الأصحاب.

______________________________

(1) علل الشرائع: 287/ 1.

(2) وسائل الشيعة 1: 222، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 13، الحديث 2.

(3) لاحظ تنقيح المقال 3: 338/ 13357، معجم رجال الحديث 20: 209.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 126

و أمّا علىٰ ما شرحناه «1»، فإنّ هذه الرواية تبعد تعدّد سؤال الأحول منه (عليه السّلام) فتكون واحدة، و هو تارة: نقلها بتمامها، و أُخرى: نقلها مختصراً مع حذف بعض الخصوصيّات؛ لرعاية حالات الراوي و السائل عنه، أي الأحول. فهي معتبرة.

و لكنّها قاصرة عن الدلالة على الطهارة؛ لأنّ مفروض السؤال خروجه من الخلاء، و قضيّة التعليل أنّه استنجىٰ من البول؛ لما مرّ من أنّ أكثريّة الماء وزناً و مقداراً، لا تورث رفع النجاسة، فهي الأكثريّة بمعنى الغلبة «2»، و هي لا تتصوّر إلّا في الاستنجاء بالبول، و تكون إشارة إلىٰ قوله (عليه السّلام): «مثلَي ما على الحشفة» «3» فإنّه كما يشير إلىٰ قاهرية الماء علىٰ ما على الحشفة، فهذه أيضاً مثلها، أو تكون الأجزاء الملتصقة بمحلّ الغائط، فانية في الماء المستنجى به، فلا يكون الماء الوارد عليه متنجّساً به، كما عرفت في الغسالة «4».

هذا، و نفي البأس الظاهر في نفيه عن المسئول عنه و هو الثوب أعمّ من الطهارة.

و منها: ما رواه «التهذيب» بسند معتبر، عن محمّد بن نعمان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال قلت له: أستنجي، ثمّ يقع ثوبي فيه و أنا جنب.

______________________________

(1)

تقدّم في الصفحة 105 106.

(2) تقدّم في الصفحة 105.

(3) تهذيب الأحكام 1: 35/ 93، وسائل الشيعة 1: 344، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 26، الحديث 5.

(4) تقدّم في الصفحة 105.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 127

فقال: «لا بأس به» «1».

و هذا هو الأحول أيضاً، كما عرفت تفصيله.

و في كونها رواية ثالثة إشكال؛ لاتّحاد الموضوع و السائل و المسؤول منه، و الظاهر وحدتها، و في قوله: «و أنا جنب» أيضاً شهادة علىٰ أنّ الاستنجاء كان من البول؛ لما مرّ تفصيله، مع ما عرفت من قصور دلالتها على الطهارة «2».

و منها: ما رواه «التهذيب» بسند معتبر، عن عبد الكريم بن عُتْبة الهاشميّ، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجىٰ به، أ ينجّس ذلك ثوبه؟

فقال: «لا» «3».

و هي ظاهرة بدواً، في أنّ الاستنجاء كان من الغائط، و قضيّة ترك الاستفصال عدم الفرق بين حالين: حال وجوده في الماء، و عدمه، و ظاهر الذيل طهارة الماء؛ لأنّ المتفاهم العرفيّ أنّ المنجَّس ينجِّس، و إذا قيل: «هو لا ينجس» فهو كاشف عن انسلاب موضوعه، فيكون طاهراً في نظر الشرع.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 86/ 227، وسائل الشيعة 1: 222 223، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 13، الحديث 4.

(2) تقدّم في الصفحة 105.

(3) تهذيب الأحكام 1: 86/ 228، وسائل الشيعة 1: 223، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 13، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 128

توهّم اختصاص الاستنجاء بغسل موضع الغائط و جوابه

إن قلت: الاستنجاء من النجو؛ و هو ما يخرج من البطن من ريح أو غائط، فلا وجه لإرادة البول منه، و لذلك ألحقوه به حكماً؛ للغلبة و أمثالها.

قلت: قال في «الأقرب»:

«استنجىٰ منه استنجاءً خلص، و الشجرةَ قطعها من أُصولها، و حاجته منه استخلصها، و الرجلُ غسل موضع النجو، أو مسحه بالحجر أو المَدَر «1».

و الأوّل: مأخوذ من استنجاء الشجرة؛ لأنّه يزيل الأثر.

و الثاني: من استنجاء النخلة؛ لالتقاط رطبها، لأنّ المسح لا يقطع النجاسة، بل يبقي أثرها، انتهىٰ ما في «المصباح» انتهىٰ «2».

و بعد المراجعة إلىٰ موارد الاستعمال في الأخبار، يعلم أنّ الاستنجاء المستعمل في المآثير، ليس مأخوذاً من النجو، أو يكون استعماله في الأعمّ إلىٰ حدّ صار متعارفاً، فعن عمّار الساباطيّ، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل إذا أراد أن يستنجي بالماء، يبدأ بالمقعدة أو الإحليل؟

قال: «بالمقعدة، ثمّ الإحليل» «3».

و عنه أيضاً يقول: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: «لو أنّ رجلًا أراد أن

______________________________

(1) أقرب الموارد 2: 1276.

(2) المصباح المنير: 72.

(3) الكافي 3: 17/ 4، وسائل الشيعة 1: 323، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 14، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 129

يستنجي من الغائط ..» «1».

و هكذا ممّا يشهد على الأعمّية في محيط الروايات، فتأمّل «2».

فتحصّل إلىٰ هنا: أنّ الروايات الثلاث واحدة، و لا ظهور لها في أنّ موردها كان من ماء الاستنجاء بالمعنى الأخصّ الذي هو المقصود هنا من إثبات طهارته.

عدم شمول معتبر الهاشمي لصورة وجود أجزاء الغائط في الماء

و يبقى المعتبر الأخير، و في إطلاقه نظر؛ لأنّ ترك الاستفصال المؤدّي إلى الإطلاق، مشروط بعدم انصراف، و هذا هنا غير معلوم؛ لأنّ احتمال تعارف كون محلّ الغائط و الاستنجاء متعدّداً قريب، و قضيّة التعليل في الرواية السابقة «3»، ظهور هذه الرواية في الاستنجاء البوليّ، أو الغائط الذي غلب عليه الماء، و يكون أكثر منه.

فبالجملة: الذي هو الأوفق بالقواعد، أنّ غسالة الاستنجاء كغسالة

سائر النجاسات تكون طاهرة، بشرط عدم وجود عين النجس في الماء و الغسالة، و إلّا فهو نجس، فلا خصوصيّة لماء الاستنجاء.

و أمّا اختصاصه بالسؤال، فهو لأجل شدّة الابتلاء به و وقوع الثوب

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 201/ 789، وسائل الشيعة 1: 318، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 10، الحديث 3.

(2) تهذيب الأحكام 1: 209/ 606، وسائل الشيعة 1: 357 358، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 35، الحديث 2.

(3) تقدّم في الصفحة 125.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 130

فيه؛ لعدم الوسائل المتعارفة في اليوم.

تذييل: في أنّ العفو عن ماء الاستنجاء خاصّ لا عامّ

قضيّة ما تقرّر هي النجاسة، و عدم العفو عن الملاقي فيما يشترط فيه الطهارة، و مع قطع النظر عمّا أبدعناه، فهل في مفروض المسألة يكون طاهراً، أو نجساً؟

لا يبعد قوّة القول الثاني، مع العفو في خصوص الملاقيات علىٰ وجه خاصّ؛ و هو عفوها فيما يشترط فيه الطهارة شرعاً كالعبادات.

و أمّا جواز شرب الماء الملاقي له، أو الملاقي للثوب الملاقي، فهو أيضاً ممنوع؛ و ذلك لأنّ مقتضى الروايات الثلاث ليس إلّا العفو، و قضيّة الرواية الأخيرة و إن كانت الطهارة، و لكنّها إذا قيست على الأدلّة الناطقة بالنجاسة في القليل، و إذا لوحظت الطريقة العقلائيّة في القذارات، لا يستظهر منها إلّا نفي الحكم بلسان نفي الموضوع؛ ضرورة أنّ الشرع لا يتّخذ سبيلًا خاصّاً في التنجيس، و إذا كانت المياه القليلة- حسب الأدلّة الأوّلية نجسة، فلا يستفاد من هذه المآثير الخروج التخصيصيّ؛ لقصورها، بل غاية ما يستفاد منها جواز ترتيب آثار الطهارة، كما لا يستفاد منها تصرّف الشرع في منجّسية الأنجاس.

فإذا كانت المسألة علىٰ مبنى العفو، فلا يجوز سائر الاستعمالات، من غير فرق بين نفس الماء، و بين ملاقياته، إلّا

جواز الاستفادة من ملاقياته فيما يشترط فيه الطهارة.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 131

بل في إلغاء الخصوصيّة بالنسبة إلى استعمال ملاقيه في رفع الخبث و الحدث إشكال، فضلًا عن نفسه.

و الظاهر أنّ هذا العفو مخصوص بالمستنجي، فلا عفو بالنسبة إلىٰ غيره؛ لأنّ المتفاهم العرفيّ كون الحكم تسهيليّاً علىٰ مبنىٰ قاعدة نفي الحرج، و هذا مخصوص به، و لا يشمل غيره، فلو أصاب ثوب غيره بماء استنجىٰ به الآخر، فلا يجوز فيه الصلاة حسب القواعد و الصناعة العلميّة بالقطع و اليقين.

توهّم عموم رواية الكاهلي و الجواب عنه

و أمّا توهّم دلالة الرواية التي نقلها «الوسائل» بسند معتبر عن الكاهليّ، عن رجل، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قلت: أمرّ في الطريق، فيصبّ عليّ الميزاب في أوقات أعلم أنّ الناس يتوضّأون.

قال: «لا بأس، لا تسأل عنه» «1».

بناءً علىٰ كون المراد من «الوضوء» الاستنجاء كناية، كما أفاده (قدّس سرّه) «2»، فهو في غاية الوهن؛ لعدم معلوميّة وجه نفي البأس، و قد مرّ أنّ ذلك كما يحتمل كونه لأجل طهارته، أو معفويّته بالنسبة إلى الكلّ، يمكن أن يكون لأجل اشتباهه في الموضوع، فإنّ المراد من الموضوع ليس الاستنجاء، بل المراد أنّه يلازمه طبعاً و استظهاراً، فنفى البأس عنه، و نهى

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 222، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 13، الحديث 3.

(2) نفس المصدر، ذيل الحديث 3.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 132

عن السؤال؛ لإلقائه في الشبهة، و اللّٰه العالم.

فما تسلّمه الأصحاب (رحمهم اللّٰه) على العفو: بأنّه معفوّ مطلقاً، أو معفوّ في غير استعماله في رفع الحدث، أو هو و الخبث «1»، غير متين، بل قضيّة العفو هو الجمود علىٰ مقدار الدليل، و هو قاصر عن شمول أزيد

ممّا شرحناه، فتدبّر تعرف.

تنبيه: حول مسلك الشيخ الأعظم في نجاسة الماء دون تنجيسه

قد سلك الشيخ الأعظم (قدّس سرّه) مسلكاً، صار نتيجته نجاسة الماء، و عدمَ تنجيسه الثوب، و نتيجة ذلك طهارة الثوب، فيجوز شرب ما يلاقيه «2»، و أمّا على العفو فلا يجوز ذلك أيضاً عندنا، كما عرفت.

و غاية ما أفاد: «أنّ في المسألة عمومات ثلاثة:

أوّلها: أنّ النجس منجّس.

و ثانيها: المتنجّس منجّس.

و ثالثها: الماء القليل يتنجّس بملاقاة النجاسة.

و مورد النزاع هو ملاقاة الثوب لماء الاستنجاء، فإن قلنا: بطهارة ماء الاستنجاء، لزمنا رفع اليد عن العموم الأوّل، و إن قلنا: بنجاسة الماء و طهارة الثوب، لزمنا رفع اليد عن العموم الثاني.

______________________________

(1) لاحظ مفتاح الكرامة 1: 94/ السطر 29، مدارك الأحكام 1: 125، العروة الوثقىٰ 1: 46 47 فصل في المياه، الماء المستعمل في الوضوء، الهامش 4 و 5.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري، 1: 346.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 133

و بعد العلم بلزوم رفع اليد عن أحدهما، يقع التعارض بين هذين العمومين، و بعد التساقط يرجع إلى العموم الثالث؛ و هو نجاسة الماء القليل بملاقاة النجاسة.

و معنى هذا أنّ ماء الاستنجاء نجس، و لكنّه للأدلّة الخاصّة في المسألة لا ينجِّس شيئاً» انتهىٰ علىٰ ما في تقريرات بعض المعاصرين «1».

مناقشة ما أفاده الشيخ الأعظم (قدّس سرّه)

أقول: ليس الأمر كما أفاده؛ فإنّ العموم الثالث لا أصل له، ضرورة أنّ معنىٰ عموم منجِّسية النجس أو المتنجّس، هو انفعال الماء القليل بالملاقاة؛ لأنّه أحد الأشياء التي ينجّسها، فهاهنا عمومان طوليّان:

أحدهما: أنّ النجس منجّس.

و الثاني: أنّ المتنجّس منجّس.

و لا ريب: أنّ تخصيص الأوّل، لا يستلزم تخصيص الثاني، بل يلزم التخصّص و الخروج الموضوعيّ، فيدور الأمر بين تخصيص كلّ واحد بأدلّة المسألة بعد العلم بالخروج، و قد تقرّر عدم قيام الدليل العقلائيّ علىٰ تعيين أحد التخصيصين «2».

هذا، بل

التحقيق: أنّه لا عموم في المسألة إلّا واحد؛ و هو «أنّ النجس منجّس» و القول بتنجيس المتنجّس، يتمّ على القول: بأنّ

______________________________

(1) دليل العروة الوثقىٰ 1: 174 175.

(2) تقدّم في الصفحة 130.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 134

المتنجّس هو النجس لغةً و عرفاً، فيشمله العموم الأوّل، فينحصر العموم في المقام بواحد؛ و هو «أنّ النجس منجّس» فإن ثبتت نجاسة الماء المستنجى به، فيشمله العموم المزبور، و إلّا فلا بدّ حينئذٍ من المراجعة إلى الأدلّة المتكفّلة لصغرى الكبرى المزبورة.

و تلك الأدلّة بين ما يقتضي انفعاله، كأدلّة انفعال الماء القليل، و بين ما يقتضي لا انفعاله؛ و هي أدلّة المسألة، و حيث هي أخصّ من الاولىٰ، تصير النتيجة عدم ثبوت الصغرىٰ للعموم المذكور.

نعم، بناءً على ما عرفت منّا: من أنّ قضيّة الجمع بين أدلّة انفعال الماء القليل و ما ورد هنا، هو العفو «1»، فيثبت نجاسة الماء المستنجى به، و يكون منجّساً؛ لاندراجه تحت الكلّي المزبور، إلّا أنّ الشرع ألغىٰ شرطيّة الطهارة في الثوب و نحوه في الصلاة و نحوها، فيبقىٰ حكم نجاسته و منجّسية النجس، باقياً علىٰ حاله، فالعمومات الثلاثة رجعت إلى العموم الواحد غير المخصّص، و الذي هو المخصّص عموم شرطيّة طهارة الثوب و اللباس؛ فيما يشترط فيه طهارته، فافهم و اغتنم.

فما أفاده (رحمه اللّٰه) هنا و عقّبه أتباعه في كتبهم، كلّه خالٍ عن التحصيل، و الأمر سهل.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 130.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 135

بحث: هل يجوز رفع الحدث و الخبث بماء الاستنجاء بناءً على طهارته؟

بناءً علىٰ نجاسة ماء الاستنجاء، فعدم نفوذ استعماله في الخبث و الحدث واضح؛ لأنّ الطهارة شرط في مطهّرية المياه، كيف؟! و معطي الشي ء لا يكون فاقده.

و أمّا بناءً علىٰ طهارته، فهل يترتّب عليه

جميع أحكامها من الشرب و غيره كما قوّاه «الحدائق» و «المستند» «1» و احتمله الأردبيليّ (رحمه اللّٰه) و بعض آخر «2»؟

أو لا يترتّب عليه إلّا أحكام خاصّة، فلا يجوز رفع الحدث و الخبث به، و لا يجوز استعماله في الوضوء و الغسل المندوبين. نعم، لا يجب الاجتناب عن ملاقياته.

و لا أظنّ التزام أحد بعدم جواز استعماله في الخبث ثانياً، بل الظاهر أنّ ذلك من ثمرات الخلاف في طهارته و نجاسته، كما في «المدارك» و «المعالم» و «الذخيرة» «3».

أو يفصّل بين رفع الخبث و الحدث، و يلحق بالثاني الوضوء و الغسل المندوبين؟

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 1: 469 و 477، مستند الشيعة 1: 97.

(2) مجمع الفائدة و البرهان 1: 289، جامع المقاصد 1: 129 130، مدارك الأحكام 1: 124.

(3) مدارك الأحكام 1: 126، لاحظ مفتاح الكرامة 1: 95/ السطر 2، ذخيرة المعاد: 144/ السطر 5.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 136

و إليه ذهب الأصحاب «1»، و إن كان في الإلحاق المزبور خلاف، و قال «الجواهر» بجواز ذلك «2»، و منعه الشيخ «3»، و هو الظاهر من «المدارك» و غيره؛ لما عرفت أنّ ثمرة الخلاف عندهم استعماله ثانياً في رفع الخبث، فيعلم منه ممنوعيّة ذلك في الطهارة المعنويّة مطلقاً.

و الذي هو الأوفق بالقواعد الصناعيّة: ما أفاده «الحدائق» «4» لعدم رجوع الإجماعات المحكيّة إلىٰ محصّل، و ما استدلّ به الفقيه الهمدانيّ «5» من رواية ابن سِنان «6»، لا يرجع إلىٰ ما يركن إليه، مع ضعف سندها.

و أمّا الذي هو الأقرب إلىٰ فهم العرف و الذوق السليم: أنّ النظافة و الطهارة المعنويّة غير حاصلة بمثله «7» و لنعم ما أفاده الوالد المحقّق- مدّ ظلّه هنا فيما نسب إليه من

التقرير «و هو دعوى انصراف أدلّة الوضوء و الغسل المشروعين لحصول التنظيف مقدّمة لعبادة المعبود جلّ اسمه عن الوضوء و الغسل بماء الاستنجاء، بل ينكرون المتشرّعة على القائل به؛ بحيث

______________________________

(1) لاحظ العروة الوثقىٰ 1: 47 فصل في المياه، الماء المستعمل في الوضوء، مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 228، مهذّب الأحكام 1: 255.

(2) جواهر الكلام 1: 357.

(3) الطهارة، الشيخ الأنصاري 1: 350.

(4) الحدائق الناضرة 1: 477.

(5) مصباح الفقيه، الطهارة: 67/ السطر 2.

(6) تهذيب الأحكام 1: 221/ 630.

(7) و الآن هو الليلة التاسعة عشرة من رمضان سنة 1388 (منه (قدّس سرّه)).

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 137

يجعلونه كالأحكام المبتدعة. كما أنّه لا يبعد انصراف الأدلّة الواردة في التطهير من النجاسات عن التطهير بهذا الماء و أمثاله» «1» انتهىٰ.

و لقد مضى منّا بعض الجهات الأُخر المورثة لمنع طهوريّة الماء المستعمل في الأحداث، فضلًا عن هذا الماء «2».

و أمّا جواز شربه فهو مشكل؛ لأنّه يعدّ من الخَبائِث.

نعم، في حرمة كلّ خبيث عرفيّ إشكال أيضاً، فلا تغفل.

فصل هل يجوز رفع الحدث و الخبث بالغسالة بناء على طهارتها؟

بناءً علىٰ نجاسة الغسالة، فلا ريب في سقوط أحكامها؛ من رافعيّتها للحدث و الخبث.

و أمّا على القول بطهارتها كما هو الأقرب، فهل هي كغسالة الاستنجاء على القول بطهارتها، أم هي تختصّ بدليل؟

الظاهر هو الأوّل، فتأتي الوجوه المزبورة و الأدلّة المذكورة هنا من غير فرق.

نعم، قد يتوهّم: أنّ الإجماعات المحكيّة عن أساطين الفقهاء علىٰ

______________________________

(1) الطهارة (تقريرات الإمام الخميني قدس سره) الفاضل اللنكراني: 58 (مخطوط).

(2) تقدّم في الصفحة 93.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 138

عدم رافعيّتها للحدث مصبّها هذا الماء، فهو القدر المتيقّن الذي لا بدّ من الالتزام به.

و أنت خبير: بأنّ هذا التقريب يستلزم وهن الإجماعات المنقولة؛ لاحتمال كون

ذلك من صغريات الإجماعات علىٰ عدم مطهّرية المنجّس، و لا يكون مخصوصاً بهذه المسألة، و هذا الاحتمال قويّ جدّاً، فلا يقتضي شي ء منها.

و من العجب، توهّم بعض المعاصرين كفاية رواية عبد اللّٰه بن سِنان الماضية عنها «1»؛ لدلالتها علىٰ ممنوعيّة الاستعمال في الحدث سواء كانت طاهرة أو نجسة بإلغاء خصوصيّة الوضوء «2»!! و أنت خبير: بأنّها مضافاً إلىٰ ضعف سندها بأحمد بن هلال «3»، و عدم انجبارها بالشهرة العمليّة غير تامّة دلالة؛ ضرورة أنّ ذيلها: «و أمّا الماء الذي يتوضّأ الرجل به، فيغسل وجهه و يده في شي ء نظيف، فلا بأس أن يأخذه غيره و يتوضّأ به» قرينة على أنّ النظر إلى اعتبار النظافة العرفيّة في ماء الوضوء، من دون النظر إلى الاستعمال في الخبث أو الحدث.

مع أنّ المفروض في صدره أنّه قال: «لا بأس بأن يتوضّأ بالماء المستعمل».

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 220 و 228.

(2) تهذيب الأحكام 1: 221/ 630، وسائل الشيعة 1: 215، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 9، الحديث 13.

(3) أحمد بن هلال العبرتائي، كان غالياً، متهماً في دينه، و قد روىٰ أكثر أُصول أصحابنا.

لاحظ رجال النجاشي: 83/ 199، الفهرست، الشيخ الطوسي: 36/ 97.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 139

و قال: «الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من الجنابة، لا يجوز أن يتوضّأ منه و أشباهه» فإنّه ليس ظاهراً في الثوب المفروض نجاسته، و لا في مفروضيّة نجاسة البدن.

مع أنّ كلمة: «أشباهه» ظاهرة في رجوع الضمير إلى «الماء» أي أشباهه في الكثافة العرفيّة، فتسقط الرواية عن الاستدلال المقصود في هذه المواقف جدّاً.

نعم، هي شاهدة علىٰ ما أبدعناه: من قصور أدلّة مطهّرية المياه عن إثبات طهوريّة هذه

المياه؛ بعد كون الموضوعات عرفيّة.

مع أنّ دعوى الانصراف التي سمعت من الوالد المحقّق قريبة «1»، فلا ينبغي توهّم الملازمة بين الطهارة الشرعيّة و الطهورية العرفيّة، و لا يصحّ نسبة هذا إلى الشريعة المقدّسة المنزّهة عن جميع الأوساخ و الأنجاس، الظاهريّة و الباطنيّة.

فصل في شروط طهارة ماء الاستنجاء
اشارة

قد اعتبروا في طهارة ماء الاستنجاء شروطاً، نشير إليها إجمالًا و إن قد مضى أنّ ماء الاستنجاء لا يكون عندنا مخصوصاً بحكم «2»؛ لأنّ عين القذارة إن

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 136.

(2) تقدّم في الصفحة 123.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 140

كانت موجودة فهو نجس؛ قضاء لحقّ أدلّة انفعال القليل.

و احتمال كونه طاهراً؛ بدعوى التعارف الخارجيّ بين محلّ الغائط و الاستنجاء، أو التعارف الخارجيّ علىٰ بقاء عين الغائط في المحلّ، و بقائه في الماء، غير بعيد بدواً، و لكن الروايات الثلاث «1» التي عرفتها- بعد رجوعها إلىٰ واحدة اشتملت علىٰ فرض الخروج عن الخلاء، و هذا يورث قوّة احتمال كون المتعارف في زمن المآثير خلاف ذلك، أو كان كلا الأمرين متعارفاً، فلا يتمّ التمسّك بالإطلاق السكوتيّ في غيرها لترك الاستفصال، فتدبّر.

و إن كانت غير موجودة، فهو كالغسالة في الأحكام، و عليه تسقط المباحث الكثيرة التي أُشير إليها في الكتب المفصّلة و الفروع المختلفة، التي أشار إليها «العروة» و غيره «2». و لكن مع ذلك كلّه، لا بأس بالإشارة إلىٰ بعض الجهات اللّازمة.

فبالجملة: قد اشترط الأعلام شروطاً في المسألة:

فمنها: عدم تغيّره بالنجاسة

فإنّه مع التغيّر يصير نجساً.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 221 223، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 13، الحديث 1 و 2 و 4.

(2) العروة الوثقىٰ 1: 47 48 فصل في المياه، الماء المستعمل في الوضوء المسألة 2، مستند الشيعة 1: 96 98.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 141

و قد يشكل ذلك:

تارة: لأجل ما مرّ من الإشكال في نجاسة المتغيّر بالنجس؛ بمعنى أنّ الماء إذا لاقىٰ نجساً ثمّ تغيّر، و كان زمان التغيّر غير زمان الملاقاة، فهل هو ينجس أم لا؟

ظاهر جماعة نجاسته مع

فرض الاستناد «1»، و قضيّة ما تحرّر منّا في محلّه طهارته «2»؛ لأنّ الماء المتغيّر بالنجس يتنجّس؛ لأجل تغيّره به و ملاقاته، و أمّا نفس التغيّر المستند إليه مع عدم الملاقاة حين التغيّر و بعده فلا يورث النجاسة، و الملاقاة السابقة غير كافية.

ففي المسألة إذا لاقىٰ ماء الاستنجاء مع نجاسة المحلّ، ثمّ بعد ذلك تغيّر، فنجاسته ممنوعة؛ لما عرفت.

و أمّا توهّم: أنّ المفروض في الشرط هنا، هو كون النجاسة موجودة فيه حال تغيّره، فهو فاسد؛ لأنّ ماء الاستنجاء عندهم نجس حينئذٍ و إن لم يتغيّر، كما يأتي في الشرط الخامس «3»، فهذا الشرط لا يكون مفيداً إلّا في الصورة السابقة.

و أمّا إذا تغيّر في المحلّ، و كان ذلك أي زمان التغيّر و الاتصال بالنجس واحداً، فإن كان ذلك متعارفاً في الأغلب، فلا بدّ من الالتزام

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 31 32 فصل في المياه، المسألة 14، التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 103، مهذّب الأحكام 1: 152.

(2) تقدّم في الجزء الأوّل: 115 و ما بعدها.

(3) يأتي في الصفحة 146 147.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 142

بطهارته؛ فراراً عن حمل الأدلّة على الأفراد النادرة.

و إن كان ذلك غير متعارف كما هو الظاهر، ففي هذه الصورة يمكن الالتزام بنجاسته.

و أُخرى: لأجل دعوى الإطلاق السكوتيّ في أخبار المسألة «1».

و توهّم دلالة التعليل علىٰ عدم تغيّره بها، في محلّه، و لكنّه في محلّ المنع سنداً و دلالةً «2».

و ثالثةً: لأجل عدم ثبوت نجاسة الماء المتغيّر بكلّ نجس، إلّا على القول باعتبار النبويّ «3»، و قد مضى سبيله سنداً و دلالة «4»، أو القول بإلغاء الخصوصيّة، و هو هنا ممنوع؛ فإنّ إطلاقات هذه المسألة مانعة عن إلغاء الخصوصيّة

في تلك المسألة.

فلو سلّمنا التعارض بين أدلّة نجاسة المتغيّر، و أدلّة طهارة ماء الاستنجاء، أو سلّمنا تقدّم تلك الأدلّة علىٰ هذه الأدلّة لجهات مذكورة في المفصّلات، و منها: تقدّم العموم على الإطلاق، علىٰ إشكال فيه أيضاً فلا نسلّم صغرى المعارضة بينهما، فتصير النتيجة العمل بهذه المآثير، فيكون الماء المتغيّر في الفرض المزبور طاهراً.

______________________________

(1) لاحظ التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 381.

(2) تقدّم في الصفحة 125.

(3) المعتبر 1: 40، وسائل الشيعة 1: 135، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 1، الحديث 9.

(4) تقدّم في الجزء الأوّل: 116 و 137 و 189 190.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 143

و لكن بعد اللّتيّا و الّتي، ما هو الأظهر هي النجاسة؛ لأنّ الإطلاق السكوتيّ في مآثير هذه المسألة محلّ منع؛ و ذلك لما تقرّر أنّ من شرائطه عدم الغلبة و الانصراف «1»، و هو هنا ممنوع؛ ضرورة ندرة اتفاق تغيّر الماء بمجرّد الملاقاة مع نجاسة المحلّ، فيتعيّن المراجعة إلىٰ أدلّة نجاسة المتغيّر، و يتمّ إلغاء الخصوصيّة في تلك الأدلّة.

و منها: ما أفاده الشهيد (رحمه اللّٰه) في «الذكرى»

و هو ازدياد وزن الماء علىٰ وزن النجاسة «2»، و حكاه «المعالم» عن «نهاية» العلّامة «3»، و قرّبه الشيخ «4»؛ و ذلك لقوله (عليه السّلام): «لأنّ الماء أكثر من القذر» «5» و لا يتصوّر الأكثريّة إلّا بحسب الوزن، فلا بدّ منها في عدم الانفعال، و لا يكفي عدم زيادة وزنها عليه، و هذا هو الأنسب بكونه شرطاً، لا الفرض الأخير و إن نسب الثاني إليهم (قدّس سرّهم).

و أنت خبير: بأنّ التعليل إمّا ساقط كما عليه المتأخّرون «6»، أو يكون

______________________________

(1) كفاية الأُصول: 288 289، تحريرات في الأُصول 5: 433.

(2) ذكرى الشيعة: 9/ السطر 11.

(3) لم نعثر على الحاكي،

انظر مفتاح الكرامة 1: 95/ السطر 19، نهاية الإحكام 1: 244.

(4) الطهارة، الشيخ الأنصاري 1: 351 352.

(5) علل الشرائع: 287/ 1، وسائل الشيعة 1: 222، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 13، الحديث 2.

(6) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 225 226، التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 362.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 144

ناظراً إلى الأكثر في الغلبة، كما هو الأقرب عندنا، و قد مضى وجهه «1».

و هنا وجه آخر: و هو أنّ التعليل ناظر إلىٰ أنّ علّة عدم تنجّسه، عدم غلبة ريح العَذِرة على الماء، بل الماء غالب علىٰ ريح الجيفة، فلا يتنجّس، فكأنّ عدم تنجّسه بالملاقاة كان مفروضاً، و عدم تنجّسه بالتغيّر معلل بذلك.

فبالجملة: إنّ الأكثريّة لا تتصوّر بين المتباينين إلّا في الوزن، و لكن مورد التعليل هو الاستنجاء بالبول؛ لما عرفت «2»، فهذا تعليل لإفادة عدم انفعال الغسالة، من غير فرق بين الاستنجاء و غيره؛ لأنّ الماء غالب على النجاسة الزائلة به.

و منها: عدم وصول نجاسة إليه من خارج

و ذلك قضاءً لحقّ أدلّة انفعال القليل، و عدم ثبوت إطلاق في أدلّة المسألة.

و بعبارة اخرىٰ: روايات المقام متعرّضة لحكم حيثيّ، و لا ينبغي الخلط بين الحيثيّات.

نعم، علىٰ فرض الملازمة النوعيّة الخارجيّة بين محلّ الاستنجاء، و بعض النجاسات الأُخر، فلا بدّ من القول بطهارته، كما في صلاة الجماعة

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 105.

(2) تقدّم في الصفحة 105 106.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 145

الذين كانوا يصلّون خلف يهوديّ من المدينة إلى خراسان، فإنّ تصحيح تلك الصلاة يلازم صحّتها جماعة؛ للزوم زيادة الركن في تلك المدّة الطويلة، أو غيره من الوظائف المتخلّف عنها المأموم، فإنّه لا معنىٰ إلىٰ أنّه حكم حيثيّ؛ ضرورة أنّ المستفتي يريد إعادة صلاته عند

التخلّف، و ترك الاستفصال يؤدّي إلىٰ تركها، كما لا يخفى.

و منها: عدم التعدّي الفاحش علىٰ وجه لا يصدق معه «الاستنجاء»

و هذا ليس من الشروط كما هو الواضح، و حكمه واضح. هذا على القول بنجاسة الغسالة.

و أمّا على القول بطهارتها، فلا حاجة إلىٰ رعاية هذا الشرط؛ لاشتراك ماء الاستنجاء و الغسالة في هذه الجهة، بعد لزوم مراعاة الشرط الآتي.

و لو شكّ في موضع أنّه تجاوز عن المحلّ أم لا، فإن قلنا: بإطلاق أدلّة الاستنجاء فهو، و إلّا فيرجع إلىٰ عموم أدلّة الانفعال، و قضيّة ما سلف منّا، أنّه لا إطلاق في أدلّة الاستنجاء إلّا إطلاقاً سكوتيّاً ناشئاً من ترك الاستفصال «1»، و قد تقرّر أنّ من شرائطه عدم الغلبة و الانصراف «2»، و هذا فيما نحن فيه ممنوع؛ ضرورة أنّ الغالب عدم التجاوز إلىٰ حدّ يشكّ في ذلك.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 129 و 140.

(2) تقدّم في الصفحة 143، الهامش 1.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 146

فما قد يقال: «من المراجعة إلى إطلاقات أدلّة الاستنجاء» ناشئ عن توهّم الإطلاقات اللفظيّة لها، مع أنّ الأمر ليس كذلك.

و منها: أن لا يخرج مع البول و الغائط نجاسة أُخرى مثل الدم

و في كونه شرطاً وراء الشرط الأسبق منع.

و يدلّ عليه: أنّ أدلّة المسألة قاصرة، فأدلّة انفعال القليل محكّمة.

و قد يشكل: بأنّ قضيّة رواية محمّد بن نعمان الأحول الماضية «1»، أنّ النجاسة الخارجة ليست مورثة للمنع؛ لقوله فيها: «و أنا جنب» فإنّ المتفاهم العرفيّ كما مرّ وجهه «2» أنّه كان حين البول جنباً، و كان رأس إحليله ملوّثاً بالمنيّ، فعند ذلك و مع إلغاء الخصوصيّة، يكون طاهراً و لو كان الخارج دماً.

نعم، إذا كانت النجاسة من الخارج على الوجه الماضي في الشرط الأسبق «3»، فلا يمكن إلغاؤها؛ لأنّ خصوصيّة التسهيل في اعتبار طهارة ماء الاستنجاء، ملحوظة ظاهراً.

و قد يقال: بأنّ الدم الخارج إذا كان يعدّ من البول و الغائط

أي

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 86/ 227، وسائل الشيعة 1: 222 223، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 13، الحديث 4.

(2) تقدّم في الصفحة 119.

(3) تقدّم في الصفحة 144.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 147

يقال: «إنّ بوله فيه الدم» أو «في غائطه الدم» فإنّه يكون طاهراً «1»؛ لإطلاق أدلّته، و ترك استفصاله عند السؤال، مع أنّه لو كان مورثاً لنجاسته، كان عليه ذلك.

و فيه ما عرفت: من أنّ التعارف شرط في لزوم السؤال «2»، و هو ممنوع في المثال المزبور، و هكذا إذا كان غائطه دماً؛ لخروجه عن المتعارف، و عدم ثبوت الإطلاق اللّفظيّ.

و منها: أن لا يكون فيه أجزاء من الغائط

و في عدّه شرطاً آخر إشكال، بل منع.

و يدلّ عليه: أنّ أدلّة المسألة، ناظرة إلىٰ ملاقاة الماء مع النجاسة في المحلّ، دون الغائط الخارجيّ و البول الخارجيّ، و أدلّة انفعال الماء القليل محكّمة، كما عرفت «3».

و قد يشكل: بأنّ المتعارف وحدة مكان الخلاء و الاستنجاء، فلو كان الماء المزبور نجساً، تلزم لغويّة اعتبار طهارته، أو العفو عن ملاقيه، و كيف ارتضوا بإلحاق ماء الاستنجاء من البول للغلبة و التلازم الخارجيّ بماء الاستنجاء من الغائط، و لا يكونون راضين بذلك؟! و إليه أشار

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 47 48 فصل في المياه، الماء المستعمل في الوضوء، المسألة 2.

(2) تقدّم في الصفحة 129.

(3) تقدّم في الصفحة 140.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 148

المحقّق الوالد- مدّ ظلّه «1».

و يمكن دعوى: أنّ ما هو اليوم متعارف هي وحدة المكان، و لكن المتفاهم من قول الأحول: «أخرج من الخلاء فأستنجي» «2» هو أنّ عادته كانت على الخروج، و لعلّ في تلك الأزمنة كانت الحفر المعدّة لذلك، غير مستعدّة للاستنجاء عليها بالماء، أو

لم تكن حفرة، بل كان يضع على المفازة، و لا يتمكّن من التطهير متعارفاً إلّا بالخروج عن محيط الخلاء، فعليه لا يمكن التمسّك بالإطلاق السكوتيّ، و لذلك قلنا: بعدم التفاوت بين الغسالة و ماء الاستنجاء، و قلنا: باشتراكهما في الحكم، و سقوط جميع ما أفاده القوم من رأسه هنا «3».

و منها: عدم خروج شي ء متنجّس معه

سواء كان متنجّساً بالعَذِرة، أو كان متنجّساً قبل البلع فخرج معها. و هذا أيضاً ليس شرطاً علىٰ حدة، إلّا أنّ الإشارة التفصيليّة إليه لإيضاحه لأرباب الفضل و طلّاب العلوم.

و استقواه «الجواهر» و أيّده الشيخ (قدّس سرّهما) «4» و منعه الآخرون، فقالوا

______________________________

(1) الطهارة (تقريرات الإمام الخميني (قدّس سرّه)) الفاضل اللنكراني: 57 (مخطوط).

(2) الكافي 3: 13/ 5، وسائل الشيعة 1: 221 222، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 13، الحديث 1.

(3) تقدّم في الصفحة 129.

(4) جواهر الكلام 1: 357 358، الطهارة، الشيخ الأنصاري 1: 352.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 149

بالطهارة في الفرض الأوّل، قائلين: «أنّ المتنجّس و إن كان كالمنجّس الأجنبيّ الذي عرفت نجاسة الماء به، و لكن قصور الأدلّة ممنوع عن شموله:

للغلبة أوّلًا.

و لكونه مغفولًا عنه ثانياً.

و لأنّ النجاسة الآتية من قبل الغائط، ليست أشدّ منه، فكيف يمكن الالتزام بأنّ ملاقاته مع العَذِرة لا تورث نجاسته، و لكنّ ملاقاته مع المتنجّس به تورثها؟!» «1».

و أنت خبير: بأنّ الإطلاق السكوتيّ، لا يكون سنداً إلّا في صورة الملازمة النوعيّة، و هي ممنوعة جدّاً كما هو المفروض؛ و هو كون الخارج غير ملوّث بالعين، بحيث كان هو في الماء، دون الأجزاء العينيّة من القذارة، لأنّه مع تلاصق تلك الأجزاء بتلك الأجسام الطاهرة الخارجة، لا يكون الماء عندهم طاهراً؛ لما مرّ من الشرط السابق، فعلى ما

تقرّر يقوىٰ ما سلكه العلمان في النظر.

و أمّا كونه مغفولًا عنه، فلا يفيد شيئاً.

و أمّا الوجه الثالث الذي استظهرناه من كلام والدي المحقّق- مدّ ظلّه ففيما كان مفروض المسألة ما ذكرناه، فلا معنىٰ للاستبعاد، و فيما كان مفروض المسألة ملاقاة الماء مع الجسم المتنجّس عند التطهير

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 48 فصل في المياه، الماء المستعمل في الوضوء، المسألة 2، مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 238، مهذّب الأحكام 1: 265.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 150

و الإزالة؛ بحيث كان مع الجسم أجزاء القذر، حتّى يصدق «الاستنجاء» و إلّا فمجرّد ملاقاته معه في الباطن، لا يورث عندهم قذارته الشرعيّة.

فبالجملة: مفروض المسألة هو كون ماء الاستنجاء ملاقياً في المحلّ للجسم، و لا يبقىٰ فيه من أجزاء العَذِرة شي ء، بل تستهلك فيه، و هذا فرض غير قابل للاتفاق، و عند ذلك لا معنى للتمسّك بتلك الإطلاقات السكوتيّة، فلا تغفل.

و منها: سبق الماء على اليد

فلو انعكس فالأدلّة قاصرة، و أدلّة انفعال القليل محكّمة. و وجه القصور تعارف السبق.

و هذا شرط محكيّ عن العلّامة علىٰ ما قيل «1»، و لكنّ المتأخّرين غير راضين به «2»؛ لعدم التعارف المزبور إلّا بمقدار تعارف عكسه.

و الإنصاف: خلافه؛ ضرورة أنّ المراجعة إلى الوجدان، قاضية بأنّ استقذار الطبع، يؤدي إلى الاستباق إلى الماء، و قلّما يتّفق عكسه، فاليد المتنجّسة بالعَذِرة تؤثّر في نجاسة الماء؛ لكونها من النجاسة غير القائم علىٰ عفوها دليل.

و هنا وجه آخر لنجاسته: و هو أنّ اليد السابقة تتلوّث بعين

______________________________

(1) حكي هذا القول عن بعضٍ و لم نعثر على من عزاه إلى العلّامة و لا يوجد في كتبه، لاحظ مشارق الشموس: 254/ السطر 4، الحدائق الناضرة 1: 476، جواهر الكلام 1: 358.

(2) العروة الوثقىٰ

1: 48 فصل في المياه، الماء المستعمل في الوضوء، المسألة 3، التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 384.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 151

العَذِرة، فلا تكون إزالتها عنها من الاستنجاء و إن كان يستنجىٰ بها أيضاً، فكأنّ هذه النجاسة من الخارج، فلا يكون هذا الشرط أيضاً شرطاً مستقلا.

نعم، يخطر بالبال دعوى: أنّ العرف لا يجد الخصوصيّة بين السبقين، و ينسب التوهّم إلى الوسوسة.

فتحصّل: أنّ قضيّة الإطلاق السكوتيّ، هو الأخذ بالقدر المتيقّن، إلّا في القيود الغالبيّة و المتعارفة، و إلّا في الموارد التي يصحّ فيها إلغاء الخصوصيّة. و مقتضى القواعد عند الشكّ في المتعارف، هو الأخذ بالقدر المتيقّن أيضاً.

و ممّا ذكرناه يظهر وجه النظر في صورة تقارن الصبّ و الملاقاة إشكالًا و جواباً، كما أنّ تمسّك الأصحاب (رحمهم اللّٰه) طرّاً بإطلاقات الأدلّة «1»، ساقط و غفلة كلّاً.

و منها: قصد الاستنجاء

فلو لاقت يده نجاسة المحلّ لأجل أمر آخر، ثمّ طرأ عليه قصد الاستنجاء، فلا يكون طاهراً؛ لما مرّ مراراً.

مع أنّ هذا ليس شرطاً؛ لأنّ معنى «الاستنجاء» هو القصد إلى الخلاص من النجو أو معنى أعمّ كما مرّ «2».

______________________________

(1) لاحظ الطهارة، الشيخ الأنصاري 1: 353، التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 385، مهذّب الأحكام 1: 265.

(2) تقدّم في الصفحة 128.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 152

و دعوىٰ: أنّ استباق اليد إلى المحلّ لأمر آخر في أثناء التخلية أو بعدها متعارف؛ لإمساس الحاجة كثيراً إليه، أقرب من دعوى استباق اليد إلى المحلّ من صبّ الماء بلا جهة تصفية، مع تنفّر الطباع عنه.

فالشرط المزبور الذي صدّقه الأعلام كلّهم «1»، ممكن إسقاطه إذا تعقّبه قصد الاستنجاء على الفوريّة العرفيّة.

بل الأمزجة اليبوسيّة كثيراً ما تحتاج إلى استعمال اليد في الفراغ،

و المعروف أنّ أمزجة الحجازيّين من أيبس الأمزجة، فعليه يشكل تصديق الشرط المزبور، و لكنّه أحوط جدّاً.

نعم، الملاقاة بغير التعقّب بالاستنجاء، أو مع التعقّب المتأخّر جدّاً، تورث نجاسة الماء، سواء أزال نجاسة يده بماء آخر، أو أزالها بماء الاستنجاء.

نعم، على القول بطهارة الغسالة، فلا عبرة بهذه الشروط، كما أُشير مراراً «2».

و منها: عدم الإعراض عن القصد المزبور

فلو أخلّ باستدامته، فإن رجع فوراً فهو، و إلّا ففي طهارته و نجاسته

______________________________

(1) لاحظ جواهر الكلام 1: 358، الطهارة، الشيخ الأنصاري 1: 353، العروة الوثقىٰ 1: 48، فصل في المياه، الماء المستعمل في الوضوء، المسألة 4.

(2) تقدّم في الصفحة 140 و 148.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 153

وجهان، بل قولان: ظاهر الشيخ في كتابه هو الأوّل «1»، و صريحه في «حاشية النجاة» الإشكال فيها، خلافاً للمعروف بين المتأخّرين «2». و الوجه طهارةً و نجاسةً واضح؛ لما عرفت «3».

و لو شكّ في ذلك، فمقتضىٰ ما تقرّر هو الأخذ بالقدر المتيقّن، إلّا على القول بسراية إجمال المخصّص و المقيّد إلى العامّ و المطلق، كما هو الأقوىٰ.

و لكن ربّما يتوهّم هنا، جريان استصحاب العفو عن النجاسة؛ لأنّه إذا قصد الاستنجاء، و لاقت يده نجاسة المحلّ، فهي نجاسة معفوّة غير مؤثّرة في الماء، و إذا أعرض يشكّ في ارتفاع عفوه «4»، فتأمّل.

و غير خفيّ: أنّ مقتضيات المباني في معفويّة هذه النجاسة أو غيرها مختلفة، و في النتيجة يشكل جريانه، كما لا يخفى.

و ممّا يؤيّد طهارته و إن عاد بتأخير إلغاء الخصوصيّة عرفاً، على الوجه الذي أُشير إليه «5»، و يتقوّى ذلك بالنظر إلىٰ أنّ مبنىٰ هذا الحكم، تسهيل الأمر على العباد، فليتدبّر.

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري 1: 353.

(2) العروة الوثقىٰ 1: 48، فصل في المياه، الماء

المستعمل في الوضوء، المسألة 4، مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 239، و لاحظ مهذّب الأحكام 1: 265.

(3) تقدّم في الصفحة 151 152.

(4) مهذّب الأحكام 1: 265.

(5) تقدّم في الصفحة 151.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 154

و منها: أن يكون المخرج طبيعيّاً بالذات أو بالعرض

و الدليل ما أشرنا إليه كراراً؛ من تماميّة أدلّة انفعال القليل، و قصور أدلّة المسألة عن شمول المخرج غير المعتاد.

و هذا الشرط هو المصرّح به في كلمات جملة من الأساطين، مع نفيهم الفرق بين الطبيعيّ و بين غير الطبيعيّ الذي صار عاديّاً «1».

و قد يقال: بأنّ «الاستنجاء» من «النجو» و هو ما يخرج من البطن؛ ريحاً كان، أو قذراً، فإن كان معناه هو كون المخرج متعارفاً «2»، فلا يشمل العارض غير الطبيعيّ، و إن كان بالنسبة إلىٰ شخص المستنجي طبيعيّاً.

و إن كان معناه الأعمّ أي الخارج من البطن من غير دخالة المخرج الخاصّ في ذلك «3» فلا فرق بين الطبيعيّ بالعرض، و الحادث في ساعة لأجل قصّه.

أقول: أوّلًا: إنّ اشتقاق «الاستنجاء» من «النجو» و هو جامد خلاف الأصل، و سيأتي توضيحه في الفصل الآتي «4»، و مضى الإيماء إليه «5».

و ثانياً: مجرّد صدق «الاستنجاء» غير كافٍ؛ لعدم الإطلاق اللفظيّ في

______________________________

(1) جواهر الكلام 1: 357، العروة الوثقىٰ 1: 48 فصل في المياه، الماء المستعمل في الوضوء، المسألة 6، مهذّب الأحكام 1: 266.

(2) التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 386.

(3) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 239.

(4) يأتي في الصفحة 156 157.

(5) تقدّم في الصفحة 128.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 155

المسألة، و الإطلاق السكوتيّ مشروط بشرط مضى كراراً «1»، و هو هنا مفقود، فما صنعه المتأخّرون من التمسّك بالإطلاق «2» ذهول و غفلة، فلا تغترّ بما في صحفهم.

و

الذي هو الدليل الوحيد، إمكان دعوى إلغاء الخصوصيّة عرفاً، أو الإشكال في صحّة التمسّك بأدلّة انفعال الماء القليل؛ لما مرّ «3» و تقرّر منّا في محله: من أنّ القوانين الكلّية، تصير معنونة بالقيود اللّاحقة، و تصير قانوناً وحدانيّاً، و يسري من الكلّ إلى الآخر خصوصيّات الكلام؛ من الإجمال و غيره، و عند ذلك يتعيّن القول بالطهارة، إلّا في مورد علم بأنّه خارج عن أدلّة الاستنجاء، فافهم و اغتنم.

و قضيّة ما ذكرناه إشكالًا عليهم، عدم الفرق بين كون المخرج غير عاديّ خلقةً، أو صار غير عاديّ بعداً، و هكذا سواء كان منسدّاً المخرج الطبيعيّ، أو كان مفتوحاً، و الجواب عن الكلّ أيضاً واحد، كما لا يخفى.

و منها: كون الماء وارداً على المحلّ و المخرج

فإذا وضع مقعده في ماء قليل، ففي كونه طاهراً إشكال و إن صدق عليه «ماء الاستنجاء» و ذلك لأنّ في المآثير كلّاً وردت كلمة «باء» الظاهرة في أنّ

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 143.

(2) جواهر الكلام 1: 357، الطهارة، الشيخ الأنصاري 1: 351، مصباح الفقيه، الطهارة: 66/ السطر 13.

(3) تقدّم في الصفحة 129 130 و 134.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 156

الماء يصبّ على المخرج، مع أنّه المتعارف، فمجرّد صدق «الماء المستعمل في الاستنجاء» غير كافٍ لطهارته.

و من العجيب، عدم تعرّض الأصحاب (رحمهم اللّٰه) لمثله!! مع أنّه شرط اصطلاحاً في المقام، دون المذكورات، و معتبر حسب الأدلّة، و قد مضى أنّه أيضاً خارج عن بحث الغسالة موضوعاً «1»، فلا ينبغي الخلط.

فصل في حكم ماء الاستنجاء من البول
اشارة

لا شبهة في ماء الاستنجاء من الغائط، و أمّا الاستنجاء من البول فهو حسب نصّ الأصحاب «2» أيضاً مثله، و لكن حسب الدليل مشكل؛ و ذلك لأنّ «الاستنجاء» من «النجو» و لا نصّ في خصوص البول.

و غاية ما قيل في المقام دليلًا: «إنّ الغلبة و التلازم الخارجيّ، تستلزم طهارته، و إلّا يلزم لغويّة طهارة ماء الاستنجاء» «3».

و فيه: أوّلًا: أنّ ذلك لا يستلزم طهارة الاستنجاء من البول، إذا كان غير مصحوب مع الآخر، مع أنّ الفتوى علىٰ عدم الفرق بين الحالتين: حالة

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 98.

(2) مدارك الأحكام 1: 124، مستند الشيعة 1: 98، الطهارة، الشيخ الأنصاري 1: 350 351، العروة الوثقىٰ 1: 46 47، فصل في المياه، الماء المستعمل في الوضوء.

(3) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 224، التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 383 384.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 157

الانضمام، و حالة الانفراد.

و توهّم إمكان التجاوز من ذلك إلىٰ

حالة الانفراد، في غاية الوهن؛ لأنّ الفرار من لغويّة طهارة ماء الاستنجاء أو معفويّته، لا يقتضي أزيد من طهارته حال الانضمام.

و ثانياً: الغلبة في عصر صدور المآثير ممنوعة جدّاً؛ لأنّ المتعارف- كما يظهر هو تعدّد مكان الاستنجاء و الخلاء، فلا يسري ماء الأوّل إلى الثاني، و لا سيّما مع قلّة الماء المستعمل في البول، و خصوصاً إذا كانت الأرض رخوة، فإنّه عندئذٍ يمنع السراية، فلا ملزم بطهارته.

فالذي هو الأقرب: أنّ «النجو» و إن كان بمعنى العَذِرة، أو ما يخرج من البطن، و لكن كون «الاستنجاء» مشتقّاً من كلمة «نجو» ممنوع، بل الظاهر أنّ المراجعة إلى «المصباح» و غيره كما مرّت عين عبارته «1» يعطي أنّ «الاستنجاء» بمعنى الاستخلاص، و لمشابهة المادّة مع مادّة «النجو» صار ظاهراً في ذلك، و إلّا ففي المآثير كثيراً ما يستعمل في الأعمّ.

أو يقال: إنّ «الاستنجاء» في محيط الأخبار مستعمل في الأعمّ، و صار ذلك حقيقة ثانويّة لهذه الكلمة «2»، كما قيل بذلك في كلمة «السهو» التي كثيراً ما استعملت في معنى الشكّ، حتّى صار ظاهراً فيه، و منسلخاً و مهجوراً عن المعنى الأوّل «3».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 128.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 66/ السطر 9 10.

(3) مرآة العقول 15: 227، الحدائق الناضرة 9: 293، جواهر الكلام 12: 418، الخلل في الصلاة، الشيخ الأنصاري: 116.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 158

بعض الشواهد من المآثير على استعمال «الاستنجاء» في الأعمّ

و قد مرّت شواهد من المآثير على الدعوى المزبورة «1»، و منها: ما في رواية نشيط بن صالح التي هي مورد العمل عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته كم يجزي من الماء في الاستنجاء من البول؟ فقال: .. «2».

و مثلها ما عن حَريز، عن زرارة قال: «كان

يستنجي من البول ثلاث مرّات» «3» و في ذلك غنى و كفاية.

و في أحاديث البلل المشتبه المذكورة في الباب الثالث عشر من أبواب نواقض الوضوء روايتان تدلّان علىٰ أعمّية الاستنجاء: ففي رواية عبد الملك بن عمرو، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في الرجل يبول، ثمّ يستنجي، ثمّ يجد بعد ذلك بللًا «4».

و في رواية سَماعة في حديث قال: «فإن كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد غسله، و لكن يتوضّأ و يستنجي» «5» و لعلّ المتتبّع يجد أكثر من ذلك.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 128 129.

(2) تهذيب الأحكام 1: 35/ 93، وسائل الشيعة 1: 344، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 26، الحديث 5.

(3) تهذيب الأحكام 1: 209/ 606، وسائل الشيعة 1: 344، كتاب الطهارة، أبواب أحكام الخلوة، الباب 26، الحديث 6.

(4) تهذيب الأحكام 1: 20/ 50، وسائل الشيعة 1: 282 283، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 13، الحديث 2.

(5) تهذيب الأحكام 1: 144/ 406، وسائل الشيعة 1: 283، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 13، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 159

فتحصّل: أنّ «الاستنجاء» و إن قيل: «في اللّغة بمعنى غسل موضع النجو أو مسحه» «1»، و لكن في الروايات استعمل في الأعمّ؛ بحيث صار حقيقة فيه، أو مراداً منه.

أو يقال: بأنّه ليس بمعنى الغسل من النجو، بل هو بمعنى الاستخلاص من البول أو الغائط، و قد مضى شطر من البحث حوله «2»، فلا نعيده.

هذا مع أنّ قضيّة ما مضىٰ منّا، أنّ المتبادر من مورد بعض روايات المسألة، هو الاستنجاء من البول، كما ذكرنا وجهه «3»، فعليه يكون طاهراً. مع أنّ مقتضىٰ ما تحرّر منّا في الغسالة «4» تأكّد طهارته،

و هذا من غير فرق بين الغسالة الأُولىٰ و الثانية، و لعلّ ما نسب إلى الشيخ من الفرق «5»، محمول علىٰ صورة وجود الأجزاء العينيّة فيها.

ثمّ إنّ هنا فروعاً لا نحتاج إلىٰ ذكرها؛ لوضوحها عند القائلين بطهارة الغسالة، كما أنّ إطالة البحث فيما سبق أيضاً، غير مناسب على الرأي المتصوّر، و اللّٰه الهادي إلى سواء السبيل.

______________________________

(1) مهذّب الأحكام 1: 254.

(2) تقدّم في الصفحة 128.

(3) تقدّم في الصفحة 129.

(4) تقدّم في الصفحة 117.

(5) مفتاح الكرامة 1: 93/ السطر 30، انظر الخلاف 1: 179.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 160

فصل في حكم ملاقي الغسالة
اشارة

بناءً علىٰ طهارة الغسالة، يسقط البحث المشهور بين الأعلام حول حكم ملاقيها.

و أمّا بناءً علىٰ نجاستها، فهل حكم الملاقي حكم المحلّ قبل الغسل «1»، أو حكم المحلّ بعده «2»، أو يفصّل فملاقي الغسالة الاولىٰ في مثل البول مثلًا يحتاج إلى التعدّد، و ملاقي الثانية لا يحتاج اليه «3»؟ فيه وجوه، بل أقوال لا وجه لنا للغور فيها.

و الذي ينبغي: هو الإشارة إلى المسألة و وجوهها، فاعلم: أنّ هذه المسألة أيضاً تسقط على القول بعدم منجّسية المتنجّس.

و أيضاً لا بدّ من أن تعلم: أنّ البحث ليس حول كيفيّة تطهير المتنجّس بعين النجس، حتّى يتمسّك بإطلاق صحيحة زرارة في دم رعاف «4» لا ربط له بهذه المسألة، و العجب من بعض الفضلاء و إن لا تعجّب منه

______________________________

(1) لاحظ الدروس الشرعيّة 1: 122، روض الجنان: 158/ السطر 28.

(2) مفتاح الكرامة 1: 92/ السطر 12.

(3) لاحظ روض الجنان: 159/ السطر 1.

(4) تهذيب الأحكام 1: 421/ 1335، وسائل الشيعة 3: 479، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 42، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 161

تمسّكه هنا بمثلها

«1»!! بل البحث حول ملاقي الغسالة، و العلمُ بعدم الفرق بين الموضوعات، منشؤه التمسّك بالقياس، أو الأولويّة التي يأتي الإيماء إليها «2».

مقتضى الأصل العملي في المقام

فإذا عرفت ذلك، فالذي هو المشهور أنّ قضيّة الاستصحاب، هو بقاء النجاسة إلىٰ أن يعلم المزيل، و بناءً على تماميّة الشبهة المعروفة عن النراقي من معارضة الاستصحابات الحكميّة باستصحاب العدم الأزليّ «3» يشكل جريانه، كما اعتقده الفاضل المزبور «4».

و هذا أيضاً من العجائب! و ذلك لعدم تماميّة الشبهة، كما تقرّر في محلّها «5»، و لأنّ النجاسة ليست من الأحكام الشرعيّة؛ وضعيّة و غير وضعيّة، بل هي من الموضوعات العرفيّة كالبيع، فتارة: أمضاها الشرع، و أُخرى: لم يمضها، و قد مرّ تفصيل ذلك و خصوص هذه المسألة في المباحث الماضية «6».

نعم، قد يشكل جريان الاستصحاب؛ لأجل أنّ النجاسة و الطهارة،

______________________________

(1) التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 396.

(2) يأتي في الصفحة 164.

(3) مناهج الأحكام و الأُصول: 237 238.

(4) التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 395، مصباح الأُصول 3: 36.

(5) تحريرات في الأُصول 8: 525 529.

(6) تقدّم في الجزء الأوّل: 27.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 162

ذات تشكيك اعتباريّ عرفاً و شرعاً؛ حسب اختلاف أحكامهما في الشرع المقدّس، و اختلافِ العرف في الاهتمام بالتطهير، و الذي هو المقطوع به هي المرتبة التي تزول بالغسلة الأُولىٰ، و المرتبة الثانية مشكوكة الوجود، فيكون من قبيل الأقلّ و الأكثر، و قضيّة استصحاب العدم النعتيّ، عدم تنجّس الملاقي إلّا بالمرتبة الأُولىٰ المعلومة من دليل منجّسية كلّ متنجّس، فالثوب الملاقي للغسالة، مسبوق بعدم تنجّسه بنجاسة ضعيفة و شديدة، و المقدار المنتقض هو تنجّسه بالأُولىٰ، دون الثانية فليتدبّر، فعلى هذا يشكل ما أفاده القوم هنا.

و أمّا علىٰ تقدير جريان استصحاب

النجاسة، فمقتضى الاعتبار أنّ الغسالة حاملة للنجس، فإن كانت حاملة للبول فيجب التعدّد؛ بناءً علىٰ لزوم تعدّده فيه، و إن كانت حاملة لغيره فلا، و عليه لا يجب التعدّد في الملاقي للغسلة الثانية؛ لأنّ البول قد زال بالأُولىٰ.

نعم، يجب مرّة قضاءً لحقّ تنجّسه به، كما هو المفروض، و لا يجب التعفير في ملاقي الغسلة الاولىٰ في ولوغ الكلب؛ لأنّ النجاسة زالت بالتراب.

نعم، إذا لاقى التراب شيئاً و نجّسه، فلا يبعد كون الاعتبار مساعداً علىٰ وجوب التعفير.

و لكنّ الأدلّة في تلك المسألة، ربّما تكون ناهضة لرفع الشكّ؛ لإطلاقها السكوتيّ، و أمّا في الغسالة فلا دليل يعتمد عليه إلّا رواية

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 163

العِيص بن القاسم «1»، التي قد مضى حالها «2».

مع أنّ في دلالتها إشكالًا؛ لأجل أنّ مجرّد الأمر بالغسل، غير كافٍ لتماميّة المطلوب؛ لإمكان إهماله، ضرورة أنّ المقصود تارة: يكون ذكر كيفيّة التطهير، و أُخرى: يكون ذكر عدم نجاسة أمر آخر تَعرّضه، كما في تلك الرواية، فإنّ المتفاهم منها، إفادة عدم نجاسة غسالة الوضوء، دون نجاسة ملاقي غسالة البول، فلا تذهل، فما أفاده القوم من تماميّة الدلالة، غير مقبول جدّاً «3».

التمسّك بالنبويّ لنفي تعدّد الغسل و جوابه

و قد يتوهّم: أنّ إطلاق النبويّ المشهور المثبت لطهوريّة الماء «4»، يكون رافعاً للشكّ؛ لأنّ كيفيّة التطهير و التنجّس ليست من المخترعات الشرعيّة، و لا تصرّف للشارع فيهما، فيرجع إلى العرف، و هو القاضي بالمرّة «5».

و فيه: بعد الغضّ عن السند أنّ المراد من «الطهوريّة» فيه غير

______________________________

(1) ذكرى الشيعة: 9/ السطر 17، وسائل الشيعة 1: 215، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 9، الحديث 14.

(2) تقدّم في الصفحة 113.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 61/ السطر 17 21، مستمسك العروة

الوثقىٰ 1: 230.

(4) المعتبر 1: 40، وسائل الشيعة 1: 135، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 1، الحديث 9.

(5) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 243.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 164

واضح، و القدر المتيقّن منه هو اعتصام الماء؛ لقوله: «لا ينجّسه شي ء» و لو سلّمنا أنّه في مقام أفاده أنّه إذا كان لا ينجّسه شي ء فتطهّر به عند الملاقاة، و لكن لانسلّم كونه من هذه الجهة ذا إطلاق رافع لهذه الشكوك، و مجرّد عدم ابتكار الشرع شيئاً في كيفيّة التطهير غير كافٍ؛ لأنّه ممّا يصحّ إذا كان الأمر كذلك في جميع التطهيرات، و لكنّ العرف إذا توجّه إلىٰ تصرّفه في مواضع غير عديدة في كيفيّة التطهير، فلا يجد بين تلك الإطلاق و النبويّ تعارضاً بدويّاً، فيجمع بينهما بالإطلاق و التقييد. بل من هنا يتنبّه إلىٰ عدم الإطلاق له من هذه الجهة، كما لا يخفى.

فتحصّل إلىٰ هنا، قصور الأدلّة عن التعرّض لحال ملاقي الغسالة، و أنّ الوجوه و الاعتبارات الذوقيّة و إن كانت تقتضي التفصيل، و لكن ذلك مشكل جدّاً، كما أنّ الالتزام بتعدّد الغسل في ملاقي غسالة ما لا تعدّد فيه، أو في ملاقي الغسالة الثانية في البول بل الالتزام بالمرّات في ملاقي الغسلة الأخيرة في ولوغ الكلب أشدّ إشكالًا.

فدعوى حصول الطهارة في الملاقي للغسالة في المرّة الأُولىٰ قريبة؛ لعدم مساعدة العرف إلّا علىٰ ذلك، لا للقياس و الاستحسان، عدا ملاقي الغسلة الأُولىٰ فيما تحتاج التعدّد.

دعوى وضوح حكم الغسالة بين المعاصرين للأئمّة (عليهم السّلام)

و يمكن دعوى: أنّ المسألة لو كانت غير واضحة لأرباب الروايات و لعلماء المذهب، لكانت مورد السؤال، فيعلم منه وضوح حكمها من الأوّل

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 165

من غير الحاجة إلى الرواية.

و قد يتمسّك

«1» بما رواه «الوسائل» عن عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أنّه سُئل عن رجل ليس معه إلّا ثوب، و لا تحلّ الصلاة فيه، و ليس يجد ماء يغسله، كيف يصنع؟

قال: «يتيمّم و يصلّي، فإذا أصاب ماء غسله، و أعاد الصلاة» «2».

ضرورة أنّ عدم الحلّ، أعمّ من كونه متنجّساً بالغسالة أو بغيرها.

و ما رواه الكلينيّ (رحمه اللّٰه) مرسلًا، عن أبي الحسن (عليه السّلام) في طين المطر: «أنّه لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيّام، إلّا أن يعلم أنّه قد نجّسه شي ء بعد المطر، فإن أصابه بعد ثلاثة أيّام فاغسله، و إن كان الطريق نظيفاً لم تغسله» «3».

و قضيّة الإطلاق أعمّ ممّا نجّسه البول مثلًا أو غسالته. و الظاهر أنّهما معتبران.

الجواب عن مستندي الدعوى السابقة

و لكن قد تشكل الأُولىٰ: بأنّ كون حكم الغسالة معلوماً عند الساباطيّ، غير معلوم، فالإطلاق الناشئ من ترك الاستفصال، غير تامّ. مع أنّ من شرائطه كما مرّ عدم الانصراف «4».

______________________________

(1) التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 396.

(2) وسائل الشيعة 1: 485، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 45، الحديث 8.

(3) الكافي 3: 13/ 4.

(4) تقدّم في الصفحة 143.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 166

و لو ثبت الإطلاق، يلزم التعارض بينها و بين ما دلّ على التعدّد في البول. مع أنّ الذهن العرفيّ لا يرىٰ خلافاً بدويّاً بينهما جدّاً.

و تشكل الثانية: بعدم إمكان العمل بجميع مضمونها.

إثبات نجاسة ملاقي الغسالة و كفاية المرة

و لكن الذي يسهّل الخطب: أنّ المراجعة إلى الأدلّة في باب غسل النجاسات، تورث القطع بعدم الخصوصيّة بين ملاقيها و ملاقي غسالتها، لو لم يحصل الظنّ بخفّة النجاسة.

و يدلّ علىٰ كفاية المرّة، ما في «المختلف» عن ابن أبي عقيل، عن أبي جعفر (عليه السّلام) أنّه قال: «إنّ هذا» مشيراً إلىٰ كوز فيه الماء «لا يصيب شيئاً إلّا طهّره، و لا تعدّ منه غسلًا» «1».

______________________________

(1) جامع الأحاديث أبواب المياه، الباب 1، الحديث 4، [2: 5] و في هذا الباب ما يكفي الفقيه قطعاً لرفع شبهته؛ و أنّ مجرّد الغسل و غلبة الماء، كافٍ في حصول الطهارة (منه (قدّس سرّه)). مختلف الشيعة: 3/ السطر 4.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 167

المبحث العاشر في الماء المشتبه من حيث الطهارة و النجاسة

اشارة

و يتمّ مباحثه في فصول:

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 169

فصل هل يجوز استعمال الماء المشتبهة نجاسته؟
اشارة

لا شبهة في أنّ الماء المتنجّس لا يزيل الحدث و الخبث، و لو سلّم إمكان إشكال في المسألة؛ من حيث الأدلّة عموماً أو إطلاقاً، و لكنّه أمر مفروغ عنه، و عليه الإجماع و الاتفاق بين الفِرق، و يساعده الاعتبار.

فإذا كانت النجاسة معلومة، أو قامت الحجّة الشرعيّة العقلائيّة أو التأسيسيّة كالاستصحاب عليها، فلا يجوز استعماله، و إلّا ففي جواز استعماله و عدمه وجهان:

من أنّ الطهارة المشروطة غير محرزة، مع لزوم ذلك قطعاً، و إلّا فقضيّة الاستصحاب عدم إزالة النجاسة عن المحلّ.

و من أنّ مقتضى الاستصحاب هي الطهارة؛ ضرورة أنّ الماء بل كلّ شي ء حسب الخلقة طاهر؛ لشهادة الوجدان، و لمراجعة الشرع بعد تحديد النجاسات في عدد معيّن.

و فيما إذا احتمل اقتران النجاسة مع وجوده بمعنى أنّه وُجد

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 170

متنجّساً يرجع إلى قاعدة الطهارة الناطقة بها الروايات:

ففي موثّق عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال: «كلّ شي ء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر، فإذا علمت فقد قذر، و ما لم تعلم فليس عليك» «1».

و في «الفقيه» قال: قال الصادق (عليه السّلام): «كلّ ماء طاهر إلّا ما علمت أنّه قذر» «2».

و في «الكافي» و غيره، عن حمّاد بن عيسىٰ، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «الماء كلّه طاهر حتّى يعلم أنّه قذر» «3».

و إرسال الصدوق كإسناده عند جماعة من المحقّقين «4»، خلافاً للتحقيق.

و رواية ابن عيسىٰ غير معتبرة؛ لما في سندها الحسن بن الحسين اللؤلؤيّ «5»، و رواها في موضع آخر أخذ منه «6» «الفقيه» و في سنده أبو داود المنشد الذي لم يثبت اعتباره،

و جعفر بن محمّد المجهول، فهي علىٰ

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 284/ 832، وسائل الشيعة 3: 467، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 37، الحديث 4.

(2) الفقيه 1: 6/ 1.

(3) الكافي 3: 1/ 3، تهذيب الأحكام 1: 216/ 621، وسائل الشيعة 1: 134، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 1، الحديث 5.

(4) الحبل المتين: 11/ السطور الأخيرة، لاحظ مقباس الهداية 1: 357، البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 2: 468.

(5) رجال النجاشي: 348/ 939، رجال الطوسي: 469/ 45، معجم رجال الحديث 4: 308.

(6) الكافي 3: 1/ 3.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 171

المشهور غير معتبرة «1».

الاعتراض على التمسّك بقاعدة الطهارة و استصحابها في المقام

و قد يشكل: بأنّ مفاد قاعدة الطهارة، قاصر عن إحراز الشرط المعتبر في مطهّرية الماء؛ و هي الطهارة الواقعيّة حسب الأدلّة الأوّلية، و استصحاب طهارة الماء لا يحرز قيد الموضوع المركّب، إلّا على الأصل المثبت؛ ضرورة أنّ موضوع الدليل الاجتهاديّ هو «أنّ الماء الطاهر يزيل الحدث و الخبث» و إحراز القيد بالأصل، و المقيّدِ بالوجدان، لا يستلزم إحراز التقيّد، كما مرّ مراراً «2»، فيتعيّن الوجه الأوّل.

و توهّم: أنّ ذلك يستلزم عدم جريان الاستصحاب فيما كانت حالته السابقة النجاسة، لا يفيد شيئاً؛ لأنّ عدم جريانه لا يورث جواز الاستعمال، ضرورة أنّ إحراز الطهارة شرط كما هو المتسالم عليه، و لعلّ لذلك الإشكال سكت «العروة الوثقىٰ» عن حكم طهوريّة الماء المشتبه، و قال: «الماء المشكوك نجاسته طاهر، إلّا مع العلم بنجاسته سابقاً» «3» مع أنّ اللّازم التعرّض لحكم مطهّريته؛ لأنّه مورد البحث، و إلّا فكلّ مشكوك طاهر، من غير الاحتياج إلىٰ عقد بحث له.

و العجب من شرّاح كلامه؛ حيث غفلوا عن الجهة المبحوث عنها

______________________________

(1) لاحظ روضة المتّقين 1: 32، و

مرآة العقول 13: 6.

(2) تقدّم في الجزء الأوّل: 219.

(3) العروة الوثقىٰ 1: 49 فصل في المياه، الماء المشكوك نجاسته.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 172

في المياه، و بنوا كلامهم علىٰ إثبات طهارته عند الشكّ «1»!! و علىٰ كلّ تقدير يسهل الأمر.

تصحيح التمسّك بالاستصحاب لإحراز طهارة ما تعلم حالته السابقة

أقول: قد مرّ منّا، أنّ المطهّرية بنفسها قابلة للاستصحاب «2»، ففيما كانت له الحالة السابقة، فلا حاجة إلى استصحاب القيد و هو الطهارة، حتّى يقال: بأنّ الموضوع المركّب لا يحرز بإحراز بعض أجزائه بالأصل، و بعضه بالوجدان، بل الماء المشكوك طهارته مشكوك طهوريّته، و الطهوريّة كانت مسبوقة باليقين، فتستصحب.

و لو قيل: إنّ المطهّرية ليست من الأحكام الجعليّة.

قلنا: يكفي في ذلك كونُها من الأحكام الانجعاليّة و الإمضائيّة، فكما أنّ الشرع منع مطهّرية الماء المتنجّس بنجاسة شرعيّة، كذلك عليه إمضاء المطهّرية العرفيّة، فهي تصير قابلة للاستصحاب.

الاستشكال فيما لم تعلم حالته السابقة و جوابه

و فيما لم تكن له الحالة السابقة، فقد يشكل الفرار من الإشكال، لا لأجل توهّم قصور الحاكميّة لقاعدة الطهارة على الأدلّة الأوّليّة؛ فإنّا قد

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 244، التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 397.

(2) تقدّم في الجزء الأوّل: 32.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 173

بيّنا القول بالإجزاء حتّى في الأمارات، بل في القطع «1»؛ لأنّه منها و مثلها في كونه حجّة انجعاليّة، و ليست حجّيته ذاتيّة علىٰ ما هو المشهور بين أبناء العصر «2»، و التفصيل موكول إلىٰ محلّه «3».

بل لأجل أنّ موضوع الدليل مركّب؛ و هو «الماء الطاهر» إجماعاً، و قاعدة الطهارة لا تكون متعرّضةً إلّا لكون الماء طاهراً بنحو النسبة التامّة، و أمّا إرجاع النسبة التامّة إلى النسبة الناقصة، فهو بحكم العقل، فلا يحرز موضوع الأدلّة الاجتهاديّة، فما توهّمه القوم و أبناء التدقيق من كفايتها، في غير محلّه.

نعم، السيرة القطعيّة علىٰ عدم الاعتناء بمثل هذه الشبهة؛ ضرورة أنّ بناء المتشرّعة على التطهير بالمياه. مع أنّ العلم بطهارتها من الأمر المعلوم عدمه، فيتعيّن الوجه الثاني.

التمسّك بالنبويّ لإثبات طهارة المياه في الشبهات الموضوعيّة

ثمّ إنّ ممّا خفي عليهم، إمكان التمسّك بالنبويّ «4» في موارد الشكّ في طهارة المياه؛ معتقدين أنّ الأدلّة الاجتهاديّة ليست رافعة للشكّ في

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 2: 301.

(2) فرائد الأُصول 1: 4، كفاية الأُصول: 297، فوائد الأُصول 3: 6، نهاية الأفكار 3: 6.

(3) تحريرات في الأُصول 6: 20 و ما بعدها.

(4) خلق اللّٰه الماء طهوراً لا ينجّسه شي ء إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه».

المعتبر 1: 40، وسائل الشيعة 1: 135، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 1، الحديث 9.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه

تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 2، ص: 174

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 174

الشبهات الموضوعيّة، غافلين عن أنّ الأمر هنا ليس كما توهّموه؛ و ذلك لأنّ ما هو موضوع النبويّ هو «الماء» و هو معلوم، و ما هو حكمه هو الطهوريّة، و هي مشكوكة؛ ضرورة أنّ الشكّ في طهارته يستلزم الشبهة في طهوريّته، و إذا حكم النبويّ بطهوريّة كلّ ماء، يلزم منه ارتفاع الشكّ في طهارته؛ للملازمة القطعيّة.

نعم، بناءً علىٰ كون موضوعه هو «الماء الطاهر» فلا يمكن التمسّك كما لا يخفى.

و هذا نظير تمسّكهم ب أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» لصحّة بعض العقود المستحدثة، قائلين: «إنّ اللّزوم يلازم الصحّة عقلًا».

هذا كلّه حكم الماء المشتبه بالشبهة الموضوعيّة، و أمّا الحكميّة فقد مضت أحكامها في أوّل الكتاب، فراجع «2».

فصل في حكم الشبهتين المحصورة و غيرها
اشاره

إذا علم إجمالًا: بنجاسة ماء في إحدى الإناءات، و لم يكن لها الحالة السابقة، أو لو كانت لإحداها الحالة السابقة لم تكن معيّنة،

______________________________

(1) المائدة (5): 1.

(2) تقدّم في الجزء الأوّل: 15 و ما بعدها.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 175

فهل يجب الاجتناب عن الكلّ، أو لا يجب؟

أو يفصّل بين الشبهة المحصورة و غير المحصورة؟

أو يقال: بالتفصيل بين الأحكام؛ فيجوز شرب الجميع أو واحد منها، و لا يجوز التطهير به، بل يجب إراقته و يتيمّم؟

وجوه، بل و أقوال، تفصيلها في الكتب الأُصوليّة.

و الذي ينبغي الإيماء إليه: أنّ النظر هنا إلى مطهّرية مثله، دون الأحكام الأُخر المشتركة معه سائر الأشياء، و قد مرّ ذهول «العروة» عن ذلك «1»، و لذا فرّع عليه المسائل المشتركة فيها جميع الأشياء، و منها المياه.

جريان الأُصول الترخيصيّة في أطراف العلم الإجماليّ

أقول: قضيّة ما تحرّر في الأُصول، لزوم الاجتناب في الشبهة المحصورة، و عدم لزومه في غير المحصورة «2»، و مقتضى ما تحرّر منّا في محلّه: أنّ أدلّة الأُصول إذا كانت جارية في أطراف العلم الإجماليّ، فلا مانع من الأخذ بها، و تكون مقدّمة على الأدلّة الواقعيّة؛ بملاك تقدّم الأدلّة المتكفّلة للأحكام الظاهريّة على الواقعيّة «3».

و توهّم عدم جريانها؛ لحصول غاياتها، كتوهّم تعارضها في أطرافها «4»؛

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 171.

(2) فرائد الأُصول 2: 407 و 430.

(3) تحريرات في الأُصول 7: 331.

(4) مصباح الأُصول 2: 346.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 176

لأنّ حصول الغاية ممنوع بالوجدان، و السقوط بالمعارضة، فرع مقاومة الأدلّة الواقعيّة معها.

على أنّ المدّعىٰ، هو تقدّم ملاك الترخيص علىٰ ملاك الحكم الواقعيّ المعلوم بالإجمال؛ ضرورة أنّ هذا هو مقتضى الجريان، و إلّا فالأنسب منع جريانها في أطرافها، فكما أنّ في الشبهات البدويّة، لا

يعقل الترخيص إلّا بعد مضيّ الشرع عن الواقع، و إلّا فلو كان ملتزماً بحكمه الواقعيّ، فلا يعقل منه إرادة الترخيص، كذلك في المقرون بالعلم الإجماليّ، فإنّ له المضيّ عن الواقع، و جريانُ الأُصول كاشف عن ذلك، فلا تصل النوبة إلى الأخذ بالإطلاقات و العمومات؛ لأنّها متوقّفة علىٰ كونها منجرّة إلى الصغرى المعلومة، و العلم الإجماليّ بصغراها، كافٍ لولا الأُصول المرخّصة النافية لأثر تلك الكبريات.

فبالجملة: في المسألة (إن قلت قلتات) تعرّضنا لها في كتابنا المحرّر في الأُصول، و من شاء فليأخذ منه، فإنّ الباب مفتوح «1».

نعم، إذا علمنا إجمالًا بروح الحكم، فالترخيص في أحد الطرفين ممتنع، فلا يجري الأصل. و توهّم مضيّه هنا منافٍ و خلف للمفروض؛ و هو العلم بروح الحكم و القطع بإرادة المولى.

فلا منع من مضيّه عن حكمه في الشبهات البدويّة؛ لأنّها القدر المتيقّن من أدلّة الأُصول، فلا بدّ من ذلك قهراً.

و إن شئت قلت: مع قطع النظر عن أدلّة الأُصول، يجب الاجتناب في

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 7: 320 و ما بعدها.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 177

الشبهات المقرونة دون البدويّة عقلًا؛ لتماميّة البيان، و مع النظر إليها فلا بدّ من الالتزام بمفادها، و نتيجة ذلك مضيّ المولى عن حكمه لو كان في البدويّات، و أمّا في المقرونة بالعلم فلا يعلم مضيّه، و بعد وجود المطلقات الواقعيّة لا بدّ من الأخذ بها.

فعلى هذا، يتمّ ما أفاده الوالد المحقّق- مدّ ظلّه: من جواز جريانها في الشبهات البدويّة، دون المقرونة «1»، و يتمّ ما استدركناه من فرض العلم بروح التكليف، أو احتمال التكليف الذي لا يتجاوز عنه. و أمّا قضيّة ما سلف، فهو أنّ جريان الأُصول في الأطراف، يستلزم سقوط الاحتمال المزبور،

فافهم و تدبّر جيّداً.

الروايات الظاهرة في عدم تنجيز العلم الإجمالي

ثمّ إنّ ما ذكرنا مؤيّد بروايات كثيرة متفرّقة:

منها: ما في «الوسائل» عن «المحاسن» عن أبي الجارود قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الجبن، فقلت له: أخبرني من رأى أنّه يجعل فيه الميتة.

فقال (عليه السّلام): «أ مِن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة، حرم في جميع الأرضين؟! إذا علمت أنّه ميتة فلا تأكله، و إن لم تعلم فاشترِ و بع و كلْ، و اللّٰه، إنّي لأعترض السوق فأشتري اللّحم و السمن و الجبن، و اللّٰه ما أظنّ كلّهم يسمّون؛ هذه البربر، و هذه السودان» «2».

______________________________

(1) تهذيب الأُصول 2: 264.

(2) المحاسن: 495/ 597، وسائل الشيعة 25: 119، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 61، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 178

و منها: معتبر حنان بن سَدير قال: سُئل أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) و أنا حاضر عنده، عن جدْي رضع من لبن خنزيرة، حتّى شبّ و كبر و اشتدّ عظمه، ثمّ إنّ رجلًا استفحله في غنمه، فخرج له نسل.

فقال: «ما عرفت من نسله بعينه فلا تقربنّه، و أمّا ما لا تعرفه فكلهُ، فهو بمنزلة الجبن، و لا تسأل عنه» «1».

و منها: معتبر بشير بن سلمة، عن أبي الحسن (عليه السّلام) المرويّة في «الوسائل» في باب تحريم الجدي الذي يرتضع من لبن الخنزيرة قال (عليه السّلام): «هو بمنزلة الجبن، فما عرفت أنّه ضربه فلا تأكل، و ما لم تعرفه فكُلْ» «2».

و منها: معتبر ضُريْس قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن السمن و الجبن في أرض المشركين بالروم، أ نأكله؟

فقال (عليه السّلام): «أمّا علمت أنّه قد خلطه الحرام فلا تأكله، و أمّا ما لم تعلم فكله؛ حتّى تعلم

أنّه حرام» «3».

و غير ذلك من المذكورات في «الحدائق» و غيرها «4».

______________________________

(1) الكافي 6: 249/ 1، وسائل الشيعة 24: 161، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 25، الحديث 1.

(2) الكافي 6: 250/ 3، وسائل الشيعة 24: 162، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 25، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 9: 79/ 336، وسائل الشيعة 24: 235، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 64، الحديث 1.

(4) الحدائق الناضرة 1: 507 511، جواهر الكلام 1: 295.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 179

و لا ريب في أنّها ظاهرة في المحصورة، بل و كلمة «العين» و الضمير في قوله: «أنّه ضربه» و في قوله: «أنّه قد خلطه» يفيد أنّ الواجب الاجتناب هو المعلوم التفصيليّ، دون غيره. و ترك الاستفصال بعد قوله: «في غنمه» شاهد على الأعمّ، مع أنّ غنمه ليس خارجاً عن الشبهة المحصورة متعارفاً.

و أمّا ما ورد من الأمر بالقرعة في الموطوء المشتبه «1»، فهو مضافاً إلىٰ أنّ فيه وهناً؛ لأجل خروجه عن مصبّ القرعة عند العقلاء لا يدلّ إلّا علىٰ أهمّية حرمة الموطوء، فلا تخلط.

تنجيز العلم الإجمالي موجب للهرج و المرج في الأسواق و التجارات

فتحصّل إلىٰ هنا: أنّ ما أفاده العلمان المحقّقان؛ الخونساريّ و القمّي (صلّى اللّٰه عليه و سلّم): من جواز الاقتحام في جميع الأطراف، في نهاية المتانة «2».

مع أنّه يلزم الهرج و المرج في الأسواق و التجارات؛ ضرورة أنّه قلّما يتّفق أن لا يعلم إجمالًا بوجود حرام في مال التجار، مع عدم قيامهم بالوظائف الشرعيّة؛ من إعطاء الزكوات و الأخماس. و كونُها من الشبهة غير المحصورة، أو من الخارج عن محلّ الابتلاء، أو أنّ من شرائط التأثير عدم لزوم الحرج و الضرر، كلّه خالٍ عن التحصيل من

جهات عديدة.

و الذي هو حكم العقل، لزوم الاجتناب من غير فرق بين المحصورة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 24: 169، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 30، الحديث 1 و 4.

(2) مشارق الشموس: 281/ السطر 30، قوانين الأُصول 2: 25 و 36.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 180

و غير المحصورة، و الخارج عن الابتلاء و غيره. و أمّا إذا استلزم الضرر و الحرج، فما هو اللّازم منه مرفوع، دون غيره.

و هذا خلاف النصوص في المسألة المتفرّقة في الأبواب المختلفة. و اختصاص ما ورد بعنوان «كلّ شي ء فيه حلال و حرام» «1» في الأموال المختلطة بالربا و أمثال ذلك كما قيل «2»، في غير محلّه. و الأمر بعد ذلك صار كالشمس و ضحاها فلا تكن غافلًا.

تنبيه: في الموارد الخاصّة التي يجب فيها الاحتياط

هذا كلّه حكم كلّي، و قد خرجنا عنه في مواضع؛ لأجل النصوص الخاصّة، أو لأجل أهمّية وجدناها من الشرع حتّى في الشبهات البدويّة، كالأعراض و النفوس.

و من تلك المواقف: جواز البدار إلى الطهارة الترابيّة؛ فيما إذا كانت أحد الإناءين معلوم النجاسة إجمالًا، فإنّه بمقتضى النصّ «3» يجب الإهراق، ثمّ التيمّم، و هذا علىٰ خلاف القاعدة من غير جهة واحدة؛ ضرورة إمكان التوضّي بالماءين من غير لزوم نجاسة البدن، إلّا احتمالًا غير مسبوق باليقين، كما لا يخفى في بعض صور المسألة.

______________________________

(1) الفقيه 3: 216/ 1002، وسائل الشيعة 17: 87، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 1.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي: 33، تهذيب الأُصول 2: 175.

(3) الكافي 3: 10/ 6، وسائل الشيعة 1: 151، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 8، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 181

مع أنّ إطلاق الأمر قاضٍ بوجوب التيمّم

مطلقاً. و سيأتي زيادة توضيح حول خصوص المسألة في بعض الفصول الآتية «1».

و ربّما يخطر بالبال علىٰ ما تقرّر: أنّ الشبهات المقرونة بالعلم الإجماليّ، إذا كانت ذات طرفين، أو أطراف ثلاثة، أو أربعة، يجب فيها الاحتياط؛ و ذلك لخصوص ما في بعض النصوص: من ترتيب آثار العلم، كما في الإناءين المزبورين، و في القبلة المشتبهة التي يجب الصلاة فيها إلى الجوانب الأربعة «2»؛ فإنّ من ذلك يعلم أهمّية الحكم الواقعيّ من الترخيص الظاهريّ.

و لأنّ نفوس المتشرّعة تجد لزوم الاجتناب في هذه الفروض، و أمّا إذا بلغت إلى العشرة و أزيد، فلا تجد لزوم الاجتناب عن الواحد المحتاج إليه. و ليس ذلك لما قيل أو يقال في الشبهة غير المحصورة «3»؛ لما ذكرنا في محلّه: أنّ قضيّة القواعد هو الاجتناب من غير فرق بين الصور؛ حتّى صورة الخروج عن محلّ الابتلاء «4».

فالسيرة كما هي قائمة علىٰ عدم الاعتناء بالخارج عن محلّ الابتلاء، كذلك هي قائمة علىٰ عدم الاعتناء بالخارج عن مورد الحاجة فعلًا، و إن كان يمكن اتفاق الاحتياج إليه في الزمان المتأخّر، فتجويز شرب الإناءين المعلوم أحدهما نجس أو خمر، غير ممكن حسب المرتكز الإسلاميّ

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 193 194.

(2) وسائل الشيعة 4: 310، كتاب الصلاة، أبواب القبلة، الباب 8.

(3) فرائد الأُصول 2: 430، مصباح الأُصول 2: 376.

(4) تحريرات في الأُصول 7: 503.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 182

و المغروس في أذهان المؤمنين، و يعدّ هذا من المنكر القطعيّ، فعليه يجب الاحتياط في كلّ موضع يكون كذلك، علىٰ خلاف الأصل الأوّلي.

و الإشكال في استفادة الأهمّية للحكم الواقعيّ من الأمر بالصلاة إلى الجوانب الأربعة: بأنّ ذلك قضيّة حكم العقل بلزوم الامتثال، مع عدم

قيام دليل مرخّص يورث كفاية المأتيّ به عن المأمور به الواقعيّ؛ ضرورة أنّ قاعدة الحلّ، لا تقتضي أزيد من حلّية الصلاة إلىٰ طرف، و أمّا أنّها الصلاة الواجدة للشرط، فلا تدلّ هي عليها، مثلُ الإشكال في صحّة الصلاة في الثوب المشتبه؛ فإنّ قاعدة الحلّية، لا تورث كون الصلاة مع الشرط المعتبر فيها، مع أنّ كثيراً من الأصحاب تمسّكوا بها عند الشكّ. و لكنّه عندنا غير تامّ، فلتكن علىٰ ذكر حتّى يأتيك بعض ما ينفعك، إن شاء اللّٰه تعالىٰ «1».

فذلكة الكلام:

إنّ قضيّة العقل تنجّز التكليف بالعلم الإجماليّ، و مقتضى الجمع بين الأُصول و أدلّة الأحكام في موارد العلم الإجماليّ، هو الترخيص في جميع الأطراف، بلا فرق بين المحصورة و غير المحصورة، و قضيّةَ السيرة العمليّة و مقتضى الأذهان الشرعيّة و بعض الأدلّة الخاصّة، هو الاحتياط في مواقف معيّنة أُشير إليها، فيسقط بحثُ الشبهة المحصورة و غير المحصورة، و التفحّصُ عن المراد من الثانية موضوعاً، و قد بلغت الأقوال فيها إلىٰ ستّة.

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 188 189.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 183

فصل في ملاقي الشبهة المحصورة
اشارة

إذا لاقىٰ أحدَ أطراف الشبهة المحصورة شي ءٌ، فهل ينجس؛ و يجب الاجتناب عنه مطلقاً «1»، أو لا ينجس مطلقاً «2»؟

أو يفصّل بين صورة تقدّم العلم على الملاقاة، فلا ينجس، و بين صورة تقدّم الملاقاة على العلم، فينجس «3»؟

أو يقال: بالتفصيل بينما إذا كانا مستصحبي النجاسة فينجس، و ما إذا كان أحدهما مستصحب النجاسة، فلاقى الطرف، أو لم يكن لكلّ واحد منهما حالة سابقة، فلا ينجس؟

و يلحق بالصورة الاولىٰ في التفصيل الأخير، ما إذا لاقى الطرف الذي يجري فيه الاستصحاب.

أو التفصيل بين الطهارة و الحلّية، فيحكم عليه بالطهارة دون الحلّية، فيجوز استعماله في التطهير دون الشرب؟

أو غير ذلك من المحتملات، كعكس التفصيل الأخير؟

______________________________

(1) منتهى المطلب: 30/ السطر 31.

(2) العروة الوثقىٰ 1: 52 فصل في المياه، الماء المشكوك نجاسته، المسألة 6.

(3) كفاية الأُصول: 411 412.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 184

تحديد محلّ النزاع

و الذي هو محلّ النزاع، و مقصود بالكلام هنا: هو ما إذا لم يكن لأحد الإناءين مثلًا، حالة سابقة من النجاسة، حتّى إذا قيل بانحلال العلم بذلك لجريان الأصل في طرف معيّن، و قاعدةِ الطهارة في الآخر يلزم القول بطهارة الملاقي علىٰ تقدير، و نجاسته علىٰ تقدير ملاقاته للطرف المحكوم بالنجاسة استصحاباً.

بل المنظور في هذه المسألة؛ ما إذا كان الإناءان غير مسبوقين بالنجاسة معيّناً أو غير معيّن؛ لأنّ تمام النظر حول حكم الملاقي الذي هو خارج عن الأطراف، فلا يكون صورة تقدّم الملاقاة على العلم، داخلة في محطّ الكلام، علىٰ ما يتراءىٰ من كلمات الأعلام، فازدياد الصور و تكثيرها و إن كان في نفسه حسناً، و لكنّه لا يصحّ هنا كما لا يخفى، فالتفاصيل المشار إليها، كلّها خارجة عن محطّ النزاع و مصبّ البحث.

لزوم الاجتناب عن ملاقي الشبهة المحصورة

فإذا علمت ذلك، فاعلم: أنّ التحقيق حسب ما يؤدّي إليه النظر الدقيق، هو الاجتناب؛ و ذلك لأنّا لو سلّمنا أنّ الأُصول ساقطة، أو ليست هي جارية، و أنّ الأصل في الملاقى و إن كان مقدّماً على الأصل في الملاقي فلا يعارضه؛ لسقوطه بالمعارضة.

و أنّ الأصل في الطرف و إن كان غير مقدّم على الأصل في الملاقي، إلّا

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 185

أنّ ما مع المتقدّم متقدّم، فلا يكون له المعارض فرضاً.

و أنّ العلم الإجماليّ بالتكليف في الأطراف، لا يعقل تنجيزه التكليف الأوّل في الملاقي، و لا علم إجماليّ آخر بالتكليف الثاني؛ ضرورة أنّ من شرائط تأثيره العلم بحدوث التكليف، مع أنّ العلم الثاني ليس متعلّقاً بتكليف ثانٍ، و أنّ المتنجّز لا يتنجّز.

و لكن مع ذلك كلّه، في المسألة بعض شبهات تورث لزوم الاجتناب؛ ضرورة أنّ نظر العقل

الدقيق فيما إذا علمنا إجمالًا: بوجوب أحد الشيئين، ثمّ توجّهنا إلىٰ أنّ الواجب أحد الثلاثة، هو سقوط الصورة العلميّة الأوّلية، و حدوث الصورة العلميّة الأُخرىٰ.

فإذا علمنا: بنجاسة أحد الإناءين، و علمنا بحرمة شرب واحد غير معيّن منهما، ثمّ حصلت الملاقاة، فيسقط العلم الأوّل، و يصير ثلاثيّاً؛ بمعنى أنّا بعد ذلك نعلم: بأنّه إمّا يكون المبغوض هذا الإناء، أو المبغوض هذا و ذاك معاً، فلا ينبغي الخلط بين نظر العقل و العرف.

هذا مع أنّ فيما سلّمناه نظراً، بل أنظاراً تأتي تدريجاً: و هو أنّ الحكم بنجاسة الملاقي غير ممكن، و لا بنجاسة الملاقى، و هذا واضح لا غبار عليه، و لكن إدراك الملازمة بين الملاقي و الملاقىٰ، يستلزم لزوم الاجتناب، و التفكيك لا يمكن إلّا بالأصل التعبّدي، فإن ثبت أنّ الأصل في الطرف، لا يعارض الأصلين في الملاقي و الملاقىٰ معاً فهو، و إلّا فلا بدّ من الاحتياط.

و غاية ما قيل هنا: أنّ الأصل الجاري في الطرف، مقدّم على الأصل الجاري في الملاقي؛ لأنّ الأصل الجاري في الملاقى مقدّم عليه، و هو في

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 186

عَرْض الأصل الجاري في الطرف، و ما هو مع المقدّم مقدّم «1».

و أنت خبير: بفساد ذلك جدّاً؛ لأنّ ملاك التقدّم مفقود هنا، و ليس في الملاكات المذكورة في محلّها هذا الملاك التوهّمي، فإذن لا وجه لجريان الأصل المسبّبي في الملاقي؛ بعد سقوط الأصل السببيّ بمعارضته مع الطرف، لأنّ الطرف كما هو يعارض الأصل السببيّ، يعارض الأصل المسبّبي في عَرْض واحد.

فتحصّل: أنّ أصل الملازمة عقلًا بين الملاقي و الملاقىٰ، واضح رخصةً و عزيمةً، فلا بدّ من التفكيك بالدليل، و هو مفقود كما عرفت.

دعوى سقوط الأُصول و التفكيك بين طهارة الملاقي و حلّيته

و من هنا

يظهر فساد ما قيل: «إنّ الأُصول في الأطراف متساقطة، موضوعيّة كانت أم حكميّة، سببيّة كانت أم مسبّبية، طوليّة كانت أم عرضيّةً «2»؛ ضرورة أنّ استصحاب عدم الملاقاة مع النجس، معارض بمثله، و استصحابَ طهارة كلّ واحد معارض بمثله، و قاعدةَ الطهارة كذلك، و قاعدةَ الحلّ مثلها.

و لكن في الملاقي تسقط الأُصول الموضوعيّة؛ لأنّها في عَرْض الأُصول الحكميّة في الملاقى و الطرف.

و هكذا تسقط قاعدة الطهارة؛ لأنّ الشكّ في طهارة الملاقي، مسبّب

______________________________

(1) فرائد الأُصول 2: 424.

(2) التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 415.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 187

عن الشكّ في طهارة الملاقى، فيكون في طول قاعدة الطهارة في الملاقى أو الطرف، و في عَرْض قاعدة الحلّ الجارية فيهما. و لكن قاعدة الحلّ في الملاقي تبقىٰ بلا معارض، فيلزم التفكيك بين الطهارة و الحلّية في الملاقي».

و أنت خبير: بأنّه أقرب إلى الاحْجيّة من الصواب؛ ضرورة أنّ العرضيّة و الطوليّة ليست ذوقيّة، بل لهما الملاك العقليّ، و قد عرفت ذلك منّا، فلا تخلط.

و قضيّة ما مرّ منّا سابقاً: هو أنّ القواعد بالنسبة إلى الأحكام النفسيّة في المسألة كحرمة الشرب تؤدّي فرضاً إلىٰ جواز شرب الملاقي، و أمّا بالنسبة إلى الأحكام الغيريّة مثل جواز التطهّر به فلا تؤدّي إلىٰ صحّة الوضوء و الغسل؛ لما عرفت منّا: من قصور قاعدة الطهارة عن إثبات ذلك حسب الصناعة، فيلزم التفكيك علىٰ عكس ما مرّ آنفاً «1».

وجه آخر لتساقط الأُصول في الأطراف

و هنا شبهة ثالثة عقلائيّة: و هي إنّا إذا راجعنا وجداننا، نجد أنّ كلّ واحد من الطرف و الملاقىٰ و الملاقي مبغوض المولى إجمالًا؛ أي كما نرىٰ أنّ الطرف أو الملاقى مبغوضه، كذلك نجد أنّ الطرف أو الملاقي

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة

171.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 188

مبغوضه، و هذا علم لا نشكّ فيه قطعاً. و عدم تنجّز المتنجّز ثانياً و ثالثاً، لا ينافي ذلك بعد ملاحظة الأطراف، و عليه تصير الأُصول متساقطة، أو غير جارية، على الخلاف المعروف بين الأفاضل «1».

لا أقول: بأنّا نعلم بالمبغوضيّة في الملاقي مع قطع النظر عن الملاقاة، بل المقصود أنّ العلم بالمبغوضيّة، يصير ذا أطراف ثلاثة: واحد منها في طرف، و اثنان في طرف، و لا يلاحظ العرف ما يلاحظه العقل الدقيق هنا.

إيقاظ: في معنى تنجيز التكليف

قد يتوهّم: «أنّ معنىٰ تنجيز التكليف، ليس إلّا العلم بالتكليف مع عدم جريان الأصل المؤمِّن؛ بمعنى أنّ نفس العلم ليس منجّزاً، بل العلم مع عدم جريان الأُصول المؤمِّنة، و لذلك يجوز شرب الماء إذا كان طرفاً للثوب في العلم بالنجاسة؛ فإنّه لمكان سقوط الأُصول الموضوعيّة و الحكميّة، لا يجوز التوضّي بالماء، و لا الصلاة في الثوب، و لكن يجوز شرب الماء؛ لاختصاصه بقاعدة الحلّ، دون الثوب؛ لأنّ المفروض أنّه ثوب غير مغصوب.

و يترتّب علىٰ ذلك: أنّ ملاقي الثوب واجب الاجتناب؛ لمعارضة الأصل فيه مع الأصل في الطرف، فلا يبقى الأصل المؤمِّن فيه» انتهىٰ ما

______________________________

(1) لاحظ تحريرات في الأُصول 7: 380.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 189

أردنا ذكره «1».

و فيه أوّلًا: أنّ معنىٰ تنجيز الحكم لو كان ما ذكره، لما كان الأصل المزبور مؤمّناً من العقاب؛ لأنّ لازمه تقيّد التكليف الواقعيّ بعدم المؤمّن، و هذا واضح البطلان، بل هو الدور الصريح؛ ضرورة أنّ معنى «المؤمِّن» هو أنّ العقاب مع قطع النظر عنه قطعيّ، و إذا كان كذلك فالتنجّز يحصل بنفس العلم، كما هو الواضح، و الأُصول الشرعيّة أعذار عند المحقّقين «2»، و حاكمة

على الأدلّة الواقعيّة؛ بالتوسعة عند بعض منهم «3»، فالحكم الواقعيّ الأوّلي، تنجّز بنفس الالتفات إليه و التصديق به؛ سواء كان أصل، أو لم يكن.

نعم، لا يمنع العقل من جعل الشارع عذراً، أو من تصرّفه في حكمه الأوّلى، فإن كان عذراً فهو مؤمّن، و إلّا فليس إلّا تقييداً، لا تأميناً كما لا يخفى.

فأذن في صورة العلم بالنجاسة، تتنجّز جميع أحكام النجس، سواء كانت واحدة، أو كثيرة، و سواء كانت الأطراف متّفقة، أو مختلفة، فإذا علم بنجاسة الماء إجمالًا، يحرم عليه كلّ شي ء مشروط بالطهارة احتمالًا منجّزاً، و يصحّ عقوبته علىٰ جميع الأحكام؛ لأنّه موضوعها. فلو كان يجعل ما يترتّب علىٰ تلك المقالة من الآثار من التوالي الفاسدة، كان أولىٰ.

و ثانياً: لا يختصّ الماء في المثال المذكور بأصالة الحلّ؛ لأنّ

______________________________

(1) التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 415.

(2) كفاية الأُصول: 319.

(3) كفاية الأُصول: 110.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 190

الشكّ في حلّيته إن كان ناشئاً من الطهارة و النجاسة، فقاعدة الطهارة كافية، و إلّا ففي الثوب أيضاً تجري قاعدة الحلّ.

نعم، لا بدّ من فرض آخر: و هو كون أحد الطرفين مشتبه النجاسة و الغصبيّة، و الطرفِ الآخر مشتبه النجاسة، دون الغصبيّة، و العلم الإجماليّ بالنجاسة لا ينجّز حكم الغصب، فتجري في الطرف الأوّل قاعدة الحلّ، و تعارض قاعدة الطهارة في الملاقى، فتأمّل جيّداً.

إعادة و إفادة

ملخّص ما ذكرناه: تعارض الأُصول في جميع الأطراف، و لا يكون الأصل الجاري في الملاقي بلا معارض.

و يتوجّه إليه: أنّ ذلك فرع تنجّز الحكم، و التنجّز فرع كون العلم الثاني كافياً فيه، و إذا انتفىٰ ذلك ينتفي ذاك، فلا معارض لذلك الأصل.

و مجرّد كونه أحد الطرفين، أو ملازماً للطرف الملاقى، غير كافٍ

كما لا يخفى.

و محصّل ما ذكرناه: أنّ الصورة العلميّة المتعلّقة بنحو الإجمال: بأنّ هذا إمّا نجس أو ذاك، إمّا تكون باقية بعد الملاقاة بشخصها، أو تزول و تحدث صورة أُخرى:

فإن كانت باقية، فلا قصور فيها من حيث تنجّز التكليف به في الملاقي.

و إن كانت تزول، كما هو كذلك عقلًا، فتصير كالعلم بعد الملاقاة الذي

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 191

عليه الأكثر؛ من كونه منجّزاً للثلاثة.

فما هو المعروف: من حدوث العلم الآخر بين الطرف و الملاقي، غير تامّ، بل العلم الحادث متعلّق: بأنّ هذا نجس، أو هذا و ذاك؛ للملازمة القطعيّة بينهما في الحكم. فما اشتهر بين المتأخّرين: من الحكم بطهارة الملاقي «1» في غاية الإشكال.

و بعبارة اخرىٰ: لو كان الشكّ بعد الملاقاة، من الشكّ البدويّ واقعاً، كان للقول المشار إليه وجه واضح معلوم، و أمّا إذا صار أحدَ الأطراف، فلا يعقل بقاء الصورة العلميّة السابقة.

إن قلت: فيما إذا تأخّر العلم عن الملاقاة، لا يجب الاحتياط عند الشيخ «2» و بعض تابعيه، كالفاضل النائينيّ «3»، و تلميذه الشيخ الحلّي «4»؛ و ذلك لأنّ العلم الإجماليّ و إن تعلّق بالثلاثة في عَرْض واحد، و لكنّ الترتّب العلميّ بين الملاقي و الملاقىٰ محفوظ، و قضيّة هذا الترتّب تقدّم الأصل الجاري فيه على الجاري في الملاقي، و تساقطه بالمعارضة مع الجاري في الطرف، فيبقى الجاري في الملاقي بلا معارض.

قلت: هذا ممنوع؛ لأنّ المفروض تنجّز الحكم بالعلم بالنجاسة، ضرورة أنّ كبرى المسألة و هي «وجوب الاجتناب عن النجس» كانت معلومة، و لا بدّ من ضمّ الصغرىٰ إليها حتّى يتنجّز الحكم، و تلك الصغرىٰ

______________________________

(1) كفاية الأُصول: 412، مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 257.

(2) فرائد الأُصول 2: 424.

(3) فوائد

الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 81 82.

(4) دليل العروة الوثقىٰ 1: 239 240.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 192

كما تتنجّز بالعلم التفصيليّ، تتنجّز بالعلم الإجماليّ.

و فيما نحن فيه، تعلّق الإجماليّ بالثلاثة دفعة واحدة، فلو سلّمنا جميع ما أُفيد، فلا نسلّم سقوط المعارضة بين الأصل الجاري في الملاقي و الطرف؛ لما عرفت من أنّ ملاكات التقدّم مضبوطة في محلّها «1»، و ليس المعيّة مع المتقدّم منها، فعليه يلزم الاحتياط في جميع صور المسألة؛ من غير فرق بين هذه الصور المذكورة بالتفصيل في الكتب المفصّلة، و ليطلب تمام الكلام في المقام من «تحريراتنا الأُصوليّة» «2».

هذا كلّه حسب الصناعة الأوّلية.

قيام السيرة علىٰ عدم الاعتناء بملاقيات الأطراف

و لكن بناء المتشرّعة و السيرة العمليّة، قائمة علىٰ عدم الاعتناء بملاقيات الأطراف، خصوصاً فيما كانت الأطراف خارجة عن مورد الاحتياج إليه فعلًا و إن كانت قابلة لتصوير الحاجة. و هذا غير الخروج عن محلّ الابتلاء.

مثلًا: إذا وقعت قطرة، و تردّد أمرها بين وقوعها علىٰ ثوبه، أو الأرض، أو ثوب صديقه، لا يعتني بذلك، مع أنّ العلم الإجماليّ بوجوب الاجتناب عنه، و عنها بترك السجدة عليها، أو التيمّم بها، موجود، أو العلم الإجماليّ بوجوب ترك الصلاة فيه و في ثوب صديقه الذي قد يتّفق أن يصلّي فيه-

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 185 186.

(2) تحريرات في الأُصول 7: 349.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 193

لأنّه محشور معه موجود، و لكن مع ذلك كلّه لا يعتنى بمثله، و ليس هذا إلّا لأجل ما أسمعناكم في أصل الأطراف في أصل المسألة، فلا تغفل «1».

فصل في تعيّن التيمّم عند انحصار الماء في مشتبهين
اشارة

إذا كان عنده إناءان مشتبهان فالمعروف المدّعىٰ عليه الإجماع «2» و يدلّ عليه النصّ جواز التيمّم، بل الظاهر منه تعيّن ذلك بعد الإهراق، ففي «الوسائل» بسند معتبر عن سَماعة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل معه إناءان فيهما ماء، وقع في أحدهما قذر، لا يدري أيّهما هو، و ليس يقدر علىٰ ماء غيره.

قال: «يهريقهما جميعاً و يتيمّم» «3».

و مثلها في المفاد رواية عمّار «4».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 175 180.

(2) مدارك الأحكام 1: 107، مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 261 262، مهذّب الأحكام 1: 274.

(3) الكافي 3: 10/ 6، وسائل الشيعة 1: 151، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 8، الحديث 2.

(4) تهذيب الأحكام 1: 248/ 712، وسائل الشيعة 1: 155، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 8، الحديث 14.

كتاب الطهارة (للسيد

مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 194

و يتمّ البحث هنا ضمن جهات:

الاولىٰ: حول إطلاق الرواية الواردة في المقام

هل أنّ الرواية لها الإطلاق الذي يرجع إليه في شقوق المسألة، أم لا؟ ظاهر جماعة هو الأوّل «1».

و ربّما يشكل: بأنّ المتفاهم العرفي، هو كون الماء الموجود قليلًا؛ بحيث لا يتمكّن من الغسل و الوضوء، و ذلك لأنّ الإناء المفروض صغير، و ليس ممتلئاً من الماء حسب المتعارف، و لقوله: «فيهما ماءٌ» الظاهر في أنّه قليل جدّاً.

و هل لها الإطلاق السكوتيّ من جهة حالات أعضاء السائل من حيث نجاستها الفعليّة و طهارتها؟ فإنّ الحكم ربّما يختلف حسب اختلاف الأنظار مثلًا، بناءً علىٰ لزوم الأخذ في توارد الحالتين بنقيض الحالة السابقة، فالأمر بالتوضّي بعد الغسل، كان يؤدّي إلىٰ صحّة الوضوء مع طهارة البدن، و لو كانت هي طاهرة فيمكن ذلك أيضاً؛ بناءً على الأخذ بالحالة السابقة، دون نقيضها.

فعليه يمكن دعوى الإطلاق السكوتيّ لها، و نتيجته لزوم الأخذ تعبّداً بالنجاسة في توارد الحالتين؛ لأنّ الأمر بالتيمّم، لا يمكن إلّا لأجل عدم تمكّن المكلّف من التوضّي الصحيح مع العلم بطهارة بدنه.

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 51/ السطر 11، مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 263، مهذّب الأحكام 1: 274.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 195

و الإنصاف: عدم الإطلاق الثاني؛ ضرورة تعارف نجاسة بدنه، و عليه يتعيّن الأخذ بها؛ لموافقتها لما هو الأظهر في مسألة توارد الحالتين.

و لكنّ الكلام في تماميّة الإطلاق الأوّل؛ و أنّ المقصود من السؤال كلّ ماءين قليلين مشتبهين و لو كان كثيراً؛ بحيث يمكن الغسل و التوضّي، أو أنّ مورده القليلان غير الكافيين لذلك، و قد عرفت ذلك آنفاً. و توهّم إلغاء الخصوصيّة، أو قطع العرف بعدم الخصوصيّة، في غاية الوهن.

فعلى هذا يعلم: أنّ مفاد

الرواية مطابق للقاعدة؛ لأنّ مجرّد إمكان الوضوء مع الابتلاء بالخباثة في الأعضاء، ليس كافياً لجواز المبادرة في مفروض المسألة، فلا بدّ من التيمّم حسب المآثير الشاهدة في خصوص الطهارة الترابيّة؛ و أنّ المدار في الانتقال، هو العجز عن استعمال الماء بوجه صحيح شرعيّ، غير ملازم لمعنىً آخر غير شرعيّ.

فبالجملة: لو كان الماء المفروض قليلًا؛ بحيث لا يمكن غسل المواضع بعد التوضّي، فالأمر بالتيمّم مطابق للقواعد، و إلّا فيشكل الأمر من جهتين علىٰ سبيل منع الخلوّ:

الاولىٰ: إمكان تحصيل الطهارة المائيّة مع طهارة الأعضاء.

و ثانيتهما: لزوم نجاسة البدن، سواء كانت الحالة السابقة طهارتها أو نجاستها.

مع أنّ الأمر ليس كذلك اتفاقاً، و أمّا علىٰ ما استظهرناه، فلا يأتي إشكال.

ثمّ من المحتمل، كون الأمر بالتيمّم ناشئاً من ترجيح جانب الطهارة الترابيّة على النجاسة؛ فإنّ الأمر دائر بين كونه ذا طهارة مائيّة مع نجاسة بدنه، و كونه ذا طهارة ترابيّة مع طهارة بدنه، فعيّن الاولىٰ لأقوائيّتها،

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 196

فلا يستفاد من الرواية أنّ سبب الانتقال، تماميّة موضوع التيمّم؛ لأنّ المناط عجزه عنه، شرعاً كان، أو عقلًا. فما اتفق عليه الأصحاب هنا: من أنّ وجه الانتقال عجزه الأعمّ «1»، غير سديد، و التفصيل في مباحث التيمّم.

فعلى ما حصّلناه يعلم: أنّ الرواية ليست علىٰ خلاف القاعدة عند الكلّ.

الثانية: في بعض صور الماءين المشتبهين و أحكامها
اشارة

لو فرضنا شمول الرواية للماءين الكثيرين القابلين للتطهير بهما و التوضّي؛ بأن يتوضّأ أوّلًا، ثمّ يغسل ثانياً بالماء الثاني، ثمّ يتوضّأ به ثالثاً، فإن كان الماء النجس هو الثاني، فقد تحصل الطهارة، و يكون بدنه نجساً، و إن كان هو الأوّل، فقد تحصل الطهارة، و يكون بدنه طاهراً، فهو حينئذٍ علىٰ طهارة مائيّة، و مشكوكة نجاسة بدنه.

فهل يبني على

الطهارة، أو النجاسة، أو يأخذ بنقيض حالته السابقة؟ فيه خلاف بين المحقّقين.

و قد مرّ منّا تفصيل البحث في المسائل السابقة «2»، و ذكرنا هناك قصور شمول أدلّة الاستصحاب لمثل هذا الشكّ و اليقين، لا لأجل فقد الشرط؛ و هو اتّصال زمان الشكّ و اليقين، كما تخيّله صاحب

______________________________

(1) كفاية الأُصول: 216، لاحظ مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 263 265.

(2) تقدّم في الجزء الأوّل: 350.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 197

«الكفاية» «1» أو للمعارضة بين الاستصحابين، كما توهّمه جمع آخر «2»، فعليه يتعيّن المراجعة إلىٰ قاعدة الطهارة مطلقاً.

و هنا صور اخرىٰ، و فيها ما يقطع بوقوع صلاته مع الطهارة المائيّة و طهارة البدن، و هو بأن يكرّر الصلاة عقيب الوضوءين. و التكرار هنا ليس بأهون من التكرار إلى أربع جهات؛ لتحصيل القبلة المأمور به في الروايات.

و غير خفيّ: أنّ في صورة كون أحد الماءين كثيراً، يتعيّن التوضّي به ثانياً؛ حتّى يحصل القطع بفراغ ذمّته.

حكم صورة ما لو كان أحد الماءين كثيراً

إذا عرفت ذلك، فهل يتعيّن عليه التوضّي في صورة كون أحد الماءين كثيراً؛ لما يظهر من الرواية من اختصاصه بالقليل غير القابل لاستعماله مرّتين، خصوصاً إذا كان مشتبهاً بنجاسة بوليّة، و قلنا: بتعدّد الغسل في ملاقي غسالته؟

أو يتعيّن عليه التيمّم؛ لأجل ظاهر الرواية؟

أو هو بالخيار بين الطهارتين: المائيّة، و الترابيّة.

فقد يقال: بتعيّن الترابيّة، و عليه الأكثر «3»، و هو مقتضىٰ إطلاق فتاوى

______________________________

(1) كفاية الأُصول: 480.

(2) فرائد الأُصول 2: 667، التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 427.

(3) شرائع الإسلام 1: 7، مدارك الأحكام 1: 107، العروة الوثقىٰ 1: 52 53 فصل في المياه، الماء المشكوك نجاسته، المسألة 7، مهذّب الأحكام 1: 274.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 198

الأصحاب، و

عن بعض الفضلاء تعليل ذلك: بلزوم الجمع بين المتناقضين في صورة الرخصة؛ لأنّ موضوع الترابيّة هو «العجز عن المائيّة» و موضوع المائيّة هي «القدرة على استعمال الماء» و هما غير قابلين للجمع «1».

و أورد عليه: بأنّ الأمر كذلك، إلّا أنّ الالتزام بالتخصيص لأجل الدليل، غير ممنوع عقلًا، و متعارف عرفاً، كما في مواقف رخصة الإفطار في شهر رمضان، مع أنّ المستثنىٰ هو المريض، و المستثنىٰ منه هو الصحيح، و هما غير قابلين للجمع «2».

و الذي يخطر بالبال: أنّ مبنىٰ هذه المسألة، هو أنّ الأمر بالإهراق كان لأيّة جهة؟

فإن كان فيه جهة لازمة مراعاتها في الانتقال من المائيّة إلى الترابيّة، فهو يشهد علىٰ ممنوعيّة الترابيّة بدون الإهراق.

و إن كان الأمر لمجرّد عدم الابتلاء بالنجس، أو لكونه كالدرهم المغشوش اللّازم إعدامه، فلا يستفاد منه تعيّن الترابيّة.

و الإنصاف: أنّ الأمر بالإهراق؛ لأجل حدوث موضوع الانتقال و هو «فقدان الماء الموجود عنده» فإذا لاحظ الشرع أنّ الترابيّة حسب الآية الشريفة موقوفة علىٰ فقد الماء، و الماء الموجود بين يديه و إن كان بحسب الواقع كافياً، و لكنّه لجهله يشكل عليه تحصيلها؛ لابتلائه بنجاسة البدن، فراعى عند ذلك أهمّية طهارة البدن مع مراعاة تحصيل

______________________________

(1) التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 429.

(2) نفس المصدر.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 199

موضوع المسألة، فأُمر بالإهراق؛ تحفّظاً على الواقع اللّازم مراعاته- و لأجل مثله اختار المحقّق في «المعتبر» جواز إراقة الماء «1»، و رخّص في الانتقال إلىٰ موضوع التيمّم اختياراً فعلى هذا لا يجوز البدار إلى الترابيّة مع وجود الماء المشتبه؛ لأنّ موضوع أدلّة التيمّم ليس «العجز» بل له مسوّغات مختلفة، و منها: عدم وجدانه الماء، و لكنّه هنا واجد للماء

بالضرورة، فليتأمّل جيّداً.

فتحصّل إلىٰ هنا: أنّ مع فرض شمول الرواية لما إذا كان أحدهما كثيراً أو كلاهما، لا يجوز الوضوء إلّا بعد الإهراق.

توهّم عدم وجوب الإهراق و دفعه

و من هنا يعلم، ضعف توهّم عدم وجوب الإهراق، معلّلًا: «بأنّه من الأمر عقيب الحظر» «2» غفلةً عن أنّ ذلك في جملة واحدة، لا في الجمل المتعدّدة، مع بعض القرائن الأُخر، كما فيما نحن فيه؛ فإنّ ذلك بعد ما عرفت منّا و لو احتمالًا متعيّن، فلا سبيل إلى القول بالتخيير بين الوضوء و التيمّم، و لا سيّما بعد قوله: «و يتيمّم» الظاهر في تعيّنه، فلو كان مفاد «يهريقهما» هو الترخيص بدواً، و لكن مفاد الهيئة الثانية هو العزيمة، و لا وجه لصرف النظر عن الثاني بالأوّل؛ لإمكان العكس. بل الظاهر سراية تعيين التيمّم إلىٰ تعيين الإهراق؛ لعدم إمكان مقاومة العزيمة للرخصة، فلا تغفل.

______________________________

(1) المعتبر 1: 103.

(2) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 265.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 200

هذا مع أنّ الالتزام بالتخصيص في خصوص هذه المسألة، من الغفلة و الذهول؛ و ذلك لأنّ همّ الفقيه في مباحث مسوّغات التيمّم، الجمع بين المسوّغات المختلفة؛ و إرجاعها إلىٰ أمر واحد: و هو عدم تمكّنه من المائيّة عقلًا أو شرعاً، فلو كان في مورد يجوز التيمّم مع إمكان المائيّة شرعاً و عقلًا، يلزم النقض علىٰ ما توهّموه جامعاً، لا التخصيص؛ لعدم وجود عامّ أو مطلق يفيد ذلك، فلا تخلط.

الثالثة: في أجوبة استصحاب نجاسة بعض الأعضاء غير المعيّن
اشارة

بناءً علىٰ جواز التوضّي بالكيفيّة المزبورة، فلا يشترط عدم وجود ماء ثالث معلوم الحال؛ لأنّ وجه الاشتراط ليس إلّا الوجوه المذكورة في منع تكرار العبادة، أو لزوم تقديم الامتثال التفصيليّ على الإجماليّ، و تلك الوجوه خالية عن التحقيق؛ حسب ما يؤدّي إليه النظر الدقيق.

و قد يشكل الامتثال بالكيفيّة المزبورة التي بنينا فيها علىٰ جريان قاعدة الطهارة بعد عدم جريان الاستصحابين: بأنّ الاغتسال بالماء الثاني لا يمكن إلّا تدريجاً؛

ضرورة أنّ الجسم لا يعقل تطهيره إلّا بالارتماس، أو إيراد الماء عليه، و الكلّ يستلزم التدريج عرفاً و عقلًا، فإذا وقعت يده في الماء الثاني، أو ورد الماء عليها، يعلم إجمالًا: بأنّ بعض أجزائه و أعضائه نجس؛ إمّا بنجاسة هذا الماء، أو بنجاسة الماء الأوّل، و التطهير بالماء الثاني لا يستلزم قصوراً في جريان استصحاب نجاسة بعض أعضائه غير المعيّن «1».

______________________________

(1) التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 428.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 201

و علىٰ هذا، لا فرق بين كون الماء الثاني كثيراً؛ بحيث يحيط بالجسم دفعة، أو تدريجاً.

و العجب من الأصحاب رضي اللّٰه عنهم-، حيث توهّم جمع منهم الفرق بين كون الثاني كثيراً أو قليلًا! و أعجب من ذلك فرض كون الماء الثاني كرّاً أو جارياً «1»!! فإنّه خروج عن مفروض البحث؛ و هو كون الماءين مشتبهين، و هذا مخصوص بالقليلين الشرعيّين.

تارة يجاب: بأنّ جريان الاستصحابين في العضوين ممنوع؛ لأنّه من الأصل المحرز، و إحراز نجاسة العضوين مع القطع بطهارة أحدهما، خلاف ماهيّة الاستصحاب، فلا يجريان هنا، كما لا يجريان في أمثاله و إن لم يلزم منه المخالفة العمليّة.

و فيه: مضافاً إلىٰ فساد المبنىٰ؛ و أنّ الإحراز المزبور لا ينافي التعبّدين أنّ فيما نحن فيه يمكن إجراء استصحابٍ واحد في بدنه؛ بأن يجعل مصبّه نفسه، حتّى لا يجوز له الصلاة في تلك الحال.

و أُخرى يجاب: بأنّه من الاستصحاب في الفرد المردّد؛ لأنّ النجاسة إن كانت من الماء الأوّل، فقد زالت بالماء الثاني، و إن كانت من الماء الثاني، فهي باقية قطعاً «2».

و فيه: أنّ اليد المتنجّسة باقية بالشخص، و معلوم تنجّسها،

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 53 فصل في المياه، الماء المشكوك نجاسته، المسألة

10، الهامش 5 و 6.

(2) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 263، لاحظ التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 425 427.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 202

و مشكوك زوال نجاستها، فالمصبّ للاستصحاب هي اليد.

و ثالثة يجاب: بأنّ له التطهير بعد الوضوء بالماء الثاني بالماء الأوّل، فعند ذلك يعلم قطعاً بزوال نجاسة بدنه؛ لأنّ العلم الإجماليّ الحاصل من ملاقاته مع الماء الثاني، أمره دائر بين عدم انعقاده من أوّل الأمر، أو انتفاء معلومه بعد ذلك؛ بداهة أنّ الماء الثاني إن كان نجساً، فالماء الأوّل يزيله، و إن كان طاهراً فلا علم له بتلك النجاسة، فلا يعلم بعد الاستعمال المزبور بنجاسة فعليّة، و لا سابقة.

نعم، يحتمل حدوث النجاسة بالماء الأوّل، المرفوع بقاعدة الطهارة.

و بعبارة اخرىٰ: الماء الأوّل إمّا نجس، أو طاهر:

فإن كان نجساً، فلا علم له بالنجاسة قبل ذلك؛ لارتفاع نجاسة بدنه بالماء الأوّل.

و إن كان طاهراً، فلا بقاء لتلك النجاسة فعلًا، فهو عالم بزوال النجاسة المعلومة بدواً.

و فيه ما عرفت: من حدوث العلم بالنجاسة بمجرّد وقوع الماء الأوّل أيضاً، كما لا يخفى.

و يمكن دعوى القطع التفصيليّ بنجاسة العضو المعيّن؛ لأنّ من شرائط التطهير، إحاطة الماء و انفصاله، فإذا لاقاه الماء الثاني يعلم قطعاً بنجاسة يده بالأوّل أو بالثاني، و يشكّ في زوالها به، فيستصحب في العضو

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 203

الشخصيّ نجاسته «1».

نعم، هذا أمر عجيب؛ لأنّ ما يورث القطع بالنجاسة هو الملاقاة، التي هي مقدّمة للشكّ في بقائها، و هذا ممّا لا ضير فيه عقلًا.

و رابعة يجاب: بأنّ الاستصحاب الجاري في العضو المعلوم تأريخه، معارض باستصحاب الطهارة المجهول تأريخها؛ لعدم تقوّم التعارض بالجهل بالتأريخين، كما عليه العلّامة النائينيّ (رحمه اللّٰه) فيرجع

حينئذٍ إلىٰ قاعدة الطهارة «2».

و لكنّك تعلم: أنّه و إن أمكن استصحاب مجهول التأريخ في بعض الأحيان؛ بوجه يعارض معلوم التأريخ كما عرفت تفصيله في الماء الموصوف بالحالتين: القلّة، و الكثرة «3» و لكنّه هنا غير قابل لفرضه؛ للزوم جواز الصلاة مع أنّه عالم بنجاسته الشخصيّة، و شاكّ في رفعها، و لا يعقل استصحاب عدم تقدّم حالة طهارته علىٰ تلك الحالة؛ لأنّه إن شئت قلت: يصير معلوم التأريخ من جهة عدم تأخّره عنها، لا من جهة زمان حدوثه.

ففي مثل حدوث الكرّية في أوّل الزوال، يمكن استصحاب عدم تقدّم القلّة عليها، فيلزم احتمال تأخّر القلّة عن الكثرة؛ لمجهوليّة القلّة من جهتين: جهة زمانها الشخصيّ، و جهة تقدّمها على الكرّية و تأخّرها. و لكنّ الأمر هنا ليس كما توهّم؛ ضرورة أنّه بعد إيراد الماء الثاني يعلم بنجاسة

______________________________

(1) دروس في فقه الشيعة 2: 219.

(2) فوائد الأُصول 4: 522 528، و لاحظ دروس في فقه الشيعة 2: 220.

(3) تقدّم في الجزء الأوّل: 350.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 204

يده الشخصيّة، و يشكّ بعد الغسل في زوالها، و لا يحتمل تأخّر الطهارة إلىٰ تلك الحالة.

و العجب من صاحب «الكفاية» و جماعة، من توهّم: أنّ الإشكال مخصوص بما إذا كان الماء الثاني قليلًا «1»!! و قد عرفت عموميّته «2»؛ و أنّ فرض كرّية الماء الثاني خارج عن مفروض المسألة؛ لأنّ الكرّية المشتبهة من حيث النجاسة، غير متصوّرة إلّا في الكرّ المتمّم بالطاهر؛ بأن تكون الشبهة حكميّة، أو الكرّ المشتبه من حيث تغيّره بالنجس، و الأمر سهل.

خاتمة فيها فائدة

قضيّة ما مرّ إلىٰ هنا: أنّ الانتقال إلى التيمّم مطابق للقاعدة، و يكون التيمّم متعيّناً، و يكون الإهراق لانتفاء موضوع التيمّم؛ علىٰ

حسب المتفاهم من الكتاب، و إن كان موضوعه حسب الأخبار منتفياً، و لكن ربّما لاحظ الشرع المتحفّظ على الأُمّة بالسماحة و الراحة، مع مراعاة بعض الجوانب الأُخر، فعند ذلك أوجب الإهراق؛ لما فيه الجمع بين الحقوق.

فما اشتهر: «من أنّ الإهراق إمّا واجب تعبّدي، أو واجب إرشاديّ» «3»

______________________________

(1) كفاية الأُصول: 216، دليل العروة الوثقىٰ 1: 246، دروس في فقه الشيعة 2: 218.

(2) لاحظ ما تقدّم في الصفحة 201.

(3) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 262، التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 430، مهذّب الأحكام 1: 274.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 205

غير سديد، بل هو واجب احتياطيّ، لا بمعنى «الوجوب الاحتياطيّ» في كلمات الفقهاء، كما لا يخفى.

توجيه المحقّق الهمداني لكون التيمّم موافقاً للقاعدة

و لصاحب «المصباح» الهمدانيّ (رحمه اللّٰه) كلام حول إثبات أنّ التيمّم مطابق للقاعدة، لا يخلو عن غرابة: و هو «أنّ التطهير بالماء النجس، إذا كان محرّماً ذاتيّاً، فلا بدّ من الطهارة الترابيّة، فربّما يدلّ علىٰ تلك الحرمة هذه الرواية، فلا وجه لصحّة الوضوء بالمردّد المشتبه، و إن أمكن عقلًا بالكيفيّة المذكورة» «1».

و أُجيب عنه فيما وصل إلينا من الوالد المحقّق مدّ ظلّه: «بأنّ الحرمة الذاتيّة لا تستلزم حرمة جميع الأطراف، بل هو محرّم من باب المقدّمة العلميّة، فيلزم التزاحم بين ملاكين: الطهارة المائيّة، و الابتلاء بحرمة استعمال النجس في الوضوء، و قضيّة ما ورد في أنّ «التراب أحد الطهورين» و قوله: «يكفيك عشر سنين» أهمّية ترك الابتلاء بتلك الحرمة الذاتيّة» «2».

و أنت خبير أوّلًا: بأنّ توهّم الحرمة الذاتيّة في مثل المقام، من الأمر المستنكر القبيح، فضلًا عن تصديقه، و فضلًا عن كون هذه الرواية «3»

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 51/ السطر 10.

(2) الطهارة (تقريرات الإمام الخميني (قدّس سرّه)) الفاضل اللنكراني:

44 (مخطوط).

(3) الكافي 3: 10/ 6، وسائل الشيعة 1: 151، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 8، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 206

دالّة عليه؛ لعدم دليل آخر علىٰ ذلك. فغاية ما يمكن توهّمه هي الحرمة التشريعيّة، و هي خلاف ظاهرها، و لذلك أمر بالإهراق، و إلّا فلا معنىٰ لذلك.

و حمل الأمر بالإهراق علىٰ ما هو المتعارف في كلام متعارف الناس، أو كلام العلماء من بعض الكلمات الزائدة في جواب الفتوىٰ في غير محلّه، خصوصاً بعد تكراره في الروايتين، و مع مساعدة الاعتبار. فعليه يعلم أنّ الحرمة الذاتيّة واضحة المنع جدّاً.

و ثانياً: لا يمكن الفراغ من نجاسة البدن مع تحصيل المائيّة، فيدور الأمر بين أن يصلّي بالترابيّة، أو المائيّة مع نجاسة خبثيّة مستصحبة، فيتعيّن الأوّل حسب هذه الرواية، و إلّا فلا قاعدة من دونها تقتضي تعيّن الأوّل؛ لاحتمال أهمّية المائيّة على الترابيّة الكذائيّة، و لا سيّما بعد كون الاستصحاب دليلًا شرعيّاً، فإنّه مع النظر إلىٰ تلك الجهة، لا معنىٰ لدعوىٰ أنّ الانتقال مطابق للقاعدة «1»؛ ضرورة أنّ معنىٰ «كون شي ء مطابقاً للقاعدة» أنّ هذا الأمر مع قطع النظر عن النصّ الوارد فيه ممّا يمكن الإفتاء به.

و هذا فيما نحن فيه غير ممكن؛ لأنّه إن كان الماءان كثيرين على الوجه المزبور سابقاً، أو كان أحدهما كثيراً، فعليه الوضوء و الصلاة، ثمّ الوضوء الآخر بعد الغسل بالماء الثاني، ثمّ الصلاة، كما في مشتبه القبلة، و في مشتبه المضاف و المطلق، فإنّه قد أفتى الأصحاب بتعدّد

______________________________

(1) مهذّب الأحكام 1: 276.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 207

الوضوء في الثاني «1»، و تعدّدِ الصلاة في الأوّل «2» فإذا اتفق هذان الأمران معاً فعليه تكرار

الوضوء و الصلاة، و هذا ممّا أفتىٰ به الأصحاب رضوان اللّٰه عليهم، فكيف يمكن الالتزام بأنّ الرواية مطابقة للقاعدة؛ سواء جرت قاعدة الطهارة، أو لم تجرِ؟! نعم، بناءً علىٰ جريان قاعدة الطهارة، فعدم كونها مطابقة للقاعدة أوضح.

و توهّم القطع بعدم وجوب التكرار في خصوص المقام، من المجازفة، و دون إثباته خرط القَتاد.

فتحصّل إلىٰ هنا: أنّ البحث حول قضيّة الأُصول العمليّة أمر، و كونَ الرواية مطابقة للقاعدة أو غيرَ مطابقة، أمر آخر، و الثاني علىٰ هذه التقادير، خلاف القاعدة.

و أيضاً: لا يتمكّن الفقيه من ترخيص إراقة الماء و الاقتناء بالترابيّة؛ لما مرّ أنّ من الممكن كون المسألة، من قبيل المتزاحمين، و عند ذلك لا وجه لترجيح أحد الجانبين على الآخر؛ لعدم إمكان كشف الأهمّية من دليل الترابيّة كما سمعته من الوالد- مدّ ظلّه «3» لأنّ هذا بعد الفراغ عن تحقّق موضوعه، و هو الآن أوّل الكلام، فهذه الرواية مخالفة للقاعدة علىٰ جميع الشقوق، و لا سيّما علىٰ فرض دلالتها على التخيير بين المائيّة

______________________________

(1) لاحظ مفتاح الكرامة 1: 128/ السطر 15.

(2) لاحظ مفتاح الكرامة 2: 119/ السطر 27.

(3) تقدّم في الصفحة 205.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 208

و الترابيّة، فتأمّل.

نعم، بناءً علىٰ ما استظهرناه، تكون موافقة للقاعدة أيضاً؛ أي لو فرضنا كون المورد المفروض فيها القليلين؛ بحيث لا يتمكّن من تطهير الأعضاء بعد التوضّؤ بالماء الثاني، فلا يتمكّن من تحصيل الطهارة المائيّة، و يلزم نجاسة بدنه بالعلم التفصيليّ، و حيث قد عرفت عدم ثبوت الإطلاق لها حتّى تشمل الكثير و القليل «1»، فينحصر العمل بها في القليلين، و في غير هذه الصورة يجب التكرار؛ بإتيان الصلاتين عقيب الوضوءين.

إن قلت: لا بدّ من الالتزام بأنّ

موردها أعمّ من القليل و الكثير؛ لأعمّيتها من الوضوء و الغسل. و حملها على القليل غير الكافي لتحصيل الطهارة المائيّة الوضوئيّة؛ إذا كان محتاجاً إلى الوضوء، و علىٰ غير الكافي لتحصيل الطهارة الغُسْليّة؛ إذا كان الرجل المفروض جُنباً، في غاية البعد، فيعلم من ذلك أعمّيتها من تلك الجهة، فمع إمكان القطع بفراغ ذمّته بالتكرار، أمر بالتيمّم علىٰ خلاف القاعدة.

قلت: الأمر كما حرّر، و لكن ملاحظة صدرها ربّما يورث الوثوق؛ بأنّ المفروض هو احتياجه إلى الوضوء، ففي «الكافي» عن عثمان بن عيسىٰ، عن سَماعة قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن جرّة وجد فيها خنفساء قد مات.

قال: «ألقه و توضّأ منه، و إن كان عقرباً فألقه فأرق الماء، و توضّأ من ماءٍ غيره».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 194.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 209

و عن رجل معه إناءان فيهما ماء، وقع في أحدهما قذر .. «1».

مع أنّ هذا الفرض هو المتعارف، و الالتزام بالفرض المزبور غير بعيد في ذاته.

و هنا شبهة أُخرى في الرواية: و هي أنّ كون المراد من «القذر» هو النجس الشرعيّ، غير واضح؛ لما عرفت من الأمر بإراقته فيما إذا وقع فيه العقرب، فربّما يجوز حسب النظر البدويّ فيها جواز التيمّم فيما إذا كان الماء مستقذراً عرفاً، فتكون الرواية مورد الإعراض، و ساقطة عن الحجّية، فتأمّل.

الرابعة: في جواز التطهير بهما لرفع الخبث و كيفيّته
اشارة

فعن «نهاية العلّامة»: جوازه و صحّة الاكتفاء بالمرّة «2».

و هذا يتمّ علىٰ ما بنينا عليه في أطراف العلم الإجماليّ: من جريان الأُصول المرخّصة، و تقدّمها علىٰ إطلاق دليل الحكم الواقعيّ «3».

و لعلّ إليه يرجع ما حكي عنه: من الاستدلال بإطلاقات دليل مطهّرية المياه؛ و أنّ ما هو الخارج عنها ما علم بنجاسته تفصيلًا. فما في

بعض كتب العصر؛ من الإشكال علىٰ هذا الاستدلال: بأنّ الطهارة شرط في مطهّرية

______________________________

(1) الكافي 3: 10/ 6.

(2) مفتاح الكرامة 1: 127/ السطر 24، نهاية الإحكام 1: 249.

(3) تقدّم في الصفحة 175.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 210

الماء، فلا بدّ من إحرازها «1»، لا يخلو عن غرابة؛ لأنّ ما هو الشرط هي الطهارة المعلومة بالتفصيل.

مع أنّ الشرط لو كان واجب الإحراز، لما صحّ له التمسّك بقاعدة الطهارة في صحّة التطهير؛ لعدم كونها من الأُصول المحرزة عند الكلّ. و الالتزام بحكومتها على الدليل الأولي غير هذا، كما لا يخفى. و قد مضى تفصيل المسألة بشقوقها سابقاً، و ذكرنا: أنّ في مثل المفروض في المقام لا بدّ من الاحتياط «2».

مختار السيّد بحر العلوم و صاحب الجواهر (قدّس سرّهما)

و عن «منظومة الطباطبائيّ» و صاحب «الجواهر» «3» بل و جملة من المحقّقين «4»، جواز الاكتفاء، و لكن يكرّر التطهير بعدد رؤوس الأواني إلّا في الشبهة غير المحصورة، فإنّه عند ذلك يعلم بالطهارة؛ و ذلك لأنّ النجاسة السابقة مقطوعة الزوال، و النجاسة الأُخرىٰ مشكوكة الحدوث، فيجري استصحاب الطهارة بعد التطهير، و لذلك اشتهر القول بالأخذ بضدّ الحالة السابقة «5». و العلم الإجماليّ بطروّ الحالتين بلا أثر؛ لأنّ النجس لا يتنجّس.

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري 1: 288.

(2) تقدّم في الصفحة 180.

(3) الدرّة النجفيّة: 8، جواهر الكلام 1: 305.

(4) الطهارة، الشيخ الأنصاري 1: 288، مصباح الفقيه، الطهارة: 51/ السطر 29.

(5) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 264.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 211

نعم، إذا كان أحد الإناءين المشتبهين بولًا، و قلنا بلزوم التعدّد في ملاقيه، و كان الثوب المفروض غير متنجّس به، فللعلم الإجماليّ حينئذٍ أثر، فالاستصحاب غير جارٍ هنا، فتجري القاعدة.

إشكال علىٰ جريان قاعدة الطهارة في المقام

نعم، قد يشكل جريانها؛ لأجل أنّ المتفاهم منها صورة عدم العلم بحالة سابقة للشي ء، أو أنّ قضيّة الجمع بين دليل الاستصحاب و قاعدة الطهارة، سراية قيد إلىٰ مصبّها، و فيما إذا سقط الاستصحاب لأجل المزاحمة، أو المعارضة، أو غير ذلك يلزم الإجمال في مجرى القاعدة؛ لما تقرّر منّا: من أنّ القوانين الكلّية بعد المقيّدات و المخصّصات، تجعل في كيس واحد، و يصير كلّ من العامّ و المخصّص قيداً للآخر، و تسري جميع الخصوصيّات من أحدهما إلى الآخر. و لذلك ربّما يصير قرينة على انصراف معنى العامّ إلىٰ معنى آخر بالمرّة؛ بحيث لو لم يكن له مخصّص، كان له معنىً آخر حسب المتبادر من ألفاظه.

و هذا الذي ذكرناه يجري في جميع القوانين؛ سواء كانت بينها التقييد و

التخصيص، أو بينها الحكومة و الورود، فليتدبّر.

توهّم رجوع الاستصحاب في المقام إلى استصحاب الفرد المردّد

و أمّا الإشكالات المتداولة علىٰ جريان استصحاب الطهارة في مفروض المسألة لا في الفرض الذي ذكرناه أخيراً و آنفاً فتفصيلها

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 212

في محلّها.

و من المعروف من بينها: أنّ استصحاب الطهارة من استصحاب الفرد المردّد.

و فيه: أنّ في مسألة الفيل و البقّة، إن أُريد استصحاب الفيل أو البقّة فلا يجرِي، و إن أُريد استصحاب الجامع فلا بأس به من هذه الجهة. ففيما نحن فيه لا أُريد إلّا استصحاب عنوان طهارة الثوب، فإنّه لا تردّد فيها، و إلّا فجميع الاستصحابات من الفرد المردّد؛ لأنّه مقتضى الشكّ في البقاء، ضرورة أنّ كلّ شكّ في بقاء شي ء يرجع إلى الأمرين المردّدين، فإن أحدث فهو ليس علىٰ طهارة قطعاً، و إن لم يحدث فهو طاهر قطعاً و هكذا، فلا تغفل.

هذا مع أنّ في مفروض البحث، لو أشكل جريان الاستصحابين، تجري القاعدة عند الأصحاب، فتصير النتيجة هو جواز الاكتفاء بالتطهير مراراً.

و الذي يتوجّه إليهم ما مرّ: من أنّ التطهير بالإناء الثاني، يستلزم القطع بتنجّس الجسم المتطهّر به؛ لأنّ التطهير تدريجيّ الوجود، فلا يجري استصحاب الطهارة، و لا قاعدتها «1».

قولان آخران في المسألة

و عن جماعة من الأصحاب: صحّة الاكتفاء إذا كان الماء الثاني كرّاً، و قد مرّ ما يتعلّق به «2».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 200 201.

(2) نفس المصدر.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 213

و القول الأخير: عدم إمكان الفراغ من النجاسة و إن يتمكّن من النجاسة الاولىٰ، فلو كانت هي النجاسة البوليّة المحتاجة إلى التعدّد، فعليه التطهير، ثمّ الصلاة في الثوب المتطهّر به فيما إذا كان منحصراً به؛ بناءً علىٰ وجوب تخفيف النجاسة الخبثيّة حين الابتلاء بصرف وجودها في الصلاة؛ لأجل مرخّص شرعيّ، فافهم و

اغتنم.

ثمّ إنّه من الممكن دعوى شمول الروايات السابقة لهذه المسألة؛ بدعوىٰ أنّ المستفاد منها، قصور الماء المشتبه عن إمكان التطهير به مطلقاً، و إن كان في ذيلها الأمر بالتيمّم.

و بناءً علىٰ أعمّية موردها من القليلين، يحكم بالإهراق أيضاً تعبّداً؛ بناءً علىٰ توهّم إمكان التطهير.

فصل في حكم الإناء الباقي بعد إراقة أحد الإناءين المشتبهين
اشارة

إذا كان إناءان: أحدهما المعيّن نجس، و الآخر طاهر، فاريق أحدهما، و لم يعلم أنّه أيّهما، فالمعروف بين أبناء العصر محكوميّة الباقي بالطهارة «1».

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 262، التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 430، مهذّب الأحكام 1: 275.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 214

و قيل: «هذا فيما إذا لم يكن مثلًا موضع الإراقة، ممّا يصحّ عليه السجود، فإنّه عند ذلك يعلم إجمالًا بحرمة السجدة، و حرمة الاستعمال، فعليه الاحتياط» «1» و هذا لا ينافي ما أفادوه؛ لأنّه خارج عن منصرف كلامهم.

و قال في «العروة»: «و هذا بخلاف ما لو كانا مشتبهين، و أُريق أحدهما، فإنّه يجب الاجتناب عن الباقي. و الفرق أنّ الشبهة في تلك الصورة بالنسبة إلى الباقي بدويّة و في هذه الصورة مقرونة بالعلم الإجماليّ المنجّز «2»، انتهىٰ مراده. و قد سكت الوالد المحقّق هنا في تعليقته.

و في المسألة عندي إشكال: و هو أنّ ما أفادوه في وجه عدم الوجوب، فقد شرط التنجيز؛ و هو الخروج عن محلّ الابتلاء «3»، و هذا غير صحيح؛ لأنّ الإراقة هي إعدام الموضوع، و الخروج عن محلّ الابتلاء فرع بقائه، و لذلك قيل في وجه عدم التنجيز: بقبح الخطاب، و استهجان التكليف، لا انعدام موضوعه «4» كما لا يخفى. هذا إشكال على الأعلام.

وجه عدم وجوب الاجتناب عن الباقي

فيكون وجه المسألة أنّ الشبهة بدويّة، و لا علم بالتكليف، و العلم بنجاسة إناء و أرض لا تكون مورد التكليف، و لا الوضع ليس ذا

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري 1: 280، العروة الوثقىٰ 1: 53، فصل في المياه، الماء المشكوك نجاسته، المسألة 8، الهامش 4، التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 430.

(2) العروة الوثقىٰ 1: 53، فصل في المياه، الماء

المشكوك نجاسته، المسألة 8.

(3) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 262، دروس في فقه الشيعة 2: 224.

(4) فرائد الأُصول 2: 420، نهاية الأفكار 3: 338 339.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 215

أثر، بل المناط هو العلم بالتكليف على الوجه المحرّر في محلّه «1».

إذا عرفت ذلك، ففيما إذا أُريق أحد الأطراف بعد العلم بالتكليف، فلا وجه لتنجيز العلم؛ لانتفائه، ضرورة أنّ ما هو الباقي هو العلم بنجاسة أحد الإناءين بنفسه، و أحد الماءين، و هو ليس مناط تنجيز الحكم و تصحيح العقوبة، و ما هو المناط غير باقٍ، و قد اشتهر بين أعلام العصر: أنّ الأثر تابع المؤثّر حدوثاً و بقاءً، و أنّ التنجيز تابع العلم حدوثاً و بقاءً، فلا وجه للاحتياط بعد الإراقة.

و دعوى العلم الفعليّ بالتكليف مجازفة؛ ضرورة أنّ التكليف متقوّم بالموضوع، و إذا كان موضوعه «الماء المراق» احتمالًا، فلا علم به؛ أي لا يمكن دعوى وجود الخطاب فعلًا.

نعم، إذا قيل: بأنّ أثر العلم باقٍ بحكم العقل، فهو له وجه بأن يقال: كما أنّ العقل حاكم بصحّة العقاب على ارتكاب أحد الأطراف سواء ارتكب الآخر، أو لم يرتكب كذلك حاكم بذلك، سواء بقي الطرف، أو لم يبقَ.

و لكنّه غير وجيه؛ لأنّ تنجيز التكليف موقوف على الشكل الأوّل، و هو «أنّ هذه الإناء أو ذاك نجس» «و النجس واجب الاجتناب» «فهذا أو ذاك واجب الاجتناب» و القضيّة الاولىٰ منتفية فلا علم بالنتيجة. و توهّم جريان الاستصحاب التعليقيّ في الحكم العقليّ، فيجب الاجتناب، في نهاية الضعف كما لا يخفى.

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 7: 401.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 216

و لا ينبغي الخلط بين حالة بقاء الطرف و حالة انعدامه؛ ضرورة أنّه مع بقائه

يتمّ الشكل و ينتج، و مع انعدامه لا يجد العقل إلّا وجود التكليف المحتمل. و كفاية العلم السابق لصحّة العقاب؛ و أنّه بيان، غير واضحة جدّاً.

هذا، و لو فرضنا ذلك، فلا شبهة في عدم قصور شمول أدلّة الأُصول لهذه الصورة، مع عدم إمكان المعارضة بينه و بين الأصل الجاري في المعدوم من صفحة التكوين.

و توهّم سقوط الأصل بالمعارضة، فلا أصل بعد ذلك، ممّا يضحك عليه؛ لأنّ كلّ واحد منهما لأجل المانع قاصر عن التأمين، و إذا ارتفع المانع يكون مؤمّناً. هذا كلّه على طريقة القوم.

و أمّا علىٰ طريقتنا في الجمع بين أدلّة الأُصول و الأمارات و هي إنكار الحكم الظاهريّ، و إثبات العموم من وجه بين تلك الأدلّة و التزاحم «1» فالجواز في جميع الأطراف علىٰ حسب القواعد، إلّا فيما ذكرناه سابقاً «2»، و هذه المواقف خارجة عن تلك المواضع التي رجّحنا فيها الاحتياط على الاقتحام و ارتكاب الأطراف، فليتدبّر.

و ممّا أشرنا إليه يظهر وجه سكوته- مدّ ظلّه هنا، مع أنّه يقول: بأنّ الخروج عن محلّ الابتلاء لا يضرّ بالتنجيز، حسب ما أسّسه في القوانين

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 6: 255 256.

(2) تقدّم في الصفحة 180.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 217

الكلّية «1». و نِعم ما أسّس؛ فإنّ المسألة ليست من صغريات الخروج عن محلّ الابتلاء، كما عرفت «2».

ذنابة: في أنّ مجرّد الإراقة لا تسقط العلم

قد يشكل الأمر في صغرى المسألة المذكورة؛ لأنّ إراقة الماء واجب الاجتناب، لا تورث سقوط العلم، لأنّ الماء المفروض إذا أُريق على الأرض، أو علىٰ شي ء آخر، فغايته أنّه مع عدم إمكان استعماله في الأكل أو الشرب، لا يكون غير قابل لدلْك اللّسان به؛ فإنّه محرّم علىٰ فرض كونه نجساً، و هكذا ممنوع ذلك

في نفس الإناء أيضاً، فيعلم إجمالًا بحرمة هذا أو ذاك، فالإراقة لا تورث الخروج عن دائرة إمكان التكليف.

نعم، إذا أمكن إعدام الإناء و ما فيه، فهو من صغريات المسألة المفروضة. و هنا بعض أُمور أُخر لا خير في التعرّض لها، فتدبّر.

فصل في حكم ما لو توضّأ من أحد الإناءين ثمّ علم بنجاسة أحدهما
اشارة

إذا كان ماءان، توضّأ بأحدهما أو اغتسل، و بعد الفراغ حصل له العلم

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 280.

(2) تقدّم في الصفحة 214.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 218

بأنّ أحدهما كان نجساً، و لا يدري أنّه هو الذي توضّأ به أو غيره، ففي صحّة وضوئه أو غسله إشكال؛ إذ جريان قاعدة الفراغ هنا محلّ إشكال، لما قيل في محلّه: من اختصاص أدلّتها بصورة الشكّ في التطبيق، دون صورة الشكّ في الانطباق «1»، و إلّا يلزم فيما اشتبه قيود المأمور به بين كثير، جواز الاكتفاء بإتيانه مرّة واحدة؛ لأنّه إذا أتى مثلًا بصلاة إلىٰ طرف في صورة اشتباه القبلة أو في ثوب، يشكّ في صحّتها و فسادها، فأصالة الصحّة إذا كانت حاكمة بها، فلا وجه لتكرارها. و هكذا فيما إذا اشتبه ماء الوضوء، و غير ذلك من الصور.

و لا أظنّ أن يلتزم بذلك أحد من القائلين بجريانها في الصورة الثانية، فكأنّ المفهوم من أدلّتها بعد ضرب صدرها بذيلها لزوم كون المصلّي في مقام الإتيان بما يعتبر فيها، فإذا فرغ منها و شكّ فلا يعتنِ به، و يبنِ علىٰ صحّتها؛ لأجل القاعدة، سواء كانت هي قاعدة التجاوز، أو قاعدة الفراغ، أو أصالة الصحّة، على اختلاف المسالك و التعابير.

و قد يشكل علىٰ ما ذكرناه: بأنّ لازمه عدم جواز إجرائها فيما إذا أتى الجاهل بالصلاة و الوضوء مدّة، ثمّ تبيّن له بعد تلك المدّة اشتراط المأمور به

بأمر، و كان يحتمل إتيانه به حين الاشتغال من باب الصدفة و الاتفاق، أو من باب اعتقاده بأنّه مستحبّ، و لم يكن بناؤه على الإتيان به، و هذا بعيد جدّاً؛ ضرورة أنّه إذا توجّه إلىٰ تركه لا يكون عليه شي ء؛ بناءً على جريان قاعدة «لا تعاد ..» في حقّ الجاهلين، و إذا كان باقياً علىٰ جهله

______________________________

(1) دليل العروة الوثقىٰ 1: 254.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 219

يجب عليه الإعادة؛ لعدم جريان القواعد المصحّحة المعوّل عليها في مقام الامتثال.

توهّم أنّ الأذكريّة علّة لجريان قاعدة الفراغ

و في بعض كتب فضلاء العصر: الاستدلال علىٰ لزوم الأذكريّة و الأقربيّة إلى الحقّ، كما في أخبار المسألة؛ و أنّ ذلك علّة لا حكمة «1»، و نكتة إلى أنّ الحِكَم الشرعيّة هي الأُمور المترتّبة على المجاعيل الإلهيّة، كعدم خلط المياه علىٰ جعل العدّة، و ذهاب الأرياح المنتنة في غسل الجمعة، و أمثال ذلك، و ما نحن فيه ليس من هذا القبيل.

و ما فيه غير خفيّ؛ لأنّ مفهوم «الحكمة» لو اقتضىٰ ذلك، لكنّ المراد أمر آخر؛ و هو أنّ الشرع تارة: يجعل حكماً مدار أمر حدوثاً و بقاءً، و أُخرى: لا يكون كذلك، و هذا الأمر كما يمكن أن يكون من قبيل الأُمور الواقعة في سلسلة المعاليل، كذلك يمكن أن يكون واقعاً في سلسلة العلل، و هكذا النكت و الحِكَم، و لا سند من العقل علىٰ خلاف ذلك.

و أعجب من ذلك ما قيل في المقام: من التقييد بين المطلقات و المقيّدات «2»!! فإنّ التقييد فرع ظهور القيد في كونه قيداً في الحكم، و هذا هنا لعدم مساعدة فهم العرف- غير واضح. و المسألة بعدُ تحتاج إلى التأمّل، و لا سيّما في مآثيرها.

______________________________

(1) التنقيح في شرح

العروة الوثقىٰ 1: 433.

(2) نفس المصدر.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 220

الوجه في عدم صحّة الوضوء في المقام

و الذي يسهّل الخطب: أنّ المسألة من أجل أمر آخر، يشكل الحكم فيها بالصحّة؛ و ذلك لأنّ المفروض إناءان: أحدهما صغير مثلًا، و الآخر كبير، فتوضّأ بالصغير مثلًا، ثمّ علم إجمالًا بنجاسة أحدهما، و مقتضى ذلك هو العلم الإجماليّ بنجاسة الكبير و الإناء الصغير و الأعضاء في عَرْض واحد، فيشكل جريان الأُصول في الأطراف كلّها، أو تتساقط؛ و ذلك لما مضى: من أنّ العلم الإجماليّ و إن كان حاصلًا قبل الملاقاة، ينجّز ملاقي الأطراف؛ ضرورة أنّ العلم الثاني و إن لا يكون مورثاً لانحلال العلم الأوّل، و لا موجباً لاستناد تنجّز التكليف إلىٰ مجموع العلمين بقاءً، و لكن يورث حدوث الصور العلميّة الحادثة بالتكليف؛ للملازمة القطعيّة بين الملاقي و الملاقىٰ، و عند ذلك يتعيّن الاحتياط، فيكون الوضوء باطلًا؛ لأجل عدم ثبوت شرط صحّته، و هو طهارة الماء.

و ما في بعض كتب المعاصرين: من دعوى العلم الإجماليّ ببطلان الوضوء، و نجاسة الكبير في المثال المشار إليه «1»، غفلة و ذهول؛ لأنّه يرجع إلىٰ جواز انحلاله بالأصل المثبت في طرف، و الرجوع إلى القاعدة في الآخر؛ ضرورة أنّ قضيّة الاستصحاب عدم كونه متوضّئاً، فلا يلزم المخالفة العمليّة من إجراء قاعدة الطهارة في الكبير، فما هو المعلوم بالإجمال هو النجاسة المردّدة بين الأعضاء و الإناء، و بين الكبير.

______________________________

(1) دليل العروة الوثقىٰ 1: 253 و ما بعدها.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 221

تفصيل بين بقاء الماء المتوضّأ به و عدمه

ثمّ إنّ المسالك في المسألة كثيرة، و آراء الفضلاء هنا متشتّتة، و هي ربّما تؤدّي إلى التفصيل في المسألة بين بقاء الماء المتوضَّأ به و عدمه، فمثل الشيخ الأعظم و بعض أتباعه، ذهب إلىٰ جواز إجراء القاعدة في الوضوء «1»؛ لعدم معارض لها؛ و

أنّ الوضوء كالملاقي، فمع بقاء الملاقى و الطرف يكون الملاقي بلا معارض؛ لأنّ ميزان التنجيز ليس المعيّة في العلم، بل الميزان هي العلّية في المعلوم، فبما أنّ الملاقي معلول الملاقى، يكون في التنجيز أيضاً متأخّراً عنه.

نعم، مع انعدام الملاقى يصير الأصل في الملاقي، و القاعدة في الوضوء معارضة بالقاعدة في الكبير.

و الذي هو الأقرب إلى النظر: هو أنّ الوضوء إذا كان بنفسه طرف العلم، فلا منع من إجراء القاعدة في الكبير؛ لأنّ من جريان استصحاب عدم الوضوء و القاعدة في الكبير، لا يلزم مخالفة عمليّة، كما عرفت آنفاً.

فعلى جميع المسالك، لا بدّ من الالتزام بطهارة الإناء الكبير في صورة فقد ماء الصغير، و عدم كون الإناء الصغير طرفاً للعلم بأن ينعدم مثلًا، فما في كتب الأصحاب صدراً و ذيلًا لا يخلو عن تأسّف. كما أنّ التفصيل بين بقاء الصغير و عدمه، ممّا لا بدّ منه في خصوص المقام؛ لنكتة اختصّت به.

نعم، علىٰ ما سلكناه يشكل ذلك، كما لا يخفى.

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري 1: 283، مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 259 و 267.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 222

تذنيب: فيما لو علم إجمالًا بالوضوء من أحدهما ثمّ علم بنجاسة أحدهما

كان الكلام فيما إذا توضّأ بالصغير، ثمّ توجّه إلى نجاسة مردّدة بينه و بين الكبير. و الذي قد يفرض أنّه توضّأ بأحدهما، ثمّ توجّه إلىٰ نجاسة غير المعيّن.

و بعبارة اخرىٰ: يعلم إجمالًا بالوضوء من أحدهما، و يعلم إجمالًا بنجاسة أحدهما، و لعلّه هو الظاهر من «العروة» «1» و حكمه عندنا حكم سابقه علماً، و أصلًا، و قاعدةً.

و هنا صورة أُخرى: و هي ما لو علم إجمالًا بتوضّئه من أحدهما، ثمّ علم تفصيلًا بنجاسة الصغير، ففي بعض كتب الفضلاء المعاصرين- مدّ ظلّه: «أنّه لا مانع من إجراء

القاعدة في الوضوء، بل لك إجراء قاعدة الطهارة في الماء المتوضَّأ به؛ لحكومتها علىٰ قاعدة الفراغ» «2».

و فيه: أنّه إذا كان غافلًا عن شرطيّة طهارة الماء، ففي جريانها إشكال مضى «3»، و لقد أفاد هو: «أنّ المعتبر كون الفاعل في مقام الإتيان بما يعتبر في المأمور به، و أمّا الأُمور الخارجة عن اختياره و هو الانطباق و اللّاانطباق فليست مجراها.

هذا، و جريان قاعدة الطهارة في مثل المفروض مشكل أيضاً؛ لانعدام

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 54، فصل في المياه، الماء المشكوك نجاسته، المسألة 11.

(2) دليل العروة الوثقىٰ 1: 257.

(3) تقدّم في الصفحة 220.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 223

موضوع القاعدة، بعد ظهورها في الشكّ في نجاسة شي ء و طهارته، و إمكان الإشارة إلىٰ ما توضّأ به، غير كافٍ حسب الفهم العرفيّ.

نعم، إذا بقي من الإناء الذي توضّأ به شي ء من الماء، فإجراؤها في الموجود ربّما يكفي لصحّة الوضوء، فلا تصل النوبة إلىٰ قاعدة الفراغ.

مسألة: في حكم الشكّ في أنّ الوضوء كان من الطاهر أو النجس

إذا علم: بنجاسة أحدهما المعيّن، و طهارة الآخر، فتوضّأ، و بعد الفراغ شكّ في أنّه توضّأ من الطاهر أو من النجس، فاستظهر في «العروة» صحّة الوضوء؛ معلّلًا: بجريان القاعدة فيه.

و قال: «نعم، إذا علم أنّه كان حين التوضّي غافلًا عن نجاسة أحدهما، يشكل جريانها» «1» و وجهه واضح بعد ما مرّ.

و قد يقال: بأنّ المتفاهم من حسن الحسين بن أبي العلاء، جواز المضيّ و لو مع النسيان «2»، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الخاتم إذا اغتسلت.

قال (عليه السّلام): «حوّله من مكانه».

و قال: «في الوضوء تديره، فإن نسيت حتّى تقوم في الصلاة، فلا آمرك أن تعيد الصلاة» «3».

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 54، فصل في المياه، الماء المشكوك نجاسته،

المسألة 11.

(2) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 266.

(3) الكافي 3: 45/ 14، وسائل الشيعة 1: 468، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 41، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 224

و لأجل ذلك يتعيّن حمل ما في الموثّق على الحكمة، لا العلّة التي يطّرد معها الحكم وجوداً و عدماً.

و فيه أوّلًا: أنّ الظاهر منه، أنّ مع النسيان و لو علم بعدم وصول الماء إلىٰ محلّ الخاتم، لا يأمره بالإعادة، و هذا غير مفتى به.

و ثانياً: أنّ الظاهر من قوله (عليه السّلام): «تعيد الصلاة» أنّه صلّىٰ، و بعد ذلك توجّه إلىٰ نسيانه الإدارة حال الوضوء، و لا يعلم منها إجراء القاعدة في الوضوء، بل الظاهر إجراؤها في الصلاة، و أمّا صحّة الوضوء فهي أمر آخر، و قد تقرّر: أنّ جريانها في الصلاة لا يستلزم صحّته، فلا منع من إجرائها في الصلاة هنا، و مع ذلك تجب عليه إعادة الوضوء للصلاة الأُخرىٰ؛ لما تقرّر: أنّها أصل حيثيّ «1».

فبالجملة: ما هو الأظهر أنّ هذه القواعد، شرعت للتصرّف في مقام الامتثال؛ لتمنع ابتلاء المكلّفين بالوسواس و تضييع الوقت، و إن يستلزم الاكتفاء في مقام الامتثال بالأقلّ، التصرّفَ في المجعول قطعاً بحكم العقل، و لكن ليس معناه صحّة إجرائها في مطلق الشكّ في الصحّة و الفساد.

و ممّا يؤيّد ذلك: أنّ أصالة الصحّة من قبيلها، و هي أصل عقلائيّ، و لا شبهة أنّ الأمر عند العقلاء على البناء على الصحّة؛ لبنائهم على الإتيان، و هذه لا يمكن إجراؤها في الشكّ في الانطباق، فلا تغفل.

______________________________

(1) لاحظ الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 342.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 225

المبحث الحادي عشر في الماء المشتبه من حيث الإطلاق و الإضافة

اشارة

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 227

تمهيد

قد مرّ ما يتعلّق به في أوّل مباحث المياه، و ذكرنا: أنّ ما أفاده الأصحاب الأُصوليّون: من المراجعة إلى الاستصحاب فيما إذا كانت حالته السابقة الإطلاق، محلّ منع «1»؛ لأنّ الشكّ في بقائه على الإطلاق، يرجع إلى الشكّ في بقاء موضوع الاستصحاب؛ ضرورة أنّ الاستصحاب لا يمكن في المقام إلّا بأن يقال: «كنت علىٰ يقين من إطلاق هذا» مشيراً إلىٰ ما في الخارج، مع أنّه يحتمل كونه ليس ماءً؛ لأنّ الإطلاق ليس من الأوصاف الزائدة علىٰ حقيقته. و هكذا إذا كانت حالته السابقة هي الإضافة، و شكّ في انقلابه إلى الماء.

و توهّم إمكان إجرائه لإحراز المائيّة؛ بأن يقال: «هذا الموجود كان ماءً» في غير محلّه؛ لأنّه ربّما يشير إلىٰ ما ليس له الوجود في السابق؛ لعدم الجامع بين الماءين- المضاف و المطلق إلّا في المادّة الاولى الخارجة عن حقيقتهما، فلا تغفل.

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 100.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 228

ثمّ إنّه إذا لاقاه نجس، فلا يحكم بنجاسته إذا كان كرّاً، و الوجه واضح.

حكم اشتباه المضاف في محصور

و إذا اشتبه مضاف في محصور، يجب أن يكرّر الوضوء أو الغسل إلىٰ عدد يعلم استعمال المطلق في ضمنه، فإذا كان اثنين في الثلاثة يجب استعمال الكلّ، و إن كان اثنين في أربعة تكفي الثلاثة.

و فيما إذا كان ماء آخر معلوم، يجوز له ذلك أيضاً؛ لعدم الدليل على المنع إلّا ما مرّ في التقليد من الوجوه المذكورة على المنع من التكرار، و قد عرفت ضعفها «1».

حكم اشتباه المضاف في غير محصور و ضابط الشبهة غير المحصورة

و إذا اشتبه في غير محصور، ففي «العروة»: جواز استعمال كلّ واحد منها، كما إذا كان واحداً في الألف.

و قال: «المعيار أن لا يعدّ العلم الإجماليّ علماً» «2».

و قال جماعة: بعدم جواز الاكتفاء، معلّلين: بأنّ غاية ما يقتضي الاكتفاء، هو أنّ كثرة الأطراف توجب ضعف انطباق المعلوم بالإجمال علىٰ كلّ واحد واحد، و عند ذلك يحصل الاطمئنان بوجود الشرط المعتبر في صحّة الوضوء.

______________________________

(1) ممّا يؤسف له فقدان مباحث الاجتهاد و التقليد.

(2) العروة الوثقىٰ 1: 51، فصل في المياه، الماء المشكوك نجاسته، المسألة 2.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 229

و هذا غير تامّ، و مورد إشكال من جهات:

منها: عدم الدليل علىٰ حجّية كلّ اطمئنان عقلائيّ حاصل من أيّ سبب؛ فإنّ الأمارات حجّيتها ليست دائرة مدار تحصيلها الاطمئنان الشخصيّ، و غير الأمارات- كالقطع حجّة عقليّة أو عقلائيّة ممضاة، و أمّا حجّية الاطمئنان الشخصيّ الحاصل من ضعف الاحتمال المزبور، فهي ممنوعة. و هكذا دعوى حجّية الغلبة حجّيةً نوعيّة ممنوعة أيضاً.

و توهّم: أنّ هذا كافٍ لعدم صحّة العقوبة؛ لأنّها لا تصحّ بلا بيان، غير سديد؛ لأنّ بيانيّة العلم مفروغ عنها عندهم، مع قطع النظر عن قيام الاطمئنان علىٰ خلافه في كلّ طرف.

و منها: أنّ الاحتمالات الموهونة، غير معتنى بها في الأُمور

الدنيويّة، و أمّا في المسائل الراجعة إلى العقاب و صحّة العقوبة، فهي غير مدفوعة إلّا بحجّة شرعيّة، و إلّا يجب التحفّظ على الواقع ما دام العقل يحتمل العقوبة «1».

و فيه: أنّه لا عقاب بلا بيان، فإذا صدّقه أحد؛ لسقوط العلم عن التأثير، فلا فرق بين الدنيويّة و الأُخرويّة.

و منها: ما أفاده شيخ مشايخنا الحائريّ (رحمه اللّٰه): من لزوم التنافي بين الاطمئنان بعدم كون المضاف كلَّ واحد، و العلم بكون واحد منها مضافاً «2».

و فيه: أنّ ما هو المعلوم واحد غير معيّن، و ما هو مورد اطمينان واحد

______________________________

(1) التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 406.

(2) درر الفوائد، المحقّق الحائري: 471.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 230

معيّن، و إلّا يلزم التهافت بين العلم و الشكّ في أطراف العلم الإجماليّ، كما لا يخفى.

فلو بلغت الشبهات إلىٰ ملايين الأواني، فلا بدّ من دليل يدلّ علىٰ حجّية مطلق الاطمئنان.

و توهّم الإجماع علىٰ حجّيته في خصوص هذه المسألة، أو في خصوص الشبهات غير المحصورة، غير سديد؛ ضرورة أنّ ما هو مورد الإجماع، هو جواز الاقتحام في الأطراف في الشبهات الإلزاميّة، و نحن التزمنا بذلك في المحصورة، فضلًا عن غير المحصورة، و فيما نحن فيه لا أصل يعوّل عليه في الفرض المزبور، حتّى يقال: بسقوط الشبهة غير المحصورة عن الاعتبار مطلقاً، كما تخيّلناه سابقاً، فعليه لا بدّ لنا أيضاً من البحث عن الشبهة غير المحصورة موضوعاً و حكماً، و التفصيل في محلّه «1»، و ما مضى هنا يكفي؛ لعدم مساعدة الكتاب على أكثر من ذلك.

حكم وجود الحالة السابقة لاشتباه المطلق في الكثير المضاف

و فيما إذا اشتبه المطلق في الكثير المضاف، و كان لكلّ واحد من الأواني المشتبهة حالة سابقة، فعلى ما تقرّر: من عدم جريان الاستصحاب

«2»، فالحكم واضح. و أيضاً بناءً علىٰ جريانه؛ ضرورة أنّ الالتزام بالترخيص في الكلّ جائز عندنا؛ لما مضى: من تقديم أدلّة الأُصول على

______________________________

(1) لاحظ تحريرات في الأُصول 7: 425.

(2) تقدّم في الجزء الأوّل: 100.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 231

الواقعيّات «1».

و عليه لا فرق بين كونه بانياً علىٰ أن يتوضّأ بكلّ واحد منها لصلاة، و بين عدمه، خلافاً لما عليه الأصحاب من الفرق بين الصورتين «2». مع أنّه بلا وجه؛ لأنّ التكليف في الأطراف إذا كان غير منجّز، فلا سبيل إلىٰ منعه عن ارتكاب ذلك.

و إن كان منجّزاً، فلا وجه لترخيصه في طرف واحد؛ فإنّ البناء القلبيّ و اللّابناء، لا يؤثر في فعليّة التكليف و عدمه، كما لا يخفى.

و هنا مسلك آخر: و هو جريان الاستصحاب في جميع الأطراف، و تساقط الكلّ، و لزوم الاحتياط؛ لما لا يرون للشبهة غير المحصورة خصوصيّة في عدم تنجيز العلم، إلّا إذا رجعت إلى الخروج عن محلّ الابتلاء، أو رجعت إلىٰ وجود مانع كالحرج و الضرر، و غير ذلك ممّا يمنع عن العلم بالتكليف مطلقاً، أو في بعض الصور «3»، فافهم و تدبّر.

تذنيب: هل يحتاج إلى الأُصول المرخّصة في الشبهة غير المحصورة؟

المسالك في سقوط العلم الإجماليّ عن التأثير في الشبهة غير المحصورة مختلفة، و ثمرة الاختلاف جواز الاقتحام في بعض الأطراف؛ من غير الاحتياج إلى الأُصول المرخّصة أو المحرزة، و عدمه إلّا معها؛

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 209.

(2) كوالده الإمام الراحل (قدّس سرّه) في أنوار الهداية 2: 233.

(3) كفاية الأُصول: 407 408.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 232

ضرورة أنّ من يقول: بأنّ وجه السقوط مثلًا، لزوم الضرر أو الحرج أو الإجماع أو النصّ، فلا بدّ له من التمسّك بها، و إلّا لو لم

يكن أصل لا يجوز البدار، كما فيما نحن فيه.

و بالاصطلاح: يصير العلم كلا علم، لا الشبهة كلا شبهة.

و من يقول: بضعف الاحتمال، و قيام الأمارة على الخلاف، فلا يحتاج إليها؛ لأجل دليل حاكم عليها، فيجوز البدار فيما نحن فيه. فعدم جريانها علىٰ هذا المسلك، ليس لإشكال في جريانها ذاتاً، كما يوهمه عبارات أصدقائنا الأفاضل، بل لحكومة في البين.

نعم، إذا حصل الاطمئنان الشخصيّ لأحد في طرف، فله دعوى الورود؛ لأنّ موضوع أدلّة الأُصول هو الشكّ، لا الاحتمال الموهون غير الخاطر في الأذهان إلّا من شذّ.

و ربّما يمكن دعوى: أنّ سقوط العلم الإجماليّ بالإجماع بعد وجود الإطلاق في معقده، أو لوجود المانع كالضرر أو الحرج، يستلزم كون الشبهة أيضاً كلا شبهة؛ للزوم الخلف، ضرورة أنّ وجوب الاحتياط بعد ذلك، أيضاً ينافيه أدلّة الضرر و الحرج، و هكذا ينافيه إطلاق الإجماع؛ للزوم لغويّته، فليتأمّل جيّداً.

كما يمكن دعوى: أنّ المسلك الأخير و هو ضعف الاحتمال، يورث سقوط العلم عن التأثير، و لا يستلزم جواز الاكتفاء باستعمال واحد منها في الوضوء، أو الغُسل، أو الغَسل؛ لأنّ الاطمئنان بعدم انطباق المعلوم بالإجمال على الطرف الواحد، يورث عند العقل أو العقلاء سقوط أثر العلم، و لكن لا دليل علىٰ حجّيته شرعاً حتّى يكون حاكماً على الأُصول،

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 233

و أمارة على الواقع.

و بعبارة اخرىٰ: قصور هذا العلم عن كونه بياناً للواقع مسألة، و حجّية الاطمئنان الحاصل من الغلبة مسألة أُخرى؛ لا تلازم بينهما، فالاطمئنان المزبور ربّما يوجب سقوط بيانيّة العلم، أو الشكّ في كونه كافياً لها، و لكن لا يورث جواز الاكتفاء بواحد من الأواني في مقابل التكليف المعلوم. و هنا إن قلت قلتات لا يسعه المقام.

فصل صور الشكّ في الإضافة و الإطلاق و أحكامها
اشارة

إذا لم يكن عنده إلّا ماء مشكوك إطلاقه و إضافته، فإن تيقّن في السابق إطلاقه أو إضافته، فالمشهور علىٰ إجراء الاستصحاب «1»، و قد مرّ منّا منعه؛ لرجوع الشكّ فيهما إلى الشكّ في الموضوع بقاءً «2».

و هنا شبهة اخرىٰ: و هي أنّ موضوع الوضوء هو «وجدان الماء» أو «التمكّن من الماء» و استصحاب الإطلاق مثبت؛ لعدم إحراز الموضوع المزبور به، كما فيما إذا شكّ المأموم أنّه أدرك الإمام أم لا، فإنّ استصحاب بقاء الإمام في ركوعه إلىٰ أن ركع مثبت؛ لعدم إحراز الموضوع و هو إدراك

______________________________

(1) مهذّب الأحكام 1: 271.

(2) تقدّم في الجزء الأوّل: 100.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 234

الركوع به و إن كان هو معارضاً بمثله أيضاً. نعم، يجري استصحاب واجديّته للماء، إلّا أنّه لا يحرز أيضاً مائيّة المشكوك.

و إجراء الاستصحابين أيضاً مشكل؛ لأنّ التقيّد الذي هو المعنى الحرفيّ و النسبة الناقصة، لا يحرز باستصحاب الجزءين، و لا شبهة في أنّ الموضوع مركّب بنحو يكون بينهما ربط ناقص، و لذلك قلنا: بأنّ ما اشتهر بين المحصّلين: من إحراز أحد الجزءين بالأصل، و الجزء الآخر بالوجدان، ممّا لا أساس له «1».

و توهّم خفاء الواسطة، ممنوع كبرى، بل و صغرىً. فما ترى هنا في كلمات هؤلاء «2»، لا يخلو عن تأسّف.

نعم، بناءً على القول: بأنّ موضوع الوضوء ليس «واجد الماء» و لا «المتمكّن من الاستعمال» بل الوضوء واجب على المكلّف كما هو ظاهر الكتاب، و التيمّم موضوعه «العجز» الأعمّ من الشرعيّ و العقليّ، فلجريانه وجه.

و لكنّه قد يشكل: بأنّ المتفاهم العرفيّ بعد ملاحظة القوانين، كون الموضوع المقابل للتيمّم ما يقابل موضوعه، فهو القدرة الأعمّ من الشرعيّة و العقليّة، و الإهمال الثبوتيّ ممتنع،

و الاستظهار الإثباتيّ بنظر العرف ممكن، فلا تغفل و تأمّل.

______________________________

(1) تقدّم في الجزء الأوّل: 350 351، و لاحظ الطهارة (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي 1: 253.

(2) لاحظ مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 248، مهذّب الأحكام 1: 271.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 235

حكم تيقّن واجدية الماء في السابق

و إن لم يتعيّن أنّه كان في السابق مطلقاً، فإن كان علىٰ يقين من حالته السابقة من الواجديّة، فالمذكور في بعض كتب الفضلاء: هو الرجوع إلى الاستصحاب «1».

و أنت خبير بما فيه؛ ضرورة أنّ هذا لا يحرز به حال المشكوك. و إن شئت قلت: الشكّ هنا يرجع إلى الشكّ في الماء؛ لأنّ ما هو موضوعه هو «التمكّن مثلًا من الماء» و الآن شاكّ في مائيّة ما في الخارج، و هذا من قيود الموضوع اللّازم إحرازها قبله أو معه.

و جريان الاستصحاب في نفس ما في الخارج، من الكلّي غير الجاري فيه الأصل. مع أنّه لو قلنا بجريانه في القسم الثالث، لا يجري هنا؛ لاشتراط إحراز الموضوع في جميع الاستصحابات، فلا تخلط.

و أمّا توهّم ترتّب الأثر على الاستصحاب المزبور و هو لزوم الاحتياط فسيأتي توضيحه «2». مع أنّه من الممكن دعوى لزومه من غير حاجة إليه، كما لا يخفى.

حكم ما إذا لم تكن حالة سابقة مثلًا

و إن لم يكن علىٰ حالة سابقة، أو كان و لم يكن الأصل جارياً، أو كان

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 249.

(2) يأتي في الصفحة 238.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 236

و لم يكن فيه الفائدة المزبورة، ففي «العروة» أفاد لزوم الترابيّة للصلاة و نحوها، و احتاط- استحباباً بالجمع بين الترابيّة و المائيّة «1»؛ و ذلك إمّا لأجل جريان أصل العدم الأزليّ، لأنّ المشكوك اتّصاف المائع بالإطلاق، و حيث إنّ الإطلاق وصف وجوديّ، كنّا علىٰ يقين من عدمه، و كان هو غير موصوف به قبل وجوده، و نشكّ في اتصافه به حين حدوثه، فالاستصحاب نافٍ لاتصافه به «2».

و فيه: أنّا لو سلّمنا جريان الأصل في الأعدام الأزليّة، فهو إمّا مخصوص بالأوصاف الزائدة على الذوات العارضة عليها

حين حدوثها، كالقرشيّة و الهاشميّة و التذكية، كما اختاره العلّامة الأراكيّ صاحب «المقالات» «3» أو هو يجري في الأوصاف الزائدة على الذوات و العارضة عليها من أوّل تقرّرها، كالقابليّة للتذكية مثلًا.

و أمّا جريانه في نفس الذوات، و في نفس الصور النوعيّة المقوّمة كالمائيّة مثلًا، فهو من الأمر المرمي باللّغو؛ ضرورة أنّ «المائعيّة» من الأوصاف الانتزاعيّة المتأخّرة عن ذات الماء، فكيف يجعلها موضوعاً للاستصحاب؟! و الأمر بعد ذلك لا يحتاج إلى التأمّل.

مع أنّ أصل جريانه، ناشئ من عدم نيل بعض المسائل العقليّة.

أو لأجل أنّ العلم الإجماليّ بوجوب المائيّة أو الترابيّة و إن كان

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 51، فصل في المياه، الماء المشكوك نجاسته، المسألة 3.

(2) التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 407.

(3) مقالات الأُصول 2: 167.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 237

منجّزاً، و لكن جريان الأصل النافي في طرف فقط، كافٍ لانحلاله حكماً؛ و هو استصحاب عدم كونه واجداً للماء «1».

و توهّم: أنّ ذلك مخصوص بما إذا كان موضوع الوضوء عنوان «وجدان الماء» مثلًا، و أمّا إذا كان مطلقاً فلا بدّ من الاحتياط؛ لأنّ الأصل المزبور و إن اقتضىٰ وجوب التيمّم، و لكن حكم العقل بالاحتياط في موارد الشكّ في القدرة، مفروغ عنه عند الأصحاب، في غير محلّه؛ ضرورة أنّ الاحتياط متقوّم باحتمال العقاب، و هو مسدود بعد وجود البدل شرعاً للمكلّف به، و ما فيه كثير؛ لأنّ العلم الإجماليّ هنا ليس منجّزاً، بداهة أنّ المائيّة و الترابيّة من التكاليف الغيريّة.

فالعلم الإجماليّ لا بدّ أن يرجع إلىٰ وجوب الاحتياط؛ بدعوىٰ أنّ مع الترابيّة، يشكّ في سقوط التكليف المعلوم أوّلًا المتقيّد بالمائيّة. فما ترى في كتبهم صدراً و ذيلًا- من مفروغيّة تنجيز مثل هذا

العلم «2» غفلة و ذهول.

هذا أوّلًا.

و استصحاب عدم وجدان الماء و إن كان نافياً للوضوء، و مثبتاً للترابيّة؛ بمعنى أنّ الأُصول العدميّة المضافة إلىٰ موضوعات الأحكام، إذا كانت تلك الأعدام بنفسها، أيضاً موضوعات لأحكام أُخر ك «الوجدان» و «عدم الوجدان» فيما نحن فيه، فيحرز بها نفي حكم، و إثبات حكم يقابله، و لكن

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 248.

(2) التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 411، مهذّب الأحكام 1: 271.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 238

بعد مفروضيّة الإطلاق في دليل الوضوء، فلا يعقل نفي الوضوء به؛ لعدم كونه موضوعه.

و هذا ثانياً.

و الإهمال في موضوع الوضوء بعد ثبوت الموضوع للترابيّة، غير ممكن ثبوتاً، و ممكن إثباتاً. و لكن قد مضى عدم سكوت العرف هنا «1»، بل المتفاهم من الأدلّة أنّ له أيضاً موضوعاً خاصّاً، كالترابيّة، فالإطلاق المفروض غير قابل للتصديق.

هذا، و استصحاب عدم الوجدان، لا يجري فيما إذا كان واجداً للماء قبل هذا الماء المشكوك، كما هو المتعارف. و إذن لا ينفع استصحاب الوجدان لصحّة الاكتفاء بالوضوء بهذا المشكوك حاله، كما مضى تفصيله «2».

و لكن يضرّ بأصالة عدم وجدانه الماء، فلا يجري الأصلان: لا الأصل المحرز به موضوع المائيّة؛ لأنّه مثبت، و لا الأصل المحرز به الترابيّة؛ لعدم الحالة السابقة له، فتعيّن الاحتياط، فلا يتمّ ما في «العروة» إطلاقاً «3». بل فرض عدم الحالة السابقة لواجديّة الماء، نادر جدّاً، و لذلك احتاط بعض الأعلام وجوباً في المسألة «4».

و ربّما يتوهّم عدم جريان الأُصول العدميّة المضافة إلىٰ موضوعات

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 234.

(2) تقدّم في الصفحة 237.

(3) العروة الوثقىٰ 1: 51، فصل في المياه، الماء المشكوك نجاسته، المسألة 3.

(4) العروة الوثقىٰ 1: 51، فصل في

المياه، الماء المشكوك نجاسته، المسألة 3، الهامش 12.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 239

الأحكام؛ لأنّها من المثبتات، فلا ينفع الأصل المزبور لنفي الوضوء «1».

و فيه: أنّه لو سلّمنا ذلك فهو كافٍ؛ لأنّه إذا كان ينفع لإثبات الترابيّة، فلا حاجة إلىٰ نفي المائيّة كما لا يخفى.

فتحصّل إلىٰ هنا: أنّه بعد سقوط العلم الإجماليّ؛ لأجل أنّ متعلّقه من الأحكام الغيريّة لا النفسيّة، و بعد عدم وجود أصل يصحّ الاتكاء عليه إلّا في فرض نادر، يتعيّن الاحتياط؛ لأنّ التكليف بالمائيّة معلوم، و الشكَّ في القدرة لا يورث قصوراً فيه علىٰ ما تقرّر «2»، فلا بدّ من المائيّة، ثمّ تحصيل الترابيّة؛ حتّى يقطع بسقوط التكليف الصلاتيّ، فيظهر أنّ لزوم الاحتياط، لا يتوقّف علىٰ ثبوت العلم الإجماليّ المزبور.

أو لأجل أنّ سبب الانتقال من المائيّة إلى الترابيّة، هو عدم القدرة و التمكّن من استعماله؛ الأعمّ من كونه لأجل عدم الاستطاعة العقليّة، أو الشرطيّة «3»، أو لعدم العلم بالماء، و إذا شكّ في مائع أنّه ماء يجب التيمّم؛ لعدم تمكّنه من استعمال الماء، فنفس الشكّ كافٍ للقطع بالترابيّة، فالاحتياط بالمائيّة حسن إذا لم يكن تشريع في البين «4».

و فيه: أنّ الأدلّة في الترابيّة قاصرة عن إثبات شرطيّة الإحراز؛ بنحو الجزئيّة كان، أو بنحو تمام الموضوع؛ ضرورة أنّ كون الموضوع عدم الوجدان، أو عدم التمكّن، لا يستلزم شرطيّة الإحراز، بل هما من العناوين

______________________________

(1) مهذّب الأحكام 1: 272.

(2) تقدّم في الصفحة 237.

(3) مهذّب الأحكام 1: 271.

(4) دروس في فقه الشيعة 2: 195.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 240

الواقعيّة، يتعلّق بهما العلم تارة، و الجهل اخرىٰ. و ما ترى في كتاب شيخنا المعاصر الحلّي- مدّ ظلّه، في غاية الوهن.

كما أنّ

ما سلكه في هذه الصفحات لا يخلو عن اغتشاش، خصوصاً فيما نسبه إلىٰ ماتنه من المناقضة في فتاويه «1»؛ فإنّه لعدم تأمّله فيما أفاده في كتاب التيمّم، ظنّ التناقض، فراجع.

فبالجملة: إنّه توهّم اقتضاء كون الموضوع عدم التمكّن من ذلك الشرط، و هذا بديهيّ البطلان، و لا دليل علىٰ خلافه. بل قضيّة ما ورد في الأخبار: من إيجاب الإعادة علىٰ ناسي الماء «2»، هو عدم كونه موضوعاً، و لا شرطاً، فتأمّل جيّداً.

فرع في حكم دوران المائع بين الإضافة و الإطلاق

إذا دخل الوقت، و لم يكن عنده إلّا مائع مردّد بين المضاف و المطلق، فلا يبعد عدم وجوب الاحتياط؛ لعدم علمه بالتكليف الصلاتيّ بالمائيّة، لاحتمال حدوث التكليف بالترابيّة، فلا شكّ في السقوط، بخلاف الفرض السابق.

اللّهمّ إلّا أن يقال: بأنّ التكاليف قبل الوقت تعليقيّات، كما لا يبعد في الجملة.

______________________________

(1) دليل العروة الوثقىٰ 1: 213 217.

(2) الكافي 3: 65/ 10، وسائل الشيعة 3: 367، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم، الباب 14، الحديث 5.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 2، ص: 241

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 241

و ربّما يشكل جريان استصحاب عدم الوجدان؛ لدعوى انصراف أدلّة الاستصحاب عن مثل هذه الصورة؛ و هي ما إذا كان قبل الوقت غير واجد، و في الوقت مردّداً؛ فإنّ من شرائط جريانه، كون اليقين في ظرف وجوده ذا أثر شرعيّ، و هنا ليس كذلك كما لا يخفى.

و فيه منع كبرويّ، بل و صغرويّ، فلا تخلط، و لا تغفل.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 243

المبحث الثاني عشر في الماء المشتبه من حيث الحرمة و الإباحة

اشارة

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 245

تمهيد

الكلام في المقام بعد مفروغيّة اعتبار الإباحة و الحلّية في الطهارات مثلًا، و إلّا فعلى القول بصحّتها فلا ثمرة وضعيّة فيه. و أمّا جواز الشرب و سائر الاستفادات، فهو بحث موكول إلىٰ كتاب الأطعمة و الأشربة.

و أيضاً: ليس البحث هنا في الإباحة المسبّبة عن الشكّ في النجاسة و الطهارة؛ لارتفاعها بجريان الأصل في منشئها، فإذا شكّ في مشروعيّة الوضوء و حلّيته بالماء المشكوكة طهارته، فإن جرت قاعدتها يلزم منه حلّية التوضّؤ و مشروعيّته.

فبالجملة: البحث حول هذه المسألة يتمّ في ضمن مسائل:

المسألة الاولىٰ: في حكم التصرّف لماء مع الشكّ في رضا صاحبه

إذا كان الماء مملوكاً و مشكوكاً جواز التصرّف فيه؛ لعدم إحراز طيب المالك، أو كان موقوفاً و مشكوكاً حدود الوقف و هكذا، فهل يجوز التصرّف، و يباح التوضّي، أم لا؟ وجهان.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 246

ظاهر القوم هو الثاني «1»، و مقتضى الصناعة العلميّة هو الأوّل؛ لعمومات الحلّ «2» و البراءة «3»، بعد قصور الأدلّة الأوّلية عن تحريم الشبهات الموضوعيّة. و الاستناد في التحريم إلىٰ شهادة الحال، و قرائن المحالّ، خروج عن الجهة المبحوث عنها.

و توهّم: أنّ الظاهر من الآية وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ .. «4» و من الرواية «لا يحلّ مال امرئ» «5» هو لزوم الإحراز كما عليه بعض الفضلاء «6»، فسخيف مضى سبيله مراراً.

و من هذا القبيل التمسّك بما يأتي تفصيله في المسائل الآتية؛ و هو ما ورد في رواية «لا يحلّ مال إلّا من وجه أحلّه اللّٰه» «7» و ذلك لأنّ المستثنىٰ تابع المستثنىٰ منه، فإن أُريد منه نفي الحلّية الواقعيّة و الظاهريّة، فيكون الاستثناء أعمّ، و تكون أصالة الحلّ من تلك الوجوه و إن أُريد منه الحلّية الواقعيّة كما هو الظاهر فلا يبقى وجه للتمسّك، فلا تخلط.

______________________________

(1)

العروة الوثقىٰ 1: 224، فصل في شرائط الوضوء، المسألة 6.

(2) الكافي 5: 313/ 40، وسائل الشيعة 17: 89، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 4.

(3) التوحيد: 353/ 24، الخصال: 417/ 9، وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 1.

(4) البقرة (2): 188.

(5) عوالي اللآلي 1: 222/ 98.

(6) التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 402.

(7) الكافي 1: 460/ 25، وسائل الشيعة 27: 156، كتاب القضاء و الشهادات، أبواب صفات القاضي، الباب 12، الحديث 8.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 247

نعم، ربّما يظهر من الكتاب في سورة النور لَيْسَ عَلَى الْأَعْمىٰ حَرَجٌ .. إلى قوله تعالىٰ وَ لٰا عَلىٰ أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبٰائِكُمْ .. إلىٰ آخر الآية أَوْ صَدِيقِكُمْ «1» أنّه في غير هذه المواقف، ممنوعَ الأكل و التصرّف عند الشبهة؛ ضرورة أنّ الآية سيقت لإفادة الترخيص في موارد الشبهة، و إلّا فيجوز مع العلم بالرضا الأكلُ من بيوت الأعداء، و لو كان سائر البيوت مثلها في جواز الأكل- اتكالًا علىٰ عمومات الحلّ و البراءة لما كان وجه لذكرها بهذا النحو من التفصيل الطويل.

بل الكتاب جعل هذه العناوين أمارات طيب النفس و التصرّفات المتعارفة، لا مطلق التصرّف كما لا يخفى. ففي غير هذه العناوين إمّا تكون الأمارات علىٰ خلاف الطيب، أو لا بدّ من الأخذ بنتيجة ذلك؛ و هو المنع من الأكل و الشرب و سائر التصرّفات، و منها التوضّي، و اللّٰه العالم بحقائق آياته.

و ممّا يشهد علىٰ أنّ هذه العناوين أمارات حصول الرضا و الإذن، عطف البيوت الأجنبيّة علىٰ بيوت أنفسهم، فليتدبّر حقّه. و سيأتي زيادة توضيح حول هذه المسألة في طيّ

المسائل الآتية، إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

ثمّ إنّ من المحتمل انصراف أدلّة الحلّ عن موارد الشكّ في الحلّية و الحرمة غير الثابتتين، كحلّية مال الغير و حرمته اللّتين هما تابعتان للإذن و عدمه، بخلاف الحلّية و الحرمة الثابتتين للماء و الخمر، فافهم.

هذا، و يمكن التمسّك باستصحاب عدم الطيب إذا شكّ في تحقّقه.

______________________________

(1) النور (24): 61.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 248

و توهّم أنّه غير وافٍ بتمام المقصود؛ لأنّه من استصحاب العدم النعتيّ، و ربّما لا يكون له الحالة السابقة، في محلّه، إلّا أنّه يتمّ باستصحاب العدم الأزليّ بناءً علىٰ جريانه.

المسألة الثانية: في حكم التصرّف بالماء مع الشكّ في مملوكيّته

إذا شكّ في مملوكيّته؛ و أنّه حازه أحد أم لا، و لم يكن أمارة علىٰ ذلك؛ لا من ناحية نفسه بأن يكون في يد الغير مع احتمال كونه له، و لا مسبوقاً بالملكيّة لزيد، فيكون تحت استيلائه بالاستصحاب، و يكون ملكاً له؛ لعموم دليل قاعدة اليد، أو لم يكن أصل موضوعيّ يقتضي ذلك، و لا أمارة علىٰ ملكيّته من ناحية المظروف؛ بأن يكون في إناء زيد، أو في أرض عمرو، أو تحت سلطان خالد، فهل عند ذلك يجوز التصرّف و التوضّي، أم لا؟ بعد عدم كونه من المباحات الأصليّة التي تجري فيه الأُصول النافية المفيدة لجواز الحيازة و التملّك، فضلًا عن جواز التصرّف.

فيه أيضاً كما سبق وجهان. إلّا أنّ الإشكال في تصوير صغرى المسألة؛ ضرورة أنّه إمّا يدور الأمر بين قيام الأمارات و الظنون العقلائيّة علىٰ إباحته، أو علىٰ ملكيّته، و قلّما يتّفق الشقّ الثالث، و الأمر سهل.

و محلّ البحث في هذا الفرض، هو ما إذا كان علىٰ تقدير مملوكيّته للغير غير مورد للطيب، و غير مأذون من قبل صاحبه و مالكه بالقطع و

اليقين، و إلّا فتكون حاله حال المسألة الأُولىٰ.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 249

و الذي يظهر: أنّ الاستدلال بالآية السابقة «1» غير آتٍ هنا، كما لا يخفى. و لو سلّمنا قصور أدلّة الحلّ لما مضى «2» عن شمول هذه المواضيع، فلا قصور في عمومات البراءة الشرعيّة، بعد ثبوت إطلاقها للشبهات الموضوعيّة.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ صحّة التصرّف الأكلي تثبت بها، و لا تثبت صحّة التصرّف الوضوئيّ؛ لأنّ اللازم إثبات التعبّد بالحلّية؛ بناءً على اشتراط كون الماء مباحاً في صحّة الوضوء، و رفع الحرمة لا يُثبت عنوان الإباحة و الحلّية، كما هو الواضح. و عدم جواز المؤاخذة على التصرّف عقلًا، لا يورث صحّة الوضوء، فالبراءة العقليّة و النقليّة قاصرتان عن إثبات المقصود؛ و هو صحّة الوضوء بالماء المشكوكة إباحته. و سيأتي زيادة توضيح في المسألة الآتية، إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

المسألة الثالثة: في حكم الماء المردّد بين كونه مال نفسه أو غيره

إذا كان الماء مردّدة ملكيّته بين زيد و عمرو، و لم يكن أصل يقتضي ملكيّته لأحدهما، و لا أمارة قائمة علىٰ لحوقه بملك أحدهما؛ بأن يكون في إناء أحدهما، أو تحت سلطانهما و هكذا، فهل يجوز التوضّي به و سائر الاستعمالات المشروطة بالإباحة وضعاً و تكليفاً، أو لا يجوز مطلقاً؟

أو يفصّل بين الاستعمالات الموقوف جوازها علىٰ رفع المنع شرعاً،

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 246.

(2) تقدّم في الصفحة 246 247.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 250

و بين الاستعمالات الموقوفة صحّتها علىٰ إثبات عنوان الإباحة؟ وجوه.

قد يقال: بأنّ الأصل في الشبهات المهتمّ بها غير جارٍ، و من تلك الشبهات الشبهة في مال أنّه مال نفسه أو مال غيره، فإنّه لا بدّ من الاحتياط، فلا يصحّ الطهارات، و لا يجوز سائر التصرّفات. هذا ما أفاده الشيخ

في بعض كتبه «1».

و المعروف بين أبناء الفضل جواز التصرّفات، و صحّة الوضوء؛ لعدم ثبوت هذا الاستثناء و هو الاحتياط في الشبهات المهتمّ بها، بعد الإطلاق في أدلّة الحلّ و البراءة.

و ما مرّ في المسألة الاولىٰ من الوجوه المحتمل نهوضها للمنع «2»، غير تامّة صناعة. مع عدم جريان الاستدلال بالآية الشريفة هنا أيضاً؛ لأنّ المفروض فيها صورة العلم بالمالك الشخصيّ، ففيما لم يكن دليل، و لا أصل يقتضي المالكيّة لشخص معيّن، فقضيّة الصناعة جواز التصرّفات غير الموقوفة على الملك. و أمّا جواز حيازته باستصحاب عدم المالك له عدماً أزليّاً، فهو ممنوع.

و الذي هو الأقرب: أنّ الطريقة العقلائيّة و بناء المتشرّعة، علىٰ عدم الإقدام على التصرّف في موارد الشبهة و الشكّ، و أنّ السيرة من القائلين بأصل المالكيّة و احترام أموال الغير، على التحرّز ما دام لم يثبت بإحدى الأدلّة العقلائيّة أو الشرعيّة، جوازُ التصرّف. و لعلّ نظر

______________________________

(1) لاحظ فرائد الأُصول 1: 375 376.

(2) تقدّم في الصفحة 246 247.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 251

الشيخ الأعظم (رحمه اللّٰه) كان إلىٰ ذلك، لا إلىٰ قصور في الأدلّة ثبوتاً أو إثباتاً.

و توهّم: أنّ تلك السيرة قابلة للردع بعمومات الحلّ و البراءة، في غير محلّه؛ لما تقرّر منّا: أنّ المغروسات الذهنيّة و البناءات القديمة العقلائيّة، غير قابلة للردع إلّا بإعمال القوّة و التشديد في الردع، و لا يمكن الالتزام بجواز اتكاء المقنّنين في ردع هذه المسائل، على الإطلاق أو العموم، كما ذكرناه في حجّية خبر الواحد و سائر الأمارات و الطرق «1»، فعليه تصبح أدلّة الحلّ و البراءة قاصرة من تلك الجهة، فلا تخلط.

فتحصّل إلى هنا: أنّ التحقيق في محلّ النزاع هو المنع، خلافاً لما يظهر

من جملة من الأفاضل و الأعلام «2»، و فيهم الفقيه اليزديّ حيث قال: «و المشكوك إباحته محكوم بالإباحة، إلّا مع سبق ملكيّة الغير، أو كونه في يد الغير المحتمل كونه له» «3» انتهىٰ.

و قضيّة إطلاق كلامه جواز التصرّف في هذه المسألة أيضاً. اللهمّ إلّا أن يحمل كلامه على الصورة الثانية الماضية في المسألة الثانية «4»، و الأمر بعد ذلك سهل.

تذنيب: و فيه عودة إلىٰ حكم المسألتين: الاولى و الثانية

قد عرفت: أنّ مصبّ البحث حول الفروض التي لا تكون الأُصول

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 6: 501 502.

(2) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 244، مهذّب الأحكام 1: 269.

(3) العروة الوثقىٰ 1: 49، فصل في المياه، الماء المشكوك نجاسته.

(4) تقدّم في الصفحة 248.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 252

الشرعيّة و لا الطرق العقلائيّة، مقتضيةً للمنع أو الجواز، فما ترى في المقام من فرض الحالة السابقة، و تصوير الصور، خارج عن محطّ الكلام.

و بناءً علىٰ ما عرفت منّا في المسألة الثالثة، يظهر وجه المنع في المسألتين: الاولىٰ، و الثانية أيضاً؛ فإنّ الطريقة الثابتة من العرف و الشرع، قائمة علىٰ لزوم إحراز السبب المحلّل و المرخّص؛ حتّى فيما إذا شكّ في أنّه له مالك أم لا، و كان الشكّ عقلائيّاً ذا منشأ عقلائيّ، و لا يكفي للمنع مجرّد الشكّ الفرضيّ و التخيّلي، فليتدبّر.

و لعمري، إنّ الدليل الوحيد ذلك. و لعلّ الكتاب و السنّة أيضاً لو كان فيهما ما يدلّ على المنع، ناظر إلىٰ تلك الطريقة.

إن قلت: قضيّة معتبر مَسعدة بن صدقة «1»، هو الرجوع إلى الإباحة في الشبهات المهتمّ بها؛ لما فيها من فرض الشبهة في العِرض و المال، و مع ذلك رخّص الارتكاب عند الشكّ و الشبهة، و مجرّد كون المفروض مثالًا فيها موردَ الأمارة و

الأصل العقلائيّ و الشرعيّ، لا يورث ضرراً في أنّ المستفاد منها جريان أدلّة الإباحة و الحلّ في الشبهات المهتمّ بها، كما لا يخفى.

قلت: مع الغضّ عمّا في السند «2» إنّ إلغاء الخصوصيّة من

______________________________

(1) الكافي 5: 313/ 40، وسائل الشيعة 17: 89، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 4.

(2) لاحظ تحريرات في الأُصول 7: 27.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 253

الأمثلة صحيح إذا أُريد التجاوز منها إلىٰ أمثالها، و أمّا إذا أُريد التجاوز منها إلىٰ غير ما عليه الأمثلة من الجهة المشتركة، فهو ممنوع؛ و ذلك لأنّ المفروض فيها أنّه لا يُعتنى باحتمال الحرمة الجائي من قبل احتمال بطلان العقد؛ لأنّ احتمال رضاعة المعقود عليها أو اختيّتها و هكذا في غيره ملغى.

و أمّا استفادة جواز عدم الاعتناء باحتمال بنتيّة أو أُمّية أو أُختيّة من في البيت؛ لوجود الظلمة، فهو ممنوع جدّاً، و لا أظنّ التزام أحد بذلك، و إن كان قضيّة عموم الحلّ في صدرها و ذيلها، هي الإباحة مطلقاً عند الشبهة، و لكن النظر فيها إلىٰ ذلك قطعاً.

فإذا أُحرزت زوجيّة زوجة بالأُصول العقلائيّة، ثمّ احتمل أحد الموجبات للحرمة، أو احتمل حين إرادة التزويج، ذلك مجرّد الاحتمال غير العقلائيّ، فلا يبعد جواز الإقدام، و أمّا مع الاحتمال العقلائيّ و مع الشكّ في الزوجيّة فلا. و عليه يقاس الشكّ في النفوس و الأموال فلا دلالة لها على التوهّم المزبور جدّاً.

مع أنّ الالتزام بمفادها غير ممكن؛ للزوم جواز البدار إلى وطء المرأة المردّدة بين كونها زوجه، أو امّه و أُخته و خالته و غيرهنّ من المحارم. بل قضيّة عمومها جواز البدار إلىٰ قتل من شكّ في مهدوريّة دمه، مع عدم الحالة السابقة

لحرمته، و هو أيضاً غير قابل للتصديق، فلا تغفل.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 254

فروع
الفرع الأوّل: في تردّد الماء بين الإضافة و الغصب
اشارة

إذا علم إجمالًا: بأنّ هذا الماء إمّا مضاف أو مغصوب، فالمعروف بينهم جواز شربه، و عدم جواز التوضّي به؛ لعدم الوجه للمنع عنه، و جريانِ قاعدة الحلّ «1».

و أنت خبير: بأنّ إطلاقه ممنوع قطعاً فيما إذا كان للغصبيّة حالة سابقة، و أمّا إذا كانت حالته السابقة غير معلومة، أو كانت حالته السابقة من حيث الإضافة معلومة، حتّى تقع المعارضة بين الأُصول، فيصبح الماء مشكوكة إباحته، غير مسبوق بملكيّته لأحد، أو بعدم إذن مالكه، أو غير ذلك ممّا يورث المنع عن التصرّف، فإنّه في هذه الصورة يمكن الترخيص في التصرّف فيه؛ بناءً علىٰ عدم تماميّة أصالة الحرمة في الأموال. و لكنّك عرفت منّا إنّها قويّ جريانها، و عليه السيرة العرفيّة و العقلائيّة الشرعيّة بلا شبهة و إشكال «2».

نعم، إذا كان مسبوقاً بالإباحة المطلقة، فإنّه يجري الاستصحاب، فيجوز شربه، و لا يجوز التوضّي به؛ لعدم الأصل المحرز إطلاقه، و في

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 52، فصل في المياه، الماء المشكوك نجاسته، المسألة 4، مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 249، مهذّب الأحكام 1: 272.

(2) تقدّم في الصفحة 250.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 255

العكس بالعكس.

و غير خفيّ: أنّ ما ذكروه و ذكرناه، يجري في الماءين المردّدين بين الإضافة و الغصب، كما لا يخفى.

و ما قد يتوهّم: من أنّ وجه عدم الترخيص في التوضّي تنجيز العلم الإجماليّ هنا؛ لتماميّة شرائطه، و منها كون المعلوم تكليفاً علىٰ كلّ تقدير «1»، فهو فاسد، بل الوجه أنّ الشبهة البدوية من جهة الإضافة مورد المنع، و أنّه لا يجوز و لا يصحّ الوضوء معه، فالعلم

الحادث بعد ذلك لا يورث التنجيز، فتجري أصالة الحلّ في سائر التصرّفات.

نعم، بناءً علىٰ لزوم الاحتياط فيها أيضاً، فهي أيضاً ممنوعة الجريان.

و بعبارة اخرىٰ: من شرائط تأثير العلم الإجماليّ، عدم كون الشبهة غير المقرونة بالعلم مقتضية للاحتياط، فإذا كان الأمر فيما نحن فيه كذلك؛ لعدم جواز الاكتفاء بالتوضّي بالماء المشتبه إضافة و إطلاقاً في الخروج عن التكليف المعلوم؛ و هو الأمر بالوضوء للصلاة و غيرها، فلا يؤثّر العلم في شي ء، كما لا يخفى.

هذا فيما كان إحدى الشبهتين كافية للاحتياط.

و أمّا إذا كانت كلّ واحدة منهما مع قطع النظر عن الاقتران بالعلم كافية، فهو أولىٰ، كما نحن فيه علىٰ مسلكنا؛ من جريان أصالة الحرمة في البدويّات «2»، فما ترى في كتب الأصحاب حول شرح ما في «العروة

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 249.

(2) تقدّم في الصفحة 250.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 256

الوثقىٰ» «1» من التمسّك بالعلم الإجماليّ «2»، في غير محلّه.

إيقاظ: في حكم الوضوء بالماء المردّد

إذا قلنا: بأنّ التوضّي بالمضاف و المغصوب محرّم شرعاً تشريعاً، فلا بدّ من تركه، و إلّا فله ذلك، فلا منع من نفي الجواز التكليفيّ، فإذا توضّأ بالماء المزبور يحدث له العلم الإجماليّ: بأنّه إمّا يكون الأمر بالوضوء باقياً، أو يجب عليه جبران خسارة المالك، و قضيّة الاستصحاب في طرف انحلال العلم حكماً، فتجري البراءة في الطرف الآخر.

و بالجملة: لو سلّمنا وجود العلم الإجماليّ فهو غير منجّز؛ لانحلاله بالأصل الجاري في طرف المثبت للتكليف.

و توهّم: أنّ الاستصحاب لا يورث الانحلال؛ لأنّه من الأُصول المحرزة، فاسد كما تحرّر في محلّه. مع أنّه لا حاجة إليه، بل مقتضىٰ قاعدة الاشتغال بالتكليف تنجّزه، فليتدبّر جيّداً.

ثمّ إنّه ربّما يمكن أن يقال: بصحّة الوضوء؛ لأجل عدم الدليل علىٰ

شرطيّة إباحة الماء، فإذا كان الأمر كذلك، فلك إجراء أصل العدم الأزليّ؛ بجعل مجراه المائع، و المشكوك وصف «الإضافة» مع ضمّ دعوى خفاء الواسطة لإثبات الإطلاق؛ فإنّه إذا تعبّد الشرع بأنّ هذا المائع ليس

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 53، فصل في المياه، الماء المشكوك نجاسته، المسألة 4.

(2) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 249، التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 408، مهذّب الأحكام 1: 272.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 257

مضافاً، يثبت الإطلاق؛ لأنّه ليس وصفاً وجوديّاً.

و أنت خبير بما فيه من الجهات العديدة، و لا أظنّ التزام أحد بذلك التوهّم الذي أبدعناه.

و ربّما يخطر بالبال دعوى: أنّ قاعدة الحلّ كما يرجع إليها لتصحيح الصلاة في الثوب المشكوكة إباحته، و تصحيحِ الوضوء بالماء المشكوكة حلّيته؛ لأنّ «الحلّية» فيها أعمّ من التكليف، يصحّ الرجوع إليها لتصحيح البيع المشكوكة حلّيته و صحّته، و هكذا لتصحيح الوضوء بالماء المشكوك إطلاقه؛ فإنّه إذا ورد: «بأنّه يصحّ الوضوء به» فلا حالة انتظاريّة لأمر آخر حتّى يقال: بأنّه مثبت، فتكون حينئذٍ حاكمة علىٰ دليل شرطيّة الإطلاق، كما تكون قاعدة الطهارة حاكمة.

فبالجملة: إذا أُريد من «الحلّية» ما ينطبق علىٰ عنوان «الصحّة» فيلزم صحّة الوضوء به.

و غير خفيّ: أنّه علىٰ تقدير صحّة المخطور بالبال، يلزم تعارض الأُصول، و يشكل جواز التصرّف و لو للتبريد؛ بناءً علىٰ مسلك القوم في هذه المسألة. و أمّا علىٰ مسلكنا، فقد عرفت ممنوعيّة التصرّف من غير الحاجة إلى العلم الإجماليّ «1».

الفرع الثاني: في تردّد المائع بين النجاسة و الغصب
اشارة

إذا علم إجمالًا: بأنّ هذا المائع نجس، أو مغصوب، فالمعروف

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 250.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 258

المشهور ممنوعيّة الوضوء و الشرب «1»، و الوجه واضح.

و قال في «العروة»: «و القول بأنّه

يجوز التوضّي به ضعيف جدّاً» «2».

و قيل: هو مختار بعض الأعلام، كالشيخ عليّ ابن الشيخ باقر آل «الجواهر» تبعاً للعلّامة الشيخ محمّد طه نجف «3».

و احتاط المحقّق الوالد- مدّ ظلّه في الحاشية «4»، و كأنّه كان يرىٰ قوّة الجواز.

و يحتمل العكس، فيكون الوضوء باطلًا، و لكنّه يجوز شربه. و يحتمل جواز الشرب و الوضوء، كما يأتي وجهه.

و بالجملة: البحث هنا يتمّ في ضمن جهات:

الجهة الاولىٰ: في شربه

و هذا هو المتّفق عليه، سواء قلنا: بأنّ العلم الإجماليّ منجّز، أم لا؛ ضرورة أنّ حرمة ذلك معلومة بالتفصيل.

اللهمّ إلّا أن يقال: هذا غير ممكن؛ لأنّ حرمة النجس غير حرمة شرب المغصوب جعلًا و دليلًا، و لا يرجعان إلى الحرمة الواحدة.

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 52، فصل في المياه، الماء المشكوك نجاسته، المسألة 4، مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 249، مهذّب الأحكام 1: 272.

(2) العروة الوثقىٰ 1: 52، فصل في المياه، الماء المشكوك نجاسته، المسألة 4.

(3) لاحظ التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 408.

(4) العروة الوثقىٰ 1: 52، فصل في المياه، الماء المشكوك نجاسته، المسألة 4، الهامش 4.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 259

نعم، إن قلنا: برجوع العنوان إلى الجهة التعليليّة، يمكن دعوى القطع بالحرمة؛ فإنّ شرب هذا الماء حرام؛ إمّا لأنّه نجس، أو لأنّه مغصوب، فيكون الترديد في العلّة.

و أنت خبير بما فيه؛ فالحرمة معلومة بجنسها تفصيلًا، و بنوعها إجمالًا، و ما هو منشأ الأثر هو الثاني، دون الأوّل.

و علىٰ هذا، يمكن دعوى: أنّ هذا العلم ليس منجّزاً؛ لما مرّ من أصالة الحرمة في الأموال «1»، فتكون الشبهة البدويّة منجّزة، و لا تجري أصالة الحلّية في ناحية الغصب، فتكون قاعدة الطهارة في الطرف الآخر بلا معارض، فيجوز شربه؛ بمعنى أنّه

يجوز شربه ذاتاً، و لا يكون من شرب النجس، و لا يجوز ذلك؛ لأجل أنّه من التصرّف في مال الغير احتمالًا منجّزاً.

و تظهر الثمرة في صحّة الوضوء؛ فإنّها و إن كان تصرّفه فيه بالتوضّي محرّماً، و لكنّه صحيح؛ لعدم تماميّة دليل اعتبار الإباحة في صحّته وضعاً. و لعلّ لمثل ذلك اختار الأعلام عفي عنهم ذلك «2».

و ربّما يخطر بالبال دعوى أن يقال: بأنّ تقدّم المنجّز زماناً و رتبة، كافٍ في إسقاط تأثير المنجّز الآخر مثلًا؛ لما اشتهر: «أنّ المتنجّز لا يتنجّز» و أمّا إذا كان مثل ما نحن فيه فلا؛ ضرورة أنّ العلم الإجماليّ بالنجاسة و الغصبيّة حصل، و لا تكون شبهة الغصبيّة متقدّمة عليه، بل هي من محصّلات العلم، و يكون العلم قائماً بها، فلا وجه لعدم استناد التنجيز إلى

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 250.

(2) العروة الوثقىٰ 1: 113، (طبعة مؤسسة النشر الإسلامي).

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 260

العلم. و مجرّد إمكان أنّ الشبهة كافية، لا يستلزم قصوراً فيه.

نعم، إذا فرضنا أنّه كان يحتمل غصبيّة الماء أوّلًا، ثمّ علم إجمالًا بها و بالنجاسة، فلك دعوى قصوره عن تنجيز جميع الأطراف.

هذا مع أنّ حديث «أنّ المتنجّز لا يتنجّز» ممّا لا برهان عليه؛ لإمكان استناد التنجّز بقاءً إلى العلّتين، لا العلّة الأُولىٰ، و التفصيل في مقامه «1».

ثمّ إنّ قضيّة ما نسب إلى «الحدائق»: من أنّ ما هو الموضوع في خطاب: «اجتنب عن النجس» هو النجس المعلوم «2»، هو أنّه يجوز شرب هذا الماء، و الوضوء به:

أمّا جواز شربه، فلعدم تحقّق موضوعه؛ لا بالعلم التفصيليّ، و لا بالإجماليّ.

و أمّا جواز التوضّي، فلقاعدة الحلّ؛ بناءً علىٰ ما هو المشهور من جريانها في البدويّات.

و بالجملة: لا علم

إجماليّ بالتكليف الفعليّ، حتّى يلزم من جريان الأُصول في الأطراف، مخالفة عمليّة قطعيّة.

الجهة الثانية: في التوضّي به

و قد عرفت: أنّه باطل عند الجمهور، و خالفهم بعض الأعلام «3». و ما

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 7: 186، 192 193 و 505.

(2) الحدائق الناضرة 1: 133 و ما بعدها.

(3) تقدّم في الصفحة 257 258.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 261

يمكن أن يكون وجهاً لذلك أُمور:

أحدها: ما مرّ منّا في الجهة الاولىٰ: من أنّه يصحّ الوضوء، و لا يجوز التصرّف؛ لما تقرّر من إمكان الاجتماع «1».

ثانيها: أنّ المستفاد من الأدلّة، أنّ ما هو الموضوع لخطاب: «لا تتوضّأ» هو المغصوب المعلوم إجمالًا أو تفصيلًا، و عليه لا علم إجماليّ في البين يؤثّر في تنجيز الحكم المعلوم، حتّى يقال: «بأنّ جريان الأُصول في الأطراف، يورث المخالفة القطعيّة» «2» أو يقال: «إنّ مجرّد إمكان اجتماع الأمر و النهي، غير كافٍ لصحّة العبادة؛ لأنّ في خصوص العبادات تكون الغلبة مع جانب النهي، كاشفة عن القيد في المأمور به عرفاً، بل و عقلًا» «3» فإنّ هذه الكلمات من أرباب الفضل حول هذه المسألة، غفلة محضة، فلا تغفل، و لا تخلط.

بل بعد الفراغ عن قبول المبنى المزبور، فهو كمبنى «الحدائق» في النجاسات، فلا تكليف معلوم أصلًا بالنسبة إلى التوضّي، فتكون قاعدة الطهارة من هذه الجهة جاريةً، فيصحّ التوضّي؛ لأنّه بالنسبة إلى المغصوب الواقعيّ لا تكليف قطعاً، لعدم تماميّة موضوعه، نظير العلم الإجماليّ: بأنّه إمّا يجب عليه الأداء في الوقت، أو القضاء خارجه، فإنّه لا يورث التنجيز إلّا علىٰ تقدير ترك الطرف؛ لأنّ موضوع القضاء هو

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 259.

(2) الطهارة (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي 1: 276.

(3) التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 410.

كتاب الطهارة

(للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 262

«الفوت» و إذا أتى بها في الوقت لا يحرز ذلك حتّى يجب، فليتدبّر.

نعم، لو قلنا: بأنّ المبنىٰ فاسد، أو قلنا: بأنّ الموضوع هو المغصوب المنجّز إجمالًا، يمكن دعوى بطلان الوضوء؛ لأنّ حكم الغصب بالنسبة إلىٰ شرب الماء منجّز. بل يلزم الاحتياط علىٰ رأينا حتّى في الشبهة البدويّة، كما عرفت «1». و من هنا يظهر خلط الأعلام، و إطالة الأفاضل حوله بما لا طائل تحته، و كأنّهم ذهلوا عمّا تعلّموه في الأوائل.

ثالثها: أنّ شرطية إباحة ماء الوضوء، غير ظاهرة رأساً، فلو تصرّف فيه بالتوضّي، فإن قلنا: بحرمة جميع التصرّفات، فتكون المسألة من صغريات مسألة اجتماع الأمر و النهي، علىٰ إشكال فيه. اللهمّ إلّا أن يتوضّأ بالاغتراف و الارتماس. و هكذا حكم غسله.

و إن قلنا: بجوازها فلا وجه لبطلانه، كما لا يخفى. و يأتي حكم سائر التصرّفات من ذي قِبَل، إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

و لعلّ وجه احتياط الوالد المحقّق ذلك، لا الذي مرّ آنفاً. كما أنّ وجه فتوى العلمين المذكورين، هو الثاني، علىٰ ما هو المشهور بين أفاضل العصر في النجف الأشرف.

و الذي هو غير خفيّ: أنّ المسألة لا يتفاوت حكمها في مفروض البحث مع ما لو كان هناك ماءان، أحدهما: مغصوب و الآخر: نجس.

نعم، بناءً علىٰ رجوع العلم الإجماليّ إلى التفصيليّ، فهو من خصائص هذا الفرض، دون ذاك، كما يخفىٰ.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 250.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 263

ثمّ إنّه قد يتوهّم بعض الوجوه الرديئة من عدم تنجيز العلم الإجماليّ في المسألة، كما عن «الحدائق» «1» و غيره «2»، و لكنّه في غير محلّه.

الجهة الثالثة: في بيان حكم سائر التصرّفات

و أنّه هل هو جائز، أم لا؟ وجهان:

من أنّ العلم الإجماليّ بالغصبيّة، يورث

تنجّز جميع أحكام الغصب. مع أنّ قضيّة أصالة الحرمة، هو المنع عنه.

و من أنّ العلم الإجماليّ المزبور لا يورث في مورده شيئاً؛ لأنّ التوضّي بالماء النجس، ليس من المحرّمات الشرعيّة، فيرجع ذلك إلى العلم الإجماليّ ببقاء وجوب الوضوء عليه إذا توضّأ به، و حرمة التصرّف، و حيث إنّ قضيّة الاستصحاب بقاء الأمر، ينحلّ العلم بالنسبة إلى الطرف، و تصير النتيجة جواز التصرّف حتّى التصرّف الوضوئيّ، إلّا أنّه لا يصحّ الاكتفاء به.

و الذي عرفت منّا حسب اقتضاء القواعد: حرمة التصرّف، من غير الحاجة إلى العلم المزبور «3»، فتدبّر.

و أمّا توهّم عدم إمكان انحلال العلم بالأصل المحرز، فقد مرّ دفعه

______________________________

(1) الحدائق 1: 517، و لاحظ فرائد الأُصول 2: 408 و 416، فوائد الأُصول 3: 50.

(2) لاحظ دليل العروة الوثقىٰ 1: 221، التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 409.

(3) تقدّم في الصفحة 250 251.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 264

بأنّ قاعدة الاشتغال تكفي له؛ لأنّ وجه الانحلال عدم حدوث التكليف الإلزاميّ بالعلم الإجماليّ، و هو بعد ثبوت التكليف قبل العلم حاصل «1»، فتأمّل جدّاً.

و من عجيب ما سطّر في المقام، توهّم التعارض بين قاعدة الطهارة و الحلّ؛ بناءً علىٰ جريان الأخيرة «2»!! فإنّك خبير: بأنّ المعارضة بين الأُصول في الأطراف عرضيّة، لا ذاتيّة، فيكون وجه ذلك وجود الجامع المناقض للأصلين؛ و هو العلم الإجماليّ بالحكم المخالف مع مفادهما، و حيث لا علم إجماليّ إلّا بالنسبة إلى الشرب، فأيّ معارضة بينهما؟! نعم، بالنسبة إلى التصرّفات الناقلة بناءً علىٰ كون الماء النجس كالأعيان النجسة حكماً يشكل تنفيذها و تجويزها؛ لأنّه يعلم إجمالًا بحرمتها؛ إمّا لأجل نجاسته، أو لأجل مغصوبيّته. و لكن مع ذلك إنشاء المعاملة ليس محرّماً؛

لأنّ إنشاءها علىٰ مال الغير، لا يعدّ من «التصرّف» عرفاً، علىٰ ما تقرّر في الفضوليّ «3».

الجهة الرابعة: في حكم ملاقي المردّد بين الغصب و النجاسة

و قد تعرّض لها شيخنا الأُستاذ الحلّي- مدّ ظلّه، و استظهر فيها أنّ

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 256 257.

(2) التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 410.

(3) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 2: 136، لاحظ تحريرات في الفقه، كتاب البيع، الشرط الرابع من شرائط المتعاقدين، الوجه العقلائي لبطلان الفضولي.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 265

ملاقي هذا الماء المشتبه، طاهر علىٰ جميع التقادير «1».

و أنت خبير بما فيه؛ لأنّه كملاقي الشبهة المحصورة بناءً علىٰ تنجيز العلم الإجماليّ بالنسبة إلى الطرفين، و عدم جريان أصالة الحرمة، و سقوط أصالة الحلّ بالمعارضة، لأنّه بعد الملاقاة يعلم إجمالًا بنجاسة الملاقي بالكسر أو حرمة التصرّف في الملاقى بالفتح و هذا العلم الثاني محلّ البحث تنجيزه، فمن قال: بأنّ حديث «أنّ المتنجّز لا يتنجّز» لا أصل له؛ لإمكان استناد تنجّز الملاقى بالفتح بقاءً إلى العلّتين، يقول: بسقوط الأصل الجاري في الملاقي بالكسر فلا تغفل.

ثمّ إنّ قضيّة بعض المباني طهارة الملاقي هنا، و إن كانت نجاسته متعيّنة في المحصور بالنجس، و ذلك بناءً علىٰ ما نسب إلى «الحدائق» من أخذ قيد العلم في موضوع وجوب الاجتناب، كما أشرنا إليه سابقاً «2».

الجهة الخامسة: هل يكتفي بالتطهير به أم لا؟

في جواز الاكتفاء بالتطهير به و عدمه وجهان، يظهران ممّا سبق.

و الذي يختصّ بهذه الجهة: أنّه بناءً علىٰ جريان قاعدة الطهارة من هذه الحيثيّة لعدم تنجيز العلم زائداً على الحكم المشترك بين الطرفين لا يمكن إحراز المطهّرية بها، كما سبق منّا في المباحث السابقة. و استصحاب النجاسة فيما يتطهّر به محكّم.

______________________________

(1) دليل العروة الوثقىٰ 1: 230 231.

(2) تقدّم في الصفحة 260.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 266

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ العرف و العقلاء و الشرع، علىٰ ثبوت

الملازمة في الماء بين الطهارة و المطهّرية، و كأنّ المطهّرية من آثار الطهارة الأعمّ من الواقعيّة، و من الممكن إجراء استصحاب المطهّرية التي هي من آثاره الطبيعيّة.

و أنت خبير بما فيه؛ لانقطاع صفة «المطهّرية» شرعاً بزوال الطهارة.

نعم، إذا كانت حالته السابقة هي الطهارة، فإجراء الأصل لإحراز المطهّرية- لأنّها من الأوصاف الجعليّة المعتبرة في الماء؛ باعتبار الأحكام و الآثار الخاصّة ممكن، سواء رجعت إلىٰ أمر تعليقيّ، أو كانت أمراً فعليّاً منجّزاً.

الفرع الثالث: في حكم ضمان المردّد عند التصرّف

لو تصرّف في أحد المشتبهين بالغصبيّة، أو في أحد المشتبهين بالنجاسة و الغصبيّة، أو في المردّد بين النجاسة و الغصبيّة، فهل عليه الضمان؟

أو لا يكون عليه شي ء إلّا بعد العلم: بأنّ ما استعمله هو المغصوب، كما هو مختار الأكثر «1»؛ معلّلين: بأنّ تنجيز الغصب بحسب الأحكام التي موضوعها «الغصب» لا يستلزم تنجيز سائر الأحكام التي موضوعها «إتلاف

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 54، فصل في المياه، الماء المشكوك نجاسته، المسألة 12، التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 434، مهذّب الأحكام 1: 278.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 267

مال الغير و التصرّف فيه» و أمثاله ممّا لا يتحقّق بذلك العلم الإجماليّ «1»؟

أو يقال: بالتفصيل، كما عن بعض الأعلام؛ فإنّه إن كان العلم الإجماليّ متقدّماً على الاستعمال و التصرّف، لا يحكم عليه بالضمان، و إن كان بعده يحكم عليه بالضمان؛ لأنّه يعلم إجمالًا بحرمة التصرّف في الطرف، و بالضمان لأجل التصرّف في الآخر، و لا أصل في أحد الطرفين حتّى ينحلّ به العلم «2»؟ هذا نظير العلم الإجماليّ الحاصل بعد الملاقاة، و بعد انعدام الملاقى بالفتح.

فالمسألة بناءً علىٰ هذا، ذات احتمالات ثلاثة: الضمان مطلقاً، و عدمه مطلقاً، و التفصيل بين صور المسألة. و ما هو الوجه

للضمان مطلقاً، ما مرّ منّا من جريان أصالة الحرمة؛ و أنّ الاحتمال منجّز «3».

نعم، جواز أخذ الطرف بعنوان الدين مشكل، بل ممنوع؛ لأصالة الحرمة في ذلك أيضاً، فلا بدّ من التصالح، أو يجب على المتصرّف إرضاء من يحتمل مالكيّته علىٰ أيّ تقدير؛ حذراً من العقوبة المنجّزة، فلا تخلط، و لا تغفل.

ثمّ إنّ من الممكن توهّم انحلال العلم الإجماليّ بالضمان و الحرمة بإجراء استصحاب عدم تحقّق سبب حلّية التصرّف في الباقي، فتبقىٰ أصالة البراءة بالنسبة إلى الضمان، سليمةً عن المعارض.

______________________________

(1) التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 434.

(2) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 267.

(3) تقدّم في الصفحة 250 251.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 268

و أنت خبير: بأنّ هذا خلف المفروض في المسألة؛ و هو حرمة التصرّف عند الشكّ، فإنّ بناءها علىٰ جريان أصالة الحلّ في المشكوكة إباحته، كما مضى في أوّل البحث «1».

هذا مع أنّ هذا الاستصحاب في الماء التالف يجري، و ثمرته ضمانه، فليتدبّر.

و من العجب توهّم: أنّ الماءين المشتبهين إن كانا تحت اليد، يكون تلف كلّ واحد منهما مورثاً للضمان؛ لأنّ التالف إن كان للغير يجب دفع قيمته، و إن كان الباقي للغير يجب عليه الردّ!! و أنت خبير: بأنّ هذا ليس لأجل قاعدة اليد كما توهّمه، بل هو لأجل العلم الإجماليّ. مع أنّه فيما نحن فيه مثليّ لا قيميّ، فإذا علم إجمالًا: بأنّ الماء المستعمل إمّا للغير، فيكون ضامناً، أو الموجود للغير، فيجب الردّ، فيحتاط بردّ الموجود بعنوان قابل للانطباق علىٰ أداء المثل إن كان الواجب عليه المثل، و علىٰ أداء العين، فلا تغفل.

و الذي هو المحرّر صناعة: أنّ الضمان ثابت علىٰ جميع التقادير؛ لعدم فرق بين سبق العلم و لحوقه، لما

مرّ مراراً: أنّ المتنجّز بقاءً يستند إلى العلم الحادث، سواء كان الماء المستعمل تالفاً كلّه، أو كان مقدار منه باقياً.

مع أنّه في صورة تلف الكلّ، لا يبقى العلم الأوّل، و يكون العلم الثاني سبباً لتنجيز الحكم في الطرف، و إلّا فيجري الأصل بلا شبهة عندنا.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 254 255.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 269

فبالجملة: إذا علم إجمالًا بغصبيّة أحد الإناءين، فتصرّف في الماء، و تلف الماء كلّه، فلا يبقى علم بالتكليف؛ لعدم إمكان الخطاب بالاجتناب عن المعدوم فعلًا، فيصير الطرف الآخر مجرى الأصل، بخلاف ما إذا كان التالف ذا أثر شرعيّ كالنجاسة و الضمان، فإنّه بعد ذلك يعلم إجمالًا بضمانه، أو حرمة التصرّف في الآخر، و هذا واضح جدّاً.

و هذا إذا كان الماء كلّه تالفاً بالاستعمال و التصرّف.

و لو بقي منه شي ء، فإن قلنا: بإمكان استناد تنجّز التكليف في الطرف الآخر بقاءً إلى العلم الثاني، فيحصل أثره بالنسبة إلى الملاقي و الضمان. و هذا هو الأقوىٰ في نظري حسب الصناعة العلميّة.

و أمّا حكم المسألة حسب النظر الفقهيّ، فهو الضمان أيضاً؛ لأصالة الحرمة كما عرفت تفصيلها «1». و ليس هذا إلّا ضمان الاحتياط؛ بمعنى تنجّز التكليف عليه، لا أنّه ضامن؛ بمعنى جواز التقاصّ منه، كما لا يخفى.

ثمّ إنّه غير خفيّ: أنّ العلم الإجماليّ المزبور، لا يأتي في المردّد بين الغصبيّة و النجاسة؛ لانحلاله كما مضى تفصيله «2».

و إجماله: أنّه بعد استعمال الماء، يعلم إجمالًا: بأنّه إمّا يجب عليه غسل الأعضاء أو يجب عليه أداء الدين، و لكنّك تعلم أنّ غسل الأعضاء ليس من التكليف النفسيّ، فيرجع إلى بقاء الأمر بالنسبة إلىٰ ما اشترط

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 250.

(2) تقدّم في الصفحة 256.

كتاب

الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 270

به الطهارة، و هو قضيّة الأصل و قاعدة الاشتغال، فتجري البراءة في الطرف الآخر.

و الحمد للّٰه أوّلًا و آخراً، و ظاهراً و باطناً، و قد تمّ ما يتعلّق بهذه المباحث يوم الاثنين من شهر ربيع الأوّل من السنة 1389 في النجف الأشرف، علىٰ صاحبها آلاف التحيّة و السلام.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 271

المبحث الثالث عشر في الأسآر

اشارة

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 273

تمهيد

اعلم: أنّ المراجعة إلى كتب العامّة و الخاصّة قديماً و جديداً، و النظرَ في أخبار المسألة الواردة من طرقنا و من طريق الآخرين، و التدبّر حولها حقّ التدبّر و التفكّر، يعطي سقوط هذا البحث؛ و أنّه لا وجه لإطالة الكلام حول مفهوم «السؤر» سعةً و ضيقاً كما ترى، و لا في خصوصيّات المسألة من أسآر الحيوانات المختلفة؛ ضرورة أنّ الشواهد القطعيّة في المآثير المرويّة عن الأئمّة الأطهار عليهم صلوات اللّٰه المتعال قائمة و ناهضة علىٰ أنّ هذه المسألة من صغريات بحث انفعال الماء القليل؛ و أنّ هذه الروايات سيقت مساق تلك المسألة:

فما كان من الحيوانات النجسة، يكون سؤره نجساً. و لا يلتزم القائل بعدم انفعال الكرّ بانفعال سؤر هذا الحيوان؛ إمّا لأجل قصور الدليل، أو لأجل عدم صدق «السؤر» على الكثير.

و ما كان من الحيوانات الطاهرة، يكون سؤره طاهراً.

و ممّا يأتي من الشواهد في الأخبار يعلم: أنّه لا يمكن التفكيك بين حكم انفعال القليل و حكم هذه المسألة؛ من جهة لزوم الاجتناب علىٰ

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 274

تقدير القلّة، و عدم لزومه علىٰ تقدير الكثرة. فإطالة البحث حول مفهوم «السؤر» ينحصر ثمرته بفهم مواقف كراهية الاستعمال، و هو عندي غير مهمّ جدّاً.

و أمّا ذهاب مثل «المبسوط» و «السرائر» و «المهذّب» «1» إلىٰ إنكار الملازمة بين طهارة الحيوان، و جوازِ استعمال سؤره، حيث منعوا استعمال سؤر ما لا يؤكل لحمه من الحيوان الحضر غير الآدميّ و الطيور، إلّا ما لا يمكن التحرّز عنه، كالهرّة و الفأرة و الحيّة، بل عن الحلّي (رحمه اللّٰه) التصريح بنجاسته «2»، معلّلين: بمفهوم رواية عمّار بن موسى «3»،

و صحيحة ابن سِنان «4»، فهو ممّا لا يمكن الإصغاء إليه بالضرورة، بعد ما ورد النصّ بنفي البأس، كما هو الواضح عند الكلّ.

و بالجملة: إمكان الالتزام بالتفكيك غير كافٍ، بعد أن تكون الأخبار ناظرة إلىٰ تلك المسألة.

و ممّا يمكن أن يتوهّم: الالتزام بنجاسة الكرّ؛ لصدق «السؤر» عليه، و إمكان الالتزام بنجاسة الجمادات الباقية؛ لشمول المفهوم لها كما لا يخفىٰ، فتأمّل. مع اقتضاء مفهوم «السؤر» ذلك.

______________________________

(1) المبسوط 1: 10، السرائر 1: 85، المهذّب 1: 25.

(2) التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 438، السرائر 1: 85.

(3) الكافي 3: 9/ 5، وسائل الشيعة 1: 230، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 4، الحديث 2.

(4) الكافي 3: 9/ 1، وسائل الشيعة 1: 231، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 5، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 275

و لكنّه غير صحيح، فلا وجه لإحداث البحث حول هذه المسألة. و كان ينبغي ذكرها طيّ مباحث انفعال القليل؛ بأنّه لا يفرّق بين أنحاء الملاقاة، و عدم انفعال الكرّ كذلك.

شواهد علىٰ سقوط بحث الأسآر

و أمّا الشواهد من المآثير الدالّة علىٰ ما أبدعناه في المسألة، و اعتقدنا سقوطها لأجلها، فهي كثيرة:

فمنها: ما مرّ من اتفاقيّة الحكم بالطهارة إذا كان سؤر الحيوان الطاهر، و اتفاقيّة الحكم بالنجاسة إذا كان سؤر النجس «1». و المسائل الخلافيّة في السؤر من حيث الطهارة و النجاسة في مثل المسوخ، فهو لأجل الخلاف في نجاستها و طهارتها، و لذلك ادعي الإجماع علىٰ طهارته إذا قلنا بطهارة المسوخ «2».

و منها: التعليل الوارد في معتبر الفضل أبي العباس «3»، و معتبر معاوية بن شريح «4»؛ في النهي عن سؤر الكلب: بأنّه «رجس نجس».

و منها: التعليل الوارد في معتبر ابن مسلم في طهارة سؤر السِّنَّوْر

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 273.

(2) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 271.

(3) تهذيب الأحكام 1: 225/ 642، وسائل الشيعة 1: 226، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 1، الحديث 4.

(4) تهذيب الأحكام 1: 225/ 647، وسائل الشيعة 1: 226، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 1، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 276

بأنّه «إنّما هي من السباع» «1» فإنّه ليس تعليلًا بسبعيّته، بل هو تعليل بأنّه من الحيوانات الطاهرة؛ فإنّ السباع منها، و هو من السباع. و مثله غيره.

و منها: معتبر عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) المشتمل علىٰ ترخيص السؤر من الطير ..

إِلىٰ أن قال: «كلّ شي ء من الطير يتوضّأ ممّا يشرب منه، إلّا أن ترى في منقاره دماً، فإن رأيت في منقاره دماً، فلا توضّأ منه، و لا تشرب» «2».

فإنّه كالنصّ في أنّ المسألة دائرة مدار حكم الحيوان الملاقي للماء، سواء كان اللّقاء بالفم أو غيره، و سواء كان ذلك يعدّ «سؤراً» أم لا يعدّ، بل المناط علىٰ أمر واحد؛ و هو عدم ملاقاته للنجاسة، لعدم خصوصيّة للدم، و للطائر، و لا لمنقاره بالضرورة.

و منها: ما ورد منه و هو مثله، فراجع الباب الرابع، و سائر الأبواب المتفرّقة المتضمّنة لأخبار هذه المسألة من «الوسائل» «3».

و منها: ما ورد في طريقنا عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال: «قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): كلّ شي ء يجترّ فسؤره حلال، و لعابه حلال» «4».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 225/ 644، وسائل الشيعة 1: 227، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 2، الحديث 3.

(2) الكافي 3: 9/ 5، وسائل الشيعة 1: 230، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 4، الحديث 2.

(3)

وسائل الشيعة 1: 228، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 2، الحديث 4 و 6، و الباب 5، الحديث 5، وسائل الشيعة 3: 413 414، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 11، الحديث 1 و 3.

(4) تهذيب الأحكام 1: 228/ 658، وسائل الشيعة 1: 232، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 5، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 277

فإنّ المراد من «الاجترار» علىٰ ما أفهم، هو الرعي، و هو كناية عن الحيوانات الطاهرة. و توهّم أنّ الخنزير أيضاً يرعىٰ، فهو إمّا ممنوع صغرى، أو خارج عنه للنّص.

و بالجملة: هي ناظرة إلىٰ أنّ المناط علىٰ طهارة الشارب و نجاسته، فتأمّل.

و يحتمل أن يراد من «الاجترار» ما يعبّر عنه بالفارسيّة «نشخوار».

و منها: و هو كالنصّ، ما رواه العيص بن القاسم في الصحيح في مسألة سؤر الحائض، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «لا توضّأ منه، و توضّأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة، ثمّ تغسل يديها قبل أن تدخلهما الإناء» «1».

فإنّ التقيّد المزبور، أحسن شاهد علىٰ أنّ حكم هذه المسألة، ناشئ عن أمر آخر، و لا خصوصيّة لها. و في هذا الباب و هو الباب السابع بعض ما يؤيّد مسلكنا، فراجع «2».

و منها: المآثير الواردة في الباب الثامن، الناطقة بالنهي عن التوضّي بما بقي من سؤر الحائض، مع الترخيص في جواز شربه، و فيها مع التقييد المذكور في السابق ما يجوّز التوضّي أيضاً «3».

و لعلّ النهي عن التوضّي إذا لم تكن مأمونة، لأجل أنّه إذا تذكّر

______________________________

(1) الكافي 3: 10/ 2، وسائل الشيعة 1: 234، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 7، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 1: 234، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 7.

(3) وسائل الشيعة 1:

237 238، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 8، الحديث 5 و 9.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 278

نجاستها يشكل الأمر عليه؛ للزوم الإعادة، بخلاف الشرب.

فبالجملة: مع هذه الشواهد يحصل القطع: بأنّ هذه المسألة كمسألة الاستنجاء ساقطة، و كما أنّ تلك المسألة من صغريات بحث الغسالة، كما عرفت منّا تحقيقه «1»، كذلك هذه المسألة من صغريات مسألة انفعال القليل «2»، و لا أظنّ من يقول كالفيض مثلًا بعدم انفعال القليل بانفعاله هنا، بل الحكم عند الطرفين على حدّ سواء؛ لأنّ علّته سواء.

إيقاظ: في عدم دلالة رواية الوشاء على خلاف ما أبدعناه

في الباب الثالث رواية عن الوشّاء، عمّن أخبره، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أنّه كره سؤر ولد الزنا، و سؤر اليهوديّ و النصرانيّ و المشرك، و كلّ من خالف الإسلام، و كان أشدّ ذلك عنده سؤر الناصب «3».

فإنّها ظاهرة في خصوصيّة للمسألة، و لا سيّما مع ذكر ولد الزنا؛ فإنّه طاهر.

و لكنّك تعلم: أنّ الرواية مع إرسالها، غير معمول بها، و ليس ذلك إلّا لأجل أنّ ولد الزنا طاهر، فكيف يكون سؤره نجساً؟! و يمكن حمل «الكراهة» على الأعمّ، فافهم.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 129 و 140.

(2) الوافي 6: 18 19.

(3) الكافي 3: 11/ 6، وسائل الشيعة 1: 229، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 3، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 279

فتحصّل إلىٰ هنا: أنّ هذه المسألة ليست ذات خصوصيّة، حتّى يمكن التجاوز بأخبارها عن مفاد روايات الكرّ منطوقاً و مفهوماً، فإنّه ليس لأحد دعوى حرمة سؤر طاهر العين، و لا لأحد دعوى نجاسة سؤر نجس العين و إن كان كرّاً، و لذلك ترى أنّ أخبار هذا الباب، مأخوذة من روايات الأبواب الأُخر، فطائفة منها من أخبار مسألة انفعال

القليل، و طائفة منها من روايات مسألة نجاسة كذا و كذا و هكذا، فراجع و تأمّل حقّه، و ثالثة منها مأخوذة من أخبار تدلّ علىٰ طهارة جماعة من الحيوانات و الحشرات و المسوخ.

نعم، لهذه المسألة خصوصيّة؛ و هي كراهة سؤر بعض الحيوانات، دون بعض، و حيث أنّ الكراهة في هذه المسألة كالكراهة في مسألة منزوحات البئر، ترجع إلىٰ بيان الآداب و النظافة، و لا أظنّ كونها من المكروهات أو المستحبّات الوارد فيها النهي أو الأمر المولويّ التنزيهيّ أو الاستحبابيّ، فلا حاجة إلىٰ إطالة البحث تارة: حول مفهوم «السؤر» و أُخرى: حول خصوصيّات المسألة، فافهم و اغتنم، و كن علىٰ بصيرة من أمرك.

تنبيه: في المراد من كراهة سؤر الحائض و شمولها للمتهم

لا يبعد دلالة الأخبار الكثيرة الواردة في ترخيص الشرب من سؤر الحائض دون التوضّي «1»، علىٰ أنّ «الكراهة» المقصودة فيها هي

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 236، كتاب الطهارة، أبواب الأسآر، الباب 8.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 280

الكراهة الشرعيّة. و غير خفيّ أنّ ذلك حسب ما يستظهر من الأخبار لا يختصّ بسؤر الحائض، بل هو حكم مطلق ما يباشره المتهم و غير المأمون كما لا يخفى، فعليه أيضاً لا تصل النوبة و لا تمسّ الحاجة إلى البحث عن مفهوم «السؤر» لعدم اختصاصه بحكم معيّن، فليتدبّر.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 281

المقصد الثاني في النجاسات و أحكامها

اشارة

و البحث حولها يقع في مقامين:

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 283

و قبل الورود فيهما لا بأس بالإشارة إلىٰ مقدّمة

مقدمة

اشارة

و هي مشتملة علىٰ نكات:

الاولى: في بيان حقيقة الطهارة و النجاسة العرفيتين

لا شبهة في أنّ النجاسة و الطهارة، ليستا مندرجتين تحت إحدى المقولات الواقعيّة بعنوانهما، كما هو الظاهر علىٰ أهله، و ليستا من الأُمور الاعتباريّة المحضة؛ بحيث اعتبرها العقلاء سياسةً تحفّظاً علىٰ نظام مدنهم و ثبات معاشهم، و تحرّزاً عن الوقوع فيما يورث الهلكة و الاختلال، و الهرج و المرج و الوبال، كالملكيّة و السلطنة و المبادلة و أمثالها، و إن كانت لها مصاديق واقعيّة بحسب المفاهيم الأوّلية؛ حسب ما تقرّر منّا في الأُصول من الضابطة الكليّة. علىٰ أنّ كلّ أمر اعتباريّ مأخوذ من الأمر الواقعيّ الخارجيّ.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 284

فهما من العناوين الانتزاعيّة، و منشأ الانتزاع موافقة الطباع و تنفرها، و ربّما تختلف الأعصار و الأمصار في ذلك؛ حسب اختلاف الأنام في المعاش و الأحكام، كما نجد ذلك واضحاً بين أهل النجف و العراق الذي هو عندنا مرحاض الشرق، و بين أهل الغرب، فلا يمكن دعوى أنّ النجس هو القذر العرفيّ المتنفّرة عنه طباع الناس بنحو العموم و الكلّي.

فبالجملة: النجاسة العرفيّة و الطهارة و النظافة العرفيّتين، ما هي الموافقة للطبع، و المخالفة له المختلفة بحسب الأزمنة و الأمكنة، و ليستا علىٰ هذا أمرين وجوديّين إذا لوحظا في ذاتهما، و هما أمران وجوديّان إذا لوحظا قياساً إلىٰ منشأ الانتزاع؛ و هو تنفّر الطبع، و ملائمة الطبع و مساعدته.

و ربّما يمكن تصوير الحدّ الوسط في هذه الملاحظة؛ و هو ما لا يلزم منه التنفّر و لا الالتذاذ، كنوع الأشياء، فإنّها لا يطلق عليها «النظيف» حسب مرتكزنا؛ فإنّ «النظيف» ما يلتذّ منه الطبع، و لا مشاحّة في ذلك.

و إطلاقهما على الروحيّة السالمة و الخبيثة، ليس للوضع الأوّلي، بل هو

في الابتداء كان بالتوسّع، حتّى صار أحياناً مندرجاً في الموضوع له. و إذا لاحظناهما بالقياس إلى النفوس البشريّة فهما وجوديّان أيضاً؛ لأنّ صفاء النفس ليس عدم تلوّثها بالقذارة؛ فإنّ صفاء نفس الصبيّ غير صفاء نفس النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم).

و توهّم: أنّهما من الأُمور التكوينيّة في هذه النظرة، في غير محلّه، كما لا يخفى على الدقيق البصير.

و من هذه الأساطير، و من التدبّر فيها، تظهر مواقف الاشتباه في كلمات

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 285

القوم (رحمهم اللّٰه) حتّى الوالد المحقّق- مدّ ظلّه «1».

الثانية: في حقيقة الطهارة و النجاسة الشرعيّتين

اختلفت كلمات الأعلام و آراء الأفاضل في الطهارة و النجاسة الشرعيّتين، فالمعروف عن الشيخ الأعظم: أنّها من الحقائق المكنونة، كشف عنها الشرع الأقدس «2».

و لا أظنّ أن يرخّص أحد نسبة ذلك إلىٰ مثله، و لو كان منه فهو الخطأ الواضح، كيف؟! و أنّ السنخيّة معتبرة في العالم بين الأشياء المرتبط بعضها ببعض، فلو كان الأمر كذلك، يلزم كون الارتداد علّة لتحقّق النجاسة الواقعيّة، و الإسلام علّةً للطهارة الكذائيّة، و غسل الميّت سبباً لزوال عين النجاسة الواقعيّة، و هكذا ممّا لا يمكن أن يُلتزم به. و مجرّد بعض التسويلات الواهية لإثبات السنخيّة، أو إيجاد احتمالها، غير كافٍ كما لا يخفىٰ.

و المشهور عن جماعة: أنّها من الأُمور الاعتباريّة الجعليّة «3»، إلّا أنّ سبب الجعل مختلف:

فتارة: يجعل النجاسة و الطهارة مستقلّتين.

و أُخرى: تبعاً للحكم، فتكونان منتزعتين من الأوامر و النواهي الواردة

______________________________

(1) الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 3.

(2) فوائد الأُصول 4: 401، منتهى الأُصول 2: 403، مصباح الأُصول 3: 84.

(3) فوائد الأُصول 4: 401، الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 7، مصباح الأُصول 3: 85.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى

الخميني)، ج 2، ص: 286

في الشريعة المقدّسة.

و لذلك ترى في المآثير و الأخبار «1» بل و الكتاب جعلها مستقلا، و تبعاً، من غير لزوم إشكال؛ لما تقرّر في محلّه: من إمكان ذلك بلحاظ الأثر المقصود «2».

ففي مثل الأبوال و الأرواث و المنيّ مثلًا و غيرها، تكون مجعولة بالعرض، و في مثل الكلب و الخنزير و المرتدّ و غيرها، مجعولة بالذات. و الكلّ يرجع إلىٰ أمر واحد؛ و هو جعليّتهما كما لا يخفىٰ.

و المسطور في كتاب الوالد المحقّق هو التفصيل؛ بأنّ القذارات علىٰ قسمين:

طائفة منها عرفيّة لا تحتاج إلى الجعل، و هي ما يتنفّر منه الطبع.

و طائفة منها ملتحقة بها موضوعاً، كنجاسة الكفّار و الخمر و الكلب.

و ربّما يستثني الشرع طائفة من النجاسات العرفيّة، كالوذي و المذي و النخامة موضوعاً، أو حكماً «3».

هذا من غير حاجة إلى التثبّت بالجعل في الاولىٰ. مع أنّ مناشئ هذه المجعولات بحسب السياسة مختلفة، كما هو الظاهر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 404 405، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 1 و 2 و 3، و 415 416، الباب 12، الحديث 2 و 6، وسائل الشيعة 18: 443، كتاب الصلح، أبواب الصلح، الباب 3.

(2) تحريرات في الأُصول 8: 429 432.

(3) الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 3.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 287

أقول: هذه الأقوال كلّها غير قابلة للتصديق، و خالية عن التحقيق؛ ضرورة أنّ ما هو النجس في الشرع هو البول و العذرة، سواء تنفّر عنه الطباع، أو رغبت فيها النفوس، كما في العراق أحياناً، فليس التنفّر علّة، بل هو ربّما كان نكتة في بدو التشريع.

ثمّ إنّ ما هو تحت إرادة الشرع و سلطانه، ليس إلّا الأمر و النهي،

و لو كان في رواية: «إنّ الشي ء الكذائي نجس» فلا يريد منه إلّا انتقال الناس منه إلىٰ ما هو حكم القذر عندهم؛ من التجنّب، فلا يجعل النجاسة لا مستقلا، و لا تبعاً، بل هذه الاستعمالات الكثيرة، كلّها توسّعات لانتقال النفوس و الأُمّة الإسلاميّة إلىٰ ما هو المقصود الجدّي؛ و هو التجنّب، من غير التدخّل في أمر خارج عن حكومته و سلطنته.

و مجرّد تنفّر الطباع التابعة للشريعة المقدّسة؛ بالتلقينات الكثيرة الموروثة عن الآباء و الأُمّهات، لا يكفي لكونها من الجعل، و إلّا يكون هو جعلًا تكوينيّاً، كما ليس يخفىٰ.

فهذا المجعول التكوينيّ معلول تلك المجاعيل الاعتباريّة؛ من الأمر و النهي، و قد تقرّر منّا: أنّ الأُمور الاعتباريّة في كلّ آنٍ و حين، منشأ للمقاصد الواقعيّة التكوينيّة «1»، فلا تخلط.

فعلى ما تقرّر، النجاسة و الطهارة مخصوصتان بالعرف و اللّغة، و لا يوصفان بالشرع رأساً، حتّى يقع النزاع في معناهما بعد تسلّم التوصيف، بل

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 1: 275 276.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 288

التوصيف على التوسّع و المجاز بالوجه المحرّر في مقرّه «1».

فعلى هذا يقال: إنّ ما اشتهر «من أنّ النجاسات مثلًا عشرة» معناه أنّ ما يجب الاجتناب عنه في مواقف معلومة عند الشرع عشرة، و يكون التوصيف للانتقال إلى الأحكام العقلائيّة المشتركة مع بعض الأحكام الشرعيّة في بعض النجاسات، كما في المجازات، فقولهم: «الكافر نجس» كقولنا: «زيد أسد» و لا يكاد ينقضي تعجّبي من غفلة المدقّقين عن هذه المسألة، فوقعوا فيما لا يعني!! و إن كان ذلك منهم ليس بعجيب.

فبالجملة: بعد ما عرفت أنّ الطهارة و النجاسة العرفيّتين ليستا اعتباريّتين محضاً، فهما في الشرع ليستا من الانتزاعيّتين؛ للزوم الاقتصار علىٰ حال التنفّر، و

هو واضح المنع، و لا من الاعتباريّة؛ لأنّ الاعتباريّة بيد المعتبرين و الآمِر، دون الشرع؛ فإنّه خارج عن سلطانه.

نعم، بعد الأمر و النهي، ربّما يحصل التنفّر التكوينيّ، و هو خارج عن الاعتبار.

و من هنا يظهر مواقف الاشتباه صدراً و ذيلًا في كلمات الأعلام (قدّس سرّهم).

و من ذلك البيان الذي علّمناكم، ظهر أنّ مناشئ الأحكام السلبيّة المخصوصة بالنجاسات، مختلفة، إلّا أنّها نكت، لا علل؛ فالقاذورات العرفيّة و المنفورات الطبعيّة، تكون فيها علّة الاجتناب واضحة أكلًا و شرباً، لا علّة الاجتناب عنها في الصلاة و الطواف، و لا عن ملاقيها حتّى في الشرب و الأكل؛ علىٰ وجه لا يكون مع الجزء الملاقي جزء منها. و في

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 1: 144 146.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 289

الخمر و الكافر و المشرك و المرتدّ و عرق الجنب عن حرام- بناءً علىٰ نجاسة الكلّ تكون علّتها سياسيّة، و هكذا الدم.

و ربّما لا يمكن الاطلاع علىٰ جهتها، كما في الدم و الميتة، و أمثالهما ممّا لا يساعد عليه العرف. و ربّما تكون المضرّات النفسانيّة أو المزاجيّة و الروحيّة، مورثة لذلك، فلا يتمكّن عقل الإنسان من الاطلاع على الأحكام الصادرة عن بيوت الوحي و التنزيل، الراجعة إلى الربّ الجليل.

الثالثة: هل النجاسة من الأُمور المشكّكة؟

بناءً علىٰ ما سلكناه: من أنّ النجاسات الشرعيّة ليست من الأُمور الاختراعيّة، و لا الوضعيّة الجعليّة الاعتباريّة، و لا الانتزاعيّة، و يكون إطلاق «النجس» علىٰ شي ء كإطلاق «الأسد» على الرجل الشجاع من الادعاء و المجازيّة، تندفع شبهة ترد علىٰ بعض المسالك: و هي أنّه قد ورد في بعض المآثير مثلًا: «إنّ ناصبنا أهلَ البيت أنجس من الكلب» «1» و الأُمور الاعتباريّة لا تجري فيها التشكيكات العامّية، و لا

الخاصّية، و لا تقبل الاشتداد و الضّعف.

وجه الاندفاع: أنّ المراد من هذا التعبير هو الانتقال إلى اشتداد الحكم فيهم؛ و أنّ الاجتناب هناك أقوى مثلًا من الحكم في الكلب، فكما أنّ في القذارات العرفيّة التي هي أُمور انتزاعيّة، مراتبَ عرفيّة، و يكون تنفّر

______________________________

(1) علل الشرائع: 292، وسائل الشيعة 1: 220، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف، الباب 11، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 290

الطبع من النخامة أكثر من البول مثلًا، و من الكلب العقور أكثر من الخنزير، كذلك الشرع لانتقال الأُمّة الإسلاميّة إلىٰ هذه النكتة استعمل أفعل التفضيل لإفادة ذلك.

هذا، و قضيّة ما تحرّر منّا في محلّه: أنّ الأُمور الاعتباريّة تسري فيها المراتب الشديدة و الضعيفة، إلّا أنّ الاشتداد و الضّعف فيها، ليس من الاشتداد التكوينيّ، بل هو أيضاً اعتباريّ من سنخ الطرفين، فقولهم: «الملكيّة الشديدة و الضعيفة» شاهد علىٰ ذلك، و إن كان في صغرى المسألة إشكال، تفصيله في محلّه.

و مثلها السلطنة المطلقة، في قبال ما يقال: «لفلان السلطنة الضعيفة» أو يقال: «لفلان سلطنة ما علىٰ أمر كذا».

و هذا التشكيك عامّي باعتبار الآثار و الأحكام، لا بمعنى أنّ في نفس هذا المفهوم الاعتباريّ اشتداداً و ضعفاً؛ فإنّه غير مقصود للقائل به، فلا تخلط.

و ليس بخفيّ علىٰ أهله: أنّ التشكيك بأقسامه من خواصّ الأُمور الخارجيّة، و لا يسري إلى المفاهيم، و لو قيل أو سمع ذلك في بعض كتب الفضلاء، فهو لعدم اطلاعهم على المبادئ العلميّة المقرّرة عندنا في القواعد الحكميّة «1».

و ممّا يشهد و يدلّ على اعتبار الاشتداد فيها: اختلاف أحكامها في الغسل بحسب المرّة و التكرار، فإنّه لا بدّ أن يلتزم بأنّ النجاسة تصير بعد

______________________________

(1) القواعد الحكمية للمؤلف

(قدّس سرّه) (مفقودة).

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 291

الغسلة الأُولىٰ، أخفَّ و أقلّ، و إلّا يلزم إمّا لغويّة الغسالة الأُولىٰ، أو الثانية، كما لا يخفىٰ.

الرابعة: الثمرات المترتّبة على اختلاف المسالك في الطهارة و النجاسة

تظهر ثمرات عديدة على اختلاف المسالك المشار إليها في الطهارة و النجاسة و نواحيها:

مثلًا: على القول بأنّهما من الأُمور الواقعيّة التي كشف عنهما الشرع الأقدس، لا يمكن اختيار مقالة صاحب «الحدائق» من أخذ العلم في موضوع دليل وجوب الاجتناب «1»؛ ضرورة أنّه يلزم كون الشي ء الواحد نجساً و طاهراً، باختلاف حالتي العلم و الجهل بالنسبة إلىٰ شخصين في آنٍ واحد.

و من ثمرات تلك الاختلافات: أنّه على القول: بأنّهما أمران وجوديّان، لا يمكن إجراء استصحاب عدم إحداهما، و إثبات الأُخرىٰ؛ لكونه من الأصل المثبت، بخلاف ما إذا قلنا: بأنّ الطهارة عدم النجاسة، لا شي ء آخر.

و منها: أنّ في الشبهات الحكميّة في مسألة الحاجة إلى التعدّد في زوالها، يمكن إجراء الاستصحاب على القول: بأنّهما تقبلان الشدّة و الضّعف، و لا يمكن الإجراء على القول: بأنّهما أمر بسيط؛ فإنّه في أوّل المرتبة من الغسل يزول قهراً، قضاءً لحقّ مطهّرية الماء في الجملة، فافهم و اغتنم.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 260.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 292

و منها: أنّه على القول بأنّهما كما تكونان عرفيتين، تكونان شرعيّتين، يجري الاستصحاب لإبقاء عنوانهما، و ترتيب الآثار عليهما، بخلاف ما إذا قلنا: بأنّهما عرفيّتان فقط، فلا يستصحب العنوان العرفيّ؛ لعدم الأثر الشرعيّ له، فتنحصر الفائدة فيه بالحكميّ، فيستصحب عند الشكّ وجوب الاجتناب السابق، أو جواز الشرب.

نعم، إذا شكّ في بقاء بول علىٰ صفة البوليّة، يمكن الاستصحاب، أمّا استصحاب عنوان النجاسة فلا.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ التطبيق الوارد في المآثير و لو كان بنحو المجازيّة

و الادّعاء، كافٍ لإجرائه، فليتأمّل.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 293

المقام الأوّل في عدد النجاسات

اشاره

و هي علىٰ ما في «الوسيلة» واحد و عشرون «1»، و عند المشهور عشرة «2»، و قيل: «أحد عشر» «3» و قيل: «اثنا عشر» «4» و الأمر بعد كون المدار على الدليل، سهل.

و في المروي عن بعض نسخ الدعوات، عن وليّ سيّد الكائنات، عليه أفضل الصلوات و التحيّات: أنّه أجاب رجلًا سائلًا عن عدد النجاسات: «بأنّه الغب مع الميمات، و الدف مع الحيوانات».

و هي عليه عشرة؛ فإنّ كلّ واحد من «الغين» و «الباء» و ثلاث ميمات، «و الدال» و «الفاء» و ثلاثة حيوانات، رمز لها باسمها، و المراد من الحيوانات: الكافر، و الكلب، و الخنزير، و اللّٰه العالم.

______________________________

(1) الوسيلة: 77.

(2) مفتاح الكرامة 1: 136، مستند الشيعة 1: 24، جواهر الكلام 5: 273.

(3) وسيلة النجاة: 57.

(4) العروة الوثقىٰ 1: 55، فصل في النجاسات.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 294

الأوّل: البول

و هو من الحيوان النجس العين من النجاسات بالضرورة، و عليه المسلمون أجمعهم «1». و أمّا في غيرها فهو مورد الخلاف.

و البحث حوله يتمّ في ضمن مسائل:

المسألة الأُولىٰ: في نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه من ذي النفس

بول الحيوان غير المأكول لحمه ذي النفس السائلة، نجس بالاتفاق «2»، و لا حاجة إلى الاستدلال. و المخالف من المخالفين النخعيّ، حيث قال بطهارة أبوال جميع البهائم و السباع «3».

و يدلّ عليه معتبر عبد اللّٰه بن سِنان في «الوسائل» قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» «4».

______________________________

(1) المعتبر 1: 410، الحدائق الناضرة 5: 2، المجموع 2: 548 550.

(2) المعتبر 1: 410، تذكرة الفقهاء 1: 49، مستند الشيعة 1: 137.

(3) الظاهر أنّ الفراغ من هذا التسويد، كان في النصف الثاني من العشر التاسع من القرن الحاضر 1394 بيد أقلّ العباد؛ مصطفى بن روح اللّٰه الموسويّ الخمينيّ عفي عنهما، نجف .. [منه (قدّس سرّه)]. المجموع 2: 548/ السطر 18.

(4) الكافي 3: 57/ 3، وسائل الشيعة 3: 405، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 295

و القدر المتيقّن منه ما كان منها ذا نفس سائلة.

و الإشكال في قصورها و قصور ما هو مثلها عن إثبات النجاسة، كتوهّم اختصاص النجاسة بالثوب، و اختصاصها بثوب ابن سِنان.

هذا مع أنّك قد عرفت: أنّه لا حاجة إلىٰ إثبات اعتبار النجاسة، بل المقصود إثبات أنّ هذا الأمر ليس مولويّاً، بل هو إرشاد إلىٰ لزوم الغسل فيما يشترط بالطهارة، سواء كانت النجاسة منتزعة عن هذا الأمر، أم لا، فلا تخلط.

و يمكن الإشكال في الاستدلال بهذه الأخبار: بأنّ المراد من قوله (عليه السّلام): «ما لا يؤكل لحمه» أعمّ من الحيوانات المحرّمة و

ما لا يؤكل عادة، كما يأتي في المسألة الثالثة، و إخراج الطائفة الثانية للقرينة، يورث القصور عن إثبات النجاسة بها، كما لا يخفىٰ.

ثمّ إنّه ربّما يمكن توهّم انصراف هذه الروايات عن بول الإنسان، كما في لباس المصلّي «1». و لكنّه و لو تمّ لا يستلزم طهارته؛ لإطلاق الأوامر بالغسل من البول المصيب للثوب مع ترك الاستفصال.

بل و القدر المتيقّن منه هو ثوب الإنسان؛ لكثرة الابتلاء به، مع ما ورد في الباب المزبور من معتبر سَماعة، قال: سألته عن أبوال الكلب و السنَّوْر و الحمار.

فقال: «كأبوال الإنسان» «2».

______________________________

(1) لاحظ مهذّب الأحكام 1: 284.

(2) تهذيب الأحكام 1: 422/ 1336، وسائل الشيعة 3: 406، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 296

و إضماره غير مضرّ كما تحرّر «1»، و شموله للحمار لا يورث قصوراً في أصل الدلالة، كما لا يخفىٰ.

و يحتمل أن يراد منه: أنّ أبوالها كأبوالهم؛ في أنّها طاهرة و نجسة؛ فإنّ من أبوال الإنسان ما هو طاهر، بل أطهر من كلّ شي ء، كما لا يخفىٰ علىٰ أهله، فليتدبّر.

هذا مع قيام السيرة القطعيّة عليه؛ لأنّ حكم هذه الموضوعات يؤخذ من الآباء و الأجداد يداً بعد يد. و يشهد لذلك ما ورد في الاستنجاء، علىٰ ما مرّ منّا في محلّه: من إثبات أعمّية «الاستنجاء» فراجع «2».

ثمّ إنّ الظاهر عدم الحاجة إلىٰ دعوى الانصراف؛ لأنّ كلمة «ما» لغير ذوي العقول، فالتعميم يحتاج إلى الدليل، فاغتنم.

المسألة الثانية: طهارة بول ما لا يؤكل إن لم يكن ذا نفس سائلة

بول ما لا يؤكل لحمه، و ليس له نفس سائلة، طاهر لا يجب الاجتناب عنه بلا خلاف صريح من أحد «3»، إلّا المحقّق، فإنّه قد تردّد في «الشرائع» ابتداءً، و صرّح بالطهارة بعد ذلك «4».

______________________________

(1) لعلّه

في قواعده الرجالية و هي مفقودة.

(2) تقدّم في الصفحة 128 129.

(3) الحدائق الناضرة 5: 13.

(4) شرائع الإسلام 1: 43.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 297

و قال في «المعتبر»: «إنّه نجس» «1».

و قال أبو حنيفة و الشافعيّ و أبو يوسف: «إنّه نجس» «2».

و قد استشكل في دليله؛ لعدم النصّ عليه «3»، مع إطلاق ما يدلّ علىٰ نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه، بل و عموم خبر عبد اللّٰه بن سِنان في الباب المزبور، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «اغسل ثوبك من بول كلّ ما لا يؤكل لحمه» «4».

و عليه لا فرق بين السمك المحرّم لحمه و غيره، و بين الملحقات و سائر الحيوانات البحريّة ممّا لا نفس لها، و غيرها من البهائم و السباع. و مجرّد كون الحيوانات البرّية غير ذات اللحم إذا كانت غير ذات نفس، لا يكفي؛ لوجود الحيوانات البحريّة التي هي ذات لحم، و غير ذات نفس.

و توهّم: أنّها خارجة عن الابتلاء «5»، غير نافع.

و ربّما يقال: بانصراف الرواية الأُولىٰ عن بول ما لا نفس له؛ لطهارة ميتته و دمه، بل و خرئه، و تلك كافية لكونها منشأً للانصراف «6».

و أمّا الخبر الثاني، فهو مرسل؛ لأنّ الكلينيّ يرويه بواسطة عليّ بن

______________________________

(1) المعتبر 1: 411.

(2) الخلاف 1: 486، المجموع 2: 548/ السطر 17، المحلّى بالآثار 1: 169.

(3) التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 461.

(4) الكافي 3: 406/ 12، وسائل الشيعة 3: 405، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 3.

(5) مهذّب الأحكام 1: 296.

(6) مدارك الأحكام 2: 264، مهذّب الأحكام 1: 296.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 298

محمّد، عن عبد اللّٰه بن سِنان، و هو غير ممكن

كما هو الظاهر. فما له الإطلاق غير وافٍ، و ما له العموم غير مسند.

و أمّا إطلاق سائر المآثير المشتملة على الأسئلة و الأجوبة، أو الأمر بغسل البول «1»، فهو إنصافاً بعيد عن شمول هذه الأبوال، و لا معنىٰ لإلغاء الخصوصيّة، بعد ما ترى من الخصوصيّات في ميتتهم و دمهم و هكذا.

و يمكن أن يستدلّ علىٰ طهارة ما لا نفس له من ذوات اللّحوم التي لا يؤكل لحمها: بمعتبر حفص بن غياث في «الوسائل» عن جعفر بن محمّد، عن أبيه (عليهم السّلام) قال: «لا يفسد الماء إلّا ما كانت له نفس سائلة» «2».

فإنّ قضيّة إطلاقه حسب المفهوم، نجاسة الماء بالنفس السائلة، سواء كانت ميتتها أو بولها. نعم خرج منه جثّتها حال الحياة.

و مثله ما ورد في الباب المزبور ذيل معتبر الساباطيّ، حيث قال: «كلّ ما ليس له دم فلا بأس» «3».

فإنّه أعمّ من الميتة و بولها.

و أنت خبير: بأنّ هذه الاستدلالات غير وافية، فكأنّ الأفاضل و الأعلام لمّا بنوا على تماميّة الحكم، اشتهوا الاستدلال؛ فتارة: يستدلّ بقصور الأدلّة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 404، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8.

(2) تهذيب الأحكام 1: 231/ 669، وسائل الشيعة 3: 464، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 35، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 1: 230/ 665، وسائل الشيعة 3: 463، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 35، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 299

و انصرافها «1»، و أنت تعلم أنّه لو كان الأمر كما قيل، لكان انصرافها عن بعض أصناف الحيوانات التي لها النفس أولىٰ كالسباع؛ لعدم الابتلاء بها إلّا نادراً.

و أُخرى: من جهة تقديم لسان مفهوم هاتين الروايتين، علىٰ ما يدلّ علىٰ نجاسة بول مطلق ما لا يؤكل

لحمه «2»، مع أنّك تعلم أنّ مثل هذين المفهومين، قاصران عن إثبات شي ء. مع أنّ الوجدان حاكم بأنّ فتوى المشهور، ليست مستندة إلىٰ مثل ذلك.

و توهّم: أنّ «البول» غير صادق علىٰ أبوالها «3»، كتوهّم أنّه لا بول لها رأساً «4».

نعم لو شكّ في ذلك فمقتضى الأُصول هي الطهارة.

و أمّا دعوى الإجماع و الاتفاق «5»، فهي قريبة جدّاً؛ فإنّه بعد ما نجد قصور الأدلّة عن إثبات القيد الثاني، بل و دلالتها علىٰ نجاسة مطلق البول، يظهر لنا أنّ المسألة كانت واضحة عند الأوائل؛ لدلائل أُخر، فافهم و تدبّر. فاحتمال كون مستندهم هذه الأُمور، في غاية البعد جدّاً؛ لجلالة شأنهم عن هذه التشبّثات في المسائل الفقهيّة.

و أمّا إطلاق معاقد جملة من الإجماعات، كإجماع السيّد أبي المكارم في «الغنية» «6» فهو محمول علىٰ غيره، كما لا يخفىٰ.

______________________________

(1) مهذّب الأحكام 1: 296.

(2) التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 462.

(3) المعتبر 1: 411، جواهر الكلام 5: 285.

(4) مهذّب الأحكام 1: 296.

(5) الحدائق الناضرة 5: 13.

(6) الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 488/ السطر 27.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 300

و أمّا توهّم الاتفاق علىٰ طهارة أبوال الحيوانات الصغيرة، كالذباب و الخنافس، فهو لا يضرّ بهذه المسألة؛ لخروجها عن الأدلّة موضوعاً، لعدم كونها ذوات اللحوم واقعاً أو عرفاً.

و توهّم: أنّ الموضوع المأخوذ في الأدلّة، معنىً سلبيّ يجامع سلب الموضوع «1»، في غير محلّه، كما هو الظاهر. و لكنّه بعد اللتيّا و التي، تحتاج المسألة إلى التأمّل و التتبّع.

المسألة الثالثة: في طهارة بول ما يؤكل لحمه

أبوال ما يؤكل لحمه طاهرة عند الأكثر من أصحابنا «2».

و عن ابن الجنيد، و الشيخ في «النهاية»: القول بالنجاسة «3»، و إليه مال الأردبيليّ «4»، و تلميذه صاحب «المدارك» «5» و صاحبا «الدلائل»

و «المفاتيح» قالوا بنجاستها «6»، و هكذا «الحدائق» «7».

و من المخالفين: أبو حنيفة، و الشافعيّ، و أبو يوسف، و أبو ثور،

______________________________

(1) لاحظ الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 29.

(2) الخلاف 1: 485، تذكرة الفقهاء 1: 50، العروة الوثقىٰ 1: 55 فصل في النجاسات، التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 455.

(3) لاحظ مختلف الشيعة: 56/ السطر 14، النهاية: 51.

(4) مجمع الفائدة و البرهان 1: 301.

(5) مدارك الأحكام 2: 302 303، مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 283.

(6) لاحظ مفتاح الكرامة 1: 153/ السطر 15، مفاتيح الشرائع 1: 65.

(7) الحدائق الناضرة 5: 21.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 301

و جماعة آخرون، ذهبوا إلى النجاسة «1».

و لعلّ هذا الاختلاف ناشئ من الخلاف في حرمة اللّحم و حلّيته، فتصير المسألة تابعة لتلك المسألة.

و بالجملة: مذهب الجمهور و المعروف منهم نجاستها، فإذن يتمكّن الفقيه من الحمل على التقيّة؛ إذا كانت في أخبارنا رواية تدلّ عليها، كما يأتي.

و علىٰ كلّ حال تبيّن: أنّ المسألة خلافيّة، فلا بدّ من النظر في أخبارها. و الشهرة بين المعاصرين على الطهارة، أو الاتفاق منهم عليها، لا يورث شيئاً.

ثمّ إنّه لا فرق علىٰ هذا، بين ما له النفس و غيره.

اعلم: أنّ روايات هذه المسألة علىٰ طائفتين:

الأُولىٰ: تدلّ على النجاسة استظهاراً «2».

و الثانية: تدلّ على الطهارة صراحة «3».

و قضيّة الجمع العقلائيّ هو الأخذ بالثانية، و حمل الأوامر على الاستحباب؛ و أنّها ليست نجسة، و لكنّها يكره استعمالها فيما يشترط فيه الطهارة.

______________________________

(1) المجموع 2: 549/ السطر 1، المغني، ابن قدامة 1: 732.

(2) وسائل الشيعة 3: 406 و 408 و 409، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 1 و 8 و 11 و 13 و ذيل الحديث 5.

(3)

وسائل الشيعة 3: 407 410، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 4 و 6 و 10 و 12 و 17.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 302

هذا مع أنّ شهرة الأصحاب مع الثانية، و الاشتهارَ بين العامّة مع الاولىٰ، و كلّ واحد منهما يكفي لترجيح الثانية على الاولىٰ.

مع أنّه قد ادعى الوالد المحقّق- مدّ ظلّه: «أنّ السيرة القطعيّة، و المراجعة إلىٰ كثرة الابتلاء، تعطي الطهارة بلا شبهة» «1».

فأقوائيّة إسناد الطائفة الاولىٰ من الثانية، لا تورث في المسألة شيئاً. فعلى جميع التقادير، لا بدّ من المراجعة إلىٰ رواية تحكي الطهارة، كما لا يخفى.

إن قلت: معتبر سَماعة في «الوسائل» الماضي آنفاً، الناطق بالتسوية بين أبوال الكلب و السنَّوْر و الحمار و أبوال الإنسان «2»، صريحة في النجاسة حسب الفهم العرفيّ، فلا جمع عقلائيّ بين الأخبار، فتكون المعارضة بينها واضحة.

قلت: قد عرفت منّا معنىٰ هذه الرواية «3»، فلا يثبت ظهورها في النجاسة. و لو سلّمنا فقضيّة المعارضة هو الترجيح أوّلًا، ثمّ السقوط، و المرجّح مع الثانية. و لو وصلت النوبة إلى السقوط، فالمرجع قاعدة الطهارة أيضاً.

ثمّ إنّ الظاهر، أنّ ما يؤكل لحمه علىٰ طائفتين:

الأُولىٰ: ما خلق للأكل، كالشاة و نحوها.

______________________________

(1) الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 20.

(2) تهذيب الأحكام 1: 422/ 1336، وسائل الشيعة 3: 406، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 7.

(3) تقدّم في الصفحة 295 296.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 303

و الثانية: ما خلق للركوب، و يكره أكله.

فما كان من الاولىٰ، لا يكون بوله مكروهاً بالمعنى الذي مرّ تفسيره.

و ما كان من الثانية، يكون مكروهاً.

و يدلّ على التفصيل معتبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال: سألت أبا عبد اللّٰه

(عليه السّلام) عن رجل يمسّه بعض أبوال البهائم، أ يغسله، أم لا؟

قال: «يغسل بول الفرس و الحمار و البغل، فأمّا الشاة و كلّ ما يؤكل لحمه، فلا بأس ببوله» «1».

فإنّه مع النظر إلى الرواية الآتية، يظهر معناه؛ و هي ما رواها «الوسائل» عن القاسم بن عروة و هو عندي معتبر عن بكير بن أعين، عن زرارة، عن أحدهما: في أبوال الدوابّ تصيب الثوب: فكرهه.

فقلت: أ ليس لحومها حلالًا؟! فقال: «بلىٰ، و لكن ليس ممّا جعله اللّٰه تعالىٰ للأكل» «2».

فإنّه بالنظر إلىٰ هاتين الروايتين، يظهر حكم هذه المسألة أيضاً؛ من أنّها طاهرة، و لكن لمكان أنّ لحومها تكون مكروهة، تكون أبوالها مكروهة، فكأنّ الأبوال هنا كالأسآر في تلك المسألة؛ في كونها بحسب الحكم تابعة اللحم.

و بذلك قال بعض العامّة، كما في «البداية» لابن رشد، فإنّه يحكي

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 247/ 711، وسائل الشيعة 3: 409، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 9.

(2) الكافي 3: 57/ 4، وسائل الشيعة 3: 408، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 304

عن قوم قالوا بتبعيّة الأبوال للّحوم «1»، و به قال مالك «2».

إلّا أنّ التفصيل المشار إليه لا يتراءىٰ منهم، بل هو من خصائص مذهبنا ظاهراً، و اللّٰه العالم.

ثمّ إنّك قد أحطت خبراً في المسألة الأُولىٰ: بأنّ رواياتها مورد الخدشة في دلالتها علىٰ نجاسة أبوال ما لا يؤكل لحمه؛ لظهورها في أنّ المراد من «ما لا يؤكل لحمه» أعمّ من المحرّم، و المطرود عادة، و المكروه شرعاً؛ بشهادة ما مضى، فيكون الدليل الوحيد السيرة القطعيّة و الإجماع المسلّم، و اللّٰه الأعلم.

المسألة الرابعة: في نجاسة أبوال الطيور المحرّمة
اشارة

أبوال الطيور المحرّمة نجسة، على المشهور شهرة عظيمة كادت

تكون إجماعاً «3».

و قد خالفهم منّا جماعة من الأقدمين، على المحكيّ عنهم، كالعمّاني، و الجعفيّ، و الصدوق، و الشيخ في «المبسوط» «4» و من

______________________________

(1) بداية المجتهد 1: 82.

(2) نفس المصدر.

(3) السرائر 1: 80، جواهر الكلام 5: 275.

(4) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 275، لاحظ مختلف الشيعة: 56/ السطر 6، ذكرى الشيعة: 13/ السطر 7، الفقيه 1: 41 ذيل الحديث 164، المبسوط 1: 36 و 39.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 305

المتوسّطين العلّامة في «المنتهىٰ» «1» و من المتأخّرين شارح «الدروس» «2» و «كاشف الأسرار» «3» و المجلسيّ في «شرح الفقيه» «4» و من متأخّري المتأخّرين «الحدائق» و «المفاتيح» و «كشف اللثام» و «المدارك» «5» و هو مشهور بين المعاصرين «6»، إلّا السيّد الأُستاذ البروجرديّ (رحمه اللّٰه) فإنّه أفتىٰ بالنجاسة «7»، و مثله الوالد المحقّق- مدّ ظلّه «8».

و منشأ الاختلاف يمكن أن يكون أُموراً، تظهر خلال البحث عن المآثير في المسألة.

و الذي هو المعروف عنهم: أنّ قضيّة المطلقات، بل و عموم خبر ابن سِنان «9»، نجاسة جميع غير المأكولات من الطيور و غيرها. و ما ورد عن

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 160/ السطر 3.

(2) مشارق الشموس: 295/ السطر 25.

(3) لاحظ جواهر الكلام 5: 275.

(4) روضة المتّقين 1: 210.

(5) الحدائق الناضرة 5: 7، مفاتيح الشرائع 1: 66، كشف اللثام 1: 46/ السطر 24، مدارك الأحكام 2: 262.

(6) العروة الوثقىٰ 1: 55، فصل في النجاسات، مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 275، التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 449، مهذّب الأحكام 1: 291.

(7) العروة الوثقىٰ 1: 120، فصل في النجاسات، الهامش 1. (طبعة مؤسسة النشر الإسلامي).

(8) الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 16 17.

(9) الكافي 3: 57/ 3،

وسائل الشيعة 3: 405، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 306

أبي بصير من طهارة بول الطيور على الإطلاق «1»، غير قابل للعمل به؛ لإعراض المشهور عنه، كما نصّ عليه «السرائر» و غيره «2»، فعلى تماميّة سنده يشكل الاعتماد عليه، كما هو الظاهر.

و الذي ألجأهم إلى الخلاف: أنّ قضيّة الصناعة العلميّة، هو الجمع بين الأخبار، و التوفيق بين الآثار.

و ما اشتهر: «من عدم عمل أحد من الأصحاب بمعتبر أبي بصير» «3» غير صحيح؛ لذهاب جلّ من الأقدمين إليه، كما أُشير إليه، و يكفي مثل الصدوق، و لا سيّما في «الفقيه» «4» فما أفاده ابن إدريس في «السرائر» غير موافق للواقع.

و لعلّه لمّا كان يرىٰ عدم جواز العمل بالخبر الواحد، أسند الأمر إليهم بنحو ذلك، كما لا يخفىٰ.

فعليه يتعيّن العمل بما رواه «الوسائل» صحيحاً، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «كلّ شي ء يطير، فلا بأس ببوله و خرئه» «5».

و بما رواه «المستدرك» عن «البحار» قال: وجدت بخطّ الشيخ

______________________________

(1) الكافي 3: 58/ 9، وسائل الشيعة 3: 412، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 10، الحديث 1.

(2) السرائر 1: 80، تذكرة الفقهاء 1: 49.

(3) نفس المصدر.

(4) الفقيه 1: 41، ذيل الحديث 164.

(5) وسائل الشيعة 3: 412، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 10، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 307

محمّد بن عليّ الجبعيّ، نقلًا عن «جامع البَزنطيّ» عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «خرء كلّ شي ء يطير و بوله، لا بأس به» «1».

و الظاهر اتحاد الخبرين.

أقول: في أنّ قضيّة الصناعة هي الطهارة أو النجاسة إشكال؛ ضرورة أنّ النسبة بين الروايتين

أي ما تدلّ علىٰ نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه «2»، و ما تدلّ علىٰ طهارة بول الطائر عموم من وجه، و التعارض في الطائر المحرّم أكله، و حيث لا ترجيح لإحداهما على الأُخرىٰ قيل: «يتعيّن الرجوع إلى المطلق الفوقانيّ؛ و هي الأوامر الناطقة بوجوب الغسل عند إصابة البول «3»، التي تكون نسبتها إلىٰ كلّ واحدة من الروايتين عموماً مطلقاً.

و لكنّه محلّ خدشة؛ ضرورة إمكان انقلاب النسبة؛ بدعوىٰ تقييد تلك المطلقات بمعتبر أبي بصير «4» أوّلًا، ثمّ بعد ذلك تصير تلك المطلقات بعد التقييد، متوافقةً مع معتبر ابن سِنان «5»؛ ضرورة أنّ مفادها هو نجاسة ما عدا

______________________________

(1) بحار الأنوار 77: 110/ 14، مستدرك الوسائل 2: 560، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات و الأواني، الباب 6، الحديث 2.

(2) الكافي 3: 57/ 3، وسائل الشيعة 3: 405، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 3: 395 397، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 1 و 2.

(4) الكافي 3: 58/ 9، وسائل الشيعة 3: 412، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 10، الحديث 1.

(5) الكافي 3: 57/ 3، وسائل الشيعة 3: 405، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 308

الطيور و لو كانت محرّمة» «1».

و أنت خبير بما فيه؛ من أنّ التقييد المزبور لا يستلزم الانقلاب؛ لبقاء النسبة- و هي العموم من وجه بعد التقييد بين المقيّدات، و معتبرِ ابن سنان قهراً، كما لا يخفىٰ. فما ترى من شيخنا الحلّي- مدّ ظلّه «2»، خالٍ عن التحصيل.

و الذي هو الإشكال في المقال: هو أنّ معتبر ابن سِنان، قاصر دلالة عن إثبات نجاسة «ما لا يؤكل لحمه» لما عرفت منّا: أنّ

هذا العنوان حسب ما فسّر في الأخبار عنوان مشير إلىٰ ما لا يؤكل، سواء كان محرّماً، أو لا يؤكل؛ لأجل عدم كونه مخلوقاً للأكل «3»، فحينئذٍ يكون دليل نجاسة ما لا يؤكل لأجل حرمة لحمه الإجماعَ و السيرةَ، و لا إطلاق في معقدهما بعد ما عرفت الخلاف في ذلك، و عنده يتعيّن العمل برواية أبي بصير.

بل يمكن دعوى سقوط المطلقات عن المرجعيّة بعد التساقط؛ لأنّها تكون مقيَّدة بالمآثير الدالّة علىٰ طهارة بول الحيوان المأكول لحمه «4»، فتكون بعد ذلك معارضة لمعتبر أبي بصير، كرواية ابن سِنان.

هذا كلّه بناءً علىٰ عدم ثبوت الترجيح لأحدهما على الآخر.

و لكنّ المعروف بين الأصحاب المدقّقين: أنّ الترجيح مع خبر أبي بصير؛ و ذلك لأنّه إذا انعكس الأمر، يلزم لغويّة أخذ قيد الطير في

______________________________

(1) دليل العروة الوثقىٰ 1: 274 275.

(2) نفس المصدر.

(3) تقدّم في الصفحة 304.

(4) وسائل الشيعة 3: 406 412، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 309

موضوع الدليل «1».

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 2، ص: 309

و أنت خبير بما فيه، و قد مرّ منّا مراراً: أنّه لا دليل شرعيّ و لا عرفيّ و لا عقليّ علىٰ لزوم الجمع بين العامّين من وجه، حتّى يقال: بأنّه في صورة عدم الترجيح يتساقطان، و في صورة الترجيح يتقدّم ذو المزيّة علىٰ غيره، بل المناط كون الجمع عقلائيّاً، فإن أمكن علىٰ تلك الطريقة فهو، و إلّا فيتعارضان، أو يكون بالتخيير، فلاحظ و اغتنم.

و ربّما يتخيّل: أنّ التقييد من جانب رواية ابن سِنان، يستلزم

كون أفراد معتبر أبي بصير نادرة؛ لما قيل: «إنّ الحيوانات المأكولة الطائرة ليست ذات بول» «2».

و أنت خبير بما فيه؛ لما مضى أوّلًا، و لما أنّه ليس بتامّ ثانياً.

هذا، و قد أفاد السيّد الوالد- مدّ ظلّه: «أنّه لا تعارض بين الطائفتين؛ لأنّ رواية ابن سِنان يستظهر منها النجاسة؛ للأمر في مورد التعارض، و رواية أبي بصير نصّ في عدم النجاسة» «3».

و بعبارة منّي: كما يجمع بين المتعارضات في تمام المدلول بهذه الطريقة، و عليه ديدن الأصحاب، لا بأس بذلك في العامّين من وجه.

ثمّ بعد ذلك أشار إلى الوجه الذي قدّمناه في المسألة الاولىٰ: من

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 276، التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 452، الطهارة، (تقريرات المحقّق الحائري) الأراكي 1: 336.

(2) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 276.

(3) الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 18.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 310

قصور معتبر ابن سِنان عن إثبات النجاسة «1».

و استشكل على الوجه الأوّل: بلزوم التفكيك في مفاد الهيئة باختلاف الموارد، فأجاب: بجواز ذلك.

و كيف لم يتذكّر لهذا التفكيك في الوجه الثاني؟ و ليس هذا إلّا لعدم مساعدة العرف علىٰ مثله؛ فإنّ الهيئة و إن كانت موضوعة للتحريك الاعتباريّ، و هو بعد باقٍ علىٰ حاله، و لكن بعد قيام القرينة علىٰ إرادة المعنى الندبيّ في مورد، يصير ذلك من الصالح للقرينة، فتصير المسألة بحسب فهم العقلاء عندي مشكلة، فليتدبّر.

و ربّما يمكن دعوى تقديم معتبر أبي بصير علىٰ معتبر ابن سِنان؛ لأنّ الأوّل عامّ، دون الثاني، و العامّ مقدّم على الإطلاق، كما تحرّر؛ لأنّه في حكم البيان له «2»، فليتدبّر.

و لعمري، إنّ المسألة حسب القواعد الاجتهاديّة الصناعيّة، تؤدّي إلى الطهارة، و حسب المراجعة إلى البناءات

العقلائيّة، تصير مشكلة، و تؤدّي إلى الطهارة الظاهريّة إن قلنا: بجريان قاعدة الطهارة في الشبهة الحكميّة، فتأمّل جيّداً.

هذا، و غير خفي: أنّ قضيّة ما سلكه السيّد الوالد- مدّ ظلّه، هي المراجعة إلىٰ تلك القاعدة. اللهمّ إلّا أن يتمسّك بإطلاق معاقد الإجماعات؛ فإنّها ظاهرة في أنّ المراد من «غير مأكول اللّحم» هو المحرّم لحمه فقط.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 294 295.

(2) لاحظ فرائد الأُصول 2: 792.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 311

ثمّ إنّه يمكن أن يستدلّ علىٰ نجاسة بول الطيور المحرّمة: بما رواه «الوسائل» عن «مختلف العلّامة» نقلًا عن «كتاب عمّار بن موسى» عن الصادق (عليه السّلام) قال: «خرء الخُطّاف لا بأس به، هو ممّا يؤكل لحمه، و لكن كره أكله ..» «1».

حيث يكون الظاهر تعليله الطهارة بالجملة الثانية، و لكنّه محلّ منع.

فذلكة الكلام في المقام

و بالجملة: أنّ المآثير في المسألة علىٰ أربع طوائف:

الأُولىٰ: تدلّ علىٰ نجاسة مطلق البول «2».

الثانية: تدلّ علىٰ نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه «3».

الثالثة: تدلّ علىٰ طهارة بول ما أُكل لحمه «4».

الرابعة: تدلّ علىٰ طهارة بول الطيور و لو كانت محرّمة «5».

و النسبة بين الاولىٰ و سائر الطوائف، عموم و خصوص مطلق، و حيث أنّ الحكم واحد في الأُولىٰ و الثانية، تصير الأُولىٰ مقيّدة بالثانية أيضاً، فإن

______________________________

(1) مختلف الشيعة: 679/ السطر 2، وسائل الشيعة 3: 411، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 20.

(2) وسائل الشيعة 3: 395 397، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 1 و 2.

(3) وسائل الشيعة 3: 404 406، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8.

(4) وسائل الشيعة 3: 406 412، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9.

(5) الكافي 3: 58/ 9، وسائل الشيعة 3: 412، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات،

الباب 10، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 312

قدّمنا التقييد بين الاولىٰ و الثانية و الثالثة، تصير النتيجة نجاسة بول ما لا يؤكل، و طهارةَ بول المأكول، و تقع المعارضة بين المقيّد و الطائفة الرابعة؛ لأنّ النسبة حينئذٍ تكون عموماً من وجه.

و إن قدّمنا تقييد الاولىٰ بالرابعة، فيكون مفادها بعد التقييد: أنّ بول غير الطائر نجس، و تكون النسبة بعد ذلك بين الأوّل بعد التقيّد مع الثانية، عموماً من وجه، فلا مخلص علىٰ جميع التقادير.

نعم، يمكن دعوى: أنّ مفاد الطائفة الثانية لا يكون أصيلًا، بل هو موافق مع الاولىٰ، فتكون النتيجة أنّ البول نجس إلّا من الطائر، و ما أُكل لحمه، فلا تكون معارضة. و لو كان المناط في الجمع بين الأخبار المتعارضة مجرّد الإمكان، فهذا الجمع متعيّن، و إلّا فحكم المسألة يعرف ممّا سبق تفصيله، فليتدبّر جيّداً.

المسألة الخامسة: في حكم بول الصبيّ

بول الرضيع حسب ما مرّ من الإجماعات و الإطلاقات، نجس «1».

و في «التذكرة» عن داود «أنّه طاهر، و الرشح استحباب» «2».

و قال ابن الجنيد من أصحابنا كما في «المختلف» بطهارته، حيث قال: «بول البالغ و غير البالغ من الناس نجس، إلّا أن يكون غير

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 294.

(2) تذكرة الفقهاء 1: 53.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 313

البالغ صبيّاً ذكراً، فإنّ بوله و لبنه ما لم يأكل اللّحم ليس بنجس» «1».

و هذا هو المحكيّ عنه، و لا يوجد حكاية القول بطهارة بول الرضيع عنه، كما يعرب عنه ما استدلّ به علىٰ ذلك، أو يستدلّ له.

نعم، ما حكي عن داود هي طهارة بول الصبيّ ما لم يتغذّ بالطعام، و ما حكي عنه (قدّس سرّه) طهارته ما لم يأكل اللحم، و هذا غير

موافق لما استدلّ به، أو استدلّ له، كما لا يخفىٰ.

و الذي هو الإشكال: أنّ الإجماعات غير مطلقة معاقدها لشموله، و إجماعَ السيّد «2» في خصوصه منقول، و مستنده إطلاق الأخبار، أو إلغاء الخصوصيّة، و في إطلاقها إشكال؛ لانصراف كلمة «ما لا يؤكل» عن الإنسان.

نعم، المطلقات الآمرة بالغسل إمّا منصرفة إلىٰ بول الإنسان، أو هو القدر المتيقّن منها، و كثرة الابتلاء ببول الصبيّ، تورث ظهورها في شموله.

بل المسألة لا تحتاج إلى الدليل؛ لأنّه لو كان طاهراً لكان بيّناً، فما قد يتمسّك ببعض الأخبار في المسألة «3»، لو سلّمنا نقاوة أسنادها و سلامةَ دلالتها، لما كان كافياً. و الشبهة في تلك المطلقات من ناحية أنّها في مقام بيان حكم النجس، مندفعة بترك الاستفصال مع كثرة الابتلاء.

و توهّم تماميّة سند طائفة منها، و سلامة دلالتها، مثل ما رواه

______________________________

(1) مختلف الشيعة: 56/ السطر 28.

(2) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 217/ السطر 8.

(3) تهذيب الأحكام 1: 250/ 718، مختلف الشيعة: 56/ السطر 31، وسائل الشيعة 3: 398، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 3، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 314

«الوسائل» في الباب الثالث من الروايات المتكفّلة لبيان حكم بول الصبيّ «1»: من الأمر بالصبّ، و عدم لزوم الغسل، فإنّها كناية عن عدم نجاسته «2»، فهو في محلّه.

و دعوىٰ: أنّها لٰا تنافي ما يدلّ علىٰ نجاسته؛ لأنّ من الممكن اختلافه مع سائر الأبوال في سرعة الزوال، لعدم غلظته بالاغتذاء «3»، غير مسموعة؛ لعدم مساعدة العرف علىٰ مثلها. مع أنّه يستلزم كون النجاسة ذات مراتب، فلو كانت مرتبة منها تزول بالصبّ، لكان ذلك من التعبّد البعيد في هذه المواقف. و عليه يمكن دعوى نجاستها بمقدار لا يمنع عن الصلاة

و الطواف، و لا من الشرب إلّا بنحو الكراهة، فإنّ تجويز الاختلاف في الحكم هنا، يستلزم ذلك في سائر الأحكام، فليتأمّل.

ثمّ إنّ في الباب المزبور معتبر سَماعة قال: سألته عن بول الصبيّ يصيب الثوب.

فقال: «اغسله ..» «4».

فإنّه حسب الصناعة، شاهد علىٰ أنّ الصبّ أيضاً غير واجب؛ لأنّه كالأمر بالنضح في مورد الشكّ، و اللّٰه العالم.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 397، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 3، الحديث 1 و 2.

(2) لاحظ مختلف الشيعة: 56/ السطر 35.

(3) نفس المصدر.

(4) تهذيب الأحكام 1: 251/ 723، وسائل الشيعة 3: 398، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 3، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 315

فالذي هو الدليل الفريد ما عرفت منّا؛ من عدم احتياج هذه المسائل إلى الرواية و الحديث «1»، و إلّا فلا يبعد اقتضاء الصناعة طهارته.

و ممّا يشهد له ما رواه في الباب الرابع؛ من عدم وجوب غسل المربّية ثوبها من بوله «2»، فإنّه من الأمارات علىٰ عدم نجاسته، إلّا أنّه لمكان القذارة العرفيّة أمر بالغسل مرّة واحدة في اليوم. و مع الغضّ عن رواية السكونيّ المزبورة في الباب الثالث «3»، لا فرق بعد اقتضاء الصناعة طهارته بين الصبيّ و الصبيّة؛ لأنّ بول المرأة كبول المرء لو فرضنا كون السؤال عن بوله، كما في سائر الأحكام إلّا مع القرينة.

المسألة السادسة: في حكم بول الخفّاش

بول الخفّاش و هو الوطواط، و قد يعبّر عنه ب «الخشّاف» كما يجمع على «الخشاشيف» فإنّ الجمع يردّ الأشياء إلىٰ أُصولها نجس على المشهور «4»؛ حتّى عند الشيخ القائل بطهارة بول الطيور

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 313.

(2) تهذيب الأحكام 1: 250/ 719، وسائل الشيعة 3: 399، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 4، الحديث 1.

(3) تهذيب الأحكام 1:

250/ 718، وسائل الشيعة 3: 398، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 3، الحديث 4.

(4) مختلف الشيعة: 56/ السطر 7، الحدائق الناضرة 5: 14.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 316

المحرّمة «1».

و يمكن دعوى طهارته و لو قلنا بنجاسة بول الطيور المحرّمة. كما يمكن ذلك سواء كانت له النفس السائلة أم لم تكن؛ للنصّ الخاصّ فيه «2»، فتوهّم الملازمة في المسألة ممنوع جدّاً.

و لا رأي لمخالفينا في خصوصه «3»، كما هو المعروف بين المتأخّرين «4»، فإنّهم نفوا الخصوصيّة له، فمن قال بطهارة بول الطيور المحرّمة من ذي نفس قال بما فيه، و من قال بنجاسته فهو مثله.

و الذي هو الإشكال في المسألة: أنّ ما رواه في «الوسائل» في الباب العاشر عن موسى بن عمر، عن يحيىٰ بن عمر، عن داود الرقّي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن بول الخشاشيف يصيب ثوبي، فأطلبه و لا أجده؟

قال: «اغسل ثوبك» «5».

لا يكون نقيّ السند؛ لأنّ ابني عمر غير وارد فيهما التوثيق من أحد، و مع ذلك أفتىٰ بمضمونه الشيخ في «المبسوط» و استثناه من مطلق

______________________________

(1) المبسوط 1: 39.

(2) تهذيب الأحكام 1: 266/ 778، وسائل الشيعة 3: 413، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 10، الحديث 5.

(3) لاحظ الفقه على المذاهب الأربعة 1: 12.

(4) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 278، التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 453.

(5) تهذيب الأحكام 1: 265/ 777، وسائل الشيعة 3: 412، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 10، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 317

الطيور «1»، و طرح العمل بما رواه في الباب السابق عن غياث، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السّلام) قال: «لا بأس بدم البراغيث و البقّ و بول

الخشاشيف» «2».

مع أنّه بناؤه على الجموع التبرّعيّة، و هاتان الروايتان بينهما الجمع العقلائيّ؛ لمنصوصيّة الثانية في الطهارة، فتحمل عليها الأُولىٰ، فإنّه يعلم من ذلك: أنّ الحكم في الخفّاش كان عند الأصحاب مفروغاً عنه، و كان هذا الخبر أي الأوّل عنده شاذّاً كما صرّح به «3» و المراد من «الشذوذ» عند القدماء ما يؤدّي إلى الوهن الكثير فيه، فعليه يتعيّن المراجعة إلىٰ ما يدلّ علىٰ نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه؛ لأنّه يقوّي العمل بالأوّل.

و لك دعوى: أنّ عمل الشيخ لا يفيد شيئاً، بل المناط بعد وضوح السند مفاد الأخبار، و أنت ترى أنّ الخبر الأوّل ضعيف سنداً، و الثاني معتبر؛ لأنّ غياث هو ابن إبراهيم البتريّ الثقة، و احتمال كونه غياث الضبّي بعيد جدّاً، مع أنّه عندنا معتبر، فيكون الخفّاش طاهر البول؛ سواء كانت الطيور المحرّمة طاهرة الأبوال، أم نجسة، فإنّه أخصّ منها بناءً على الأخذ برواية أبي بصير، علىٰ ما عرفت تفصيله «4». و مجرّد نسبة الشيخ إلى الشذوذ مع اضطراب كلماتهم في كتبهم في الفتوى و الروايات غير مضرّ و غير موهن جدّاً.

______________________________

(1) المبسوط 1: 39.

(2) تهذيب الأحكام 1: 266/ 778، وسائل الشيعة 3: 413، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 10، الحديث 5.

(3) تهذيب الأحكام 1: 266، ذيل الحديث 778.

(4) تقدّم في الصفحة 307.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 318

و أمّا توهّم: أنّ التخصيص مستهجن؛ لأنّه هو القدر المتيقّن منه، فيكون بينهما المعارضة أيضاً، كما قيل، ففي غير محلّه؛ لعدم ثبوت الاستهجان.

ثمّ إنّ قضيّة ما سلف في الوجه الأوّل؛ هي الخصوصيّة لبول الخفّاش «1» و إن كان غير ذي نفس سائلة؛ لأنّ التخصيص في الأدلّة أمر دائم لا معنىٰ للفرار منه

بعد اعتبار الدليل المخصّص.

هذا مع أنّك قد عرفت قصور الأدلّة عن إثبات شرطيّة الدّم السائل في نجاسة البول في الحيوانات المحرّمة «2»، و لعلّ الاختبار المعروف في عصرنا عن الفضلاء، دليل علىٰ أنّ النجس هي الأبوال ممّا لا يؤكل لحمه و إن لم تكن ذات نفس سائلة، كما هو معقد طائفة من الإجماعات التي عرفت سابقاً «3».

و بعبارة اخرىٰ: عدم كون الخفّاش من ذوات النفس، شاهد علىٰ أنّ الشرط المعروف غير تامّ، كما مضى في المسائل السابقة، فليتدبّر جيّداً.

أقول: ما اشتهر «4» «من أنّ ابن إدريس و العلّامة «5» قالا بعدم عمل أحد من العصابة برواية أبي بصير «6»» في محلّه، و لكنّه لا يستلزم سقوط خبر

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 316.

(2) تقدّم في الصفحة 298 299.

(3) تقدّم في الصفحة 299 300.

(4) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 276.

(5) السرائر 1: 80، تذكرة الفقهاء 1: 49.

(6) الكافي 3: 58/ 9، وسائل الشيعة 3: 412، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 10، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 319

الخفّاش «6» و إن لم يفتِ به حتّى الشيخ؛ لأنّ الإجماع المدّعىٰ على الإعراض مخصوص بالأوّل، و لعلّ الشيخ لم يفتِ بمضمون رواية الرقّي؛ لما كان يرى في سندها إشكالًا، ضرورة أنّ الرقّي ممّا ضعّفه النّجاشي و ابن الغضائريّ و غيرهما تضعيفاً بيّناً «2»، و ما ترى في كتاب السيّد الوالد من عدم توثيق موسى بن عمر و يحيى «3»، في غير محلّه؛ فإنّ الأوّل مشترك بين ابن بَزيع و هو ثقة، و بين ابن يزيد «4»، فإنّه عندنا معتبر؛ لرواية الأجلّاء عنه، و الثاني لا يبعد اعتباره عندنا. و قول الشيخ بوثاقة الرقّي في بعض كتبه «5»

ينافي ذلك.

نعم، أفتىٰ بما عنده من الشهرة و التلقّي من الأصحاب، و لذلك يشكل التجاوز عمّا كان مشهوراً بين القدماء في المسائل المبتلىٰ بها كثيراً.

نعم، يمكن دعوى: أنّ ذلك مخصوص فيما إذا كان خصوص بول الخفّاش مورد الفتوىٰ، لا الكلّي المنطبق عليه، كما لا يخفىٰ.

هذا، و إذا تمّ ما احتملناه من قصور الإجماع المزبور على الإعراض،

______________________________

(6) تهذيب الأحكام 1: 266/ 778، وسائل الشيعة 3: 413، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 10، الحديث 5.

(2) رجال النجاشي: 156/ 410، مجمع الرجال، القسم الثاني من المجلّد الأوّل: 290، تنقيح المقال 1: 414/ 2861.

(3) الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 22.

(4) هداية المحدّثين: 262.

(5) رجال الطوسي: 349.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 320

و عدم تماميّة سند خبر الرقّي، يتعيّن طهارة بول الخفّاش؛ لرواية غياث «1». و من العجب أنّه ضعّفها جماعة من الأصحاب (رحمهم اللّٰه) «2»!! مع أنّه غير واقع في محلّه حسب الصناعة؛ لأنّ كونه بتريّاً لا ينافي وثاقته المصرّح بها في كلام جمع «3».

نعم، في «الجعفريّات»: «أنّ عليّاً (عليه السّلام) سُئل عن الصلاة في الثوب الذي فيه أبوال الخفّاش و دماء البراغيث».

فقال: «لا بأس بذلك» «4».

و في نسخة اخرىٰ: بدل «الخفّاش» «الخنافس» «5» فإنّه يناسب البراغيث، و لعلّ ذلك يورث الشبهة في رواية غياث أيضاً؛ من حيث احتمال الاشتباه في النقل هناك، فتأمّل.

فما ترى من ذهاب السيّدين العلمين: البروجرديّ، و الخمينيّ عفي عنهما إلىٰ نجاسة الطيور حتّى الخفّاش «6»، في غير محلّه؛ لإمكان

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 266/ 778، وسائل الشيعة 3: 413، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 10، الحديث 5.

(2) منتهى المطلب 1: 160/ السطر 4، قال: «و في الطريق نظر فإنّ الراوي إن

كان غياث بن إبراهيم فهو بتريّ».

(3) رجال النجاشي: 305/ 833، و لاحظ تنقيح المقال 2: 366/ 9380، معجم الرجال 13: 231/ 9280.

(4) الجعفريات: 50، مستدرك الوسائل 2: 559، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات و الأواني، الباب 6، الحديث 1.

(5) لاحظ جامع أحاديث الشيعة 2: 92/ 27.

(6) العروة الوثقىٰ 1: 120، الهامش 1. (طبعة مؤسسة النشر الإسلامي)، الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 21.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 321

الالتزام بطهارة الخفّاش، لا لأجل الإشكال في كونه من ذوات الدم، بل للإشكال في سند المسألة، ففرض المعارضة بين رواية الرقّي و خبر غياث، أو بين رواية أبي بصير و خبر غياث؛ بدعوى استهجان التخصيص، غير لازم.

مع أنّه علىٰ تقدير المعارضة، ليس العامّ الفوقانيّ مرجعاً؛ لأنّه معارض برواية أبي بصير لما يقيّد إطلاقه بما يدلّ علىٰ طهارة بول ما أُكل لحمه، كما مضى سبيله «1»، فيكون المرجع قاعدة الطهارة.

و أمّا توهّم وجود الإجماع في «المختلف» علىٰ تخصيص رواية الطير بالخفّاش «2»، فهو لا يرجع إلىٰ محصّل، فلاحظ و تأمّل.

المسألة السابعة: في حكم بول الخُطّاف

بول الخُطّاف طاهر على المشهور «3»؛ لأنّه ممّا يؤكل لحمه حسبما تحرّر في الأطعمة «4». و لو سلّمنا ما ادعاه ابن إدريس في «السرائر» «5» تبعاً للشيخ في «النهاية» «6» من الإجماع علىٰ حرمة لحمه كما هو قويّ جدّاً؛ لأنّ «النهاية» معدّة لنقل الفتاوى المتلقّاة عن الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام) و الشيخ مع توجّهه إلىٰ ذيل معتبر عمّار بن موسى، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 306 307.

(2) رياض المسائل: 345، مختلف الشيعة: 56/ السطر 10.

(3) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 344/ السطر 17، مصباح الفقيه، الطهارة: 519/ السطر 12.

(4) مجمع الفائدة و البرهان 11: 183،

جواهر الكلام 36: 312.

(5) السرائر 3: 104.

(6) النهاية: 577.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 322

عن الرجل يصيب خُطّافاً في الصحراء و يصيده، أ يأكله؟

فقال: «هو ممّا يؤكل».

و عن الوبر، يؤكل؟

قال: «لا، هو حرام» «1».

و لكنّه مع ذلك حمَل جملة: «هو ممّا يؤكل لحمه» على الإنكار و الإعجاب؛ لمعلوميّة المسألة عنده «2».

و لكن لا تسلّم نجاسته؛ لما عرفت من الإشكال في الإطلاقات في مسألة نجاسة الأبوال «3»، فإنّ مثل صحيحة ابن مسلم «4» لا تشمل مطلق البول، بل هي منصرفة إلى الأبوال المتعارفة. و قيل: «هو بول الإنسان».

و مثل معتبر ابن سِنان «5» قاصر دلالةً عن إثبات نجاسة كلّ ما لا يؤكل لحمه. و تماميّة إطلاق معاقد الإجماعات غير مسلّمة، مع أنّها مستندة إليها.

و أمّا ما رواه «المختلف» عن «كتاب عمّار بن موسى» عن الصادق (عليه السّلام) قال: «خرء الخُطّاف لا بأس به، و هو ممّا يحلّ أكله، و لكن كره

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 9: 21/ 84، وسائل الشيعة 23: 394، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد، الباب 39، الحديث 6.

(2) تهذيب الأحكام 9: 21، ذيل الحديث 84.

(3) تقدّم في الصفحة 294 295.

(4) تهذيب الأحكام 1: 250/ 717، وسائل الشيعة 3: 397، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 2، الحديث 1.

(5) الكافي 3: 57/ 3، وسائل الشيعة 3: 405، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 323

أكله لأنّه استجار بك، و آوىٰ في منزلك، و كلّ طير يستجير بك فأجره» «1».

فهو قاصر سنداً، و لا ملازمة بين الخرء و البول.

نعم، يمكن التمسّك بما رواه عمّار في رواية طويلة في «التهذيب» في باب تحريم الجرّي من أبواب الأطعمة

المحرّمة محذوفاً عنه كلمة «خرء» «2» فإنّ إطلاق نفي البأس يقتضي طهارة كلّ شي ء منه حتّى الميتة. و لكنّه بمعزل عن التحقيق و الصواب.

و من العجيب إطالة الكلام في المقام عن شيخنا الأُستاذ الحلّي- مدّ ظلّه حول تعليل ما في «المختلف» و كيفيّة الجمع بين علية حلّية الأكل للطهارة، و علّية الطيران لها «3»!! مع أنّ النسخ المعروفة مشتملة علىٰ كلمة «الواو» فيكون هو كلاماً مستقلا، و لو سلّمنا ذلك ليس هذه العناوين عللًا حقيقيّةً في هذه المواقف، بل هي أشباه الحِكَم و النكت، فراجع كتابه و تأمّل، مع ما فيه من المناقشات البنائيّة و المبنائيّة، و العدول عنها أجدر و أحرى.

المسألة الثامنة: في حكم بول الحيوان المحرّم بالعارض
اشارة

أبوال الحيوانات المحرّم أكلها بالعارض، تكون نجسة كغيرها

______________________________

(1) مختلف الشيعة: 679/ السطر 2، وسائل الشيعة 3: 411، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 20 (مع تفاوت يسير).

(2) تهذيب الأحكام 9: 80/ 345، وسائل الشيعة 23: 393، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد، الباب 39، ذيل الحديث 5.

(3) دليل العروة الوثقىٰ 1: 281 285.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 324

مطلقاً، أو هي طاهرة مطلقاً.

أو يفصّل تارة: بين ما كان محرّماً بالعارض، كالجلّال و الموطوء للإنسان، و الغنم الذي شرب لبن خنزيرة، و بين ما كان محرّماً بالعارض كالمضرّ و المغصوب و المنذور ترك أكله.

و أُخرى: بين موطوء الإنسان، فيكون هو ملحقاً بالمحرّم الذاتيّ، و بين غيره.

و ثالثة: غير ذلك من الصور و الاحتمالات، و منها: إلحاق الجلّال و الموطوء فقط دون غيره بالمحرّم الذاتيّ.

و منها: إلحاق الجلّال العرضيّ كالذي يؤكل في المجاعة و عند الاضطرار بالمحلّل الذاتيّ.

أقول: إن كان المستند هو الإجماعات المدّعاة في «الغنية» «1» و «المختلف» و «التنقيح»

و «الذخيرة» «2» و «الدلائل» «3» بل في «التذكرة» و «المفاتيح» نفي الخلاف في إلحاق الجلّال من كلّ حيوان و الموطوء بغير المأكول في نجاسة البول «4»، و يظهر من «التذكرة» أنّ المخالفين أيضاً لم يفرّقوا بين العرضيّ و الذاتيّ فراجع «5»، فهو لا يتمّ في المأكول الذي

______________________________

(1) الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 488/ السطر 27.

(2) مختلف الشيعة: 55/ السطر 37، التنقيح الرائع 1: 142، ذخيرة المعاد: 145/ السطر 15.

(3) لاحظ مفتاح الكرامة 1: 136/ السطر 12، الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 14.

(4) تذكرة الفقهاء 1: 51، مفاتيح الشرائع 1: 65.

(5) تذكرة الفقهاء 1: 51.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 325

شرب لبن الخنزيرة مع أنّه كما قيل مورد تسلم الأصحاب «1».

و لكنّه غير تامّ؛ لأنّ جميع كلمات القوم واردة في غيره، و مخصوصة بهما ظاهراً، فما ترى في «العروة الوثقىٰ» «2» غير قابل للتصديق. و في كون المستند هذه الإجماعات إشكال واضح؛ لأنّ المسألة مأخوذة من أخبار الباب و إطلاقاتها كما يأتي. و إن كان المستند روايات المسألة فهي طوائف:

الأُولىٰ: ما تدلّ علىٰ طهارة ما يؤكل لحمه «3»، و هي بإطلاقها تشمل المأكول الذاتيّ بالفعل، و الذاتيّ المحرّم عرضيّاً.

الثانية: ما تدلّ علىٰ نجاسة ما لا يؤكل لحمه «4»، و هو أيضاً أعمّ من المحرّم الذاتيّ و العرضيّ.

الثالثة: ما تدلّ علىٰ طهارة أبوال أنواع خاصّة من الحيوانات، كالحمار و الفرس و البقر و الشاة و الإبل و غير ذلك «5»، فإنّها بإطلاقها تدلّ علىٰ طهارة الأبوال و لو صارت محرّمة بالعرض.

فإن التزمنا بإطلاق الطوائف الثلاث، فتقع المعارضة بين الاولىٰ و الثانية و بين الثانية و الثالثة بالعموم من وجه، فيكون مورد

______________________________

(1) مستمسك

العروة الوثقىٰ 1: 281.

(2) العروة الوثقىٰ 1: 55، فصل في النجاسات.

(3) وسائل الشيعة 3: 407، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 4 و 6 و 10 و 12 و 17.

(4) وسائل الشيعة 3: 404 406، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8.

(5) وسائل الشيعة 3: 407 و 410، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 2 و 5 و 14 و 18.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 326

التعارض في الفرض الأوّل موطوء الإنسان و الجلّال؛ بناء علىٰ كونهما محرّماً لحمهما، كما هو المفروض المتّفق عليه في الأطعمة «1»، و إن يظهر عن الإسكافي بل و الشيخ كراهة لحم الجلّال «2»، و عهدة هذه المسألة علىٰ ذلك الكتاب، فيكون البحث من هذه الجهة هنا من الأُصول الموضوعة، فلا تخلط.

و مورد المعارضة في الفرض الثاني الغنم الجلّال و الموطوء، و هكذا الحيوان الذي شرب لبن الخنزيرة و اشتدّ عظمه، كما قيل «3»، أو مطلقاً كما في «العروة» و هو المعروف بين الأصحاب «4» للنصوص الخاصّة «5»، و إن كانت قاصرة عن إثبات الإطلاق، و التفصيل في مقامه «6».

و يمكن رفع المعارضة، بدعوىٰ أقوائيّة ظهور الطائفة الثانية في مورد التعارض عرفاً.

و قد يقال: بأنّ المراد من عنوان «ما يؤكل لحمه» و «ما لا يؤكل» إمّا يكون الأنواع، أو يكون الأفراد؛ فإن كان الأنواع فلا تشمل الاولىٰ مورد المعارضة؛ لعدم كونه من أنواع ما يؤكل، بخلاف الطائفة الثانية،

______________________________

(1) جواهر الكلام 36: 272 و 284.

(2) مختلف الشيعة: 676/ السطر 35، الخلاف 6: 85، مسألة 16.

(3) العروة الوثقىٰ 1: 55، فصل في النجاسات، الهامش 12.

(4) العروة الوثقىٰ 1: 55، فصل في النجاسات، مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 280.

(5) وسائل الشيعة

24: 161 162، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 25، الحديث 1 و 3.

(6) جواهر الكلام 36: 282.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 327

فإنّها تشمل المورد؛ لأنّ عنوان «الموطوء» و «الجلّال» من أنواع المحرّمات و ما لا يؤكل.

و إن كان الأفراد فلا تشمل الثانية؛ لأنّ الفرد الموطوء محرّم، و لا يكون محلّلًا «1».

و فيه: أنّه لا يبعد أن يراد منه العنوان المشير إلى العناوين الذاتيّة المحرّمة و المحلّلة، و لكن ليس منها عنوان «الموطوء» و «الجلّال» و إلّا يلزم اندراج عنوان «المضرّ» و «المغصوب» أيضاً كما لا يخفى.

و ممّا يشهد على انصراف هذه العناوين إلى الأنواع؛ روايات ذكرها «الوسائل» في الباب التاسع:

و منها: ما رواه في «المعتبر» عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل يمسّه بعض أبوال البهائم، يغسله أم لا.

قال: «يغسل بول الفرس و الحمار و البغل، فأمّا الشاة و كلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله» «2».

فإنّه يورث ظهور هذا العنوان في العموم الأنواعيّ، فترتفع المعارضة، و يبقى حكم المسألة بلا دليل اجتهاديّ، فيرجع إلىٰ قاعدة الطهارة إن قلنا بجريانها في الشبهات الحكميّة، أو إلى البراءة في بعض أحكامها، كما لا يخفىٰ فليتدبّر.

______________________________

(1) الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 14.

(2) تهذيب الأحكام 1: 247/ 711، وسائل الشيعة 3: 409، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 328

إن قلت: قضيّة الطائفة الثالثة هي الطهارة.

قلت: هي أيضاً ظاهرة في إفادة حكم النوع دون الفرد، فالإطلاق الأفراديّ في الكلّ ممنوع.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ قضيّة الأصل الأوّلي هو العموم الأفراديّ، و في الاولى و الثانية

للقرينة العقلائيّة يرفع اليد عنه. و لكنّه لا يتمّ في الثالثة، فعليه يتعيّن طهارة بول الجلّال و الموطوء.

و ممّا ذكرناه يظهر حال ما إذا فرضنا العموم الأفراديّ للطائفة الأُولى دون الثانية، و بالعكس، و هكذا الثالثة، و الأمر بعد ما أُشير إليه سهل.

و الذي هو الإشكال الآخر في المسألة ما مرّ منّا: و هو أنّ روايات نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه، قاصرة دلالة عن إثبات ذلك على الإطلاق؛ لأنّ عنوان «ما لا يؤكل لحمه» أعمّ من المحرّم الذاتيّ، و المحرّم العرفيّ؛ أي: المتروك طبعاً أكله، كما أُشير إليه «1» في الأخبار الكثيرة «2»، و لا عموم فوقانيّ يرجع إليه، كما مرّ مراراً «3»، فيتعيّن طهارة بول الجلّال و الموطوء، إلّا خوفاً من مخالفة الاتفاق و الإجماع، فقضيّة الصناعة من جميع الجوانب هي الطهارة قويّاً، فلاحظ و تأمّل.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 304.

(2) وسائل الشيعة 3: 408 409، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 7 و 9.

(3) تقدّم في الصفحة 321.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 329

تذنيب: حول رواية النميري الدالّة علىٰ نجاسة الجلّال

قد ورد في الباب الرابع و العشرين من أبواب الأطعمة المحرّمة في «الوسائل» رواية مرسلة عن موسى بن أكيل النميريّ، عن الباقر (عليه السّلام): في شاة شربت بولًا ثمّ ذبحت.

فقال: «يغسل ما في جوفها، ثمّ لا بأس به، و كذلك إذا اعتلفت بالعذرة؛ ما لم تكن جلّالة» «1».

فإنّ الظاهر منها نجاسة الجلّال، فيكون بوله نجساً إمّا بالذات، أو للملاقاة بالخروج، و لا يمكن الالتزام به؛ لعدم إفتاء الأصحاب بذلك.

هذا مع أنّ المراد من «الجلّال» لغة غير ما هو المقصود في المتون، و حمل الرواية على الأوّل متعيّن، و حيث لا ثمرة مهمّة في بحثها نحيله إلىٰ

مقام آخر.

______________________________

(1) الكافي 6: 251/ 5، وسائل الشيعة 24: 160، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 24، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 330

الثاني: الخرء من كلّ حيوان نجس العين

اشارة

فإنّه نجس بالضرورة «1»، و قضيّة الإجماعات الكثيرة الصريحة في عدم الفرق بين البول و الغائط في الحكم؛ أنّه نجس في الحيوان الذي يكون بوله نجس، و طاهر من الحيوان الذي بوله طاهر ففي «الناصريّات» و «الروض» و «المدارك» و «الذخيرة» نقل الإجماع علىٰ عدم الفرق «2».

و هذا هو مقتضى الإجماعات في كتب الأوّلين و الآخرين من عدّ الخرء و البول معاً في عداد النجاسات، و لم يفتحوا باباً علىٰ حِدة لنجاسة الخرء.

و لكن من المخالفين كما في «التذكرة» «3» محمّد بن الحسن و لعلّه الشيبانيّ المعروف، قد فرّق و قال: «بول ما يؤكل لحمه طاهر، و روثه نجس».

و عن المفيد «4» بل و تلميذه الشيخ في الكتابين: «التهذيب» و «الاستبصار» القول بنجاسة خرء الدجاجة «5»، فإنّ استثناء الخرء يقتضي بقاء البول في المستثنىٰ منه.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ مخرج بوله و خرئه واحد، و لا يخرجان إلّا معاً،

______________________________

(1) المعتبر 1: 113، المجموع 2: 548 550، الحدائق الناضرة 5: 2.

(2) الناصريات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 216/ السطر الأخير، روض الجنان: 162/ السطر 12، مدارك الأحكام 2: 259، ذخيرة المعاد: 145/ السطر 20.

(3) تذكرة الفقهاء 1: 51، المجموع 2: 549/ السطر 5.

(4) مستند الشيعة 1: 147، المقنعة: 71.

(5) تهذيب الأحكام 1: 266، الاستبصار 1: 178، لعلّ «الاستبصار» سهو من قلمه الشريف، لاحظ المبسوط 1: 36.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 331

فتكون الملازمة بينهما خارجيّة كما لا يخفىٰ.

و أنت خبير: بأنّ نجاسة خرء طائفة من الحيوانات المبتلىٰ

بها، و طهارةَ الاخريات منها، واضحة من غير الحاجة إلى الإجماع أو الدليل اللفظيّ، و لا إجماع على الملازمة؛ بمعنى أنّ من يقول فرضاً بنجاسة أبوال ما يؤكل لحمه، لا بدّ و أن يقول بنجاسة خرئه، و من يسقط شرطيّة النفس السائلة في نجاسة البول، لا بدّ و أن يسقط في خرئه.

فما يظهر من جمع من توهّم الملازمة شرعاً بينهما بالإجماع و غيره «1»، فهو ممنوع.

و الذي هو المهمّ بالبحث؛ الفحص عن دليل يورث نجاسة الخرء على الإطلاق من كلّ حيوان، أو من ذي نفس سائلة، فإن ثبت فهو، و إلّا ففي موارد الشبهة يرجع إلى الأصل الأوّلي و هو عدم النجاسة، فليتدبّر.

الروايات العامّة الدالّة على نجاسة مطلق الخرء

و هذه مآثير و روايات في الأبواب المتفرّقة نشير إليها إجمالًا:

الأُولىٰ: معتبر زرارة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في أبواب لباس المصلّي، فإنّه مع طوله مشتمل علىٰ تجويز الصلاة في الروث و البول ممّا يؤكل لحمه، و منعه عمّا لا يؤكل لحمه «2»، و دلالته علىٰ طهارة و نجاسة البول

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 274، مهذّب الأحكام 1: 285.

(2) الكافي 3: 397/ 1، وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 332

و الخرء محلّ منع؛ لظهوره في المانعيّة لأجل أمر آخر، لا للنجاسة، فما ترى من ذكر «الوسائل» في هذه الأبواب هذه الرواية، غير وجيه.

الثانية: معتبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) الماضي آنفاً، فإنّه (عليه السّلام) قال في ذيله: «فأمّا الشاة و كلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله» «1».

و قضية المفهوم بضميمة الملازمة بين البول و الخرء، ثبوت البأس، و

هو ظاهر في وجوب الاجتناب الملازم للنجاسة.

و لكن عدم تماميّة إحدىٰ هذه المقدّمات المشار إليها، كافٍ في عدم تماميّة الاستدلال. مع إنّك قد عرفت: أنّ عنوان «ما يؤكل» و «ما لا يؤكل» أعمّ من المحرّم الشرعي ظاهراً «2»، و التفكيك في الهيئة قد عرفت حاله، و الرواية في الباب التاسع «3».

الثالثة: معتبر مصدّق، عن عمّار في الباب المزبور، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «كلّ ما أُكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه» «4». فإنّ قضيّة مفهومه ثبوت البأس بما يخرج، و هو أعمّ من البول.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 247/ 711، وسائل الشيعة 3: 409، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 9.

(2) تقدّم في الصفحة 304.

(3) الكافي 3: 57/ 4، وسائل الشيعة 3: 408، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 7.

(4) تهذيب الأحكام 1: 266/ 781، وسائل الشيعة 3: 409، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 12.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 333

و قد عرفت جهات الشبهة في استفادة الحكم من أمثاله «1»، و منها: أنّ الوصول ربّما يكون عنواناً مشيراً إلى العناوين الخارجيّة، فينحلّ إلىٰ قضايا جزئيّة، فلا يكون ذا مفهوم. مع أنّ إثبات البأس بنحو الإهمال يجامع كون البأس في خصوص البول، أو في بعض الخرء، فلا يثبت المقصود؛ و هو إثبات البأس على الإطلاق في الخرء، و لا شبهة في لزوم تقييد المفهوم بالنفس السائلة، و هذا دليل قويّ علىٰ أنّ كلمة الموصول تشير إلىٰ أنواع الحيوانات المحرّمة، و اللاتي ذوات النفس السائلة، فافهم و اغتنم.

الرابعة: معتبر عليّ بن رِئاب في الباب المزبور، عن «قرب الإسناد» قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الروث يصيب

ثوبي و هو رطب.

قال: «إن لم تقذره فصلّ فيه» «2».

فإنّ هذه الجملة كناية عن أنّه قذر؛ أي استنكار منه (عليه السّلام) علىٰ ذلك، فيعلم منه أنّ القذر لا يصلّى فيه، و حيث أنّ الأرواث قذرة نوعاً مع كونها رَطِبة فلا يصلّى فيها؛ و ذلك للنجاسة، لا للمانعيّة؛ لفهم العرف ذلك كما في عرق الجنب.

و أنت خبير بما فيه، هذا مع أنّ: «الروث» فضلة الأنعام، و لا يطلق على العَذِرة، فتكون هذه الرواية معارضة بما يدلّ علىٰ طهارته تعارضَ الظاهر و النصّ.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 331 و 332.

(2) قرب الإسناد: 163/ 597، وسائل الشيعة 3: 410، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 16.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 334

و مثلها الروايات الأُخر التي تجمع مع غيرها جمعاً عقلائيّاً. كما أنّ مثل الثالثة بعض الأخبار الأُخر التي يستدلّ بمفهومها على المطلوب، و قد عرفت وجه الإشكال فيها «1».

و منها: ما عن أبي البختريّ، عن جعفر، عن أبيه (عليهما السّلام): «أنّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال: لا بأس ببول ما أُكل لحمه» «2».

بناءً علىٰ تماميّة الملازمة.

الخامسة: ما رواه «الوسائل» في الباب المزبور عن «المختلف» عن عمّار بن موسى في كتابه، عن الصادق (عليه السّلام) قال: «خرء الخُطّاف لا بأس به، هو ممّا يؤكل لحمه ..» «3».

و قد مرّ سابقاً بعض البحث حوله «4»، و ذكرنا هناك: أنّ هذه الرواية مذكورة في «جامع الأحاديث» من غير «واو» «5» فقال: «لا بأس به، و هو ممّا يحلّ أكله» و ليس هذا رواية مستقلّة ظاهراً، بل هو قطعة ممّا رواه «التهذيب» عن عمّار في رواية طويلة في أبواب الأطعمة المحرّمة، و ليس هناك لفظة

«خرء» «6» و علىٰ هذا يكون سنده معتبراً.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 331.

(2) قرب الإسناد: 156/ 573، وسائل الشيعة 3: 410، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 17.

(3) مختلف الشيعة: 679/ السطر 2، وسائل الشيعة 3: 411، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 20.

(4) تقدّم في الصفحة 321 322.

(5) جامع أحاديث الشيعة 2: 91، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 2، الحديث 24.

(6) تهذيب الأحكام 9: 80/ 345.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 335

و لو سلّمنا أنّها تكون هكذا: «الخُطّاف لا بأس به، و هو ممّا لا يؤكل لحمه» لتقدّم أصالة عدم الزيادة علىٰ أصالة عدم النقيصة، و يكون ظاهراً في أنّ نفي البأس بلحاظ ما يخرج منه، لا بلحاظ لحمه؛ للزوم التكرار، و يكون تعليلًا للصدر، فلا يتمّ الاستدلال أيضاً؛ لعدم تماميّة المفهوم المقصود في المقام؛ و هو إطلاقه لا إهماله، فإنّه ربّما كان من المفاهيم العرفيّة؛ و إن لم تساعده القواعد الأدبيّة و لا العقليّة، كما تقرّر في محلّه.

مع أنّ الجملة الثانية إذا كانت مع «الواو» ليست ظاهرة في التعليل إلّا بلحاظ أُشير إليه، و هو غير ثابت جدّاً، فالرواية من جهتين محلّ الكلام متناً.

مع أنّ الالتزام بتعدّدهما يستلزم عدم تماميّة سند «المختلف» فلا طريق إلى الاستدلال بها على الوجه الصحيح، كما لا يخفىٰ.

السادسة: المآثير الكثيرة المشتملة علىٰ مفروغيّة نجاسة العَذِرة المذكورة في الأبواب المتفرّقة، كأبواب المياه و البئر «1»، و أبواب المطاعم «2»، و غير ذلك «3» ممّا يطّلع عليه المتتبّع، فإنّه بعد العثور عليها لا

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 147، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 6، الحديث 7 و 9، و الباب 8، الحديث 13، و الباب 14،

الحديث 8.

(2) وسائل الشيعة 24: 169، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 29، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 3: 444، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 26، الحديث 14، و الباب 32، الحديث 6، و الباب 37، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 336

يبقىٰ شبهة في نجاسة العَذِرة، بل هي من الضروريّات، و لا تحتاج إلى الاستدلال.

و إنّما الإشكال في مفادها لغةً، و القدر المسلّم منه مدفوع الإنسان، و هو الظاهر من اللّغة، كما في «أقرب الموارد» حيث فسّر الروث من ذي الحافر: بمثل الغائط من الإنسان، ثمّ فسّر العذرة: بالغائط «1». و لا أقلّ من الشبهة، فلا يتمّ المطلوب.

و مجرد إطلاقها علىٰ ما يخرج من غير الإنسان، كما في صحيحة عبد الرحمٰن بن أبي عبد اللّٰه في «الوسائل» «2» فإنّه غير كافٍ. مع أنّ فيه السؤال عن عَذِرة من إنسان، أو سِنَّوْر، أو كلب، فإنّه ربّما كان ذلك لمعلوميّة المقصود، و لعدم اللفظة الخاصّة لما يخرج منهما.

هذا مع أنّ في كتب اللغة التصريح و منها أوّل كتاب «المنجد» بأنّ الخصوصيّات المأخوذة في تفسير اللغات ليست دخيلة في الموضوع له، بل هي لبيان الاستعمال، و قد مثّل لذلك ب «الروث» إذا قيل: «روث الفرس» «3» و إذا صحّ إطلاق العَذِرة بناءً عليه علىٰ مطلق ما يخرج كمٰا لا يبعد ذلك في الغائط، فلا بدّ من أن يكون المراد منه الأخصّ في الأخبار حسب الاستعمال، و لا شاهد علىٰ كونها موضوعة أو منصرفة إلىٰ ما يخرج

______________________________

(1) أقرب الموارد 1: 442، 2: 757.

(2) تهذيب الأحكام 2: 359/ 1487، وسائل الشيعة 3: 475، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 5.

(3) المنجد، الاصطلاحات، الصفحة

ه.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 337

من خصوص غير مأكول اللّحم من السنَّوْر و الكلب و السباع و غيرها.

و في كتاب المكاسب المحرّمة فصل طويل حول روايات تحريم بيع العَذِرة، و ما يتضمّن نفي البأس عنه «1»، فراجع.

و الذي هو الظاهر منهم كما استظهره الوالد المحقّق- مدّ ظلّه: أنّ مراد الفقهاء في متونهم من «العَذِرة» أعمّ من مدفوع الإنسان، و مخصوص بما يحرم أكله «2».

و لكنه غير كافٍ لتماميّة الاستدلال بتلك المآثير؛ علىٰ ما ترى من لغة العرب في الاستعمالات المجازيّة، خصوصاً في الموضوعات التي تصحبها القرائن الخارجيّة و الداخليّة، فتأمّل.

بعض الروايات الخاصّة الدالّة علىٰ نجاسة الخرء

هذا كلّه حول مفاد الروايات المستدلّ بها لنجاسة خرء مطلق الحيوان المحرّم أكله، و طهارة ما يحلّ أكله.

و في المقام بعض النصوص الخاصّة، و لعلّه هو مستند المفيد و الشيخ في قولهما بالنجاسة في ذرْق الدجاج؛ و هو ما رواه «الوسائل» في الباب العاشر بسند ضعيف، عن فارس قال: كتب إليه رجل يسأله عن ذرق الدجاج، يجوز الصلاة فيه.

______________________________

(1) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 4/ السطر 13.

(2) الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 12.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 338

قال: «لا» «1».

و أنت خبير بقصورها دلالة أيضاً بعد ورود النصّ في خصوص الدجاج و نفي البأس عن خرئه «2»، فيكون هذا شاهداً علىٰ أنّ سندهما غير ذلك قطعاً، فكان عندهما ما لا يذكر في كتبهما، و اللّٰه العالم.

و في نفسي أنّ أصل النسبة غير ثابت «3»، فراجع حتّى تعرف صدق دعوانا.

و ربّما يتوهّم دلالة معتبر فضل أبي العباس بن عبد الملك المرويّ في الباب الحادي عشر قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن فضل الهرّة و الشاة و البقر و الإبل

و الحمار و الخيل و البغال و الوحش و السباع، فلم أترك شيئاً إلّا سألته عنه. فقال: «لا بأس به» حتّى انتهيت إلى الكلب فقال: «رجس نجس ..» «4»؛ علىٰ طهارة ما يخرج منها، أو خصوص الفضلة؛ لأنّ الفضل بمعنى الزيادة، و إذا قيل: «فضول الإنسان» فيراد منها العرق و أشباهه و لكنّه اصطلاح في الطبّ، فعلى هذا يكون الخبر نصّاً في طهارة خرء هذه الحيوانات.

و أنت خبير: بأنّ منشأ هذا التوهّم نقل «الوسائل» هذا الحديث هنا، و لو ذكره في الأسآر لما كان لذلك الوهم وجه، فقال (عليه السّلام) في ذيله

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 412، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 10، الحديث 3.

(2) تهذيب الأحكام 1: 283/ 831، وسائل الشيعة 3: 412، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 10، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 1: 266، المبسوط 1: 36.

(4) وسائل الشيعة 3: 413، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 11، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 339

«رجس نجس؛ لا تتوضّأ بفضله، و اصبب ذلك الماء، و اغسله بالتراب أوّل مرّة، ثمّ بالماء» «1».

فعليه تصير أجنبيّة عن هذه المسألة و عن عنوان الباب الحادي عشر في «الوسائل» فاختبر.

فذلكة البحث

إنّ الأدلّة اللفظيّة قاصرة عن إثبات نجاسة مطلق الخرء من غير المأكول، فيبقىٰ معتبر أبي بصير في الطيور «2» فارغة عن المعارض في خصوص الخرء.

نعم، بناءً علىٰ معاقد الإجماعات الماضية، و بناءً على الإجماع المدّعىٰ على الإعراض عن رواية أبي بصير كما عن «السرائر» «3» و في «التذكرة» يشكل التمسّك «4».

و لكنّك عرفت: أنّ هذه الإجماعات ليست مبتنية علىٰ نصوص اخرىٰ غير ما وصلت إلينا «5»، فلا منع من الالتزام بطهارة خرء لا يعدّ من العَذِرة

عرفاً.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 225/ 646.

(2) الكافي 3: 58/ 9، وسائل الشيعة 3: 412، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 10، الحديث 1.

(3) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 276، السرائر 1: 80.

(4) تذكرة الفقهاء 1: 49.

(5) تقدّم في الصفحة 301 و 308.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 340

فروع
الفرع الأوّل: حول نجاسة البول و الغائط في الباطن
اشارة

بعد الفراغ عن نجاسة البول و الغائط، فهل هما نجسان على الإطلاق، أو هما نجسان إذا كانا ظاهرين و خارجين من الداخل و الباطن؟

فإن قلنا بالثاني، فلا فرق بين أنحاء الملاقاة بعد كونهما في الباطن؛ لعدم تحقّق الملاقاة مع النجس، و مٰا ترى في بعض كتب أهل العصر من المنتسبين إلى الفضل من إنكار النجاسة قبل خروجهما، و من الحكم بنجاسة الملاقي، فهو من الجهالة.

نعم، يمكن التفصيل بين النجاسات الباطنيّة كالدم و غيره؛ بأنّ الدم ما دام في العروق لا يكون نجساً، و إذا ورد في الفم أو الأنف يعدّ نجساً، و لكنّه لا يورث النجاسة بالملاقاة.

فبالجملة: البحث حول الدم يأتي في محلّه، و لا منع من الالتزام بالتفكيك بين أنواع النجاسات من تلك الجهة؛ لأنّ الميزان الروايات الواردة عن الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام) و مقدار دلالتها.

فعلى هذا يمكن أن يقال: إنّ قضيّة الإطلاق الأحواليّ، أو مقتضىٰ فهم العرف بعد ثبوت أصل النجاسة، عدم الفرق بين أنحاء الأحوال بالضرورة، و قد قيل: «إنّه هو المشهور بين الأصحاب» بل هو المتسالم عليه عندهم، فما ترى من الشبهة في ذلك؛ لأجل الإشكال في الإطلاق

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 341

الأحواليّ «1»، لا يضرّ بتماميّة المقصود.

كما أنّ توهّم: أنّ جعل النجاسة للبواطن و النجاسات في الداخل بعد عدم تنجّس الملاقي لغو، في غير محلّه؛ لأنّ لغويّة الإطلاق

جائزة، ضرورة أنّ الدليل المتكفّل لنجاسة العَذِرة، لو كان مخصوصاً بها في الداخل، لكان ذلك من اللغو غير الجائز، و أمّا إذا كان متكفّلًا لنجاستها من غير النظر إلى الحالات خصوصاً، فهو جائز، و إلّا يلزم دعوى عدم نجاسة ما هو الخارج عن محلّ الابتلاء، و هكذا ممّا هو الواضح منعه، فتدبّر.

هذا مع أنّه يظهر الثمرة في بلع الحيوان الذي في جوفه العَذِرة و البول، كما لا يخفى.

فتحصّل: أنّه بعد ثبوت نجاسة شي ء، لا يحتاج في إثبات إطلاقها إلى الإطلاق الأحواليّ، بل فهم العرف و عدم وجود الخصوصيّة بين أنحاء الحالات، كافٍ بلا شبهة و إشكال، فمٰا ترى في بعض الكتب: من قصور الأدلّة عن إثبات نجاستهما في الباطن، من اللّغو المنهيّ عنه «2»، و إلّا يلزم الإشكال في نجاستهما إذا كان في حال آخر؛ لعدم الفرق بين الحالات.

فعلى ما استظهرناه، فنجاستهما على الإطلاق من الأمر الواضح جدّاً، فلو بلع الحيوان المحرّم لحمه و في جوفه البول و الغائط يعاقب مرّات؛ لأكله النجاسات و المحرّمات، فلا تخلط.

نعم، ربّما يمكن الإشكال في ذلك لأجل عدم صدق «أكل البول

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 286.

(2) التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 467.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 342

و الغائط» كما قيل في بلع السمك و في جوفه الدم «1»، فافهم.

ثمّ إنّه ربّما يتوهّم دلالة أخبار المسألة الآتية «2» علىٰ عدم نجاسة الأعيان في الجوف؛ ضرورة أنّه إذا كانت الملاقاة غير مورثة للنجاسة، فهو شاهد علىٰ عدم كونها نجسة، و يكون نفي الحكم كناية عن نفي الموضوع؛ لئلّا يلزم التخصيص «3».

و أنت خبير بما فيه، فإنّه في حدّ ذاته تقريب قريب، إلّا أنّه بعد المراجعة إلىٰ

فهم العرف غير كافٍ؛ لأنّ إثبات الخصوصيّة مشكل جدّاً، بخلاف نفي التنجّس بملاقاتهما في الداخل. مع أنّ من الممكن كون زوال العين في الداخل من المطهّرات، و لكنّه كلام غير تامّ كما لا يخفىٰ؛ و إن كان عن الشهيدين (رحمهما اللّٰه) «4».

تنبيه

بناءً علىٰ طهارة البول و الغائط في الباطن، فالظاهر اختصاص ذلك بما لم يخرج بعدُ، و أمّا لو خرجا، ثمّ دخلا في الجوف؛ بأن أكل العَذِرة و شرب البول، فإنّهما لا يصيران طاهرين؛ لعدم ورود «الباطن» و «الظاهر»

______________________________

(1) وسيلة النجاة 3: 56، المسألة 34.

(2) الكافي 3: 39/ 1، وسائل الشيعة 1: 276، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 12، الحديث 2، الكافي 3: 54/ 5، وسائل الشيعة 3: 427، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 17، الحديث 5.

(3) التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 465.

(4) الروضة البهيّة 1: 26/ السطر 3.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 343

في الدليل المخصوص في هذه المسألة، بل من يريد إثبات طهارتهما يستدلّ بقصور الأدلّة، و لا أظنّ التزام أحد بذلك في مفروض المسألة.

الفرع الثاني: في حكم ملاقاة الأخبثين في الباطن

بناءً علىٰ نجاستهما في الباطن، فهل يترتّب عليهمٰا جميع أحكامهما؛ من حرمة الأكل و الشرب، و من تنجّس ملاقيهما و لو كانت الملاقاة في الباطن، أم لا؟

لا شبهة في جواز الصلاة و الطواف معهما مع كونهما في الباطن، و هكذا لا يتنجّس الباطن و المسير بملاقاتهما، أو لو كانا متنجّسين يكون معفوّاً عنهما فيما يشترط بالطهارة. و هذا ممّا لا شبهة فيه، و لا يحتاج إلى الدليل، كما هو الواضح الجليّ.

فالاستدلال بطهارة المذي و الوذي؛ لأنّ المسير لو كان نجساً لكانا نجسين، غير تامّ؛ لأنّ من الممكن عدم تنجيس البول إلّا ما يلاقيه، و لا ينجّس مع الواسطة شيئاً آخر، كما قيل في الوسائط «1»، فما ترى في كتب الأصحاب «2» من الاستدلال بهذه الأخبار «3»، من الغفلة عن الحال.

______________________________

(1) تحرير الوسيلة 1: 123، المسألة 9.

(2) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 284، التنقيح في شرح

العروة الوثقىٰ 1: 465، مهذّب الأحكام 1: 298.

(3) الكافي 3: 54/ 5، وسائل الشيعة 3: 427، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 17، الحديث 1 و 5.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 344

و أمّا ما ورد في بعض الأخبار الأُخر التي تأتي في محالّ آخر؛ من نفي وجوب غسل الباطن، كما في أخبار الباب الرابع و العشرين من أبواب النجاسات «1»، فهو لا يدلّ علىٰ عدم التنجّس بالملاقاة، بل ربّما كان ذلك عفواً في الصلاة، فعدم وجوب غسل الباطن لا يدلّ علىٰ ما توهّموه و تخيّلوه- رضي اللّٰه عنهم.

ثمّ إنّه لا ينبغي أن يستدلّ بأخبار وردت في الدم و الفم، و إسراء الحكم إلىٰ سائر النجاسات؛ لإمكان اختلافها في بعض الأحكام، كما ترى في أحكام الاستنجاء و غيرها.

مع أنّ المآثير الواردة في مسألة طهارة بُزاق فم شارب الخمر، المرويّة في الباب التاسع و الثلاثين «2» و غيرها «3»، لا تدلّ علىٰ عدم تنجّس الملاقى بالفتح بل غايتها العفو، فعليه يجب الاجتناب في سائر الصور المتصوّرة في المسألة؛ لعدم الدليل على العفو المطلق، و لعدم الدليل علىٰ طهارة الباطن الملاقى بالنجس الباطنيّ، أو النجس الخارجيّ الداخل في الفم و هكذا.

فما ترى من بناء الأصحاب على الطهارة في نوع صور المسألة «4»،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 437، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 24.

(2) وسائل الشيعة 3: 473، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 39.

(3) تهذيب الأحكام 9: 115/ 489، وسائل الشيعة 25: 377، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 35، الحديث 1.

(4) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 284، مهذّب الأحكام 1: 297.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 345

فهو لأجل الغفلة عن أطراف المسألة، و لذلك

قلّما يتفق جواز تقليد مجتهد إلّا إذا بنى على المراجعة إلى الأفكار المختلفة؛ حتّى يحصل له الإحاطة الكاملة، فتدبّر.

فعلى ما تقرّر، يشكل الحكم بطهارة الدرهم الذي يبلع و يخرج بعد العلم بملاقاته، و بطهارة الحيوان المتكوّن في المعدة إذا خرج من المقعدة، و أمّا إذا خرج من الفم كالقي ء فهو لا يكون نجساً؛ لأنّ ما في البطن لا يعدّ عَذِرة، و لا يكون فيه سائر النجاسات، خلافاً لما توهّمه بعض المنتسبين إلىٰ الفضل في العصر، و بطهارة رأس شيشة الاحتقان و هكذا، و كالأسنان الصناعيّة.

و لمّا كان لكلّ واحد من النجاسات بحث خاصّ يمكن أن يؤدّي إلى التفصيل بينها، فالأولىٰ إحالة هذه المسألة الأخيرة إلىٰ بحث نجاسة الدم، و هكذا مسألة ملاقاة رأس الإبرة، و اللّٰه العالم.

و في حكم شيشة الاحتقان، ما يدخل من مخرج البول حتّى يصل إلى المثانة و الخزانة؛ في عدم الدليل على العفو بعد ثبوت الملاقاة مع النجس، فتدبّر.

و ممّا حصّلناه يظهر سقوط الاستدلال لكلّي المسألة بالأخبار الواردة في بعض النجاسات، مثلًا لا معنىٰ للتمسّك بما ورد من جواز استرضاع اليهوديّة و النصرانيّة «1» لطهارة الباطن؛ فإنّ اللبن من الباطن،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 21: 464، كتاب النكاح، أبواب أحكام الأولاد، الباب 76.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 346

أو لطهارة ملاقي النجس في الباطن، و أنّ اللبن من ذلك، على اختلاف الاحتمالين في اللبن؛ ضرورة أنّ ذلك لو تمّ ربّما كان يختصّ باللبن؛ لخصوصيّة في المسألة و هو جواز سقي الأطفال ذلك، أو لخصوصيّة في اللّبن؛ لأنّه لا يعدّ من الأجزاء الكافرة، بخلاف سائر ما يتّصل به، كما في لبن جوف الحيوان الميّت.

و أمّا إذا قلنا بتنجّس اللبن فيه، فلا يبعد

أنّ يسقي الأطفال بالمتنجّس في هذه المواقف، لا مطلقاً، و هكذا.

الفرع الثالث: بيان مقتضى الأُصول العمليّة عند الشك في حلية اللحم

قال في «العروة»: «إذا لم يعلم كون حيوان معيّن أنّه مأكول اللّحم أو لا، لا يحكم بنجاسة بوله و روثه» «1» انتهىٰ.

و مقتضى إطلاقه طهارتهما مطلقاً؛ سواء كانت الشبهة حكميّة، أو موضوعيّة، و سواء كانت الحرمة الذاتية مشتبهة، أو العرضيّة، و سواء كانت الشبهة الموضوعيّة ممّا تزول بأدنى تأمّل و نظر، أو لا تكون كذلك، و سواء في ذلك المجتهد و المقلّد قبل الفحص و بعده، و سواء كان الشكّ في قابليّته للتذكية و عدمها. و هذا الإطلاق يمكن إتمامه بحسب الظاهر إلّا في الشبهات الحكميّة للمقلّد و للمجتهد قبل الفحص.

و ربّما يشكل أوّلًا: في جريان قاعدة الطهارة في الشبهات الحكميّة

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 57، فصل في النجاسات، المسألة 3.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 347

من المسألة إذا شكّ في القابليّة «1»؛ لأنّ من المقرّر في محلّه عند المشهور جريانُ استصحاب عدم القابليّة «2»، و قضيّة ذلك هو حرمة لحمه، فيكون مقدّماً على القاعدة؛ لما ينقّح به موضوع الدليل؛ و هو نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه و خرؤه.

و فيه أوّلًا: أنّ جريانها ممنوع، و في النسبة إشكالًا؛ لأنّ مِن القائلين بجريان الأعدام الأزليّة، مَن استشكل في خصوص جريان هذا الأصل «3».

و ثانياً: لا يحرز بذلك عنوان هذه المسألة. و مجرّد كون اللحم محرّماً، غير كافٍ كما لا يخفىٰ، فلو فرضنا أصالة الحرمة عند الشكّ في القابليّة- كما عليه الأكثر إلّا الوالد- مدّ ظلّه «4» فهو لا يكون منقّحاً لدليل هذه المسألة، فليتدبّر.

و ربّما يشكل ثانياً: في جريانها؛ لأجل أنّ الأصل في اللحوم هي الحرمة «5»؛ علىٰ ما تحرّر في محلّه

«6».

و أنت خبير بما فيه من الأصل أوّلًا، و من أنّ علىٰ فرض تماميّته لا يثبت به موضوع البحث؛ و هو كون الحيوان ممّا لا يؤكل لحمه واقعاً، أو بدليل ظاهريّ يحرز به ذلك كالاستصحاب، و أمّا الأصل المزبور فلا يكفي.

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 291.

(2) لاحظ تحريرات في الأُصول 8: 486 489.

(3) مصباح الأُصول 3: 117.

(4) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 102 و 106.

(5) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 288.

(6) تحريرات في الأُصول 8: 486 و ما بعدها.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 348

إن قلت: هذا الأصل هو استصحاب عدم التذكية، أو استصحاب حرمته حال الحياة.

قلت: أمّا الاستصحاب الأوّل فهو لا ينفع لبوله و خرئه حال الحياة؛ ضرورة أنّ الشكّ في التذكية و اللاتذكية، لا يكون فعليّاً إلّا بعد عروضها على الحيوان في الخارج. و التفصيل بين بوله و خرئه حال الحياة و حال الممات، من المجمع عليه بطلانه.

مع أنّ بذلك أيضاً لا يحرز موضوع الدليل الاجتهاديّ، و سرّ ذلك أنّ مجرى الاستصحاب؛ إمّا يكون من القضيّة السالبة المحصّلة، أو الموجبة المعدولة المحمول؛ أي يقال: «ما كان هذا مذكّى، و الآن كذلك» أو يقال: «كان هذا غير مذكّى» و موضوع الدليل الاجتهاديّ قضيّة سالبة المحمول؛ أي «لا بأس ببول الحيوان الذي لا يؤكل لحمه» و إحراز ذلك بذاك غير ممكن إلّا بالأصل المثبت.

و أمّا الاستصحاب الثاني، فتفصيله في محلّه «1»، و إجماله أنّ حرمة الحيوان قبل التذكية و حال الحياة غير واضحة، و قد اشتهر عن شيخ مشايخنا ترخيص بلع الشاة حيّةً. و أمّا الإشكالات الأُخر المتوجهة إلىٰ هذا الاستصحاب، فهي كلّها قابلة للدفع.

نعم، بناءً علىٰ ما استظهرناه في موضوع الأدلّة في المقام

لا ينفع الاستصحاب أيضاً؛ لأنّ الاستصحاب لا يثبت به إلّا حال الشخص، و موضوع

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 8: 486 488.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 349

الأدلّة هي المحرّمات النوعيّة، فتأمّل.

إن قلت: قضيّة الأدلّة الاجتهاديّة حرمة كل حيوان إلّا ما خرج بالدليل، فعليه ترتفع الشبهة الحكميّة، و يصير الحيوان ممّا لا يؤكل لحمه، فالأصل الذي يتمسّك به هي القاعدة الاجتهاديّة.

و توهّم: أنّه من التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة، في غير محلّه، بل هو من الشكّ في التخصيص؛ لأنّ مورد الشبهة حيوان لم يعلم حكمه في الشرع مثلًا، كالأرنب.

نعم، إذا كانت الشبهة الحكميّة لأجل الشكّ في طروّ الحرمة العرضيّة، فقضيّة الاستصحاب بقاء الحلّية، و تصير النتيجة هي الطهارة. إلّا أنّ في كفاية ذلك لإحراز عنوان الدليل لما مرّ إشكال.

و علىٰ أيّ تقدير: جريان قاعدة الطهارة في هذه الصورة بلا مزاحم «1».

قلت: هذه المسألة طويلة الذيل، و قد اختلفت كلماتهم؛ فالمعروف بين الأخباريّين هي الحرمة، و في خصوص اللّحم أيضاً هو المحكيّ عن جماعة عن الأُصوليّين و منهم «العروة الوثقىٰ» و لكنّه مع ذلك اختار الطهارة «2»، و كأنّه (قدّس سرّه) اعتمد في حرمة اللّحم علىٰ الأصل دون الدليل، كما لا يخفىٰ.

و الذي يسهّل الخطب: أنّ علىٰ تقدير دلالة الأخبار علىٰ حرمة كلّ حيوان- مع أنّ المعروف أيضاً دلالة الآية الشريفة

______________________________

(1) مهذّب الأحكام 1: 300.

(2) العروة الوثقىٰ 1: 57، فصل في النجاسات، المسألة 3.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 350

قُلْ لٰا أَجِدُ فِي مٰا أُوحِيَ إِلَيَّ .. «1» إلىٰ آخره، و كثيرٍ من المآثير علىٰ أصالة الحلّية «2» لا يمكن الحكم بالنجاسة؛ لما تقرر منّا: أنّ الأدلّة اللفظيّة قاصرة عن إثبات نجاسة

بول مطلق ما لا يؤكل لحمه «3»، فتكون القاعدة بلا مزاحم.

و ربّما يشكل ثالثاً: بأنّ قضيّة المطلقات نجاسة البول، و قد خرج منها بول ما يؤكل لحمه، و حيث يمكن إخراج مورد الشبهة عن تحت المخصّص باستصحاب العدم الأزلي، يتمسّك بالإطلاق، فيلزم التفصيل بين البول و الغائط عند الشكّ؛ لعدم الإطلاق في أدلّته «4» كما عرفت. نعم يمكن إلحاقه به للإجماع عليه، فتدبّر.

و توهّم: أنّ جريان الاستصحاب بحسب مقام الجعل، يختصّ بما إذا كان المشكوك فيه من الأحكام الإلزاميّة، دون الترخيصيّة كالإباحة و الحلّية، فإنّها غير محتاجة إلى الجعل، بل يكفي في ثبوتها عدم الجعل «5»، فهو فاسد جدّاً؛ ضرورة أنّ عدم الحاجة إلى الجعل لا ينافي شمول إطلاق دليل الجعل لمثله، فتكون الحلّية مجعولة بعد إمكان جعلها.

و هذا نظير عدم الحاجة في موارد حكم العقل بالاشتغال إلىٰ جعله، و لكنّه مع ذلك يصحّ التمسّك باستصحاب الاشتغال و جعل الشارع بعد

______________________________

(1) الأنعام (6): 145.

(2) وسائل الشيعة 25: 9، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 1.

(3) تقدّم في الصفحة 304.

(4) لاحظ دروس في فقه الشيعة 2: 302.

(5) دروس في فقه الشيعة 2: 303.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 351

إمكانه، فلا تكن من الخالطين.

و أنت خبير بما فيه أوّلًا: من قصور تلك الإطلاقات التوهّميّة، كما مضى سبيله «1».

و ثانياً: أنّ الأعدام الأزليّة لا تجري فيها الأُصول إلّا في مورد كان الأثر لنفس التعبّد به، لا لأمر آخر وراءه.

و ربّما يشكل رابعاً: بأنّ في الشبهات الموضوعيّة لا بدّ من الاحتياط إذا كان تحصيل العلم بها سهلًا، فإنّ أدلّة الأُصول تقصر عن شمول ذلك؛ لعدم استقرار الشكّ إلّا مع عسر الاطلاع على الواقع.

و هذه

الشبهة محكيّة عن شيخنا العلّامة الحائريّ (قدّس سرّه) و لكنّه (قدّس سرّه) استثنىٰ في باب النجاسات ذلك «2»؛ لصحيحة زرارة الناطقة بعدم لزوم النظر إلىٰ ثوبه لرفع ريبه «3».

و لكنّك تعلم: أنّها كما لا تختص بنجاسة الدم من ثوب زرارة، كذا هي ليست تعبّداً في الشبهات الموضوعيّة، بل هي لمكان شمول الأدلّة و صدق الشبهة و الشكّ تعرّضت لذلك، فالعرف لا يجد فارقاً بين المواقف و الموارد، فيعلم منها عدم قصور في أدلّة الأُصول.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 313 و 322.

(2) لم نعثر عليه في هذه العجالة.

(3) تهذيب الأحكام 1: 421/ 1335، وسائل الشيعة 3: 402، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 7، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 352

و أمّا حال ما نسب إلى «الجواهر» «1» في المسألة الآتية؛ و هي الشكّ في أنّ الحيوان ذو نفس سائلة، أم لا، فهو إشكال علىٰ جريان الأُصول في الشبهات الموضوعيّة، و مخصوص بتلك المسألة، فلا تغفل.

الفرع الرابع: بيان مقتضى الأصل العملي عند الشك في أنّه ذو نفس سائلة
اشارة

إذا لم يعلم: أنّه من ذي نفس سائلة أم لا بناءً على اعتبار هذا القيد في نجاستهما فحكمه يعلم ممّا مضى، و الأمر هنا أسهل؛ لعدم إمكان توهّم أصل يقتضي الحرمة، لأنّ المفروض حلّية لحمه، و مشكوكيّة حال دمه.

و أمّا الإشكال الصغرويّ: بأنّ كلّ حيوان حلال اللّحم، له الدم السائل إذا كان بريّاً، فهو في غير محلّه كما لا يخفىٰ.

و أمّا ما أفاده «الجواهر» في المقام، فيظهر ممّا ذكره الأصحاب إيراداً عليه، فلا نطيل المقام بذلك الكلام، فراجع «2».

و ربّما يتخيّل أنّ استصحاب العدم الأزليّ، لا ينفع لإحراز عنوان العامّ بإخراج الفرد المشكوك عن عنوان الخاصّ؛ لأنّ العنوان المجعول مخصّصاً لعموم ما دلّ علىٰ نجاسة البول و الخرء، أمر

عدميّ لا وجوديّ، و الأصل المزبور يفيد على الثاني لا الأول. بل قضيّة الأصل في الأمر

______________________________

(1) جواهر الكلام 5: 289، لاحظ دروس في فقه الشيعة 2: 300.

(2) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 295، دروس في فقه الشيعة 2: 300.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 353

العدميّ؛ هو الخروج عن تحت العامّ، و الدخول تحت الخاصّ، فلاحظ «1».

و فيه أوّلًا: لو كان الأمر كما قيل لكان هذا معيّناً، و لا نحتاج إلىٰ إجراء قاعدة الطهارة حتّى يشكل جريانها في الشبهة الحكميّة.

و ثانياً: الأمر العدميّ بحسب الواقع و نفس الأمر، لا يعقل أن يكون مورد الحكم إلّا بنحو يرجع إلى المعنى الوجوديّ.

و بعبارة اخرىٰ: العناوين العدميّة مشيرة إلىٰ خصوصيّات وجوديّة.

نعم، إذا كان العنوان العدميّ مأخوذاً في الدليل، فلا بدّ من تبعيّته، و لكنّ الأمر هنا ليس كذلك؛ لما عرفت: من أنّه لا دليل شرعيّ لفظيّ على اعتبار هذا القيد في نجاسة البول و الغائط «2»، فعليه يمكن قلب هذا العنوان العدميّ إلى الوجوديّ، ثمّ إجراء الأصل.

و الذي يسهّل الخطب؛ عدم تماميّة كبرىٰ هذه المسألة علىٰ ما تقرّر منّا في محلّه إلّا في صورة واحدة أُشير إليها، و تفصيلها في محلّها «3».

ثمّ اعلم: أنّه سيأتي في ذيل مباحث المنيّ ما به يتمّ مباحث هذه المسألة، فراجع «4».

______________________________

(1) دروس في فقه الشيعة 2: 316.

(2) تقدّم في الصفحة 299 و 318.

(3) تحريرات في الأُصول 7: 101 102 و 8: 55 56.

(4) يأتي في الصفحة 356.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 354

تذنيب: في حكم الرجيع المردّد

هذا تمام الكلام فيما تردّد الأمر في الحيوان.

و أمّا لو تردّد الأمر في رجيعه بأنّه رجيع المحرّم، أو المحلّل، أم السائل، أو غير السائل، فجريان قاعدة

الطهارة بلا معارض.

و أمّا توهّم استصحابها فهو مشكل؛ لعدم العلم بالحالة السابقة. مع لحاظ حفظ الموضوع وحدةً و عنواناً، و مع الشكّ في انحفاظ الموضوع أيضاً يتعيّن القاعدة.

و هكذا إذا تردّد أنّه من الأرنب أو الشاة، و تردّد في حكم الأرنب، فإنّ البناء علىٰ حرمته لا يقتضي نجاسته.

إيقاظ: حول ثبوت النفس السائلة للحيّة و التمساح

قد تعرّض الأصحاب (رحمهم اللّٰه) لحال الحيّة و التمساح، و اختلفت كلماتهم في أنّهما من ذوات النفس أم لا «1».

و المحكيّ عن الشهيد أنّ جميع الحيوانات البحريّة غير ذات النفس، و استشكل الآخرون في ذلك «2»، مع أنّ في «حياة الحيوان» أنّ للحيّة مائتي لغة، و لها الأصناف الكثيرة «3».

______________________________

(1) مدارك الأحكام 1: 93، مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 296، دروس في فقه الشيعة 2: 317.

(2) جواهر الكلام 5: 296، العروة الوثقىٰ 1: 57 58، فصل في النجاسات، المسألة 4.

(3) حياة الحيوان، الدميري 1: 391.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 355

و عن «المبسوط» في خصوص الأفاعي: «أنّها إذا قُتلت نجست» «1».

و في «المعتبر» و «المنتهىٰ»: «أنّها من ذوات النفس، و أنّ ميتتها نجسة» «2» انتهىٰ.

و حيث إنّ التمساح من ذوات الناب، فكأنّه من السباع البحريّة، فيبعد أن لا يكون له دم سائل.

و ربّما يستظهر أنّ الحيوانات التي تأكل اللحوم بالخضم من ذوات النفس، بخلاف الحيوانات التي تبلع الحيوان و إن كانت بريّةً، كالحيّة و نحوها، و اللّٰه العالم.

و في نجاسة هذه الأنواع خلاف ظهر ممّا مرّ، فإنّ من يقول: بأنّ مجرّد حرمة الأكل كافٍ في الحكم بالنجاسة في مخلص، كما أنّ الذي اختار ما ذكرناه من أنّ الأدلّة قاصرة عن إثبات نجاسة رجيع كلّ حيوان ذي نفس، بل المقدار الثابت منه ما تعارف منه في البلاد،

فمثل التمساح و أمثاله و إن كانت ذات نفس، يشكل نجاسة رجيعها. و إطلاق معاقد الإجماعات مسلّم، و لكنّه مستند إلى الإطلاقات التوهّميّة للأخبار و المآثير، كما لا يخفىٰ في مخلص أيضاً.

و حيث لا يجب الفحص و الاحتياط في الشبهات الموضوعيّة، فالمشهور أيضاً يرجعون إلى القاعدة، فلا خير في تعقيب هذه المسألة جدّاً.

______________________________

(1) المبسوط 2: 186.

(2) المعتبر 1: 75، منتهى المطلب 1: 16/ السطر 20.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 356

الثالث: المنيّ

اشارة

و في نجاسته من الحيوان النجس العين اتفاق من المسلمين، و لمّا كانت المسألة في سائر الصور مورد الإشكال و الخلاف بينهم، فلا بأس بتنقيحها ضمن مسائل:

المسألة الاولىٰ: في حكم منيّ الآدميّ

منيّ الآدميّ فإنّه نجس بالضرورة، و لا يحتاج إلىٰ رواية، و هو القدر المتيقّن من المآثير «1»، و قد خالفنا من المخالفين الشافعيّ فقال: «إنّه من الآدميّ طاهر» و هذا هو قوله في الجديد، و في القديم ذهب إلىٰ نجاسته «2»، و الحنابلة علىٰ ما في المجلّد الأوّل من «الفقه على المذاهب الأربعة» «3» و هو اشتباه لذهاب أحمد في إحدى الروايتين إلىٰ طهارته، كما في «المعتبر» و «التذكرة» «4».

و بالجملة: الطهارة قول سعد بن أبي وقّاص، و ابن عمر «5».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 423، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 16.

(2) المجموع 2: 553/ السطر 15، منتهى المطلب 1: 161/ السطر 23.

(3) الفقه على المذاهب الأربعة 1: 13.

(4) المعتبر 1: 415، تذكرة الفقهاء 1: 53.

(5) المجموع 2: 554/ السطر 4.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 357

و أمّا استفادة النجاسة من إيجاب الإعادة، كما في كلمات جمع «1»، أو استفادة الطهارة من الآخرين بعدم إيجاب إعادة الصلاة «2»، فهو ممنوع كما هو الظاهر. فعدّ نجاسة المنيّ من الآدمي من ضروريّات الإسلام «3»، لا يخلو عن غباوة.

و ربّما يشكل نجاسته؛ لعدم نصّ يدلّ عليه إلّا الأخبار الآمرة بالغسل و الإزالة، و هي بعد إمكان كونها لأجل مانعيّته في الصلاة، و أنّ الأجزاء الصغار منه لا تزول بالدلك لا تدلّ عرفاً على النجاسة المقصود إثباتها.

هذا مع توهّم دلالة بعض الأخبار علىٰ طهارته «4»، كرواية زيد الشحّام المرويّة في «الوسائل» «5» و رواية أبي أُسامة زيد الشحّام في «الجامع» «6»

و غيرهما «7» ممّا يشعر بذلك؛ لأجل أنّ مجرّد إصابة المطر و البلّ ذلك، لا يكفي للطهارة علىٰ ما تقرّر في ماء المطر، فلاحظ «8» و تدبّر.

______________________________

(1) دليل العروة الوثقىٰ 1: 328، دروس في فقه الشيعة 2: 319.

(2) الفقه على المذاهب الأربعة 1: 13.

(3) التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 491.

(4) الحدائق الناضرة 5: 34.

(5) الكافي 3: 53/ 5، وسائل الشيعة 3: 446، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 16، الحديث 7.

(6) جامع أحاديث الشيعة 2: 95/ 10.

(7) تهذيب الأحكام 1: 421/ 1332، وسائل الشيعة 3: 446، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 27، الحديث 7.

(8) تقدّم في الجزء الأوّل: 401.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 358

و أمّا دعوى حملها على التقيّة «1»، فهي ساقطة؛ لاختلاف عصري الصادق (عليه السّلام) و من قال من العامّة بالطهارة و هو الشافعيّ، و خصوصاً مع مخالفته مع أبي حنيفة «2»، فما ترى في بعض الكتب محمول على القصور «3»، و لا سيّما مع ملاحظة ما في ذيل كلامه.

و أمّا ما أفاده الآخر: من أنّ هذه المآثير دالّة على النجاسة؛ لما يعرف منها مفروغيّتها «4»، فهو غير بعيد ذاتاً، و لكنّه بعد لا يخلو من شبهة، فتدبّر.

و ما قد يقال «5» بدلالة مرسلة شبيب بن أنس المشتملة علىٰ قول الصادق (عليه السّلام) لأبي حنيفة: «أيّهما أرجس؟» و دلالة رواية «العلل» عن الفضل بن شاذان، عن الرضا (عليه السّلام) المشتملة علىٰ قوله: «و إنّما أُمروا بالغسل من الجنابة، و لم يؤمروا بالغسل من الخلاء و هو أنجس من الجنابة و أقذر» المرويّتين في أبواب الجنابة الباب الثاني «6»، فهو قريب، و لكنّه لا يتمّ؛ لاحتمال إرادة الرجس بمعنى الآخر في

الأُولىٰ، و احتمال كون التفصيل فرضيّاً، كما هو المتعارف في الاستعمال:

ففي رواية «الدعائم» قوله: «أيّهما أطهر المنيّ أو البول؟» قال

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 521/ السطر 24، دروس في فقه الشيعة 2: 320.

(2) المجموع 2: 554/ السطر 5.

(3) دروس في فقه الشيعة 2: 322.

(4) مهذّب الأحكام 1: 302.

(5) لاحظ الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 39.

(6) علل الشرائع: 90 و 257، وسائل الشيعة 2: 179 180، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 2، الحديث 4 و 5.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 359

المنيّ «1».

مع أنّ مطلق الخلاء ليس أنجس من المنيّ.

و الذي يسهل الخطب ما ذكرناه؛ من عدم حاجة المسألة إلى الرواية «2»، بل كلّما ازدادت علىٰ طهارته ازداد فيها الضعف و الفتور.

نعم، في أبواب حرمة القياس، عن محمّد بن مسلم قال: «يا أبا حنيفة، الغائط أقذر أم المنيّ؟».

قال: بل الغائط «3».

و في أبواب المياه رواية أبي بصير قال: «فإن أدخلت يدك في الإناء و فيها شي ء من ذلك» أي قذر بول أو جنابة «فأهرق ذلك الماء» «4».

و غير ذلك في الأبواب المتفرّقة روايات تشهد على المدّعىٰ، فراجع «جامع الأحاديث» «5».

و لا شبهة في أنّ المراد من «الجنابة» في هذه المآثير إمّا ينحصر بمنيّ الإنسان، أو يكون هو القدر المتيقّن كما لا يخفىٰ.

و أيضاً غير خفيّ: أنّ إثبات نجاسة منيّ المرأة بمثل ما مرّ، دونه

______________________________

(1) دعائم الإسلام 1: 91، مستدرك الوسائل 1: 450، كتاب الطهارة، أبواب الجنابة، الباب 2، الحديث 2.

(2) تقدّم في الصفحة 356.

(3) الاختصاص: 189، مستدرك الوسائل 17: 266، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 6، الحديث 36.

(4) الكافي 3: 11/ 1، وسائل الشيعة 1: 152، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق،

الباب 8، الحديث 4.

(5) جامع أحاديث الشيعة 2: 93.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 360

خرط القَتاد.

المسألة الثانية: في حكم منيّ ما لا يؤكل لحمه و له نفس سائلة

المنيّ من كلّ حيوان ذي نفس سائلة ممّا لا يؤكل لحمه، نجس عندنا حسب الإجماعات المحكيّة «1»، و قضيّة إطلاق معاقدها أنّه منه نجس؛ من غير فرق بين ما تعارف منه في البلاد، و ما كان خارجاً عنه، كالسباع البعيدة، و الحيوانات البحريّة.

و المخالف في هذه المسألة هو الشافعيّ، فإنّ له في غير الآدميّ ثلاثة أقوال؛ منها طهارته «2»، و لم يظهر لي من وافقه منهم إلّا أحمد، فإنّ الظاهر أنّه في إحدىٰ روايتيه قال بطهارته «3»، فليست المسألة ضروريّة في الإسلام. بل و اختلاف أقوال هؤلاء الجهلة، شاهد علىٰ أنّ المسألة ما كانت ضروريّة في أعصارهم.

و ربّما يشكل نجاسته؛ لأجل الإشكال في دليله، و انحصار المستند في الإجماع المعلوم سنده؛ و ذلك لأنّ ما يدلّ علىٰ نجاسة المنيّ، موردُ الخدشة من جهات:

فتارة: ما أفاده «المدارك» من انصرافها إلىٰ منيّ الإنسان «4».

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 53، مفتاح الكرامة 1: 136/ السطر 26.

(2) تذكرة الفقهاء 1: 53، المجموع 2: 555.

(3) بداية المجتهد 1: 84.

(4) مدارك الأحكام 2: 266.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 361

و أُخرى: ما أفاده «الجواهر» من أنّ المتبادر لأجل كلمة «الثوب» و لندرة الوجود منيّ الإنسان «1».

و ثالثة: ما ذكرناه من أنّ معتبر محمّد بن مسلم في الباب السادس عشر و غيره المشتمل علىٰ ذكر المنيّ «2»، ليس في مقام بيان حكم المنيّ من حيث نجاسته و لا نجاسته، بل كلّها في مقام بيان أمر آخر؛ من أشديّة نجاسة البول علىٰ نجاسة المنيّ، و من لزوم غسل كلّ مٰا يصيبه المنيّ؛ و ذلك

لأنّ نجاسته الإجماليّة كانت واضحة في عصر هذه الأخبار، فلا حاجة إلى السؤال عن تلك الجهة.

و رابعة: ما أفاده «القاموس» بل و «الصحاح» «من أنّ المنيّ ماء الرجل و المرأة، أو هو ماء الرجل فقط» «3» فلا يتمّ الإطلاق السكوتيّ أيضاً.

فبالجملة: يحصل من هذه الأُمور بأجمعها؛ أنّ الإطلاق لهذه المآثير غير واضح، و حيث كان المجمعون مستندين إليها فلا سند لهم غيرها، فيرجع إلى الأُصول بعد هذا القصور.

و ما ترى من تصدّي السيّد المحقّق الوالد- مدّ ظلّه لإثبات الإطلاق بكثرة وجود المنيّ من الحيوانات مورد الابتلاء «4»، لا يفي لإثبات ذلك، و لا يندفع به جميع ما سبق منّا.

______________________________

(1) جواهر الكلام 5: 290.

(2) تهذيب الأحكام 1: 252/ 730، وسائل الشيعة 3: 424، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 16، الحديث 2.

(3) القاموس المحيط 4: 394، الصحاح 6: 2497.

(4) الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 38.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 362

المسألة الثالثة: في حكم منيّ ما يؤكل لحمه مما له نفس سائلة

منيّ ما يؤكل لحمه و له الدم السائل نجس عند أصحابنا، و عليه الإجماعات الكثيرة «1»، و هو مقتضى الإطلاقات في المسألة الأُولىٰ بناءً علىٰ تماميّتها.

و المخالف من المخالفين أيضاً هو الشافعيّ «2». و هو قضيّة منطوق موثّق عمّار عنه (عليه السّلام) قال: «كلّ ما أُكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه» «3».

و معتبر ابن بكير في أبواب لباس المصلّي، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال: «إن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة ..» إلىٰ قوله: «و كلّ شي ء منه جائز ..» «4».

و لو استشكل في الأُولىٰ: بظهورها في البول و الغائط؛ لخروج مثل الدم عنه «5»، و في الثانية: بعدم دلالتها على الطهارة؛ لاحتمال كونها في

______________________________

(1) مدارك الأحكام 2:

265، مفتاح الكرامة 1: 136/ السطر 26، مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 296.

(2) المجموع 2: 555.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 2، ص: 362

(3) تهذيب الأحكام 1: 266/ 781، وسائل الشيعة 3: 409، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 12.

(4) الكافي 3: 397/ 1، وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي، الباب 2، الحديث 1.

(5) جواهر الكلام 5: 292، الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 40.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 363

مقام بيان الحكم الحيثيّ «1»، لأمكن الإشكال في بعض المطلقات السابقة أيضاً: بأنّها قاصرة عن إثبات نجاسة منيّ الحيوان الطاهر بوله و خرؤه، و خصوصاً معتبر ابن مسلم قال: «ذكر المنيّ و شدّده، و جعله أشدّ من البول» «2» فإنّه لا معنىٰ لأشدّية المنيّ من الحيوان الطاهر بوله من بوله.

فيعلم من ذلك: أنّ هذه القضيّة مجملة، و ليست في مقام إثبات أشدّية طبيعة علىٰ طبيعة؛ حتّى يلزم نجاسة المنيّ الصناعيّ و البول الصناعيّ، كما يأتي تفصيله «3».

ثمّ إنّه لو فرضنا الإطلاق للطائفتين، فإن لاحظنا الطائفة الدالّة علىٰ نجاسة المنيّ بالظهور العرفيّ، فيمكن الجمع بينها و بين هذه الطائفة.

و إذا لاحظناها مع ما يدلّ علىٰ نجاسته بالنصّ كما مرّ «4»، فالجمع مشكل؛ لأنّ النسبة عموم من وجه، ضرورة أنّ معنىٰ موثّق عمّار: «كلّ ما أُكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه» «5» و هو أعمّ من عنوان «المنيّ» و المنيّ أعمّ منه أيضاً؛ لشمول دليله لمنيّ ما لا يؤكل لحمه.

فما ترى من توهّم: أنّ مع قبول إطلاق هذه الطائفة،

كان المتعيّن

______________________________

(1) دروس في فقه الشيعة 2: 326.

(2) تقدّم في الصفحة 361.

(3) يأتي في الصفحة 369 370.

(4) تقدّم في الصفحة 359.

(5) تهذيب الأحكام 1: 266/ 781، وسائل الشيعة 3: 409، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 12.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 364

القول بالطهارة في هذه المسألة «1»، لا يخلو من تأسّف. و ما أفاده العلّامة الوالد- مدّ ظلّه من حكومة هذه الطائفة، أو تقدّمها بنحو الإجمال «2»، غير وجيه أيضاً.

نعم، يمكن دعوى: أنّ مع حفظ لسان الرواية، يمكن تقديم العرف هذه الطائفة؛ ضرورة أنّه إذا فرضنا دلالة الطائفة الأُولىٰ علىٰ أنّ المني ممّا يؤكل و ما لا يؤكل نجس، و كان في الطائفة الثانية ما يدلّ علىٰ الطهارة بهذا التعبير: «كلّ ما أُكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه» فإنّ ما يخرج منه من توابع الحكم عرفاً، و تكون النسبة بين الموضوعين عموماً مطلقاً، فعليه لا بدّ من حفظ لسان الأخبار، و يعلم منه عدم جواز نقل المعاني بالألفاظ الأُخر؛ لاختلاف فهم العقلاء في الجمع، فليتدبّر.

و لو أشكل الأمر جمعاً، فالمرجع هي الطهارة. و لعمري أنّ الإفتاء بالنجاسة حسب هذه الإجماعات، مشكل جدّاً.

المسألة الرابعة: في حكم منيّ ما ليست له نفس سائلة
اشارة

منيّ ما لا نفس له فيه قولان؛ فالمشهور بين القدماء حسب الإطلاقات هي النجاسة «3»، و قد خالفهم المحقّق «4»، و لعلّه أوّل من تعرّض

______________________________

(1) دروس في فقه الشيعة 2: 326.

(2) الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 40.

(3) الانتصار: 15، المبسوط 1: 36، الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 488/ السطر 36.

(4) شرائع الإسلام 1: 43.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 365

لخصوص هذه المسألة، و تبعه جمع آخر من الأعلام «1».

و ربّما يشكل في إطلاق معاقد

الإجماعات تارة: بأنّها في قبال فتوى العامّة القائلين بالطهارة مثلًا «2».

و أُخرى: باستدلالهم بالآية الشريفة «3» التي تعرّضنا لحدودها في مباحث المياه «4»، و هي علىٰ فرض دلالتها علىٰ نجاسة المنيّ، تكون أخصّ من المدّعىٰ «5».

و لو فرضنا تماميّة المعاقد إطلاقاً، خصوصاً معقد «الخلاف» «6» بل و معقد إجماع السيّد و ابن زهرة «7»، فلا نسلّم حجّيته في المقام؛ لأنّ مستندهم قويّاً ينحصر بالأخبار، و لا نصّ عندهم وراء ذلك، و ليست المسألة واضحة كلّيتها حتّى يقال: بأنّها من الأُصول المتلقّاة، فما ترى من جدّ السيّد الوالد- مدّ ظلّه لإثبات إطلاق المعقد «8»، غير وافٍ بالمطلوب.

ثمّ إنّه لا فرق فيما لا نفس له بين أن يكون ذا لحم، أو بلا لحم.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 55، ذكرى الشيعة: 13/ السطر 12، مفتاح الكرامة 1: 137/ السطر 5.

(2) جواهر الكلام 5: 292.

(3) الأنفال (8): 11.

(4) تقدّم في الجزء الأوّل: 25 26.

(5) مشارق الشموس: 301/ السطر 24.

(6) الخلاف 1: 489.

(7) الانتصار: 16، الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 488/ السطر 36.

(8) الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 41.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 366

و ممّا يؤيّد الطهارة هنا؛ طهارة بوله و خرئه و دمه و ميتته.

نعم، قد مرّ الإشكال في ذي اللحم المحرّم ممّا لا نفس له «1»، و لكنّه منحل بما عرفت بما لا مزيد عليه.

و ربّما يتمسّك كما عرفت سابقاً «2»، بروايات الباب الخامس و الثلاثين، و منها: معتبر عمّار الساباطيّ قال (عليه السّلام) في ذيله: «كلّ ما ليس له دم فلا بأس» «3».

و العدول عن خصوصيّة السؤال و هو الميتة، يؤكّد العموم علىٰ مٰا تقرّر. و منها غير ذلك «4».

و التمسّك في غير محلّه، كما

مرّ مراراً. و لو صحّ التمسّك كان الأولى الاستدلال بذيل الحديث المزبور المحذوف فيه الضمير المشير حذفه إلىٰ إفادة عموم الأجزاء في المنطوق، فيكون الحكم في المفهوم كذلك مثلًا.

و أمّا قوله: «لا يفسد الماء إلّا ما كانت له نفس سائلة» فهو ظاهر في أنّ الفساد مستند إلىٰ جثمان ذي النفس و جرثومته، لا جزئه البوليّ أو المنويّ منه، و لذلك ذكر الأصحاب هذه المآثير في باب نجاسة الميتة، فلا تخلط.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 298 299.

(2) نفس المصدر.

(3) تهذيب الأحكام 1: 230/ 665، وسائل الشيعة 3: 463، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 35، الحديث 1.

(4) تهذيب الأحكام 1: 231/ 669، وسائل الشيعة 3: 464، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 35، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 367

إيقاظ: حول حكم منيّ الصبيّ غير البالغ

قضيّة مٰا مرّ من قصور الأدلّة عن إثبات نجاسة كلّ منيّ، و مقتضى ما في «القاموس» و «الصحاح»: «من أنّ المنيّ ماء الرجل و المرأة، أو هو ماء الرجل» «1» الإشكال في نجاسته من الصبيّ كالمرأة، علىٰ ما أُشير إليه في المسألة الأُولىٰ «2»، فلو فرضنا خروج المنيّ من الصغير لعلّة و مرض كالفتور المستولي على الأعضاء فإنّه ليس من علائم البلوغ مطلقاً، فإنّه في نجاسته إشكال و شبهة، و ما في «مفتاح الكرامة»: «من أنّ تفسيرهما محمول على التمثيل» «3» غير وجيه إلّا في بعض الألفاظ.

اللهمّ إلّا أن يقال: هو لازم إلغاء الخصوصيّة، فتأمّل.

بحث و تفصيل: اشتراط الخروج من المخرج الطبيعي و بالنحو المتعارف

كما يشترط في نجاسة البول و الغائط كونهما من محرّم الأكل، و في نجاسة المنيّ كونه من ذي النفس؛ علىٰ ما هو المشهور و المعروف، فهل يشترط كون الثلاثة من المخرج الطبيعيّ، و كونها بنحو الخروج المتعارف، أم لا؟

______________________________

(1) القاموس المحيط 4: 394، الصحاح 6: 2497.

(2) تقدّم في الصفحة 358 359.

(3) مفتاح الكرامة 1: 137/ السطر 3.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 368

و تظهر الثمرة فيما تعارف في عصرنا من أخذ المنيّ بتوسّط الإبرة من مخزنة، و من إخراج البول من المخارج غير الطبيعيّة خروجاً غير طبيعيّ.

ظاهر الأصحاب (رحمهم اللّٰه) هو الثاني.

و يشكل ذلك: بأنّ إطلاق كلماتهم و معاقد إجماعاتهم، ممنوع من بعض الجهات الماضية، فضلًا عن هذه الجهة الحادثة. مع أنّ مستند إطلاقه إطلاق الأخبار، و قد عرفت الشهبة فيه مراراً «1».

هذا مع أنّ الظاهر من موثّقة عمّار الماضية «2»؛ أنّ نفي البأس مخصوص بما يخرج، لا بما يُخرج بالإخراج الصناعيّ قال: «كلّ ما أُكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه».

و بالجملة: إن قلنا بنجاستها في الباطن

كما عرفت منّا قوّة ذلك «3» فلا فرق بين الصورتين، و إن قلنا بطهارتها ففي نجاستها هنا إشكال قويّ.

و توهّم دلالة هذه الموثّقة علىٰ أنّ البأس مخصوص بالخارج، مدفوع بأنّ صيغة المضارع تفيد الشأنيّة، و لا يلزم فعليّة الخروج في ثبوت البأس، فلا تخلط. بل هي للاستدلال بها علىٰ نجاستها في الباطن أولىٰ و أحسن، كما لا يخفىٰ.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 365.

(2) تقدّم في الصفحة 362.

(3) تقدّم في الصفحة 340 341.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 369

المسألة الخامسة: في حكم البول و الغائط و المنيّ الصناعيّة

لا شبهة في أنّ الأبوال و الغائط الصناعيّة طاهرة؛ لما يظهر من الأخبار أنّهما ممّا لا يؤكل لحمه نجس، فيكون من شرائط نجاستهما كونهما من الحيوان.

و توهّم: أنّ قوله (عليه السّلام): «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» «1» و إن كان ظاهراً في القضيّة الموجبة السالبة المحمول، أو الموجبة المعدولة، أو السالبة المحصّلة المفروض موضوعها، و لكنّ الصناعة قاضية بأنّها من السالبة المحصّلة المجامعة مع انتفاء الموضوع، فإذا خلقت الأبوال و الغائط بالمكائن، فهي ممّا لا يؤكل لحمه و إن كان لعدم اللحم له.

في غير محلّه كما ترى. مع أنّه لو سلّمنا ذلك فعند المشهور يعتبر كونهما من ذي النفس، و هو لا يصدق. اللهمّ إلّا أن يلغي هذا الشرط، كما عرفت الإشكال فيه «2».

و أمّا الإشكال في صدق «البول» عليها بل و «الغائط» بعد كونهما مثل ما يخرج من الحيوان في جميع الجهات، فهو مندفع بالتبادر و العرف. هذا حكم الرجيعين.

______________________________

(1) الكافي 3: 57/ 3، وسائل الشيعة 3: 405، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 8، الحديث 2.

(2) تقدّم في الصفحة 299 و 318.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 370

و أمّا المنيّ

الصناعي فربّما يقال بنجاسته؛ لإطلاقات ادّعاها جماعة من الأفاضل في خصوصه، كما عرفت «1»، فكما لا يخصّ ذلك بالإنسان كذلك الأمر هنا، و كما يحمل كلام اللغويّين على التمثيل هناك، يحمل عليه هنا.

اللهمّ إلّا أن يقال: بشرطيّة كونه من ذي النفس في نجاسته، و قد مضى أنّه شرط اختلقه المتأخّرون، كالمحقّق و من تبعه، فلاحظ «2» و تدبّر جيّداً.

المسألة السادسة: في حكم المنيّ و هو في الباطن
اشارة

قضيّة ما مرّ في البحث السابق؛ نجاسة المنيّ و لو كان في الباطن، لعدم الخصوصيّة عرفاً، و الإشكال عليها بجوابه يأتي هنا أيضاً.

ثمّ إنّه علىٰ تقدير طهارته، يشكل الحكم بنجاسته إذا خرج بطريق غير متعارف، كما هو الممكن و يتّفق في هذا العصر أحياناً.

تذنيب: في حكم المذي و الوذي و الودي

المذي و الوذي و الودي طاهر كلّها عند أصحابنا، و عليه الإجماعات المحقّقة و المنقولة «3»، و لنعم ما أفاده العلّامة في «المختلف» و هو قد يعدّ دليلًا خامساً في الفقه، و قد اشتهر في هذه الأعصار الاستدلال به، فقال بعد

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 363.

(2) تقدّم في الصفحة 364.

(3) تذكرة الفقهاء 1: 54، جواهر الكلام 5: 293، دروس في فقه الشيعة 2: 327.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 371

الاستدلالات المختلفة: «و لأنّه ممّا يعمّ به البلوىٰ، فلو كان نجساً لكان حكمه منقولًا بالتواتر» انتهىٰ. و في كونه شديد الابتلاء إشكال.

و قال أحمد بن الجنيد المتوفّىٰ سنة (381 ه): «ما كان من المذي ناقضاً لطهارة الإنسان، غسل منه الثوب و الجسد، و لو غسل من جميعه كان أحوط» «1».

و يظهر منه علىٰ ما هو المحكيّ، أنّه جعل المذي ما خرج عقيب شهوة. و في «الخلاف»: «هذا هو قول جميع الفقهاء» «2». و هو المحكيّ عن الكتب الفقهيّة الأُخرىٰ منهم «3».

و استثنىٰ في «المعتبر» مالكاً في أحد قوليه «4»، و في «التذكرة» أحمد في إحدىٰ روايتيه «5»، و أصحابنا أعرف بفتوى المخالفين منهم.

و بالجملة: المسألة بحسب الفتوىٰ بين شهرتين: شهرة الخاصّة على الطهارة، و شهرة العامّة على النجاسة، فلو كانت رواية عن الأئمّة المعصومين (عليهم السّلام) المعاصرين لتلك الشهرة، فهي قابلة للحمل على التقيّة.

و من العجيب أنّ فتواهم بالنجاسة في

هذه الثلاثة أشهر، و مورد الاتفاق كما أُشير إليه، و في المنيّ من يقول منهم بطهارته!! بل ربّما يظهر من

______________________________

(1) مختلف الشيعة: 57/ السطر 16 22، تذكرة الفقهاء 1: 54.

(2) الخلاف 1: 118.

(3) دروس في فقه الشيعة 2: 328.

(4) لم نعثر عليه لعلّه من سهو القلم و الصحيح أحمد في إحدىٰ روايتيه، المعتبر 1: 417.

(5) تذكرة الفقهاء 1: 54.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 372

بعض العبارات أنّ الشافعي كان يقول بطهارة منيّ الحيوان النجس العين؛ لاستثنائه الكلب و الخنزير في بعض أقواله دون بعض «1»، و إذا كان هؤلاء متصدّين للإفتاء فلا يحصل منهم إلّا منع السماء بركتها، كما في الرواية «2» و من ذلك ما في «الفقه على المذاهب الأربعة» قال:

«الحنفيّة قالوا: إنّ ما يسيل من البدن غير القيح و الصديد، إن كان لعلّة و لو بلا ألم فنجس، و إلّا فطاهر، و هذا يشمل النفط؛ و هي القرحة التي امتلأت و حان قشرها، و ماءَ السرّة، و ماءَ الاذن، و ماءَ العين، فالماء الذي يخرج من العين المريضة نجس و لو خرج من غير ألم، كالماء الذي يسيل بسبب الغرب؛ و هو عرق في العين يوجب سيلان الدمع بلا ألم» «3» انتهىٰ.

ثمّ إنّ المذي: هو الماء الخارج عقيب الثوران و الشهوة.

و الودي: ما يخرج عقيب البول.

و الوذي: ما يخرج من الأدواء، كما عن مرسل ابن رباط «4».

فبالجملة: كلّ ما يخرج من الإنسان و الحيوان حسب القواعد طاهر، إلّا البول و الغائط علىٰ ما مرّ، و المنيّ إجمالًا، و الدم علىٰ ما يأتي، فلا حاجة إلى الأدلّة الخاصّة و الصريحة في طهارة الثلاثة، و لقد مرّ أنّه

______________________________

(1) المجموع 2: 555/

السطر 9.

(2) الكافي 5: 290/ 6، وسائل الشيعة 19: 119، كتاب الإجارة، الباب 17، الحديث 1.

(3) الفقه على المذاهب الأربعة 1: 12.

(4) تهذيب الأحكام 1: 20/ 48، وسائل الشيعة 1: 278، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 12، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 373

لو كانت هي نجسة، لبانت نجاستها، و لتواترت قذارتها «1».

و توهّم نجاستها العرضيّة؛ لملاقاتها مجرى البول و المنيّ «2»، غير سديد؛ لما عرفت من طهارة المجاري «3»، و لما أنّه اتحاد المجرىٰ غير واضح، بل قيل باختلافه.

ثمّ اعلم: أنّ الروايات متظافرة علىٰ طهارتها نصّاً، و هي كثيرة ربّما تبلغ حدّ التواتر، و متشتّتة في الأبواب المتفرّقة «4»، فلو سلّمنا دلالة طائفة علىٰ نجاستها، فهي بالنسبة إلىٰ ذاك محجوجة من جهات عديدة، و جميع المرجّحات و المميزات متّفقة على الأخذ بهذه الطائفة، مع أنّها قاصرة دلالة، و قابلة للجمع العقلائيّ مع غيرها.

مع أنّ في سند ما يدلّ على النجاسة إشكالًا؛ لوجود الحسين بن أبي العلاء فيه، و نحن و إن ذكرنا اعتباره حسب بعض القرائن العامّة «5»، و ممّا يمكن أن يقال في المسألة: إنّ لهذا الرجل نسبه خاصّ معيّن، رواياتٍ ثلاثة كلّها عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «6» و المسؤول عنه فيها واحد حسب الظاهر و هذا يورث الاستبعاد فيكون احتمال الاشتباه قويّاً جدّاً.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 370 371.

(2) لاحظ التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 498.

(3) تقدّم في الصفحة 343.

(4) تهذيب الأحكام 1: 19/ 47، وسائل الشيعة 1: 270، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 9، الحديث 2 و 276 286، الباب 12 و 13، وسائل الشيعة 3: 427، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 17، الحديث

5.

(5) لعلّه (قدّس سرّه) ذكره في فوائده الرجالية و هي مفقودة.

(6) وسائل الشيعة 3: 426، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 17، الحديث 2 و 3 و 4.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 374

فقوله في بعضها: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن المذي يصيب الثوب. قال: «إن عرفت مكانه فاغسله، و إن خفي مكانه عليك فاغسل الثوب كلّه» «1» محمول علىٰ أنّ المسئول عنه هو المنيّ، و لقرب اللفظتين كتابةً أو لأمر آخر، اشتبه على النسّاخ و القارئين.

و ممّا يشهد لذلك: أنّ هذا الجواب بهذه الطريقة مذكور في روايات المنيّ مراراً «2»، فراجع.

و أمّا روايته الأخيرة المشتملة على الأمر بالغسل و عدم التوضّي «3»، فهي مخالفة للكلّ من فِرَق المسلمين؛ لما يرون الملازمة كما في بعض أخبارنا، فلا تحمل هي على التقيّة «4»، و لكنّها لمكان قوله: «فيلتزق به» أمره بالغسل استحباباً لشواهد عرفت، و اللّٰه العالم.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 1: 253/ 731، وسائل الشيعة 3: 426، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 17، الحديث 3.

(2) وسائل الشيعة 3: 423 426، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 16.

(3) وسائل الشيعة 3: 427، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 17، الحديث 4.

(4) كما احتمله صاحب الوسائل (رحمه اللّٰه)، راجع نفس المصدر، ذيل الحديث.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 375

الرابع: الميتة
اشارة

فإنّها عند أصحابنا «1» بل و عند المخالفين نجسة، إلّا الشافعيّ في أحد قوليه «2».

و قال في «المعتبر»: «الميتة ممّا له نفس سائلة نجسة، و هو إجماع الناس، و الخلاف في الآدميّ، و علماؤنا مطبقون علىٰ نجاسة عينه، كغيره من ذوات الأنفس السائلة.

و قال الشافعيّ في الأصحّ عندهم: هو طاهر تكرمةً له إكراماً، و لأنّه لو كان

نجس العين لما طهر بالغسل» «3» انتهىٰ.

فيعلم من ذلك اتفاق جميع المذاهب علىٰ نجاستها من غير الآدمي، و أمّا حكم الآدميّ فيأتي في محلّه إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

و من عدم تعرّض السيّد و الشيخ في «الانتصار» و «الخلاف» و العلّامة في «المختلف» لحكم أصل المسألة، يعلم اتفاقيّة ذلك عندهم و عندنا.

فبالجملة: كانت المسألة عند الكلّ واضحة، حتّى وصلت نوبة الاجتهاد إلىٰ علمين من عشيرة واحدة: «المدارك» و «المعالم» فاستشكل

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 164/ السطر 2، مشارق الشموس: 309/ السطر 26، مستند الشيعة 1: 160.

(2) المجموع 2: 560.

(3) المعتبر 1: 420.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 376

الثاني في دلالة الأخبار و سند ما يدلّ، و قال: «إنّ الدليل ينحصر بالإجماعات المحكيّة» «1».

و الأوّل في الكلّ و قال: «و المسألة قويّة الإشكال و أنّه لم يقف علىٰ نصّ يعتدّ به يدلّ على النجاسة، ثمّ استظهر أنّ عدم التنجيس مذهب الصدوق؛ لأنّه روى مرسلة تدلّ على الطهارة، و هو يعمل بمراسيله؛ لأنّها حجّة عنده علىٰ ما صرّح في أوّل الكتاب» «2». بل قد صرّح في «الخاتمة» بأنّ مراسيله كمراسيل ابن أبي عمير «3»، و ما قيل: «من أنّه لم يفِ بعهده» «4» من الباطل الذي لا شاهد عليه.

هذا، و لقد اختار ذلك في «المقنع» «5» أيضاً، فراجع.

هذا، و اعترض عليه الأصحاب تارة: بأنّ المسألة غير محتاجة إلى الدليل اللفظيّ و اللّبّي، بل الحكم من الضروريّات الواضحة، و عليه السيرة العمليّة، فكما أنّ الأحكام الواضحة لا تحتاج إلى الرواية و الإجماع، هكذا هي؛ لما أنّها منها، و لذلك تكون الروايات كلّها إلّا ما شذّ في مقام إفادة الأمر الآخر، بعد مفروغيّة النجاسة عند السائل في الجملة

«6».

______________________________

(1) لاحظ مشارق الشموس: 309/ السطر 29.

(2) مدارك الأحكام 2: 268.

(3) مستدرك الوسائل (الخاتمة) 3: 547/ السطر 9.

(4) الطهارة، الشيخ الأنصاري (الطبعة الحجرية): 340/ السطر 18، الطهارة، الإمام الخميني قدس سره 3: 50.

(5) المقنع: 18.

(6) جواهر الكلام 5: 300.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 377

و قيل: «ليس في الفقه في الفرعيّات مٰا يشبه هذا الفرع في الاتفاق و الإجماع، و في كثرة الروايات و الأخبار» «1».

و أُخرى: بدلالة المآثير الكثيرة على النجاسة «2».

و الأوّل في محلّه، و الثاني غير صريح؛ و ذلك لأنّ هذه الطوائف التي أُشير إليها في الكتب الاستدلاليّة و منها «الجواهر» «3» كلّها مشتملة على الأمر بالغسل، أو الأمر بالاجتناب عمّا لٰاقاه، أو تغيّر بها، و هذا غير كافٍ لإثبات النجاسة إلّا بدعوىٰ فهم العرف و ضمّ الوجدان إليه.

نعم، في بعض المآثير ما يدلّ مفهوماً علىٰ نجاستها:

فمنها: ما في «الوسائل» عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال قلت له: راوية من ماء ..

إلىٰ أن قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام): «إذا كان الماء أكثر من راوية لم ينجّسه شي ء؛ تفسّخ فيه، أو لم يتفسّخ» «4».

و منها: في حديث «الجعفريّات» في الماء الجاري يمرّ بالجيف و العذرة و الدم: «يتوضّأ منه و يشرب منه، ليس ينجّسه شي ء» «5».

______________________________

(1) التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 499.

(2) التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 500.

(3) جواهر الكلام 5: 297 299.

(4) وسائل الشيعة 1: 139، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 3، الحديث 8.

(5) الجعفريّات: 11، مستدرك الوسائل 1: 191، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 5، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 378

و عن «الدعائم» مثله «1».

و في معتبر حفص

بن غياث عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السّلام) قال: «لا يفسد الماء إلّا ما كانت له نفس سائلة» «2».

فإنّ الإفساد هو التنجيس الشرعيّ، كما مرّ في ذيل صحيحة ابن بَزيع «3»، و هذا يدلّ منطوقاً علىٰ نجاستها.

و الإشكال في سند الأوّل؛ لما فيه عليّ بن حديد و هو لم يوثّق «4»، و في الثاني؛ لعدم اعتبار «الجعفريّات» و «الدعائم» و في الثالث؛ لعدم توثيق حفص مع أنّه عامّي «5»، أوقع العلمين فيما وقعا فيه، و حيث إنّ مستند المجمعين ليس أمراً آخر وراء هذه المآثير استشكل «المدارك» في أصل الحكم «6»، و عن الكاشانيّ اختيار نجاستها «7»؛ بمعنى الخبث الباطنيّ، هكذا في «الجواهر» «8».

و توهّم دلالة الآية الشريفة

______________________________

(1) دعائم الإسلام 1: 111.

(2) تهذيب الأحكام 1: 231/ 669، وسائل الشيعة 3: 464، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 35، الحديث 2.

(3) تقدّم في الجزء الأوّل: 115 و 158 و 160.

(4) رجال النجاشي: 274/ 717، الفهرست: 89/ 372، معجم رجال الحديث 11: 302.

(5) رجال الشيخ: 118، الفهرست: 61/ 232.

(6) مدارك الأحكام 2: 268.

(7) لاحظ مفاتيح الشرائع 1: 66.

(8) جواهر الكلام 5: 346.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 379

إِلّٰا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ «1» علىٰ نجاستها لأنّها المراد من «الرجس» بعد اشتراك الكلّ في ذلك «2»، غير سديد.

و يتلوه في الضعف التمسّك بذيل رواية جابر «3»، الواردة في الفأرة الواقعة في السمن فماتت فيه، فإنّه قال: فقال أبو جعفر (عليه السّلام): «إنّك لم تستخفّ بالفأرة، إنّما استخففت بدينك، إنّ اللّٰه حرّم الميتة من كلّ شي ء» «4».

لأنّ المراد من التحريم هو التنجيس حتّى يناسب التعليل، فتدبّر.

و لكنّ الإنصاف

بعد اللتيّا و التي: أنّ المسألة في الجملة ممّا لا تكون خفيّة على الأصاغر، فضلًا عن الأكابر، فلا تجادل.

هذا، و ربّما يمكن دعوى دلالة بعض المآثير علىٰ طهارتها:

و منها: الطائفة الكثيرة التي تشير إلىٰ جواز الانتفاع منها «5»، فإنّ الظاهر هو الملازمة بين الحكمين: النجاسة، و ممنوعيّة الانتفاع، فإذا جاز ذلك فيعلم منه الطهارة.

و أنت خبير: بأنّ قضيّة بعض الإجماعات و إن كان ذلك؛ حيث ادّعي عدم

______________________________

(1) الأنعام (6): 145.

(2) الطهارة، الشيخ الأنصاري (الطبعة الحجريّة): 340/ السطر 5، الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 48.

(3) دروس في فقه الشيعة 2: 339.

(4) تهذيب الأحكام 1: 420/ 1327، وسائل الشيعة 1: 206، كتاب الطهارة، أبواب الماء المضاف و المستعمل، الباب 5، الحديث 2.

(5) وسائل الشيعة 1: 175، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 14، الحديث 16، وسائل الشيعة 17: 173، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 38، الحديث 4، وسائل الشيعة 24: 72، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، الباب 30، الحديث 4.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 380

جواز الانتفاع بالنجس «1»، و لكنّه لا يورث التلازم الواقعيّ؛ لقصور السند، كما التزم بذلك جمع من الأصحاب رضي اللّٰه عنهم «2» و منهم الوالد المحقّق- مدّ ظلّه «3» فراجع.

و منها: ما في «التهذيب» و «الاستبصار» بسند معتبر عندنا، عن عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) قال: سألته عن الرجل وقع ثوبه علىٰ كلب ميّت.

قال: «ينضحه بالماء و يصلّي فيه و لا بأس» «4».

و حمله على الوقوع بغير رطوبة «5» لا يناسب التشديد الواقع في ذيله، كما لا يخفى.

و منها: ما مرّ عن «الفقيه» سُئل الصادق (عليه السّلام) عن جلود الميتة

يجعل فيها اللبن و الماء و السمن، ما ترى فيه؟

فقال: «لا بأس بأن تجعل فيها ما شئت من ماء أو لبن أو سمن، و تتوضّأ منه و تشرب، و لكن لا تصلّ فيها» «6».

و في «الفقيه»: سأل عليّ بن جعفر أخاه موسى بن جعفر (عليه السّلام) عن

______________________________

(1) التنقيح الرائع 2: 5، مفتاح الكرامة 4: 13/ السطر 26.

(2) لاحظ المكاسب، الشيخ الأنصاري: 5.

(3) المكاسب المحرّمة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 1: 80 83.

(4) تهذيب الأحكام 1: 277/ 815، الاستبصار 1: 192/ 674.

(5) ملاذ الأخيار 2: 418.

(6) الفقيه 1: 9/ 15، وسائل الشيعة 3: 463، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 34، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 381

الرجل، فذكر مثله «1».

فلو كانت الاولىٰ من المرسلات غير المعتبرة؛ لعدم الإسناد فيها إلى المعصوم، فلا تشكل الثانية؛ لإسنادها إلىٰ عليّ بن جعفر (عليهما السّلام) الذي هو دون المعصوم، فعلى ما تقرّر يجمع بين جميع ما سرده الأصحاب و ذكروه بين هاتين جمعاً عقلائيّاً، فيحمل الظاهر على النصّ، و اللّٰه العالم.

و أنت خبير بما فيه جدّاً.

و أمّا ما في «الوسائل» من حملها على التقيّة «2»، فلا يخلو من تأسف بعد ما عرفت من فتواهم.

و منها: الطائفة القاضية بعدم البأس في أكل الخبز الذي كان عجن بماء ماتت فيه الفأرة، و كانت فيه الميتة؛ معلّلًا بأنّ «النار أكلت ما فيه» «3» فإنّ التعليل يناسب طهارة الميتة، كما لا يخفىٰ.

و الإشكال في سندها بعد كون الراوي مثل ابن أبي عمير؛ لما قال فيه النجاشي «4»، لا يضرّ، و لا سيّما بعد إفتاء الشيخ علىٰ طبقها بجعل النار من المطهّرات في الجملة «5» علىٰ ما ببالي، و الأمر بعد ما

أحطت به خبراً واضح لا سبيل إلىٰ إنكاره جدّاً.

______________________________

(1) انظر الفقيه 1: 43/ 169.

(2) وسائل الشيعة 3: 463، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 34، ذيل الحديث 5.

(3) تهذيب الأحكام 1: 414/ 1304، وسائل الشيعة 1: 175، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 14، الحديث 18.

(4) رجال النجاشي: 326/ 887.

(5) النهاية: 8.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 382

إذا علمت ذلك، فالبحث حول خصوصيّات المسألة يتمّ في ضمن جهات:

الجهة الاولىٰ: في حكم ميتة مأكول اللحم

قضيّة الإجماعات الكثيرة و الأخبار علىٰ كثرتها، عدم الفرق بين الميتة من مأكول اللحم و محرّمه، و من استشكل فيها أو في أصل الحكم، لم يفصّل بين الفرضين.

و يمكن الشبهة بدعوىٰ: أنّ الأخبار الدالّة علىٰ نجاسة الميتة غير مطلقة؛ لكونها أمّا مشتملة علىٰ قضايا خارجيّة، أو تكون في مقام آخر كما أُشير إليه. و إثبات الإطلاق السكوتيّ بترك التفصيل و الاستفصال في عبارة الوالد المحقّق مدّ ظلّه «1» غير ممكن؛ لمعلوميّة حكم المسألة عند السائل، و لكنّه عندنا غير واضح أنّ ما هو الواضح عنده هو نجاسة مطلق الميتة، أو الميتة من غير المأكول لحمه.

و أمّا الأخبار التي ذكرناها «2»، فهي قاصرة عن إثبات نجاسة الميتة إلّا إجمالًا؛ لأنّ أقواها دلالة معتبر حفص: «لا يفسد الماء إلّا ما كانت له نفس سائلة» «3».

و هو مهمل في المستثنىٰ، دون المستثنىٰ منه، و ما حكي عن الشيخ

______________________________

(1) الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 45.

(2) تقدّم في الصفحة 377 380.

(3) تهذيب الأحكام 1: 231/ 669، وسائل الشيعة 3: 464، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 35، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 383

من دعوى الإطلاق «1»، غير متين جدّاً، فتأمّل جيّداً.

فتحصّل: أنّ للتفصيل مجالًا و إن

سكت عنه المتقدّم و المتأخّر، و لا يحتمله أحد؛ و ذلك لأنّ القدر المتيقّن من تلك الأخبار ميتة المأكول، لأنّها المتعارف في الابتلاء بها.

اللهمّ إلّا أن يقال: بعدم دلالة أخبار الماء المتغيّر على النجاسة، كما ذكرنا سببها «2»، و هكذا روايات البئر؛ لأنّ الحكم إذا كان هناك استحبابيّاً، فلا يستفاد منه نجاسة الواقع في البئر، بل ربّما كان الأمر بذلك للتنزّه كما هو الظاهر، فما ترى في الباب الخامس عشر من إرداف الحمار و البعير و الجمل بسائر النجاسات «3»، لا يفيد شيئاً أصلًا كما توهّم.

أو يقال: بأنّ المتعارف هو الابتلاء بالميتة و الجيفة ممّا لا يؤكل لحمه شرعاً و عادة، كالحمار و نحوه، و أمّا الابتلاء بمثل الشاة و الغنم فهو نادر جدّاً، فعلى هذا لولا مخافة مخالفة الإجماعات المتكرّرة و الإطلاق في معاقدها كان لهذه الشبهة قدم راسخ في البحث.

و لو قيل: جلود الميتة من مأكول اللحم أولىٰ بالنجاسة؛ لأنّها المتعارف في الأسواق، و بها ينتفع، و هي تستعمل عادة.

قلنا: لو سلّمنا ذلك كما هو غير بعيد، فيلزم الشبهة في نجاسة الطائفة الأُخرىٰ. و لكن الجواب: أنّ تلك الأخبار قاصرة عن إثبات

______________________________

(1) الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 49.

(2) تقدّم في الصفحة 377.

(3) وسائل الشيعة 1: 179، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 15.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 384

النجاسة، كما عرفت.

و أمّا الأخبار الدالّة على النهي عن استعمال أواني أهل الذمّة؛ إذا كانوا يشربون و يأكلون منها الخمر و لحم الخنزير و الميتة «1»، فهي قريبة في الدلالة علىٰ نجاستها من مأكول اللحم؛ لأنّ المقصود منها هنا غير المذكى من الحيوانات المأكول لحمها؛ لأنّها أكثر ابتلاء من غيرها.

إلّا أنّ

في تلك الأخبار خدشات في محلّها؛ لأنّ الظاهر منها النهي عن مطلق الأواني و إن كانت مشكوكة الاستعمال، و هو خلاف الأصل، فيحمل على التنزيه. و لأنّ الصريح منها طهارة أهل الكتاب، و هو خلاف الحقّ، فربّما كان التعرّض للميتة لأجل قول العامّة بنجاستها. و لأنّ من الممكن كما قيل وجود الأجزاء الصغار منها فيها، و يكون أكلها محرّماً، فلا يثبت بها النجاسة «2»، فليتدبّر.

فبالجملة: بعد ما تقرّر من الشبهة في استفادة النجاسة من تلك الأخبار الكثيرة في أصل المسألة، و استفادتها من الأخبار التي ذكرناها في خصوص هذه المسألة، تصبح هذه المسألة بلا سند إلّا الإجماع، و هو المعتمد، فتدبّر.

الجهة الثانية: في حكم ميتة ما لا نفس سائلة له

ظاهر الأصحاب قدّست أسرارهم أنّ الميتة من ذي النفس نجسة،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 24: 210، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 54.

(2) مدارك الأحكام 2: 268.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 385

و عن السيّد الإشكال في صدق «الميتة» علىٰ ميتة غير ذي النفس «1»، و هو مقتضىٰ معتبر حفص «2». و لو استشكل في السند «3» فهو من تلك الجهة منجبر بعمل الأصحاب (قدّس سرّهم) و هذا هو الأمر المتسالم عليه، و من المسلّمات المفروغ عنها، و لا ينظر فيها.

نعم، يمكن الخدشة: بأنّ قضيّة الروايات حسبما يفهمها المشهور؛ نجاسة الميتة و الجيفة و لا قيد فيها، و لا تعرّض في إحداها إلّا في رواية حفص بن غياث الماضية مراراً: «لا يفسد الماء إلّا ما له نفس سائلة» «4» بناءً علىٰ إرادة الدم السائل منها.

و مثلها ما عن محمّد بن يحيىٰ، رفعه عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام).

و أنت خبير: بأنّ مستندهم لا يمكن أن يكون مثله، فيعلم اشتهار الحكم بينهم من

باب آخر. و من المحتمل انصراف الأخبار بكثرتها إلىٰ تلك الطائفة، و أنّ الغالب من الحيوانات المبتلىٰ بها في الطريق و في الأسئلة ما كانت لها الدم، فكأنّهم من الأخذ بالقدر المتيقّن أفتوا بذلك، و هو غير كافٍ لنا، فيرجع إلىٰ تلك المطلقات، و قد بلغني عن شيخ مشايخنا العلّامة الحائريّ (قدّس سرّه) أنّه كان يشكل في الجمع بين المطلقات الكثيرة

______________________________

(1) الناصريّات، ضمن الجوامع الفقهيّة: 218/ السطر 6 7.

(2) تهذيب الأحكام 1: 231/ 669، وسائل الشيعة 3: 464، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 35، الحديث 2.

(3) تقدّم في الصفحة 377 378.

(4) الكافي 3: 5/ 4، وسائل الشيعة 3: 464، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 35، الحديث 5.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 386

و المقيّد الواحد.

فعليه لو سلّمنا اعتبار خبر حفص كما هو الأقوىٰ، فيحمل علىٰ أنّ الميتة من ذي النفس إذا غيّرت الماء ينجس و يفسد، و لا يثبت به أنّ الميتة النجسة هي ذلك، كما لا يخفىٰ.

و أمّا البحث الصغرويّ عن الحيوانات التي لها النفس، و ما ليس لها، فقد مضى تفصيله «1».

إن قلت: كيف لا يكون هذا القيد في رواية، و قد نطقت به معتبرة عمّار الساباطيّ في الباب الخامس و الثلاثين، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سئل عن الخنفساء و الذباب و الجراد و النملة و ما أشبه ذلك، يموت في البئر و الزيت و السمن و شبهه.

قال: «كلّ ما ليس له دم فلا بأس» «2».

و في الباب المزبور أيضاً معتبر ابن مُسْكان قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): «كلّ شي ء يسقط في البئر ليس له دم مثل العقارب و الخنافس و أشباه ذلك فلا بأس»

«3».

و فيه أيضاً بعض المآثير المتعرّضة للصغريات و الأسئلة

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 294 297.

(2) تهذيب الأحكام 1: 230/ 665، وسائل الشيعة 3: 463، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 35، الحديث 1.

(3) تهذيب الأحكام 1: 230/ 666، وسائل الشيعة 3: 464، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 35، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 387

الجزئيّة «1»، فراجع.

قلت: نعم، و لكنّها عندنا أجنبيّة عن هذه المسألة؛ فإنّ الحيوانات بعضها ما له الدم السائل، و بعضها ما له الدم غير السائل، و ربّما كان دمه أكثر مراراً من الدم السائل في بعض، و بعضها ما لا دم له أصلًا، أو يعدّ عرفاً ممّا لا دم له، و هذا المآثير تثبت طهارة ما لا دم له رأساً، و أمّا فهم الأصحاب (رحمهم اللّٰه) منها غير ذلك؛ فلمغروسيّة أذهانهم بالإجماعات و المتون، فمع الغضّ عمّا في سند بعضها، و دلالة الآخر، لا تكون هذه الطائفة مرتبطة رأساً بهذه المسألة أصلًا، فلا تغفل و لا تخلط، و اغتنم.

و دعوىٰ: أنّ الجزئيّات المذكورة في الروايات، من ذوات الدم، غير مسموعة؛ فإنّ النملة بلا دم بلا شبهة، بل و العقرب و الوزغ. مع أنّه لو كان فيها الدم فهو في غاية القلّة؛ بحيث لا تعدّ من ذي الدم عرفاً.

و لعلّ إلىٰ ذلك يرجع ما عن «الوسيلة» و «المهذّب» من الإشكال في طهارتهما «2»، و هكذا ما عن الشيخين في «المقنعة» و «النهاية» «3» و عن الصدوق في بعض كتبه «4».

و أمّا توهّم معارضة هذه الأخبار مع ما يدلّ ظاهراً علىٰ نجاسة العقرب و الوزغ في أخبار البئر و غيرها «5»، فهو في غير محلّه؛ لما مرّ في

______________________________

(1) وسائل الشيعة

3: 463، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 35.

(2) المهذّب 1: 53، الوسيلة: 78.

(3) المقنعة: 70، النهاية: 54.

(4) المقنع: 35، جواهر الكلام 5: 295.

(5) التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 1: 527، مهذّب الأحكام 1: 320.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 388

محلّه «1»، و لأنّ قضيّة الجمع العقلائيّ بين النصّ و الظاهر، حمل الثانية على الاولى.

و لعمري، لولا الشبهة التي ألقيناها على الإطلاقات التخيّليّة في المسألة، كان عليهم إلغاء هذا القيد. بل قضيّة المفهوم من الطائفة المسبوق ذكرها «2»؛ أنّ ما له الدّم فيه البأس؛ سواء كان سائلًا، أو غير سائل، فيكون الطاهر ما لا دم له حقيقة أو عرفاً.

و توهّم: أنّ الضرورة و السيرة العمليّة كما تكون قائمة علىٰ نجاسة الميتة الكذائيّة، ناهضة علىٰ طهارتها إذا كانت من غير ذي النفس، واضح المنع.

الجهة الثالثة: في حكم ميتة حيوان البحر

قضيّة الإطلاقات و معاقد الإجماعات نجاسة الميتة البحريّة كالبرّية، و عن «المنتهىٰ» و في «التذكرة» عبارتان لا تخلوان من اضطراب «3»، فلا يعلم من يقول بالتفصيل بين البحريّة و البرّية منّا، و لا من أهل الخلاف، فما قد يتوهّم من ذهاب أبي حنيفة إليه «4» غير سديد.

هذا مع أنّ من الممكن ذلك لهم و لنا:

أمّا لهم؛ فلما روي عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في «الخلاف» في المسألة

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 44 46.

(2) تقدّم في الصفحة 386.

(3) لاحظ منتهى المطلب 1: 164/ السطر 35، تذكرة الفقهاء 1: 61.

(4) نفس المصدر.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 389

الثانية: أنّه سُئل عن التوضّي بماء البحر.

فقال: «هو الطهور ماؤُه، و الحلّ ميتته» «1».

و قضيّة ذلك طهارة الميتة البحريّة و لو كانت ذا نفس سائلة.

و أمّا لنا؛ فلما روى «الوسائل»

في كتاب الصيد و الذباحة في الباب الواحد و الثلاثين، عن ابن أبي عمير، عن ابن المغيرة، عن رجل، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «الحوت ذكيّ حيّه و ميّته» «2».

و في الباب المزبور، عن عمر بن هارون الثقفيّ، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «قال أمير المؤمنين (عليه السّلام): الجراد ذكيّ كلّه، و الحيتان ذكيّ كلّه، و أمّا ما هلك في البحر فلا تأكل» «3».

فإنّ النهي الأخير لا يضادّ كون الحيتان طاهرة كما لا يخفىٰ. و حيث إنّ النسبة بينهما عموم من وجه، فإمّا يرجع إلى الأُصول العمليّة و هي الطهارة، أو إلى الجمع العقلائيّ، و لا يبعد تقديم هذه الطائفة؛ لصراحتها في أنّ الميتة ذكيّة، و في صورة المراجعة إلى المرجّحات فالتقديم لتلك الطائفة؛ لموافقتها مع الشهرة.

نعم، ربّما يمكن دعوى: أنّ المراد من «الذكيّ» بالذال هو المذكى، قبال الميّت، كما في رواية أُخرى في الباب المزبور: «أنّ عليّاً (عليه السّلام) كان يقول: الجراد ذكيّ، و الحيتان ذكيّ، فما مات في البحر فهو ميّت» «4».

______________________________

(1) الخلاف 1: 52، سنن الترمذي 1: 47، الباب 52، الحديث 69.

(2) وسائل الشيعة 24: 74، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، الباب 31، الحديث 5.

(3) نفس المصدر، الحديث 7.

(4) نفس المصدر، الحديث 6.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 390

فإنّه دليل علىٰ ذاك الاحتمال.

اللهمّ إلّا أن يقال: تنصيصه في الرواية الأُولىٰ علىٰ أنّ ميّتة ذكي ينافي ذلك الاحتمال، فيحمل علىٰ أنّ المراد من «الذكيّ» فيها هو الطاهر، و من «الذكيّ» في الأُخرىٰ هي الذكاة، فعلى هذا ما أرسله الأصحاب إرسال المسلّمات من نجاسة الميتة البحريّة، و ادعىٰ علىٰ خصوص ذلك في «التذكرة» الإجماع، مع أنّه مضطرب

العبارة «1» فراجع، غير راجع إلىٰ محصّل، بل يستظهر من الشيخ في «الخلاف» كما في «مفتاح الكرامة» قال: «و ربّما يظهر من «الخلاف» طهارة ميتة الماء، و لعلّه محمول على الغالب من كونه غير ذي النفس» «2» انتهىٰ أنّ المسألة ليست إجماعيّة، و الحملَ المزبور بلا شاهد.

هذا مع أنّ دعوى قصور الأدلّة عن إثبات نجاستها، قريبة جدّاً؛ من غير الحاجة إلى الأدلّة الخاصّة كما ترى.

الجهة الرابعة: في بيان المراد من «الميتة»

قال في «العروة»: «المراد من الميتة أعمّ ممّا مات حتف أنفه، أو قتل أو ذبح علىٰ غير الوجه الشرعيّ» «3» انتهىٰ.

اعلم: أنّ البحث هنا مقصور علىٰ حكم الميتة بحسب النجاسة

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 61.

(2) الخلاف 1: 189، مفتاح الكرامة 1: 138/ السطر 18.

(3) العروة الوثقى 1: 60، فصل في النجاسات، الرابع الميتة، المسألة 5.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 391

و الطهارة، من غير النظر إلىٰ سائر الأحكام؛ من جواز الصلاة و لا جوازها، و من جواز الانتفاع و عدمه، و من جواز المعاملة عليها، و غير ذلك، فلا ينبغي الخلط. و لا برهان على الملازمة في تلك الأحكام، فيمكن أن نلتزم بأعمّية المراد في سائر الأحكام، دون هذا الحكم، فالبحث في غيره يطلب من محالّ أُخر؛ للاحتياج إلى التتبّع و الغور في الأخبار الكثيرة المتشتّتة.

إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّ كلمة «المَيتة» بالفتح و السكون كانت تستعمل في الجاهليّة و قبل الكتاب، و يستعملها القرآن العزيز، و يراد منها المعنى الأعمّ، كما هو غير خفيّ علىٰ أهله وَ آيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنٰاهٰا .. «1».

و مثلها كلمة «الميّت» .. سُقْنٰاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ «2».

و لا معنىٰ لتوهّم: أنّ الكلمة وضعت لمعنى شرعيّ، كما يظهر من بعض أصحابنا «3»، و

من «المنجد» «4» قائلًا في تفسيرها: «الميتة: الحيوان الذي مات حتف أنفه، أو علىٰ هيئة غير شرعيّة» بل هي تستعمل في الشرائع إمّا مجازاً، أو حقيقة لغويّة.

و لنعم ما قال «الأقرب»: «و المراد بالميتة في عرف الشرع؛ ما مات حتف أنفه، أو قتل علىٰ هيئة غير مشروعة إمّا في الفاعل، أو في

______________________________

(1) يس (36): 33.

(2) فاطر (35): 9.

(3) دروس في فقه الشيعة 2: 388.

(4) المنجد: 779.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 392

المفعول» «1» انتهىٰ.

فإنّ المستفاد من اللغة بعد التدبّر؛ أنّ هذه الكلمة موضوعة لمعنى أعمّ ممّا يكون فيه الحياة الحيوانيّة و النباتيّة فزالت، أو كانت فاقدة لآثار الحياة و الحركة الطبيعيّة و الآثار المقصودة. و لو سلّمنا مجازيّة الاستعمال في الفرض الأخير، و لكن التحقيق عدم مجازيّته في غيره.

و من يشكّ فيما نردفه و نسرده، فليراجع موارد الاستعمال و الكتب الموضوعة في اللغات، و لو لا مخافة الإطالة المزعجة لسرنا لكم من اللغة ما يحصل به الظنّ القويّ جدّاً، فإذا كان الحيوان زاهقةً روحه بالوجه الشرعيّ، فهو أيضاً ميتة حسب اللغة قطعاً و بلا شبهة، و لكنّه خارج عن هذه الأخبار؛ لما نعلم من الخارج ذلك كمٰا لا يخفىٰ.

و ممّا ذكرنا يظهر الخدشة فيما توهّمه الأصحاب (رحمهم اللّٰه) مستدلّين بالأخبار المتضمّنة لمقابلة الميتة بالمذكّى مثلًا «2»، فإنّ ذلك في محيط الشرع لإفادة الحكم الخاصّ، و لا يستفاد من الاستعمالات المزبورة المعاني الحقيقيّة كما تقرّر «3».

و أمّا بناءً على اختصاص مفهوم «الميتة» بما مات حتف أنفه حسب اللغة، كما عرفت عن بعضهم فلا يمكن استفادة العموميّة من هذه

______________________________

(1) أقرب الموارد 2: 1251.

(2) دروس في فقه الشيعة 2: 388.

(3) تحريرات في الأُصول 1:

169 170.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 393

الأخبار «1» التي استدلّ بها الشيخ الأعظم (قدّس سرّه) و تبعه جماعة من الفضلاء «2»؛ و ذلك لأنّ من الممكن قريباً إفادة عدم اختصاص الحكم المخصوص بالميتة بها، بل يعمّ غيرها ممّا لا يذكّى شرعاً، فهذا من قبيل الحكومة الاصطلاحيّة، فإذا قيل عن الجاهل: «هو عالم» لا يدلّ ذلك علىٰ أعمّية الموضوع له، بل هو لغرض آخر، فتدبّر.

و حيث إنّ ظاهر الأصحاب (رحمهم اللّٰه) بناؤهم علىٰ أنّ المعنى اللغويّ للميتة ما مات حتف أنفه، و لا يطلق على المقتول و لا المذبوح بذبح غير شرعيّ، فيشكل الأمر عليهم؛ لعدم ثبوت الإطلاق في دليل الحاكم، فلو ورد في دليل استعمال «الميتة» في مقابل المذكى، فإن كان ذلك مورد النظر مستقلا فهو، و إلّا فينحصر التنزيل و الحكومة بمورد خاصّ.

و بعبارة اخرىٰ: تصير الحكومة حيثيّة، لا مطلقة، فلا تخلط.

و إنّي بعد ما راجعت المآثير، رأيتها على ما تتبّعت ناظرة إلى التنزيل الخاصّ؛ لتعرّض الروايات لحكم خاصّ، مثل عدم جواز الصلاة فيها، أو عدم جواز الانتفاع بها.

هذا، و لكنّا في مخلص من الشبهة؛ لما عرفت من عموميّة معناها، فقوله (عليه السّلام) في موثّقة سَماعة في الباب التاسع و الأربعين: «إذا رميت

______________________________

(1) وسائل الشيعة 3: 489، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 49، الحديث 1 و 2 و الباب 50، الحديث 4.

(2) دروس في فقه الشيعة 2: 388.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 394

و سمّيت فانتفع بجلده، و أمّا الميتة فلا» «1» و قوله في خبر عليّ بن أبي حمزة قال: «و ما الكيمخت؟» قال: «جلود دوابّ منه ما يكون ذكيّاً، و منه ما يكون ميتة»، فقال: «ما

علمت أنّه ميتة فلا تصلّ فيه» في الباب الخمسين «2» و غير ذلك «3»، لا يدلّ علىٰ أنّ حكم الميتة المفروغ عنها و هي النجاسة ثابت لمطلق غير المذكى، فافهم و اغتنم.

ثمّ، أنّ صحّة التنزيل و الاستعمال المجازيّ و الحكومة المصطلحة، تتوقّف- فيما إذا كان للمنزّل عليه أحكام مختلفة علىٰ ثبوت الإطلاق في دليل المنزّل عليه، و إلّا فلا يثبت المقصود.

مثلًا: إذا كانت لعنوان «الميتة» أحكام خاصّة، مثل عدم جواز الانتفاع بها، و عدم جواز الصلاة فيها، و عدم صحّة المعاملة عليها، و نجاستها، و كان دليل نجاسة الميتة مهملًا، فمجرّد إطلاق «الميتة» علىٰ غير المذكى لا يكفي في سراية الأحكام مطلقاً إليها؛ لكفاية ترتيب بعض الآثار للفرار عن اللغويّة، و حيث قد عرفت منّا الخدشة في إطلاق أدلّة نجاستها «4»، فلا يمكن إثبات الحكم المقصود هنا.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 9: 79/ 339، وسائل الشيعة 3: 489، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 49، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 2: 368/ 1530، وسائل الشيعة 3: 491، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 50، الحديث 4.

(3) الكافي 3: 407/ 16، وسائل الشيعة 3: 489، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 49، الحديث 1.

(4) تقدّم في الصفحة 382 383.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 395

و ممّا حصّلناه إلىٰ هنا، تظهر الخدشة في الاستدلال «1» بما ورد في كتاب الذباحة من إطلاق «الميتة» على الأليات المقطوعة، فإنّها بزمرتها ناظرة إلىٰ منع الانتفاع منها «2»، فراجع.

و ما ترى في خبر عليّ بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) أنّه قال في أليات الضأن تقطع و هي أحياء: «إنّها ميتة» «3» لا يكفي كما لا يخفىٰ.

ثمّ إنّ قضيّة

ما ورد في بعض الروايات من السؤال عن الجيفة «4» بناءً علىٰ تماميّة الاستدلال بها هو نجاسة غير المذكى؛ لأنّ الجيفة أعمّ من الميتة من هذه الجهة.

نعم، أعمّية الميتة من الجيفة من وجه آخر، لا يضرّ بالمقصود؛ ضرورة أنّ الحيوان الحيّ المتعفّن نادر الوجود، و غير مقصود في هذه المآثير بالضرورة.

فعلى ما تحرّر إلىٰ هنا، عرفت نجاسة الحيوان غير المذكى شرعاً أيضاً؛ لأنّه أيضاً ميتة لغةً.

______________________________

(1) دروس في فقه الشيعة 2: 389.

(2) وسائل الشيعة 24: 71، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، الباب 30.

(3) الكافي 6: 255/ 2، وسائل الشيعة 24: 72، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الذبائح، الباب 30، الحديث 3.

(4) تهذيب الأحكام 1: 231/ 667، وسائل الشيعة 1: 196، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 22، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 396

الجهة الخامسة: في الأجزاء المبانة من الميتة
اشاره

الأجزاء المبانة من الميتة حسب الإجماعات المحكيّة «1» و الشهرات المحقّقة نجسة عندنا، بل المسألة اتفاقيّة بين المسلمين إلّا في بعض العناوين الخاصّة، و أمّا هذا العنوان العامّ الكلّي فليس معنوناً في كلمات القدماء، و كأنّه لعدم الحاجة إليه عندهم بعد ثبوت نجاسة الميتة، فكما لا معنى لتوهّم نجاسته و طهارة أصل الميتة، كذلك الأمر هنا، و كأنّ العرف حتّى الأعلام (رحمهم اللّٰه) كانوا يرون المناقضة و الجزاف بين المسألتين؛ أي لا يمكن الالتزام بالتفكيك بين حكم الكلّ و حكم الجزء.

و الشبهة الصناعيّة كما ربّما كانت في ذهن «المدارك» و «المعالم» و «الذخيرة» «2» و لعلّها كانت من الأردبيليّ (قدّس سرّه) ألقاها علىٰ تلامذته «3» تؤدّي إلىٰ طهارة ميتة الكلب و الخنزير؛ لأنّ ما هو النجس هو الحيوان، فالذي مات و زهقت روحه ليس حيواناً؛ ضرورة أنّ

شيئيّة الشي ء بصورته، فهو ليس كلباً، فلا يدلّ دليل نجاسة الكلب علىٰ نجاسة ميتته، فما ترى في كتب المتأخرين ك «الجواهر» «4»

______________________________

(1) مستند الشيعة 1: 171، الحدائق الناضرة 5: 72، مهذّب الأحكام 1: 308.

(2) مدارك الأحكام 2: 272، منتقى الجمان 1: 85، ذخيرة المعاد: 147/ السطر 30.

(3) لاحظ مجمع الفائدة و البرهان 1: 305.

(4) جواهر الكلام 5: 312.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 397

و غيره «1»: من المقايسة بين المسألة و مسألة الكلب، في غير محلّه.

و الذي قد عرفت منّا: أنّ «الميتة» و «الموت» و «الإماتة» و جميع المشتقّات منها، أعمّ ممّا تخيّله القوم، و لا تكون الاستعمالات المتعارفة في الكتاب و السنّة مجازيّة؛ حسبما يتراءىٰ من اللّغة، بل الموضوع له معنىً يشمل الأرض الميتة و غيرها «2».

و أمّا علىٰ ما يتراءىٰ منهم، فيمكن تثبيت الشبهة: بأنّ الميتة من العوارض اللاحقة للحيوان كالتذكية، فكما لا يطلق «الذكيّ» على الجزء، كذلك مفهوم «الميتة» فالنجاسة بالنسبة إلى الجزء المنفصل منه، تحتاج إلىٰ ضمّ المقدّمة الأُخرىٰ إليها: و هي دعوى القطع بالملاك «3»، أو إلغاء الخصوصيّة عرفاً «4»، أو سريان الحكم إلى الجزء عند العقلاء «5»، كما في عبارات الأقوام و الأعلام حسب اختلاف أذواقهم.

و أنت خبير بما فيه من استشمام القياس بعد تعدّد الموضوع عرفاً، و عدم الاطلاع علىٰ عدم الخصوصيّة مثلًا، فليتدبّر.

و من الممكن دعوى: أنّ جزءه المتّصل إذا لوحظ مستقلا، لا يطلق عليه «الميتة» كما لا تطلق «الصلاة» على الركوع إذا لوحظ بحيالها، فعليه لا يتنجّس ملاقيه.

______________________________

(1) دروس في فقه الشيعة 2: 343.

(2) تقدّم في الصفحة 391 392.

(3) جواهر الكلام 5: 312.

(4) دروس في فقه الشيعة 2: 342، الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه)

3: 83.

(5) مهذّب الأحكام 1: 308.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 398

نعم، لو لاقىٰ جميع الأجزاء أو معظمها ينجس، و هكذا في سائر الأحكام لو كان الدليل هناك كالدليل هنا، كما لا يخفىٰ. و من هنا يعلم وهن الشبهة في الحكم و لو كانت هي تامّة موضوعاً.

و بعبارة أُخرى: تارة يشير إلىٰ يده بحيال جثمانه، و أُخرى: يشير إلىٰ يده الفانية في الكلّ؛ أي إلىٰ جثمانه و إن كانت يده طرف الإشارة خارجاً، ففي الفرض الأوّل يشكل الحكم بنجاستها؛ بناءً علىٰ ما سلكه الأصحاب في مفهوم «الميتة».

نعم، ربّما يتخيّل دلالة النصوص في الأبواب المتفرّقة عليها «1»، و لا سيّما ما ورد في كتاب الذباحة في الباب الرابع و العشرين من إطلاق «الميتة» علىٰ ما ينفصل من الحيّ «2».

و لكنّها قاصرة عن إثبات عموم التنزيل، كما عرفت منّا وجهه «3»، فما ترى في «الجواهر» «4» و تبعه بتفصيله الوالد المحقّق- مدّ ظلّه من الإصرار علىٰ إثبات الإطلاق في الاستعمال و التنزيل «5»، غير قابل للتصديق، و سيأتي زيادة بحث في الجهات الآتية حولها.

و أضعف منها صحيحة الحلبيّ في الباب الثامن و الستّين من النجاسات المشتملة علىٰ نفي البأس بالصلاة فيما كان من صوف

______________________________

(1) جواهر الكلام 5: 314.

(2) وسائل الشيعة 23: 376، كتاب الصيد و الذبائح، أبواب الصيد، الباب 24.

(3) تقدّم في الصفحة 394.

(4) جواهر الكلام 5: 314.

(5) الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 85.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 399

الميتة: «إنّ الصوف ليس له روح» «1» فإنّ مفهومه «أنّ ما فيه الروح و يكون مباناً من الحيّ، يجوز فيه الصلاة إجمالًا» و أين هذا من نجاسة الجزء المبان من الميتة؟! فلا

تخلط.

و من هنا تظهر سائر الاستدلالات في المقام. و لعمري إنّ المسألة بعد المراجعة إلىٰ ما أشرنا إليه، من البديهيّات جدّاً.

ثمّ إنّه ربّما يستدلّ على النجاسة بالاستصحاب «2»، و لكنّه مضافاً إلىٰ أخصّيته من المدّعىٰ، كما هو غير خفيّ؛ لعدم الحالة السابقة في بعض الصور محلّ إشكال؛ لأنّ ما هو المعلوم سابقاً هي نجاسة عنوان «الميتة» أي أنّ ما هو النجس في السابق ما كان موصوفاً بالميتة، و مورد الشكّ هو الجزء المباين معها موضوعاً، فلٰا يجري الاستصحاب، كما لا يمكن التمسّك بالدليل الاجتهادي المثبت نجاسة الميتة لإثبات نجاسة الجزء.

و فيه: أنّ الموضوع و مصبّ الاستصحاب نفس الجزء الخارجيّ، فيقال بعد ثبوت نجاسة الميتة: «إنّ هذا الجزء كان نجساً، و الآن كما كان» من غير الحاجة إلىٰ سائر التشبّثات في إجرائه.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ الجزء حال الاتصال إذا لوحظ بحيال الكلّ، لا يحكم عليه بالنجاسة كما عرفت، فتدبّر جيّداً.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 368/ 1530، وسائل الشيعة 3: 513، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 68، الحديث 1.

(2) جواهر الكلام 5: 312، الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 83.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 400

تذنيب

ظاهر الأصحاب (رحمهم اللّٰه) أنّ حكم النجاسة بالنسبة إلى الأجزاء الصغار من الميّتة إجماعيّ «1»؛ لأنّ ما كان كثيره نجس فقليله نجس، و إلّا يلزم عدم نجاسة الكثير منه كما لا يخفىٰ.

نعم، لو شكّ في صدق «الميتة» عليه؛ لما أنّه في غاية الصغر، فالقاعدة تقتضي طهارته.

الجهة السادسة: في حكم الأجزاء التي لا تحلّها الحياة
اشارة

الأجزاء التي لا تحلّها الحياة طاهرة عند المسلمين إجمالًا، و الخلاف بينهم في خصوص بعض منها كما يأتي، و قد عدّها الأصحاب إلىٰ عشرة و عليها الإجماعات المحكيّة عن «كشف اللثام» و «المدارك» و «الذخيرة» «2» و في بعض منها الاتفاق المحصّل، كالشعر و الصوف، و عليه الإجماع في «الغنية» و في «المنتهىٰ» «3» دعوى الإجماع علىٰ خصوص العظم.

و قال الشيخ في «الخلاف»: «لا بأس باستعمال أصواف الميّت

______________________________

(1) مستند الشيعة 1: 171، الحدائق الناضرة 5: 72، جواهر الكلام 5: 311.

(2) كشف اللثام 1: 49/ السطر 7، مدارك الأحكام 2: 272، ذخيرة المعاد: 147/ السطر 38.

(3) الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 489/ السطر 5، منتهى المطلب 1: 164/ السطر 25.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 401

و شعره و وبره إذا جزّ و عظمه، و به قال أبو حنيفة.

و قال الشافعيّ: شعر الميّت و صوفه و عظمه نجس، و به قال عطا.

و قال الأوزاعيّ: الشعور كلّها نجسة، لكنّها تطهر بالغسل، و به قال الحسن البصريّ، و الليث بن سعد.

و قال مالك: الشعر و الريش و الصوف لا روح فيه، و لا ينجس بالموت كما قلناه، و العظم و القرن و السنّ يتنجّس.

و قال أحمد: صوف الميتة و شعرها طاهر» «1» انتهىٰ.

و حيث يرجع فتوى القائل بزوال النجاسة بالغسل إلى النجاسة العرضيّة ظاهراً، ينحصر المخالف بالشافعيّ و عطا في الشعر

و الصوف، و يلحق بهما مالك في المذكورات، مع ما في عبارته من سوء التعبير «2»، فراجع.

و حيث إنّ المسألة ذات الرواية عموماً و خصوصاً، فلا حاجة إلىٰ تلك الإطالة. مع أنّك عرفت إمكان وجود التقيّة في الجملة لو فرضنا صدور رواية دالّة علىٰ طهارة بعض المذكورات.

إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّ قضيّة القاعدة نجاسة جميع أجزاء الميتة؛ قضاءً لحقّ ما دلّ علىٰ نجاستها، فإنّ ما يورث سرايتها من الميتة إلىٰ سائر الأجزاء، يستلزم ذلك بالنسبة إلىٰ جميعها و إن لم تحلّها الحياة.

و ربّما يستظهر من السيّد الوالد- مدّ ظلّه أنّ ما يدلّ علىٰ نجاسة

______________________________

(1) الخلاف 1: 66.

(2) المجموع 1: 231/ السطر 17 و 236/ السطر 12 13، بداية المجتهد 1: 80.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 402

الجيفة، قاصر عن إثبات نجاستها؛ لعدم سريان الإنتان و التجيّف إليها؛ لما ليس فيها الروح مثلًا، و أنّ ما يدلّ علىٰ نجاسة الميتة لا يورث لحوق الأجزاء بها.

نعم، العرف كان قاضياً بذلك، و هو يخصّ مصبّ حكمه و قضائه بغير تلك الأجزاء، و لا أقلّ من الشبهة و الشكّ «1».

و أنت خبير: بأنّ ذلك منقوض أوّلًا؛ بما ورد في أخبار لزوم الغُسل علىٰ من مسّ الميّت «2»، بأنّه لو كان الأمر كما توهّم لما كان يجب عند إمساس الشعر، فهو شاهد علىٰ لحوقه بها عرفاً.

و ثانياً: قد عرفت أنّ «الميتة» معنى أعمّ ممّا تخيّلوه «3»، و تصدق على الأجزاء إذا سقطت عن الآثار المرغوبة فيها فتأمّل، ففي الباب الثامن و الستّين من أبواب النجاسات، عن قتيبة بن محمّد قال قلت: «إنّا نلبس الطيالسة البربريّة، و صوفها ميّت» «4» فراجع.

و ثالثاً: كما لا يجد العرف فرقاً بين

الدم و العظم، و بين اليد و الرجل، كذلك لا يجد ذلك فيما نحن فيه بالوجدان.

و لو قطعنا النظر عمّا ورد في خصوص هذه المسألة من الدليل اللّبّي و اللفظي، لما ظننت التزام أحد بالطهارة بعد ما وردت المآثير علىٰ نجاسة

______________________________

(1) الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 99.

(2) وسائل الشيعة 3: 289، كتاب الطهارة، أبواب غسل المس، الباب 1.

(3) تقدّم في الصفحة 391 392.

(4) وسائل الشيعة 3: 514، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 68، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 403

الميتة، فما ترى في «الجواهر» من إنكار الحاجة إلى التخصيص و التقيد «1»، في غير محلّه جدّاً.

نعم، لو شكّ في ذلك فقضيّة الاستصحاب هي الطهارة الثابتة حال الحياة المشكوك زوالها بالموت. و لو كان دليل نجاسة الأجزاء المبانة من الميتة الإجماعات المحكيّة، كان للقول المزبور وجه كما لا يخفىٰ.

و أمثال هذه الالتحاقات عرفاً في الفقه غير عزيزة، فإنّ الأصحاب (رحمهم اللّٰه) جوّزوا أكل دم السمك إذا كان يبتلع السمك «2»، و ما ذاك إلّا لهذا.

إذا اطلعت علىٰ ما أسمعناك خبراً، فالكلام يتمّ في مرحلتين:

المرحلة الاولىٰ: حول هذا العنوان العامّ؛ و أنّه هل يمكن إثباته حسب ما وصل إلينا، أم لا؟

المرحلة الثانية: حول خصوص الأخبار الواردة في خصوص الأشياء المستثناة من نجاسة الميتة.

أمّا المرحلة الاولىٰ:

فيدلّ عليه مضافاً إلى الإجماعات المحكيّة المذكورة «3» على العنوان المزبور معتبر الحلبيّ في «الوسائل» عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

______________________________

(1) جواهر الكلام 5: 321.

(2) جواهر الكلام 36: 170.

(3) تقدّم في الصفحة 400.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 404

«لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة؛ أنّ الصوف ليس فيه روح» «1».

و في الباب المزبور

عن «مكارم الأخلاق» للطبرسيّ، عن قتيبة بن محمّد قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّا نلبس هذا الخزّ و سداه ابريشم ..

إلىٰ أن قال قلت: إنّا نلبس الطيالسة البربريّة و صوفها ميّت.

قال: «ليس في الصوف روح؛ ألٰا ترى أنّه يجزّ و يباع و هو حيّ؟!» «2».

و توهّم أجنبيّتها عن الدلالة على الطهارة و النجاسة؛ بأنّ الأُولىٰ بصدد ترخيص الصلاة من أجل أنّه ذكيّ، لا مطلقاً، و أنّ الثانية في مقام تجويز الانتفاع بالميتة، في محلّه بالنسبة إلى الأخيرة. مع عدم وضوح سندها.

و أمّا الاولىٰ، فالحكم فيها ليس حيثيّاً أصلًا، فيعلم منه: أنّ كلّ ما كان غير ذي روح فهو طاهر، و يثبت المطلوب.

نعم، خصوص «الدم نجس» استثناء، و توهّم أنّه ذو روح في غير محلّه؛ لما أنّ المراد من «الروح» هو الروح الحسّاس الحيوانيّ لا الروح النباتيّ، و لا روح الحيوانات الدمويّة.

و أمّا الاجزاء الزائدة إذا كانت خليّة عن الروح، أو كانت إحدى الأعضاء غير ذات روح نقصاناً في الخلقة، ففي نجاستها إشكال.

اللهمّ إلّا أن يقال: النظر في الرواية إلى الجهة النوعيّة، لا

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 368/ 1530، وسائل الشيعة 3: 513، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 68، الحديث 1.

(2) مكارم الأخلاق: 107، وسائل الشيعة 3: 514، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 68، الحديث 7.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 405

الشخصيّة.

و ربّما يدلّ عليه معتبر حمّاد، عن حريز في الأطعمة المحرّمة قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) لزرارة و محمّد بن مسلم: «اللبن و البيضة ..» إلىٰ أن قال: «و كلّ شي ء يفصل من الشاة و الدابّة فهو ذكيّ ..» «1».

و معتبر الحسين بن زرارة و هو عندي غير بعيد

اعتباره عن أبي عبد اللّٰه في الباب المذكور قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): «العظم و الشعر و الصوف و الريش كلّ ذلك نابت لا يكون ميّتاً» «2».

و أنت خبير: بأنّ المراد من «الذكيّ» و إن كان الذكاة، و لكنّه يستلزم الطهارة قهراً، و أنّ المراد من «الشي ء المفصول» ما كان من هذه المعدودات التي لا تحلّها الحياة ظاهراً، فثبت عموم المدّعىٰ، و هكذا فإنّ المراد من «النابت» ما لا تحلّه الحياة الحيوانيّة.

و مثلهما الروايات الأُخر التي لا تخلو من إشكال «3»، و سيأتي تفصيلها في البحث الآتي.

و بالجملة: لا يبعد ثبوت هذا العنوان بنفسه، أو بما يلازمه كما

______________________________

(1) الكافي 6: 258/ 4، وسائل الشيعة 24: 180، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 3.

(2) الكافي 6: 258/ 3، وسائل الشيعة 24: 181، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 12.

(3) الفقيه 3: 219/ 1011، وسائل الشيعة 24: 182، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 9.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 406

عرفت «1». و توهّم دلالة ذيل معتبر حريز علىٰ نجاستها مطلقاً، في غير محلّه كما يأتي.

و لكنّك تعلم: أنّ عنوان «النابت» لٰا يشمل مثل البول و العذرة و المنيّ، بخلاف عنوان «الشي ء المفصول» و «ما ليس فيه الروح» و هذا لا يضرّ بالمقصود بعد انصرافها منها، أو تخصيصها بأدلّتها، كما يخصّص بأدلّة نجاستها الكلب و الخنزير و الكافر و الميّت قبل الغسل و بعد البرد؛ إن لم نقل بقصور موضوعها عن شمول هذه الأُمور كلّها.

إن قلت: قوله (عليه السّلام): «لا يكون ميّتاً» معارض مع ما مرّ من إطلاق «الميتة» علىٰ

تلك الأجزاء «2».

قلت: نعم، و لكنّ التضاد و التمانع يرتفع بأنّ إطلاق «الميتة» حقيقة، و نفي الاسم مجاز بلحاظ نفي الحكم كما هو الشائع.

و أمّا المرحلة الثانية:

فقضيّة ما مرّ طهارة تلك الأجزاء؛ سواء جزّت، أو قلعت.

نعم، في صورة القلع ربّما يحتاج إلى الغسل لما لاقى الميتة برطوبة. و ربّما يمكن دعوى وجوب الغسل مع الاحتمال المزبور؛ قضاءً لحقّ بعض الأخبار الآتية، فتكون العلّة و الحكمة احتمال التلوّث «3».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 401 402.

(2) تقدّم في الصفحة 402.

(3) مشارق الشموس: 319/ السطر 3.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 407

و يظهر من الشيخ في «الخلاف» و «النهاية» بل و «المبسوط» اختصاص الطهارة بصورة الجزء «1». و يمكن حمل كلامه علىٰ أنّ في صورة القلع لا بدّ من الغسل، فلا يقول بنجاستها العينيّة، خلافاً لما يظهر من «خلافه» من أهل الخلاف القائلين بنجاستها العينيّة «2».

و لكنّه خلاف التحقيق، فالنسبة علىٰ كلّ تقدير غير واضحة، فلاحظ و تدبّر.

و أمّا توهم نصوصيّة عبارة «النهاية» في ذلك؛ لما قال: «و لا يحلّ شي ء منها إذا قلع منها» «3» فهو فاسد؛ لأنّ ذلك أعمّ من النجاسة، و لعلّه كان لا يرىٰ جواز الصلاة فيها كما لا يخفىٰ، و الأمر بعد ذلك سهل.

و هو (قدّس سرّه) وحيد في هذا الرأي و الإفتاء، و يشهد لما ذهب إليه بعض النصوص؛ مثل ما مرّ من معتبر حَريز، عنه (عليه السّلام) قال: «و إن أخذته منه بعد أن يموت، فاغسله و صلّ فيه» «4».

فإنّ المراد من «الأخذ» هو القلع حتّى يتمّ رأيه، و لو كان الأعمّ فيكون دليلًا علىٰ نجاستها.

و هو محجوج بما مرّ؛ ضرورة أنّ الأمر بالغسل بعد النصّ الثابت علىٰ طهارته لا يشهد على

النجاسة بالضرورة. مع أنّه مخالف له

______________________________

(1) الخلاف 1: 66، النهاية: 585، المبسوط 1: 15.

(2) الخلاف 1: 66.

(3) دروس في فقه الشيعة 2: 350.

(4) الكافي 6: 258/ 4، وسائل الشيعة 24: 180، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 3.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 408

و لغيره، و لم يذهب أحد إليه، فهذا الأمر تنزيهيّ؛ لما فيه بعد الموت من القذارة العرفيّة طبعاً، و لا حاجة إلىٰ حملها على الوجوب لنجاستها بالقلع، حتّى يتوسّل بارتكاز العرف علىٰ فهم تحقّق الملاقاة مع الرطوبة، كما صنعه الوالد المحقق- مدّ ظلّه «1».

فبالجملة: يتمّ الاستدلال بمثله؛ بناء علىٰ حمله على القلع، و حمل الهيئة على الوجوب، من غير اشتراط المباشرة برطوبة، فيكون الغسل واجباً.

و يمكن دعوى نجاسته العينيّة الزائلة بالغسل، كما تزول بالغسل في أموات المؤمنين.

و فيه ما لا يخفىٰ، مع أنّ قضيّة بعض الإطلاقات طهارة المنتوف، ففي الباب المزبور عن «قرب الإسناد» قال: «لا بأس بما ينتف من الطير و الدجاج ينتفع به ..» «2».

فروع
اشارة

يذكر فيها ما يتعلّق بتلك الأشياء المستثناة من الميتة خصوصاً:

الفرع الأوّل: في حكم الصوف

لا شبهة عندنا في طهارة الصوف، و هو قول أكثر أهل العلم إلّا

______________________________

(1) الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 101.

(2) قرب الإسناد: 136/ 480، وسائل الشيعة 24: 183، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 13.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 409

الشافعيّ في أحد قوليه، و هو مضطرب الرأي في هذه المسائل «1».

و يظهر من بعض الأخبار نجاسته، فعن «قرب الإسناد» في «جامع الأحاديث» قال: قال جابر بن عبد اللّٰه الأنصاريّ: «إنّ دباغة الصوف و الشعر غسله بالماء، و أيّ شي ء أطهر من الماء؟!» «2».

و عنه فيه، عن جعفر، عن أبيه (عليه السّلام): «أنّ عليّاً (عليه السّلام) قال: غسل صوف الميّت ذكاته» «3».

و لكنّه لا يقاوم الأخبار الأُخر، مع ما في دلالتها، و الطهارة مقتضى الجمع بينها.

الفرع الثاني: في حكم الشعر

و مثله الشعر قولًا و خلافاً، و استظهاراً من الرواية الأُولى المزبورة آنفاً.

الفرع الثالث: في حكم الوبر

و الوبر طاهر عند المسلمين بلا خلاف. نعم يظهر من تعليل الشافعيّ

______________________________

(1) المجموع 1: 236/ السطر 7.

(2) قرب الإسناد: 76/ 246، جامع أحاديث الشيعة 2: 124، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 16.

(3) قرب الإسناد: 153/ 560، جامع أحاديث الشيعة 2: 125، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 17.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 410

أنّ النابت نجس نجاسة «1».

و لعمري، إنّه أخذ من رواياتنا الدالّة علىٰ أنّ النابت طاهر عناداً و ظلماً، كمٰا هو دأبهم في فتاويهم علىٰ ما يظهر للمتتبّع في الآثار، و قد نصّ عليه «الكافي» في الرواية السابقة، عن الحسين بن زرارة في الباب المزبور، عنه (عليه السّلام) قال: «الشعر و الصوف و الوبر و الريش و كلّ نابت، لا يكون ميّتاً ..» «2».

و في الكتاب العزيز وَ مِنْ أَصْوٰافِهٰا وَ أَوْبٰارِهٰا وَ أَشْعٰارِهٰا أَثٰاثاً وَ مَتٰاعاً إِلىٰ حِينٍ «3».

و توهّم عدم دلالة الأُولىٰ على الطهارة، بل هو حكم حيثيّ لأجل التذكية، غير نافع كما عرفت مراراً.

الفرع الرابع: في حكم العظم

و العظم طاهر عند الكلّ إلّا الشافعيّ، فإنّه صرّح بنجاسته معلّلًا بنموّه «4».

و في المآثير في الباب المزبور رواية الحسين بن زرارة، و فيها

______________________________

(1) بداية المجتهد 1: 80.

(2) الكافي 6: 258/ ذيل الحديث 3، وسائل الشيعة 24: 181، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 12.

(3) النحل (16): 80.

(4) المجموع 1: 238/ السطر 4.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 411

التصريح بطهارة العظم؛ معلّلًا بأنّه من النابت «1»، و في بعضها الآخر ذكر عظام الفيل لما فيها الحاجة، فأُجيب: بعدم البأس به، و أنّه ذكيّ «2».

نعم، ربّما يستظهر من رواية «الكافي» في الباب المزبور، عن

إسماعيل بن مرار، عن يونس، عنهم (عليه السّلام) قالوا: «خمسة أشياء ذكيّة ممّا فيها منافع الخلق: الإنفحة، و البيضة، و الصوف، و الشعر، و الوبر» «3» أنّ العظم نجس؛ لعدم عدّه من الخمسة، و ظاهرها حصر الأشياء الطاهرة بها.

و أنت خبير بما في الدلالة، مع إمكان الجمع العرفيّ علىٰ إشكال، مع أنّها ضعيفة اصطلاحاً؛ لعدم توثيق إسماعيل «4» مع عدم مقاومتها لما يدلّ علىٰ ذكاة العظام.

اللهمّ إلّا أن يقال «5»: بدلالة الآية الكريمة مَنْ يُحْيِ الْعِظٰامَ .. «6» علىٰ حياتها، و منعها واضح.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 9: 78/ 332، وسائل الشيعة 24: 183، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 12.

(2) الفقيه 3: 216/ 1006، وسائل الشيعة 24: 182، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 10.

(3) الكافي 6: 257/ 2.

(4) تنقيح المقال 1: 144، معجم رجال الحديث 3: 183.

(5) المجموع 1: 238/ السطر 3، لاحظ جواهر الكلام 5: 322.

(6) يٰس (36): 78.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 412

الفرع الخامس: في حكم القرن و المنقار و الظفر و المخلب و الريش و الظلف و السنّ

القرن و المنقار و الظفر و المخلب و الريش و الظلف و السنّ، كلّها طاهرة عندنا «1»، و لا مخالف فيها إلّا الشافعيّ في بعضها نصّاً «2»، و في بعضها حسبما يعلّل به «3».

و في المآثير النصّ علىٰ طهارة القرن و السنّ و الناب و الحافر و الريش «4»، و ربّما يستظهر نجاستها؛ لما سمعت آنفاً، و الجواب الجواب.

الفرع السادس: في حكم البيض المأخوذ من الميتة
اشارة

البيض من مأكول اللّحم إذا كان ميتة، أو مطلق بيضة غير مأكول اللّحم، طاهر، أم نجس، أو يفصّل، فيه خلاف:

فقال العلّامة في «التذكرة»: «البيضة في الميتة طاهرة إن اكتست بالجلد الفوقانيّ، و إلّا فلا، و قال الشافعيّ: أنّها نجسة، و رواه الجمهور عن

______________________________

(1) مدارك الأحكام 2: 272، الحدائق الناضرة 5: 77، مستند الشيعة 1: 175.

(2) المجموع 1: 236/ السطر 7.

(3) تذكرة الفقهاء 1: 62، بداية المجتهد 1: 80.

(4) وسائل الشيعة 24: 180، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 3 و 9.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 413

عليّ (عليه السّلام) و المشيمة نجسة» «1» انتهىٰ.

و في «الفقه على المذاهب» قال: «إنّ المالكيّة قالوا بنجاسة جميع الخارج من الميتة.

و الحنفيّة قالوا بطهارة ما خرج منها و البيضة رقيقة القشر و غليظتها طاهرة؛ بعد كونها طاهرة حال الحياة.

و الحنابلة قالوا بنجاسة الخارج منها، إلّا البيضة إذا تصلّب قشرها سواء كانت من ميتة ما يؤكل لحمه، أو غيره، فإنّها طاهرة» «2» انتهىٰ.

و أمّا أصحابنا (قدّس سرّهم) فهم مختلفون حسب التعبير عن القيد المعتبر؛ من كون القشر صلباً، كما عن «كشف الالتباس» «3» و عرفت من «التذكرة» تعبيراً آخر، و عن بعض المتقدّمين و «النهاية» الجلد الغليظ «4»، و في آخر القشر الأعلى «5»،

و قد ادّعى الإجماع على الطهارة في هذه الصورة «6».

و قد نصّ الشهيد علىٰ عدم الفرق بين بيض المأكول و غيره «7»، و العلّامة في «المنتهىٰ» و «النهاية» قوّى نجاسة بيض الجلّال و مٰا لٰا

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 63.

(2) الفقه على المذاهب الأربعة 1: 11.

(3) لاحظ مفتاح الكرامة 1: 147/ السطر 16.

(4) لاحظ ذخيرة المعاد: 148/ السطر 13 14، نهاية الإحكام 1: 270.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)؛ ج 2، ص: 413

(5) البيان: 90، روض الجنان: 162/ السطر 24.

(6) مفتاح الكرامة 1: 147/ السطر 10.

(7) لاحظ مفتاح الكرامة 1: 147/ السطر 17.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 414

يؤكل «1»، انتهىٰ.

و الذي ينبغي أن يكون محلّاً للنظر أُمور:

أحدها: في طهارة البيضة واقعاً مع قطع النظر عن كونها في جوف شي ء

أنّ البيضة من الأعيان النجسة، أو الطاهرة، مع قطع النظر عن كونها في جوف شي ء.

الظاهر أنّها من الطاهرة؛ لعدم الدليل علىٰ عدّها من الأعيان النجسة بعنوانها الذاتيّ. و ربّما يستكشف ممّا سبق في أوّل مباحث النجاسات؛ أنّها محصورة بعدد خاصّ «2»، فيكون القول بطهارتها الواقعيّة قويّاً، فتأمّل.

ثانيها: في تبعية البيضة لما أُخذت منه في النجاسة

أنّها في الأعيان النجسة تكون تابعة أم لا.

حسب الفهم العرفيّ أنّها تابعة، فلو فرضنا دلالة دليل علىٰ نجاسة الجلال من الطير، أو نجاسة طير بعنوانه الذاتيّ، فلا يسأل عن الأجزاء الوجوديّة المتعلّقة به، و إلّا فكلّ جزء منه يمكن دعوى طهارته، من غير فرق بين الأجزاء المتّصلة و المنفصلة، و من غير الحاجة إلى الدليل

______________________________

(1) منتهى المطلب 1: 166/ السطر 8، نهاية الإحكام 1: 270.

(2) تقدّم في الصفحة 293.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 415

الخاصّ في إلحاق الأجزاء.

و هذا يعلم في جانب الطهارة، مثلًا إذا حكم الشرع بطهارة الدجاج، فلا يبقىٰ شكّ في طهارة البيضة منه؛ لأنّها من توابعه، كما في سائر المسائل و الموضوعات.

و لعمري، إنّ البيضة من الدجاج كالبيضة من الإنسان؛ في أنّها خارجة و منفصلة، و لكن لا يبقى شكّ في نجاستها إذا كان الميّت نجساً، فعليه فمقتضى القاعدة نجاستها العينيّة إذا كانت الميتة نجسة؛ لأنّها كسائر أجزائها، و إلّا فكثير من الأجزاء الداخلة في الباطن طاهرة؛ لأجل انفصالها عن البدن، فمجرّد الانفصال الوجوديّ غير كافٍ لتوهم الطهارة.

و ممّا يشهد لذلك ما في رواية أبي حمزة الثماليّ؛ من شهادة قتادة علىٰ أنّها من الميتة حسب الفهم العرفيّ، المرويّة في الباب التاسع من «جامع الأحاديث» «1».

ثالثها: في بيان شبهة علىٰ طهارة بيضة الميتة
اشارة

قضيّة الأخبار الكثيرة المشار إليها سابقاً؛ طهارة البيضة من الميتة «2»، و هو مورد الاتفاق، و لا مخالف منّا في طهارتها الذاتيّة. و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين كون الميتة ممّا كان يؤكل لحمه، أو لا؛ و هذا هو

______________________________

(1) جامع أحاديث الشيعة 2: 123، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9، الحديث 14.

(2) تقدّم في الصفحة 411 و 416 و 418.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى

الخميني)، ج 2، ص: 416

الأمر المفروغ عنه في كلماتهم.

و لكن للإشكال مجالًا واسعاً؛ و ذلك لأنّ تلك المآثير و الأخبار مخدوشة سنداً، أو سنداً و دلالة، أو دلالة فقط:

أمّا رواية ابن بكير «1» و صفوان بن يحيىٰ، فهي مرويّة عن الحسين بن زرارة «2»، و قد مرّ أنّه لم يوثّق «3»، و هي ثلاث روايات في الباب التاسع من النجاسات.

و أمّا رواية زرارة المرويّة في الباب المزبور، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الإنفحة تخرج من الجدي الميّت.

قال: «لا بأس به».

قلت: اللّبن يكون في ضرع الشاة و قد ماتت.

قال: «لا بأس به».

قلت: و الصوف و الشعر و العظام و عظام الفيل و الجلد و البيض يخرج من الدجاجة.

فقال: «كلّ هذا ذكيّ لا بأس به» «4».

______________________________

(1) الكافي 6: 258/ 3، وسائل الشيعة 24: 180، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 4.

(2) تهذيب الأحكام 9: 78/ 332، وسائل الشيعة 24: 183، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 12.

(3) تقدّم في الصفحة 405.

(4) الفقيه 3: 216/ 1006، وسائل الشيعة 24: 182، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 10.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 417

فهي و إن كانت معلّقة حسب الاصطلاح، و لكنّها لا يبعد اعتبارها، إلّا أنّ ظهورها في أنّ المقصود من «الدجاجة» هي الميتة منها غير مبرهن.

و توهّم: أنّ المراد من «الذكيّ» هو ذكاته حسب حلّية الأكل، فلا تدلّ على الطهارة، في محلّه، إلّا أنّ ذلك يستلزم ذاك كما مرّ مراراً.

و حمل هذه المآثير الواردة في مقام الأجوبة على الحكم الحيثيّ و الإضافيّ، غير صحيح أصلًا.

و مثلها دلالة رواية إسماعيل

بن مرار «1»، مع أنّه لم يوثّق «2».

و أمّا معتبر حمّاد، عن حريز، المرويّ في الباب المزبور «3»، فهو بحسب الدلالة مخدوش؛ لأنّ قوله في ذيله: «و إن أخذته منه بعد أن يموت، فاغسله و صلّ فيه» يورث ظهور الصدر في اختصاص السؤال بحال الحياة، و قضيّة الذيل هي طهارة ما يصلّى فيه متعارفاً، كالوبر و الصوف، فلا يدلّ علىٰ طهارة غير ذلك من الميتة، كما لا يخفى.

و أمّا مرسل «الفقيه» و مسند «الخصال» عن ابن أبي عمير مرفوعاً إلىٰ أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) «4» فهو بحسب السند محلّ الشبهة عند بعض، بل لا يخلو من غلق، فراجع.

______________________________

(1) الكافي 6: 257/ 2، وسائل الشيعة 24: 179، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 2.

(2) تقدّم في الصفحة 411.

(3) الكافي 6: 258/ 4، وسائل الشيعة 24: 180، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 3.

(4) الفقيه 3: 219/ 1011، الخصال: 434/ 19.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 418

و أمّا رواية غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في بيضة خرجت من است دجاجة ميتة.

فقال: «إن كانت البيضة اكتست الجلد الغليظ، فلا بأس بها» «1».

فهي و إن كانت بحسب السند مورد طعن «المدارك» «2» و «المعالم» «3» و لكنّها بحسب الدقّة معتبرة؛ لأنّ ابن إبراهيم و لو كان بتريّاً، و لكنّه موثّق، و المراد من محمّد بن يحيىٰ الراوي عنه هو الخزّاز ظاهراً، و لو كان هو الخثعميّ فهو أيضاً معتبر «4».

و لكنّ الإشكال في دلالتها؛ لأنّه لا يستفاد منها طهارتها الذاتيّة قبل الاكتساء؛ ضرورة أنّ احتمال كونها قبل الاكتساء تعدّ من أجزاء الميّت، و بعده

تعدّ مستقلّة و خارجة عن تحت العنوان المزبور، قويّ.

و أمّا رواية الثماليّ «5»، فهي و إن دلّت على الطهارة؛ لأجل أنّ تجويز الأكل يستلزم ذلك، و لكن في سندها محمّد بن عليّ المشترك بين جماعة «6»، و يشكل العثور علىٰ أنّه أيّ واحد منهم، فليتدبّر.

______________________________

(1) الكافي 6: 258/ 5، وسائل الشيعة 24: 181، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 6.

(2) مدارك الأحكام 2: 273.

(3) لاحظ الحدائق الناضرة 5: 91.

(4) رجال النجاشي: 359، هداية المحدّثين: 258، دروس في فقه الشيعة 2: 348.

(5) الكافي 6: 256/ 1، وسائل الشيعة 24: 179، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 1.

(6) هداية المحدّثين: 244.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 419

بقي شي ء: في الاستدلال على الطهارة بقوله (عليه السّلام): «إنّ الصوف ليس فيه روح» مثلًا

و هو أنّ الطهارة مقتضىٰ قوله (عليه السّلام) في ذيل معتبر الحلبيّ: «إنّ الصوف ليس فيه روح» «1» و مقتضى قوله (عليه السّلام): «كلّ ذلك نابت لا يكون ميّتاً» في ذيل رواية الحسين بن زرارة «2».

و فيه: أنّ النظر في ذلك إلىٰ أمثال الوبر و الصوف ممّا ليس فيه الروح، و لا يشمل حتّى مثل العظم؛ ممّا فيه الإحساس و الوجع إذا كان يقطع، فليتدبّر.

فالطهارة مستندة إلى الاتفاق المستند إلى المآثير المزبورة.

و لكن هذه المناوشات قبال الأُمور الواضحة، غير مسموعة؛ لما أنّا بنينا على العمل بمثل هذه الأخبار و إن كانت أسانيدها مشتملة علىٰ مثل ابن زرارة.

رابعها: حول اشتراط طهارة البيضة بالاكتساء بالقشر مثلًا

بعد البناء علىٰ طهارته الذاتيّة و جواز أكله، فهل يشترط الطهارة و جواز الأكل بشي ء آخر كالاكتساء، أم لا؟ فيه وجهان

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 368/ 1530، وسائل الشيعة 3: 513، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 68، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 9: 78/ 332، وسائل الشيعة 24: 183، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 12.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 420

قضيّة القواعد و إطلاقات الأدلّة عدم الاشتراط، و مقتضى معتبر غياث بن إبراهيم الماضي آنفاً هو الاشتراط، و هو مذهب الأكثر «1»، بل عليه دعوى الاتفاق «2».

و ربّما يشكل ذلك كما عن «المدارك» و «المعالم» «3» سنداً، فيكون الإطلاق ثابتاً.

و فيه ما أُشير إليه؛ و أنّهما كأنّما كانا يعتبران الزائد على الوثاقة في العمل بالرواية، و لعلّ هذا كان ميراث الأردبيليّ (قدّس سرّه) و قد وصل إليهما في الدرس لإلقاء شبهة منه عليهما.

و الذي هو الإشكال: أنّ تقييد المطلقات الكثيرة بقيد واحد مشكل، و يقوى في النظر أنّ اعتبار الاكتساء كان لأجل

عدم تلوّثه بالملاقاة مع الباطن، فيكون قيداً مندوباً، و إلّا فلو خرجت بلا اكتساء، ثمّ غسلت بالماء فلا يبعد طهارتها و جواز أكلها.

و ممّا يشكل عليه: أنّ الظاهر من رواية غياث أنّ جواز الأكل مشروط، و هذا لا يستلزم اشتراط الطهارة بالاكتساء رأساً.

و أنت خبير بما فيه وهناً من عدم دلالتها على الأكل جوازاً و منعاً، و مجرّد نقل الأصحاب في كتاب الأطعمة لا يورث ذلك، مع أنّ «جامع

______________________________

(1) دروس في فقه الشيعة 2: 347، مهذّب الأحكام 1: 310.

(2) الحدائق الناضرة 5: 91، جواهر الكلام 5: 322.

(3) مدارك الأحكام 2: 273، لاحظ الحدائق الناضرة 5: 91.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 421

الأحاديث» ذكرها في هذه المسألة «1» فقوله (عليه السّلام): «لا بأس بها» يشمل الحلّية و الطهارة.

نعم، تقييد تلك المطلقات بمفهوم الشرط مع إهماله لأنّه لا سبيل إلىٰ تعيين الإطلاق في ناحية المفهوم مشكل آخر في المسألة.

فعلى ما تقرّر، القول بطهارته و جواز أكله من غير لزوم الاكتساء قويّ جدّاً، و لا إجماع في المسألة إلّا و هو معلّل بتلك الرواية.

خامسها: في وجوب غسل البيضة

بعد البناء المزبور، فهل يجب غسلها إذا خرجت، أم لا؟ فيه وجهان:

من أنّها لاقت النجس.

و من أنّ الملاقاة في الباطن لا توجب النجاسة، خصوصاً إذا كان الملاقي و الملاقىٰ من الباطن.

نعم، إذا لاقىٰ ظاهر الميتة عند الخروج و كانت رطبة، فلا بدّ من الغسل.

سادسها: في وجه اشتراط طهارة البيض بكونه من مأكول اللحم

قد عرفت أنّ العلّامة بل المحكيّ عن «النهاية» اعتبر في طهارة

______________________________

(1) جامع أحاديث الشيعة 2: 120 126، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 9.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 422

البيض كونه من مأكول اللحم «1»، و المعروف عنهم أنّه بلا وجه «2».

و الذي أظنّه وجهاً: أنّ قاعدة تبعيّة الأجزاء تقتضي النجاسة، كما أُشير إليه «3»، و المخرج قاصر عن شمول بيض غير المأكول؛ لأنّ الأخبار المتكفّلة لحكم البيض بين ما يشكل سنداً و إن كان يتمّ إطلاقه «4»، و بين ما يتمّ سنداً، و لكن مخصوص بالمأكول «5»، فالإطلاق الذي ابتلي به المتأخّرون في التمسّك به لدفع شبهة العلّامة «6»، قابل الخدشة.

نعم، إذا قلنا: بأنّ الطهارة قضيّة القاعدة، فهي مندفعة بها كما لا يخفىٰ.

الفرع السابع: في حكم الإنفحة
اشارة

و قد اختلفت آراء الخاصّة و العامّة في طهارتها الذاتيّة و العرضيّة و نجاستها، فعن المالكيّة و الشافعيّة و الحنابلة نجاستها، و ظاهرهم العينيّة «7».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 413.

(2) جواهر الكلام 5: 324.

(3) تقدّم في الصفحة 401.

(4) تقدّم في الصفحة 415.

(5) تقدّم في الصفحة 416.

(6) دروس في فقه الشيعة 2: 349، مهذّب الأحكام 1: 310.

(7) منتهى المطلب 1: 165/ السطر 35، المغني، ابن قدامة 1: 61/ السطر 11، المجموع 2: 570/ السطر 6.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 423

و عن الحنفيّة طهارتها «1».

و عليها الإجماعات المحكيّة عن كتبهم المختلفة «2»، إلّا أنّ بعضاً منهم اعتبر وجوب الغسل؛ معلّلًا بنجاستها العرضيّة، و هم «الذكرى» و «كشف الالتباس» و «المدارك» «3» و هو مورد ميل «الروضة» و «الذخيرة» «4» و هو المحكيّ عن «نهاية العلّامة» لإيجابه ذلك في البيضة «5».

المراد من «الإنفحة» و أنّها المظروف

و حيث إنّ قضيّة الصناعة السابقة نجاستها؛ لأنّها من الميتة إن كانت كرشاً و في حكم المعدة بل و لو كانت هي الماء الأصفر الموجود فيه؛ لأنّ دليل طهارة ما لا تحلّه الحياة قاصر عن شمول مثله، بل تلك الأدلّة علىٰ تقدير تماميّتها، ناظرة إلىٰ ما ينبت من الحيوان، كالصوف و الوبر و الريش و الظفر و أمثالها، و لا تشمل مثل الدم رأساً حتّى يحتاج إلى التخصيص، فما في كتاب السيّد العلّامة الوالد- مدّ ظلّه من

______________________________

(1) نفس المصادر، المغني، ابن قدامة 1: 61/ السطر 12.

(2) مفتاح الكرامة 1: 155/ السطر 25، منتهى المطلب 1: 165/ السطر 35، مدارك الأحكام 2: 273.

(3) ذكرى الشيعة: 14/ السطر 3، لاحظ مفتاح الكرامة 1: 155/ السطر 29، مدارك الأحكام 2: 274.

(4) الروضة البهيّة 2: 277/ السطر 13،

ذخيرة المعاد: 148/ السطر الأوّل.

(5) مفتاح الكرامة 1: 155/ السطر 30، نهاية الإحكام 1: 270.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 424

الاستناد إلىٰ تلك الكلّيّة «1»، فهي عندنا غير مسلّمة كما عرفت فلا بدّ من النظر إلىٰ ما هو المراد من «الإنفحة» في الأخبار.

و غير خفيّ: أنّ مقتضى القواعد عندنا هي الطهارة عند الشكّ في المراد منها؛ لأنّ إجمال دليل المخصّص يسري إلى العامّ عندنا، فإذا ثبت أنّ الإنفحة هي الماء في الكرش و هو نفس المظروف فهو، و إلّا فإذا شكّ و اشتبه الأمر حسب المفهوم اللغويّ فيكون مجملًا.

نعم، بناء الأصحاب (رحمهم اللّٰه) على التمسّك بالعامّ، و ما ترى في كتب بعض الأفاضل من التعجّب من التمسّك بقاعدة الطهارة؛ لوجود الدليل الاجتهاديّ «2»، في غير محلّه؛ لأنّ المسألة من صغريات التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة الناشئة عن الشبهة المفهوميّة.

و لعمري، إنّ الخروج عن الاختلاف الكثير المتراءىٰ من اللغويّين و الفقهاء إلىٰ أمر معلوم و مفهوم واضح بيّن، في غاية الإشكال.

و لا يبعد كون الإنفحة حسب فهم الفقهاء نفس الظرف، كما عرفت في كلماتهم السابقة من اعتبارهم الغسل؛ للسراية و الملاقاة، و إلّا فالماء الأصفر الداخل في جوفه غير قابل للغسل؛ لاستلزامه سقوطه عن خاصّيته، فتأمّل.

و أمّا حسب الأخبار، فلٰا يبعد كونها المظروف، ففي خبر الحسين بن زرارة السابق قال: و سأله أبي عن الإنفحة تكون في بطن العِناق أو

______________________________

(1) الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 108.

(2) مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 309، دروس في فقه الشيعة 2: 358.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 425

الجدي و هو ميّت.

فقال: «لا بأس به» «1».

و في خبر يونس الماضي عنهم (عليهم السّلام) قالوا: «خمسة أشياء

ذكيّة ممّا فيها منافع الخلق: الإنفحة و البيضة ..» «2».

فإنّ ما هو مورد الانتفاع هو المظروف الذي يعبّر عنه في الفارسيّة ب (مايه پنير) دون الظرف، فإنّ له منفعة جزئيّة مشتركة فيها سائر الأجزاء.

و في رواية أبي حمزة الثماليّ المفصّلة قال قتادة: و ربّما جعلت فيه إنفحة الميّت.

قال: «ليس بها بأس؛ إنّ الإنفحة ليست لها عرق، و لا فيها دم، و لا لها عظم، إنّما تخرج من بين فرث و دم ..» «3».

فإنّه كالنصّ في أنّها المظروف، و إلّا فالظرف فيه العروق الصغار، و في كلّ عرق دم سائل، فهي كاللبن.

و لعمري، إنّ من تدبّر في الآثار حسب الاستعمال، و توجّه إلىٰ خصوصيّة الحكم الكلّي البالغ و هو أنّ ما هو المستثنىٰ من الميتة ما لا روح فيه و لا نفس له يتوجّه إلىٰ أنّ الإنفحة تكون منها، لا من الأجزاء

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 419.

(2) الكافي 6: 257/ 2، وسائل الشيعة 24: 179، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 2.

(3) الكافي 6: 256/ 1، وسائل الشيعة 24: 179، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 1.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 426

الباطنيّة كالأمعاء و المعدة. و يؤيّد ذلك كلام جمع من اللغويّين.

و من العجيب ما يظهر من «القاموس» و «محيط المحيط» و «الأقرب» «1» المتّفقة علىٰ عبارة واحدة من المناقضة، فإنّ ظاهرهم أنّ الإنفحة هي المظروف، و المظروف يصير ظرفاً إذا كان يأكل و خرج عن الرضاعة!! فهذا قول ثالث، و لكنّه مفيد لما نحن فيه كما لا يخفىٰ.

و قد حكي عن بعض الخبراء: «أنّها هي المادة المنجمدة في جوف الكرش صفراء يجبن بها» و

اختاره السيّدان الأصفهانيّ (رحمه اللّٰه) و الوالد المحقّق- مدّ ظلّه في «الوسيلة» و «تحريرها» «2».

و ممّا يؤيّد ذلك بل يدلّ عليه؛ المآثير المذكورة في الشبهة غير المحصورة، و قد ذكرها الوالد المتتبّع حفظه اللّٰه تعالىٰ هنا «3»، و من العجب خلوّ «جامع الأحاديث» منها!! و هي كثيرة تأتي من ذي قِبَل، فإنّها بكثرتها ظاهرة في أنّ الإنفحة هي المادّة، لا الظرف.

و لعمري، إنّ الشبهة مرتفعة بعد ذلك قطعاً. هذا كلّه حول الموضوع.

في طهارة الإنفحة

و أمّا حكم المسألة، فقد عرفت بما لا مزيد عليه من الأخبار ما يدلّ علىٰ طهارتها و جواز أكلها، و لكن هناك بعض ما يدلّ علىٰ نجاستها:

فمنها: ما رواه «الوسائل» في الباب الحادي و الستّين من أبواب

______________________________

(1) القاموس المحيط 1: 262، محيط المحيط: 906، أقرب الموارد 2: 1326.

(2) وسيلة النجاة 1: 104، تحرير الوسيلة 1: 115.

(3) الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 104.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 427

الأطعمة المباحة عن «المحاسن» بإسناده المعتبر عن بكر بن حبيب قال: سُئل أبو عبد اللّٰه عن الجبن، و أنّه توضع فيه الإنفحة من الميتة.

قال: «لا تصلح» ثمّ أرسل بدرهم فقال: «اشتر من رجل مسلم، و لا تسأله عن شي ء» «1».

و توهّم الحمل على التقيّة «2» بعد ما عرفت من رأي الحنفيّة بالطهارة «3»، في غير محلّه؛ لأنّ رأيه كان مشهوراً في عصره (عليه السّلام) و كان ينبغي أن يتّقىٰ منه، فما يدلّ على الطهارة أولىٰ بالحمل على التقيّة عند المعارضة.

و أمّا بكر بن حبيب، فهو و إن لم يوثّق في المتون الرجاليّة «4»، و لكنّه عندنا حسب التحقيق معتبر، و لا سيّما بعد انضمام رواية صفوان، عن منصور بن حازم، عنه، فهو

يورث الوثوق بأصل الرواية.

و أمّا ما أفاده الشيخ كما ذكرناه سابقاً من بكر بن محمّد بن حبيب، فهو غير بكر بن حبيب، فإنّ ذاك هو المازنيّ النحويّ المتوفّىٰ (248 ه) و لا يتمكّن من الرواية عن الباقر و الصادق (عليهما السّلام)، فلا تخلط.

و منها: ما رواه في الباب المزبور عن الكتاب المذكور، عن أبيه، عن محمّد بن سِنان، عن أبي الجارود قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الجبن،

______________________________

(1) المحاسن: 496/ 598، وسائل الشيعة 25: 118، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 61، الحديث 4.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 532/ السطر 27، الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 105.

(3) تقدّم في الصفحة 422.

(4) معجم رجال الحديث 3: 343.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 428

فقلت له: أخبرني من رأى أنّه يُجعل فيه الميتة.

فقال: «أ مِن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة، حرّم في جميع الأرضين؟! ..» «1».

و منها: غير ذلك ممّا ذكر في الباب المذكور «2».

و أمّا الإشكال عليها سنداً بمحمّد بن سِنان «3»، و أبي الجارود، و لا سيّما في خصوص رواية ابن سِنان عن أبي الجارود، ممّا نصّ ابن الغضائري علىٰ «أنّ حديثه في حديث أصحابنا أكثر منه في الزيديّة، و أصحابنا يكرهون ما رواه محمّد بن سِنان عنه، و يعتمدون ما رواه محمّد بن أبي بكر الأرجنيّ» «4» انتهىٰ.

فهو قابل للدفع؛ لما أنّ جمعاً من الأعلام اعتبروا أحاديثهما.

و لكنّ الكلام في عدول الإماميّة عنها، و ذهابهم إلىٰ طهارة الإنفحة.

و الجمع بينهما بحمل الطائفة الأُولىٰ على المظروف، و هذه على الظرف، أو الحمل علىٰ أنّ الاستدلال كان من الأخذ بما التزموا به، و إيجاد الشبهة إثباتاً علىٰ تقدير نجاستها ثبوتاً «5»،

من المحامل البعيدة عن أُفق

______________________________

(1) المحاسن: 495/ 597، وسائل الشيعة 25: 119، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 61، الحديث 5.

(2) المحاسن: 496/ 599، وسائل الشيعة 25: 119، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 61، الحديث 6.

(3) مهذّب الأحكام 1: 312.

(4) مجمع الرجال 3: 74.

(5) مصباح الفقيه، الطهارة: 532/ السطر 17.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 429

الاعتبار. بل هذا غير صحيح؛ لما عرفت من ذهاب أبي حنيفة إلى الطهارة «1».

أو الحمل علىٰ أنّ المقصود إطلاق لفظة «الميتة» عليه؛ لما أنّ قتادة قال: «إنّها من الميتة» «2» فإنّه أيضاً غير مقبول؛ لأنّه من أرباب الفتاوىٰ غير المعروفة، فلا يتّقىٰ منه، فلا تصل النوبة إلى المعارضة؛ لعدم حجيّة هذه الطائفة بعد الإعراض عن المضمون.

و لو سلّمنا المعارضة كما عليه جمع؛ حسب اقتضاء الصناعة ذلك فالترجيح مع طائفة الطهارة؛ لأكثريتها عدداً، و أشهريّتها رواية، و أظهريّتها دلالة، و أصحيّتها سنداً.

تذنيب: حول قضية الصناعة عند الشكّ في مفهوم «الإنفحة» و كون الظرف مورد الشكّ

قد عرفت قضيّة الصناعة عند الشكّ في مفهوم «الإنفحة» بعد البناء علىٰ أنّ المظروف يكون خارجاً، و الظرف مورد الشكّ، فإنّه يرجع إلىٰ إجمال عنوان المخصّص مع تردّد أمره بين الأقلّ و الأكثر، من غير فرق بين أن نقول: بأنّ المظروف طاهر ذاتاً و عرضاً، أو قلنا: بأنّه طاهر ذاتاً، و احتاج إلى الغسل لو كان الظرف خارجاً عن مفهوم «الإنفحة».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 424.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 532/ السطر 18.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 430

بقي بحث في مقتضى الصناعة عند الشك في مفهوم الإنفحة

حول الشكّ في أنّ الإنفحة مردّدة بين كونها نفس الظرف، و بين كونها نفس المظروف، أو هما معاً، و علىٰ تقدير كونها نفس المظروف بين كونها قابلةً للتطهير بالملاقاة، أو ليست قابلةً له؛ لأنّها مائع كاللّبن، و لا دليل على الاستثناء، فهل قضيّة القواعد الرجوع إلى الأدلّة الاجتهاديّة لرفع الشبهة، أو تصل النوبة إلى الأُصول العمليّة؟

لا شبهة في أنّ أصالة الإطلاق و العموم، تقضي بالنجاسة بالنسبة إلىٰ جميع الأجزاء، و التي هي الخارجة عنها ما لا تحلّها الحياة، و لا شبهة في أنّ مقتضىٰ ذلك الإطلاق و العموم، منجّسيّة الميتة لكلّ ما لاقاها؛ سواء كانت الملاقاة في الباطن، أو الظاهر، و لا شبهة في أنّا نعلم إجمالًا بخروج الظرف، أو المظروف، أو هما معاً من أحد الإطلاقين و العمومين؛ لأنّه يعلم إجمالًا إمّا بطهارة الظرف، و هو ممّا تحلّه الحياة، أو نجاسته و طهارة المظروف، فتكون الملاقاة غير منجّسة؛ لأنّ الالتزام بالطهارة مع النجاسة، خلاف ظاهر الأدلّة إذا كانت جامدة، أو يلزم اللغويّة إذا كانت مائعة.

و أمّا إذا كانت الإنفحة هما معاً، كما استند إلى «العروة الوثقى» اختياره «1»، فالخروج الأوّل يستلزم عدم ورود التخصيص و

التقييد علىٰ

______________________________

(1) دروس في فقه الشيعة 2: 365، لاحظ العروة الوثقىٰ 1: 58، فصل في النجاسات، الرابع.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 431

دليل منجّسيّة الملاقاة؛ لأنّه لاقى الطاهر و هو الظرف، فلا يصير نجساً بها، فعلى هذا لا يمكن دعوى: أنّ الاولىٰ هو الالتزام بتقييد الإطلاق الأوّل أو الثاني.

و من الممكن دعوى تقييد أدلّة حرمة أكل النجس، فيكون المظروف أو الظرف باقياً علىٰ حالهما، و لكن يستثنىٰ من تلك الأدلّة، أو يقال بالعفو، فلا يعلم إجمالًا بالتقييد أو التخصيص في الطائفتين المزبورتين.

و توهّم: أنّ العلم الإجماليّ ينحلّ إلى العلم التفصيليّ و الشكّ البدويّ، في غير محلّه؛ لما عرفت: من أنّ كل واحد من الظرف و المظروف، يمكن أن يكون هو القدر المتيقّن.

نعم، بناءً على الالتزام بطهارة المظروف علىٰ جميع التقادير ينحلّ، و لكنّه قد عرفت حكمه فيما سبق، و هذا واضح.

و بالجملة: في المسألة (إن قلت قلتات) و لكن بعد ما عرفت منّا حقيقة الأمر في المقام من اتضاح معنى الإنفحة لا تصل النوبة إلىٰ بسط الكلام حول هذه التوهّمات غير المنتهية إلىٰ معنى مسلّم عند العقلاء، فليتدبّر جيّداً.

تنبيه: حول حكم الإنفحة الجامدة و السائلة

بناءً علىٰ ما هو المختار؛ من أنّ الإنفحة هي المظروف، فإن خرج مائعاً، و كان بالطبع و نوعاً مائعاً، فلا شبهة في جواز استعمالها حتّى حال

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 432

الجمود من غير الحاجة إلى التغسيل؛ لإطلاق أدلّتها، و تقدّمها علىٰ دليل حرمة أكل النجس، أو علىٰ دليل منجّسية الأنجاس.

و أمّا استفادة طهارته على الإطلاق؛ حتّى يترتّب عليه جميع أحكامها، فهو موقوف علىٰ دعوى: أنّ العرف ينتقل منها إليها، و إلّا فمن الممكن دعوى: أنّه معفوّ عنه؛ لما فيه

المنافع الكثيرة، كما عرفت من المآثير «1».

و هكذا استفادة طهارة الظرف باطنه و ظاهره، أو خصوص ظاهره، فإنّه بعد سكوت الأدلّة مشكل؛ لعدم الملازمة بين طهارة المظروف و الظرف بعد إمكان تخصيص دليل منجّسية النجس، خصوصاً فيما إذا كانت الملاقاة في الباطن مع الباطن، فإنّه حينئذٍ يمكن إنكار أصل نجاسة المائع، و لكنّه لا ينتهي إلىٰ طهارة الظرف.

و لو خرج مائعاً، و لكن كانت مصاديق الإنفحة بين الحالتين نوعاً، و لا غلبة لإحداهما على الأُخرىٰ، فلا يبعد دعوى: أنّه مثل ما مضى في الحكم.

نعم، لو كانت مصاديقها نوعاً جامدةً، فإن قلنا بلزوم غسلها، فلا بدّ من الاجتناب عنها إذا كانت مائعة؛ لعدم ثبوت العفو عنها بعد القول بنجاستها حسب الأدلّة.

نعم، على القول بعدم حاجة الجامد منها إلى الغسل؛ لأنّه يستلزم سقوطها عن الخاصّيّة المنتظرة منها، أو لأنّ إطلاق أدلّتها يؤدّي إلىٰ ذلك كما لا يبعد، فلا يجب إراقتها كما لا يخفىٰ.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 418 و 425.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 433

مسألة: في حكم إنفحة ما لا يؤكل لحمه

إنفحة غير المأكول، أو إنفحة المأكول ذاتاً و غير المأكول عرضاً كالجلّال، أو إنفحة المأكول غير المتعارف، كالحمار و الفرس، أو إنفحة غير المتعارف في الاستفادة، كإنفحة البقر و الإبل، طاهرة كإنفحة الجدي و الحمل، أم هي نجسة؛ بناءً علىٰ كونها مع قطع النظر عن هذه الأخبار الواردة في خصوصها نجسة.

فالكلام هنا حول ما إذا كانت الإنفحة مع قطع النظر عن هذه الأخبار، نجسة ذاتاً أو عرضاً، و إلّا فلو كانت هي طاهرة فلا حاجة إلىٰ إدراجها تحت مفادها.

إذا عرفت ذلك فربّما يقال: بأنّ بعد فرض كون الإنفحة من الميتة حسبما عرفت منّا «1»، و الميتة من النجاسات العينيّة، فالاستثناء

منها يقتضي طهارتها، من غير النظر إلىٰ أنّ هذه الميتة قبل الموت كانت مأكولة اللحم، أو غير مأكولة اللحم؛ لاشتراك ميتة الكلّ في النجاسة و هي المستثناة من الميتة، لا من الحيوان الكذائيّ الطاهر العين حتّى يختلف بين أنواع الحيوان «2».

و أمّا اشتمال بعض الأخبار علىٰ أنّها ممّا يكثر انتفاع الخلق منها «3»،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 423.

(2) مصباح الفقيه، الطهارة: 532/ السطر 28.

(3) الكافي 6: 257/ 2، وسائل الشيعة 24: 179، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 2.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 434

و هذا يختصّ بطائفة دون طائفة، فهو لا يورث تفصيلًا في المسألة؛ لأنّ ذلك ممّا يعدّ حِكْمة في الحكم، و إلّا يلزم القول بنجاسة الإنفحة ممّا لا يؤكل عادة كالحمار، و بطهارة ما يجعل في الجبن ممّا لا يؤكل مطلقاً؛ لأنّ الميزان هو المتعارف في الانتفاع من الإنفحة، لا من حيوانها كما لا يخفىٰ.

فالقول بأنّ الإنفحة من الكلّ في حدّ واحد، قويّ جدّاً، و ما ترى في كتب الأصحاب من الاغتشاش، ناشئ من الغفلة عن حقيقة الحال.

هذا، و حيث عرفت: أنّ الإنفحة هي المظروف «1»، و عرفت الإشكال في شمول دليل طهارة مٰا لٰا تحلّه الحياة لمثله «2»، فيشكل طهارتها الذاتيّة؛ لأنّها من الميتة عرفاً، و ملحقة بها حكماً، فلولا ما ذكرناه يكون القول بنجاستها الذاتيّة قويّاً جدّاً.

و أمّا توهّم عدم صدق «الإنفحة» علىٰ غير المأكول لحمه، مستدلّاً بالرواية كما في «المصباح» «3» فهو مضافاً إلىٰ ضعف الاستدلال يورث الحصر بمورده.

الفرع الثامن: في حكم اللّبن في ضرع الميتة
اشارة

كان إلىٰ زمان ابن إدريس مشهوراً بين الأصحاب- رضي اللّٰه عنهم

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 424 425.

(2) تقدّم في الصفحة 423.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 532/

السطر 29.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 435

و عن «الغنية» و «الخلاف» دعوى الإجماع عليه «1»، و هو المعروف عند المتأخّرين كما في «المسالك» «2» و ما رأيت حكاية النجاسة عن أحد من القدماء إلّا «المراسم» «3».

و مع ذلك قال ابن إدريس: «إنّه نجس بغير خلاف عن المحصّلين من أصحابنا» «4» و لعلّه ناظر إلىٰ نفي التحصيل عن القائلين بالطهارة.

و قال «المنتهىٰ» و «جامع المقاصد»: «إنّه المشهور» «5» و عن الأخير «أنّه الموافق لأُصول المذهب» «6».

و الذي هو الظاهر: أنّ كلّ أحد إذا كان يؤدّي نظره إلىٰ طرف، نسبه إلى الشهرة و الأكثر، أو ادّعى الاتفاق و الإجماع، و هذا ممّا يظهر بعد المراجعة إلىٰ «مفتاح الكرامة» «7» و المتون الأُخر في الأطعمة و الأشربة.

و علىٰ هذا، ففي المسألة قولان: الطهارة، و لعلّه كان عند القدماء «8»

______________________________

(1) مفتاح الكرامة 1: 154/ السطر 27، الغنية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 557/ السطر 7، الخلاف 1: 519.

(2) مسالك الأفهام 2: 194/ السطر 43.

(3) لاحظ المهذّب البارع 4: 214، المراسم: 211.

(4) السرائر 3: 112.

(5) منتهى المطلب 1: 165/ السطر 21، جامع المقاصد 1: 167.

(6) مفتاح الكرامة 1: 154/ السطر 19، جامع المقاصد 1: 167.

(7) انظر مفتاح الكرامة 1: 154 155.

(8) الهداية، ضمن الجوامع الفقهيّة: 62/ السطر 28، المقنعة: 583، النهاية: 585، الخلاف 1: 519، الوسيلة: 361 362، المهذّب 2: 441.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 436

و المتأخّرين «1» أشهر، بل المشهور، و النجاسة و هو عند المتوسّطين من عصر ابن إدريس إلى العلّامة «2»، و من بعده إلىٰ عصر «المسالك» و الأردبيليّ «3»، و الأخير كأنّه مردّد في المسألة «4» و إن مال إلى الطهارة، فالمتّبع

بعد ذلك هو الدليل، و لا سيّما بعد عدم تعرّض بعض من القدماء، كالسيّد في «الناصريّات» و «الانتصار» و اتباعه «5».

و يظهر التفصيل بين لبن الجارية الميّتة و غيرها، فيقال بطهارته منها «6». و ربّما يستظهر من الصدوق العكس «7»، فيكون هو من النجاسات إذا كان عن جارية، و من الطاهرات إذا كان عن شاة مثلًا، و هو المحكيّ عن الإسكافيّ «8»، و اللّٰه العالم.

ثمّ إنّ أبناء العامّة قد اختلفت آراؤهم حسب الكتب، فيظهر من «منتهى العلّامة» أنّ النجاسة قول مالك، و الشافعيّ، و أحمد في رواية، و الطهارة قول أبي حنيفة، و داود، و أحمد في رواية أُخرى ضعيفة «9».

______________________________

(1) مسالك الأفهام 2: 194/ السطر 42، مدارك الأحكام 2: 274، كفاية الأحكام: 11/ السطر الأخير، ذخيرة المعاد: 148/ السطر 17.

(2) شرائع الإسلام 3: 175، منتهى المطلب 1: 165/ السطر 21.

(3) المهذّب البارع 4: 213، جامع المقاصد 1: 167.

(4) مجمع الفائدة و البرهان 1: 305.

(5) جواهر الكلام 5: 331.

(6) مفتاح الكرامة 1: 155/ السطر 5.

(7) مفتاح الكرامة 1: 155/ السطر 8، المقنع: 15.

(8) مختلف الشيعة: 56/ السطر 36.

(9) منتهى المطلب 1: 165/ السطر 22.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 437

و يظهر من «الفقه على المذاهب» أنّ النجاسة قول الكلّ إلّا الحنفيّة «1»، و هذا هو الظاهر من الشيخ «2»، إلّا أنّه قال في مقام حمل رواية وهب بن وهب «3» على التقيّة: «بأنّها موافقة لمذاهب العامّة؛ لأنّهم يحرّمون كلّ شي ء من الميتة، و لا يجيزون استعمالها علىٰ حال» «4» انتهىٰ، و هذا ينافي ما سبق بعمومه، و الأمر سهل.

بيان مقتضى القواعد في لبن الجارية

أقول: ربّما يشكل الطهارة؛ لأنّ مقتضى القواعد هي النجاسة، لعدم الفرق علىٰ ما مرّ

بين الملاقاة مع الباطن في الباطن، أو مع الظاهر، بعد قيام الدليل علىٰ منجّسية النجس في الجملة عرضاً؛ و إن اختلفت آراؤهم طولًا.

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ دليل «ما لا تحلّه الحياة لا ينجس» يشمل اللّبن، و فراراً من اللغويّة لا بدّ من القول بالطهارة. بل يمكن استكشاف طهارة الضرع باطنه و ظاهره «5».

و فيه: أنّ لغويّة إطلاق الدليل ممّا لا يجب الفرار منها، و ما هو يفرّ

______________________________

(1) الفقه على المذاهب الأربعة 1: 11.

(2) الخلاف 1: 519.

(3) تهذيب الأحكام 9: 76/ 325، وسائل الشيعة 24: 183، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 11.

(4) تهذيب الأحكام 9: 77، ذيل الحديث 325.

(5) دروس في فقه الشيعة 2: 361.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 438

منه لغويّة ذات الدليل و تمام المدلول، فعند ذلك تقع المعارضة بين إطلاق ما دلّ علىٰ طهارة ما لا تحلّه الحياة، و إطلاق دليل نجاسة الميتة و هو منها، و إطلاق دليل منجّسيّة النجس.

و توهّم عدم شمول الدليل الثاني لما نحن فيه، مدفوع بما عرفت.

و توهّم اختصاص منجّسيّة النجس بما إذا كانت الملاقاة بعد النجاسة، و بعبارة اخرىٰ: المعتبر هو الملاقاة بمعناها المصدريّ، و هي هنا غير متحقّقة، غير مرضيّ.

نعم قضيّة ما سلف «1»؛ أنّ أدلّة طهارة ما لا تحلّه الحياة، تقصر عن شمول المائعات، كالأعراق و اللّبن و الدّم، و تختصّ بالنابتات في البدن، كالشعر و الصوف و الظفر، و أمثالها ممّا عدّ في كثير من المآثير، و في ذيلها العمومات الواردة المقتضية لطهارة ما لا تحلّه الحياة «2»، فراجع و تأمّل حتّى يظهر لك ما خطر بالبال، فعليه تبقىٰ قاعدة نجاسة اللّبن ذاتيّةً و عرضيّةً

باقيةً علىٰ حالها.

هذا، و لو فرضنا المعارضة بين قاعدة طهارة ما لا تحلّه الحياة، و قاعدة نجاسة المائع بملاقاة النجس، فهي بالعموم من وجه، و لا ترجيح، إلّا أنّ الدليل الأوّل لمكان تعرّضه لطهارته الذاتيّة لا يقاوم الثاني، و الثاني يقدّم عليه.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 423.

(2) وسائل الشيعة 24: 179، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 439

و بعبارة اخرىٰ: لا معارضة بعد ذلك؛ لعدم المنافاة بين الطهارة الذاتيّة و نجاسته العرضيّة، و لا يلزم عند ذلك الالتزام بطهارته فراراً من اللغويّة؛ لما عرفت.

نعم، لو سلّمنا ذلك فتصل النوبة إلىٰ قاعدة الطهارة، بل و استصحابها.

اللهمّ إلّا ترجّح إحداهما على الأُخرىٰ بالمرجّحات، و الترجيح مع قاعدة منجّسية النجس؛ لأنّها أقوى، و قد عدّت من أُصول المذهب «1». مع أنّ استقذار العقلاء و العرف من أسباب رجوعهم إلىٰ نجاستها؛ و الأخذ بما يدلّ عليها، و طرح الآخر.

هذا كلّه حول قضيّة القواعد في اللبن.

مقتضى المآثير الواردة في لبن الميتة

و ربّما يشكل طهارته بعد هذا؛ لأجل الشبهة فيما يدلّ عليها سنداً و دلالة، كما عرفت في الإنفحة «2»، و هو هنا أقوى، و قد تعرّض لها الوالد المحقّق- مدّ ظلّه و لقد أجاد فيما أفاد «3»، و بمثل ذلك يفوق الآخرين.

فبالجملة نقول: روايات اللّبن بين ما تضعف سنداً، كرواية الحسين بن زرارة «4»، مع أنّها في نسخة «الكافي» خالية من كلمة «اللّبن» و هذا هو

______________________________

(1) جامع المقاصد 1: 167.

(2) تقدّم في الصفحة 428 429.

(3) الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 112 114.

(4) على ما في وسائل الشيعة 24: 180، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 4، انظر الكافي 6:

258/ 3.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 440

المهمّ هنا، و إلّا فالحسين بن زرارة عندنا معتبر كما عرفت «1».

و في حكمها ما رواه «التهذيب» و «الاستبصار» و «الفقيه» عن الحسن بن محبوب «2»، و أنت خبير بأنّه بلا واسطة غير ممكن، و ثبوت كتابه عندهما علىٰ وجه معتبر غير معلوم، فعدّ رواية زرارة صحيحة كما صنعه الأعلام كلّهم «3»؛ حتّى الوالد مدّ ظلّه «4» محلّ المناقشة؛ لما أُشير إليه.

و بين ما هو ضعيف دلالة، و هو معتبر حَريز «5»، و لكنّه مخصوص بمقتضىٰ ذيله بحكم اللّبن حال الحياة، فراجع و لا نكرّرها.

و أمّا مرسل الصدوق في «الفقيه» «6» فهو و إن كان من المعتبر عند بعض «7» خلافاً لنا، و لكنّه مخدوش لخصوصية في المقام؛ و هي أنّ الصدوق صرّح بأنّه مسند في «الخصال» «8» و سنده في «الخصال»

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 405.

(2) تهذيب الأحكام 9: 76/ 324، الإستبصار 4: 89/ 339، الفقيه 3: 216/ 1006.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 533/ السطر 13، مستمسك العروة الوثقىٰ 1: 310، مهذّب الأحكام 1: 313.

(4) الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 111.

(5) الكافي 6: 258/ 4، وسائل الشيعة 24: 180، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 3.

(6) الفقيه 3: 219/ 1011.

(7) لاحظ مستدرك الوسائل (الخاتمة) 3: 547/ السطر 9، الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 114.

(8) الفقيه 3: 219، ذيل الحديث 1011.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 441

مغشوش، فعليه يشكل الاعتماد عليه «1» فليراجع، فما يدلّ على الطهارة غير متين.

و لا حاجة إلىٰ إثبات نجاسته بمثل رواية وهب بن وهب «2»، حتّى يقال: «هو أكذب البريّة» «3» مع أنّه يقصر

دلالة عن النجاسة؛ لأنّ الحرمة أعمّ منها، فاللبن محرّم و لا يكون نجساً. مع أنّ من المحتمل رجوع كلمة «ذاك» فيها إلى الشاة؛ أي أنّ الشاة حرام محضاً، لا غيرها من اللبن و غيره.

و لا بمثل رواية الفتح بن يزيد، عن أبي الحسن (عليه السّلام) المرويّة في أبواب الأطعمة المحرّمة «4»، حتّى يقال بالإشكال في سندها و دلالتها «5»، بل المعروف أنّ إسنادها مدخول.

و لا بمثل خبر يونس «6» حتّى يقال بضعف سنده و دلالته «7»؛ لأنّ الحصر بالخمسة لا يستفاد منه، بل المستفاد منه هو أنّ الخمسة التي فيها

______________________________

(1) الخصال: 434/ 19.

(2) تهذيب الأحكام 9: 76/ 325، وسائل الشيعة 24: 183، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 11.

(3) رجال الكشي: 309/ 558.

(4) الكافي 6: 258/ 6، وسائل الشيعة 24: 181، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 7.

(5) دروس في فقه الشيعة 2: 362.

(6) الكافي 6: 257/ 2، وسائل الشيعة 24: 179، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة، الباب 33، الحديث 2.

(7) الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 102 و 115.

كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، ج 2، ص: 442

منافع الناس كذا و كذا، و ليس لبن الميّتة منها؛ ضرورة أنّ الطباع تتنفّر منه طبعاً. و ربّما يؤيّد النجاسة هذا الأمر الارتكازيّ؛ و أنّ الالتزام بالطهارة الشرعيّة لأجل سائر الاحكام في غاية الندرة، فالقول بطهارته مشكل جدّاً؛ لإباء النفوس عنه، و انزجار الطباع من مثله. و أمثال هذا لا يثبت طهارته مع الخلاف الجليّ الذي عرفت «1».

هذا، و ما يدلّ على الطهارة موافق للتقيّة؛ لأنّ الرأي العامّ في عصر الصادق (عليه السّلام) و في بلاط الخلفاء،

رأي أبي حنيفة، و هو يقول بالطهارة «2»، و ما تدلّ عليها في أخبارنا كلّها عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و قد عاصره أبو حنيفة، فما ترى من حمل أخبار النجاسة على التقيّة «3»، غير صحيح حسب التأريخ، فلا تخلط.

بل النجاسة مقتضى الكتاب؛ لما عرفت «4»: من أنّ الأجزاء داخلة في حكم الميتة؛ بناءً علىٰ أعمّية الحرمة من النجاسة، لاستناد الحرمة إلى الذات، فلا بدّ من ممنوعيّة الذات بجميع آثارها البارزة و الظاهرة، فلا تكن من الغافلين.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 435 436.

(2) الفقه على المذاهب الأربعة 1: 11.

(3) تهذيب الأحكام 9: 77، جواهر الكلام 5: 329، مهذّب الأحكام 1: 313.

(4) تقدّم في الصفحة 401.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، كتاب الطهارة (للسيد مصطفى الخميني)، 2 جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.